|
مصر ... وسوريا الجديدة .
أحمد فاروق عباس
الحوار المتمدن-العدد: 8211 - 2025 / 1 / 3 - 02:51
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
سألني صديق ... لقد كنت ممن انتقدوا الوضع الجديد في سوريا بحدة ، وقلت فيه ما قاله مالك في الخمر ... ما رأيك الآن في اتصال وزير الخارجية المصري بمن يطلق عليه وزير الخارجية في الحكومة التي عينها الجولاني ... الا تعترف الآن انك كنت مخطئا ... او علي الاقل كنت متسرعا في حكمك ؟!
وكان ردي علي الصديق الكريم كالأتي :
انني لست متحدثا باسم الحكومة المصرية ، انا مواطن مصري عادي ، لي رأيي في شئون بلدي ، واحيانا كثيرة ما يختلف عن الرأي الرسمي للدولة المصرية ، انني لست ملزما الا بما اعتقده وليس برأي احد ، وما اعتقده في موضوع معين احاول ان ابنيه علي اسس احاول بقدر طاقتي كبشر عادي ان اجعله رأيا موضوعيا ، له اسباب وتسنده حجج ، حتي لو اختلف معي فيه كثيرون .. وهو ما اراه شيئا طبيعيا ، بل ومطلوبا ... فالعصمة ــ كما تقول فيروز ــ لا تكون الا لنبي ...
اولا.. انني غير مقتنع باتصال وزير الخارجية المصري بسلطة الامر الواقع في سوريا ، وكنت افضل ان تنتظر مصر الرسمية حتي تأتي حكومة سورية منتخبة يختارها الشعب السوري ... ولا اعتقد انني كنت مخطئا ... لقد بنيت موقفي علي أسس موضوعية ، وليس علي دلائل واهية او علي اساس العاطفة او الاختلاف السياسي مع القائمين بالحكم في سوريا اليوم ، الذين اخذوا الحكم عنوة وبدون تفويض من الشعب السوري ...
انني برغم عدم اقتناعي ــ بل وحزني ــ للاتصال المصري بسلطة الامر الواقع في سوريا الا انني توقعت ذلك الاتصال ، ومن حسن الحظ ان الامر جاء علي هيئة اتصال تليفوني فقط ، وليس كما حدث من هرولة لبعض الدول تجاه دمشق ...
لقد اذاعت القنوات والمنصات الاخوانية من يومين ان وزير الخارجية المصري سيزور دمشق قريبا ، ولكن نفيا فوريا صدر من القاهرة ان ذلك غير صحيح ...
وبرغم عدم اقتناعي بهذا الاتصال الا ان رأي الفرد مثلي ومثل غيري لا قيود عليه ، فالشعوب تقول رأيها بحرية ، بعكس تصرف الدول التي يحكم حركتها ضرورات معينة ومسئوليات تحملتها نيابة عن شعوبها ... وهو ما يفرض عليها سياسات واجراءت تاخذ في اعتبارها متغيرات كثيرة ، وذلك بخلاف رأي فرد لا قيود علي كلامه ، أو رأي كاتب لا قيود علي قلمه ...
وهو شئ طبيعي ويمكن تفهمه ... اي هو الفارق بين موقف دولة لها ضروراتها ومسئولياتها الان وفي المستقبل ، وبين رأي شخص عادي ، هو حر وطليق من هذه المسئوليات والضرورات ... واعتقد أن وجهة النظر الرسمية المصرية حكمتها الخطوط العريضة التالية ...
١ ــ ان سوريا بالنسبة لمصر ليست دولة عادية يمكنها ببساطة ان تتجاهل او تترفع عن الاهتمام بما يجري فيها ، فكل عقول مصر الإستراتيجية ، سواء في الجامعة او الصحافة او في جهاز الدولة او في القوات المسلحة استقرت علي ان بلادالشام عموما وسوريا خصوصا هي خط الدفاع الأول ــ شديد الاهمية ــ لأمن مصر واستقراها وحياتها ... منذ معركة قادش بين قدماء المصريين والحيثيين في الازمنة القديمة ، والتي جرت علي ارض سوريا ، او في معارك التاريخ الكبري التي حددت مصير مصر ومصير الشرق كله .... كمعركة عين جالوت التي انتصر فيها المصريون وأوقفوا تقدم قوات التتار الي بلادهم ، او موقعة مرج دابق التي انهزم المصريون فيها ، واصبح الطريق الي مصر مفتوحا امام الاحتلال التركي ، الذي استمر لأكثر من ثلاثة قرون ... اي ان اغلب المعارك والصراعات التي حددت مصير مصر كانت تكتب كلمتها في بلاد الشام ... وسوريا علي وجه الخصوص ، وبالتالي فمصر ليست في ترف البعد عن سوريا او تجاهل ما يحدث فيها ، مهما كان ما يجري فيها في لحظة معينة ليس علي هوي المصريين او ليس في مصلحتهم ....
٢ ــ ان احد تعريفات السياسة أنها هي فن الحياة مع أولئك الذين لا نحبهم ، قبل أن تكون فن خوض الحرب ضد من نكرههم ....
ومن هذا المنطلق فتطورات البيئة السياسية الاقليمية والعالمية تفرض علي الدول التعامل مع من لا تحب .. واستطيع ان اقول ان علاقة مصر بإسرائيل تقع تحت هذا العنوان ، بل ان علاقة مصر بتركيا ــ الي حد ما ــ تقع ايضا تحت هذا البند ، واكيدا فإن علاقة مصر مع القادمون الجدد الي السلطة في دمشق تقع ضمن هذا الاطار ....
ان ما يجري في سوريا اليوم من وصول جماعات مسلحة تقف وراءها دول الغرب الكبري ــ والتي تركت لتركيا الرعاية المباشرة واليومية لها ــ يفرض علي مصر ان ترهف السمع ، وان تفتح العين ، وان تراقب بيقظة ، وان تستعد لكل الاحتمالات ، ومن هنا فاستطلاع نوايا حكام سوريا الجدد لا ضرر منه .. علي الاقل من باب التحوط للأسوأ ....
٣ ــ ان اتصال مصر بسلطة الامر الواقع في سوريا ليس معناه الاعتراف القانوني بها ، ولكن هو كما قلت ان هناك مجموعة وصلت الي السلطة في ظروف ملتبسة ، وفي دولة شديدة الاهمية ، وهو ما يفرض درجة من الاقتراب للفهم والتحوط وكشف النوايا ليس أكثر ، اما عقد علاقات طويلة المدي فيأتي بعد وصول سلطة شرعية الي الحكم في دمشق ، وهي لن تأتي الا باختيار الشعب السوري في انتخابات يقول فيها كلمته ...
٤ ــ نصل الي نقطة شديدة الاهمية ... ماذا الذي يقلق مصر والمصريين مما يحدث في سوريا ؟! استطيع كمواطن عادي ان اقول ان ما يقلق مصر والمصريين مما حدث ويحدث في سوريا يتركز في نقطتين :
أ ــ ان وصول مجموعات ارهابية مسلحة الي السلطة في سوريا وضع سابقة تحدث للمرة الاولي في تاريخ الشرق الاوسط والمنطقة العربية ، وهؤلاء الارهابيون ــ تنظيما وافراد ــ لسنا نحن من وصفناهم بهذا الوصف ، بل ان منظمات دولية ذات شأن كالأمم المتحدة مثلا هي من وضعتهم تحت لائحة الارهاب ..
والاخطر من ذلك الف مرة ان ما حدث في سوريا يعطي مشىروعية لأى تنظيم تقيمه دولة خارجية ــ بعد ان تنفق عليه الأموال وتمده بالسلاح وتوفر له الدعم الاعلامي ــ أن تصل به الي السلطة عنوة وبالقوة الجبرية المسلحة !!
وهو نمط جديد ــ وغير مشروع ــ في تولي السلطة لم تعرفه المنطقة العربية أو غيرها منذ نشأة وتكوين دولها الحديثة ، ويبدو بما حدث في سوريا ان هناك من يريد ان يجعل هذا النمط هو السائد بعد اليوم .. وكنوع من تجميل ما هو قبيح ــ بل ومفزع ــ بالطبيعة يمكن ان يطلق علي ما حدث بأنه ثورة !!!
ب ــ الخوف من ان تتحول سوريا في وضعها الجديد الي نقطة جذب والتقاء وتجمع لكل العناصر والمجموعات والتنظيمات المتطرفة ، والتي سوف تنتشر منها لتهدد الاستقرار في كل دول الاقليم ..
وبالنسبة لمصر فالخشية ان تقوم السلطة الجديدة في سوريا بخلخلة الاستقرار في ليبيا ، بمد ليبيا بخزان وفائض بشري من ارهابيين متجولين ينتمون الي القوقاز او الشيشان او الصين ــ الأيجور ــ او من دول وسط آسيا او دول الشرق الاوسط ... وضرب الاستقرار في ليبيا اعتداء مباشر علي سلامة مصر وأمنها ، وهو ما لن تسمح به مصر تحت أية ظروف ...
ربما كانت تلك هي الخطوط العريضة التي حكمت مصر الرسمية للتواصل مع القادمين الجدد الي السلطة في دمشق .. استكشاف النوايا ، او حتي اقامة الحجة علي مجموعات ربما تتصرف غدا تصرفات غير محسوبة ، فيها اعتداء علي سلامة مصر وامنها .. وقلت اقامة الحجة لأن هذه المجموعات تجد لها ـ للأسف ــ داعمين داخل الاقليم ، وبعضهم اطراف عربية مؤثرة ... وداعمين دوليين من قوي كبري ونافذة ...
هذا في رأيي سبب الاتصال التليفوني بين وزير خارجية مصر مع سلطة الامر الواقع في سوريا ، وهو اتصال حكمته ضرورات دولة ومسئولياتها ، وعلي الناحية الاخري ربما رفضه او لم يقتنع به أشخاص لهم حرية اوسع في الكلمة ، وليس وراءهم قيود المسئولية ...
#أحمد_فاروق_عباس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أنور السادات ...
-
قنوات الاخوان ... وهل نحن خائفون مما حدث في سوريا ؟!
-
فصل جديد ...من قصة طويلة !!
-
محمد مرسي .. وأحمد الشرع !!
-
فيم واين اخطأ بشار الاسد بالضبط ؟!
-
اسئلة اليوم التالي ...
-
يوم حزين .. ويوم سعيد ...
-
هل ما حدث في سوريا ممكن الحدوث في مصر ؟!
-
هجمة مرتدة ..
-
جمال عبد الناصر .. والناصريون : أين الاختلاف ؟!
-
التزوير والتلاعب في الانتخابات الأمريكية..
-
لماذا يكره الاخوان المسلمين السعودية ويحبون تركيا ؟!!
-
فيتنام وفلسطين : اين الاتفاق .. واين الاختلاف ؟!
-
لماذا لا تدخل مصر الحرب ؟!
-
الي أين اخذت حماس القضية الفلسطينية ؟!!
-
لماذا أرادت النخبة الامريكية الحاكمة مجئ ترامب مرة أخري ؟!
-
الحزب السياسي في الحياة السياسية الأمريكية...
-
الحياة السرية لرؤساء أمريكا...
-
هل هناك في أمريكا ديموقراطية ؟!
-
السيد حسن نصر الله ...
المزيد.....
-
-مزّقت قلوبنا إربا-.. فيديو حماس الأخير لرهينة يشعل ردود فعل
...
-
إسرائيل تؤكد استئناف مفاوضات الرهائن، وصفقة أسلحة أمريكية جد
...
-
الجيش المالي يعتقل -أبو حاش- عقب عملية استخباراتية
-
استشهاد 184 خلال 3 أيام بغزة وخروج المستشفى الإندونيسي من ال
...
-
-إف بي آي- يكشف تفاصيل جديدة عن هجوم نيو أورليانز
-
بعد الشمال إسرائيل تنقل المحرقة إلى محافظة غزة
-
إعلام إسرائيلي: حماس لن تستسلم ونتنياهو يريد إفشال الصفقة
-
فيديو من دمشق.. أنفاق تربط قصر الرئاسة بمقر الحرس الجمهوري
-
قاتلا بغزة ولبنان.. جنديان إسرائيليان بين مصابي نيو أورليانز
...
-
وسائل إعلام حوثية: غارات أميركية بريطانية على صعدة
المزيد.....
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
المزيد.....
|