|
جنون العظمة من البكباشي إلى المشير
ياسين المصري
الحوار المتمدن-العدد: 8211 - 2025 / 1 / 3 - 00:33
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
يستعمل تعبير جنون العظمة لوصف اضطراب الشخصية الذي يتميز صاحبه بالإيمان الوهمي والمفرط بقوته أو أهميته أو عظمته، ودائمًا ما يكون لديه إحساس متضخّم بقيمته الذاتية، وحاجته الملحّة لنيل الإعجاب والاهتمام من الآخرين، مع نقص في تعاطفه تجاههم. كذلك يعاني من أوهام غير عادية عن عظمة إنجازاته وقدراته الشخصية. الشخص المصاب بجنون العظمة لا يرى إلا نفسه، ويعجز عن رؤية الواقع من حوله، وغالبا ما ينغمس في تخيّلات مستمرّة عن مدى نجاحه أو ثرواته أو سلطته أو شهرته، حتى لو لم يكن ذلك حاله على أرض الواقع. كما يتسم بقدر فوق العادة من الغطرسة التي تصل إلى حد البلادة والجشع. وعندما يشتد عليه المرض، يكثر من الكلام، فلا يتوقف عن الحديث متنقلا من موضوع إلى آخر دون أن يكون هناك رابط بين المواضيع التي يتحدث عنها، فيما يعرف بالهرتلة أو الهذيان أو الهلوسة! ينتشر جنون العظمة على نطاق واسع بين البشر، إذ بالإمكان أن يقابل المرء شخصا مصابًا به في أي مكان، وقد يكون أحد زملائه في العمل، أو أصدقائه أو أفراد عائلته، وفي تاريخ البشرية اتسم كثير من قادة الدول بجنون العظمة على غرار جنكيزخان المنغولي ونابليون بونابارت الفرنسي وموسيليني الإيطالي وهتلر الألماني والكثيرين غيرهم، بينما في منطقة العربان المتأسلمين، يستوطن جنون العظمة على كافة المستويات، وله تاريخ ممتد تساهم فيه التأثيرات الاجتماعية والثقافية التي تعطي قيمة عالية للفرد وشهرته وسلطته وتشجع على تأليهه بصرف النظر عن عمله، تأسيا بِنبِّي الأسلمة (الكريم)، فليس من قبيل الصدفة أن نجد جنون العظمة يتمركز في حكام مثل صدام حسين في العراق وحافظ الأسد في سوريا ومعمر القذافي في ليبيا وعلي عبد الله صالح في اليمن … وغيرهم، بينما البكباشي جمال عبد الناصر في مصر، فقد كان - ولازال - يشكل الشخصية الرائدة والمميزة في جنون العظمة، فهو البطل والقدوة المثالية التي تركت بصماتها القوية على حكام المنطقة، وعلى خلفائه من بعده. *** العجيب والغريب أن عالم الطب النفسي المصري أحمد عكاشة يخالف الحقيقة، وينفي عن عبد الناصر صفة الإصابة بجنون العظمة، وانه لم يعان من أي مرض عقلي أو نفسي على حد قوله. ويقول في كتابه (ثقوب في الضمير.. نظرة على أحوالنا): انه قدر له أن يعرف عبد الناصر « شخصيا في مراحل حياته المختلفة.. لم يقم بتعذيب أحد بنفسه، وانما فعل ذلك معاونوه من المسؤولين في أجهزة الشرطة». ويضيف أن دراسة تاريخ الزعيم المصري الراحل « لم تكشف قط عن معرفة عبد الناصر بأمور التعذيب...». https://www.reuters.com/article/lifestyle/--idUSCAE48N01S/ ولكن الحقيقة التي يتجاهلها عالم الطب النفسي هي أن البكباشي بصفته رئيس الدولة ويسيطر بأسلوب استبدادي على كل مفاصلها، كان عليه أن يعرف كل صغيرة وكبيرة يقوم بها زبانيته، فإذا تغاضى عن أفعالهم فهذه مصيبة، وإن كان لا يعرف فهذه مصيبة أكبر! وقد يقلُّ العجب وتزول الغرابة عندما نعرف أن الدكتور أحمد عكاشة هو أخو الدكتور ثروت عكاشة، الذي كان ضابطا بالجيش، ثم تقلد مناصب إعلامية، ساهم بها في بلوغ شعبية البكباشي أوجها في مصر وفي العالم، فكيف يعمل أخوه - حامل الدكتوراة من السربون - مع شخص يعاني من جنون العظمة أو من أمراض عقلية! في حين أن الدكتور مصطفي محمود ذكر في مذكراته التي نشرت بعد وفاته في جريدة ”المصري اليوم“ في العدد الصادر في 2009/12/24 أن عبدالناصر كان مجنونا بالعظمة، ومجنونا بذاته. نعرف جميعًا أن البكباشي عبد الناصر سعى إلى تأميم وسائل الإعلام المختلفة وتعبئتها لمدحه ليلا ونهارا، وتغيير الثقافة الشعبية، والعمل على إلهاب مشاعر الجماهير، بحيث تمجده وتؤلهه، وتسبح بحمده، مما يؤثر على تصوراته لذاته وتطلعاته، ويكسبه مبالغة زائفة في تقدير ذاته من خلال أفكار متضخّمة وغير منطقيّة عن مدى أهميته وأنه قوي، وليس ”خِرِع“ مثل إيدن (أنطوني إيدن (رئيس وزراء إنجلترا من عام 1955 إلى 1957)، فلديه من القوة الاستثنائية، ما يمكنه من رمي إسرائيل في البحر وقهر الدول (الاستعمارية) العظمى، وتحرير العالم الثالث من السيطرة الإمبريالية. لذا يحق له الحصول على معاملة خاصة وامتيازات دون الآخرين، بل وأن يكون معصوما؛ فنبي الأسلمة ليس أفضل منه! من الطبيعي أن يؤدّي تمركز البكباشي حول ذوته إلى عدم مراعاته لما يحدث للوطن والمواطنين، وعدم اهتمامه بما يفعله الزبانية من حوله. لم يهتم أبدا بالخلل المادي والمعنوي الذي تحدثه تصرفاته الحمقاء في البلاد والذي ظلت آثاره باقية، ومن ثم ازدادت إلى حد الانهيار في عصر الجنرال الحالي. الإعلامي العراقي الأستاذ اسعد عبدالله عبد علي قال في مقال له بعنوان القرارات الكارثية لجمال عبد الناصر: « وتحول عبد الناصر لاسطورة مقدسة يحرم نقدها والمساس بها، حيث تطورت أسطورة عبد الناصر في الثقافة الشعبية وتم تصويره كقائد عظيم في الأفلام والأغاني والأدب والاعلام، مما ساهم في ترسيخ صورته في الذاكرة الجماعية، لذلك وجب على الكتاب توضيح حقيقة تلك المرحلة، وكشف زيف تلك الاسطورة الوهمية التي تعشعش في عقول فئة واسعة. والحديث عن جمال عبد الناصر وقراراته الكارثية هو حديث طويل، لبشاعة ما فعل بالمصريين وبالامة العربية، تلك القرارات التي أثرت بشكل كبير على مصر والمنطقة، وجعلت المستقبل مشوه لكل اوطان المنطقة، ومن بين هذه القرارات، هناك بعض التي تعتبر مثيرة للجدل أو تحمل عواقب سلبية جدا». https://www.bayancenter.org/2024/09/12281/ إنتقلت السلطة بعد موت البكباشي عبد الناصر إلى الصاغ أنور السادات الذي كتب عنه الكاتب أحمد بهاء الدين بعد وفاته أنه « صار مبعوث العناية الإلهية، عملاقا والآخرون أقزاماً، أو هو خارق المواهب والآخرون هباء». أما الدكتور محمد المهدى استاذ الأمراض النفسية بجامعة الأزهر يرى « أن السادات على الرغم من اعتزازه بذاته فإن دهاءه السياسي كان يدفعه لسنوات طويلة إبان حكم عبدالناصر أن يتوارى بهذه الذات، وأن يكتفي بتمجيد ذات عبدالناصر ومدح أقواله وأفكاره وأفعاله لكي يكتب له البقاء». بينما الدكتور «وائل يوسف» استاذ علم النفس بأكاديمية الفنون الذى أفرد دراسة خاصة بعنوان «القادة السيكوباتون» وكان من بينهم الرئيس السادات، ذهب في دراسته إلى أن السادات كان أقلهم نسبة فى الاصابة بجنون العظمة، ولم يبرز جنون العظمة لديه بوضوح إلا بعد انتصاره (المزعوم) فى حرب أكتوبر. https://gate.ahram.org.eg/daily/News/202868/1150/686608/فى-الموضوع/الرئيس-المعجبانى-يمشى-كالطاووس-ويحمل-صولجان-العظمة.aspx في كتاب « مهووسون في السلطة» تحدثت الكاتبة الأميركية (أرمنية الأصل) موريال ميراك فايسباخ عن الثورات التي قامت ضد بعض الزعماء العربان الاستبداديين كحسني مبارك والقذافي وزين العابدين بن علي وعلي عبدالله صالح، وتطرقت فيه إلى التحليلات النفسية لشخصية الزعماء المذكورين وهوسهم الشديد بالسلطة، وقدمت تساؤلا هاما هو: هل يوجد لدى هؤلاء الزعماء خلل في شخصياتهم بسبب صدمات الطفولة أو بتأثير من عائلاتهم ومحيطهم الاجتماعي؟ أم أنّهم أصحاء في الأساس لكن السلطة أفسدتهم جميعا؟ وجدت الباحثة أن نرجسية الحكّام في مصر متأصلة، فقد ورثها مبارك من أسلافه في الحكم الذين كرّسوا عبادة شخصية الحاكم، بل تعود بالظّاهرة إلى التاريخ المصري القديم. تقول إن هيكل نقل عن السادات قوله: « أنا وعبد الناصر آخر الفراعنة العظام في تاريخ مصر»، وقوله للرئيس الأمريكي آنذاك جمي كارتر « إن الناس ينظرون إليّ على أنني خليفة جمال عبد الناصر، وذلك ليس صحيحا. فأنا لا أحكم مصر طبقا لأسلوبه، ولكن أحكمها طبقا لأسلوب رمسيس الثّاني». وتضيف قائلة إن مبارك سحب لقب آخر الفراعنة على نفسه. وأطلق يد أسرته إلى المال العام وتكسب الثروات الطائلة. وقالت إن حسني مبارك لم يرث النرجسية من سلطته عبر عبدالناصر والسادات، ولم ينشئ بنفسه دولة دكتاتورية، بل وباتفاق المؤرخين ورث شكل الدولة الذي أنشأه عبدالناصر (وهي دكتاتورية صنفت بوصفها ” التهديد الثلاثي ” أيّ أنها دكتاتورية تجمع بين ثلاثة عناصر من ثلاثة أنواع : الشخصانية - حيث تتركز السلطة في شخص واحد - والجيش وديكتاتورية الحزب الواحد، بالإضافة إلى بيروقراطية المؤسسات، إلى جانب الإرث السياسي بعد موت السادات عن طريق الاغتيال في 1981. صاغ كل من عبد الناصر والسادات مفهوم عبادة الشخصية من حولهما لتمتّعهما بصفة “القائد الأعلى”، وبدا الأمر كما لو أن مبارك بانتقاله مصادفة إلى موقع الرئاسة، فإنّه سيصبح تلقائيا “زعيما نرجسيا”، إلاّ أنه توجب عليه، برأي المحللين النفسيين، أن يمتلك التركيبة الشخصية المعقدة ليتمكن من تقمص مثل هذا الدور . وتشخص فايسباخ المشاكل النفسية للرئيس مبارك فتشير إلى أنه ورث من سلفه جنون العظمة والنرجسية المفرطة والملتصقة بأي حاكم لمصر باعتبارها دولة للفراعنة، وتؤكد على أن الرؤساء الثلاثة لمصر كانوا معجبين بشخصية رمسيس الثانى الذى عاش حتى التاسعة والتسعين من عمره وحكم لـ66 عاماً. وتشير الكاتبة الى أن كثيراً من العقد ولدت لدى مبارك منذ طفولته لأن عائلته عاشت فى فقر مدقع، https://ebook.univeyes.com/30070/pdf-مهووسون-في-السلطة#google_vignette من الخطأ الجسيم وعدم الموضوعية التاريخية، تشبيه أولئك الحكام بأي من الفراعنة الذين لم يذكر التاريخ عن أحدهم أنه أصيب بجنون العظمة، لأنهم كانوا عظماء بالفعل، ويشهد تاريخهم وآثارهم على ذلك. لكن الحقيقة التي لا تقبل الشك هي أن جنون العظمة المتفشي في المنطقة برمتها يعود إلى الثقافة الإسلاموية التي شوهت سمعة الفراعنة وزعمت أن البدو العراة الحفاة، رعاة الإبل، خير أمة أخرجت للناس، وأمرت المتأسلمين بالخضوع والطاعة لولي الأمر منهم. وعدم الخروج عليه ولو ضرب ظهورهم وسلب أموالهم!. إنها إذن ثقافة تهيء النفوس منذ انتشارها في المنطقة، للإصابة بداء جنون العظمة. في احدى الوثائق الأمريكية السرية التي كشف عنها موقع ويكيليكس، رسالة مؤرخة في 14 مايو 2007 بين السفير الأمريكي السابق في القاهرة فرانسيس ريتشاردوني ووزارة الخارجية الأمريكية، قدم فيها تفسيراً لأسباب الشائعات المتكررة التي خرجت في الشارع المصري عن صحة الرئيس مبارك، معيدة أسبابها إلى عدم ثقة الشارع المصري فيه كرئيس. وبينت الوثيقة أنه يشابه سلفة السابق أنور السادات في بعض الصفات الشخصية مثل "جنون العظمة"، إضافة إلى أن كلاهما لا يتمتعان بمصداقية لدى الشارع المصري. وقالت الوثيقة أن حقبتيهما تتماثلان في "وجود شخصان ديكتاتوريان يزيدان من انعزالهما عن الشعب ولا يتحملان وجود أي نوع من المعارضة" https://www.factjo.com/fullnews.aspx?id=24149 *** جنون العظمة مرض معدٍ ويمكنه أن يتطور ويتبلور تدريجيا في هذه البيئة العقيمة سياسيا والمتخمة بالغرور والنرجسية، إنتقل بشكل حاد وغير مسبوق إلى الجنرال عبدالفتاح السيسي، الحاكم الحالي لمصر، الذي يمكن تصنيفه بأنه أخطر الرؤساء الذين حكموا مصر حتى الآن، فقد تخطى جنون العظمة لديه، كل ما وصل إليه الحكام السابقون. تتجلى له صور نادرة وقد أعجبته اللعبة، فاختزل العمل السياسي برمته في شخصين اثنين دون منازع. تولى هو اتباع أساليب الكذب والتضليل والخداع والتلوين والثرثرة المتواصلة وغير المترابطة عن حب الوطن والدفاع عن الفقراء والمساكين الذين لا يعرفون أنهم ”نور عنيه“، كغطاء للبحث عن مصالحه ومصالح أسرته والموالين له، وسرقة أموال الشعب ونهب خيراته. وتولى أبنه بفيض من الطيش وخفة العقل ملف الأمن في البلاد واعتقال المعارضين والإخفاء القصري لأي شخص مهما كان لمجرد كلمة عفوية قالها في أي مكان، والقتل خارج القانون، وممارسة أساليب الجشع والنهم الاقتصادي واللصوصية. أصبح لذلك ملايين المصريين يعيشون في فقر وجوع ومرض ويعانون الأمرين في توفير أقل ضروريات الحياة اليومية، ومع ذلك بقوله: « آه عملت قصور رئاسية وهعمل … هيه لي؟ دي لمصر … أنا بأعمل دولة جديدة»، وكأن المصريين في دولته الجديدة سوف يقتاتون من قصوره الفارهة!. ويمعن في استفزازهم وهو يسير مبهورًا في قصره الجديد، حيث يتناقض جنون العظمة المصاحب لفخامة المشروع مع بؤس أكثر من ثلث السكان الذين يعيشون على دولارين في اليوم، وفقا للبنك الدولي. يقول الكاتب والفيلسوف الروسي دوستويفسكي ( 1821 - 1881): «لا شيء يقتل روح الإنسان مثل تواجده في المكان الخطأ مع الأشخاص الخطأ». يعرف الكثيرون في مصر وفي العالم كيف أن السيسي تمكن من الاستيلاء على السلطة بالغدر والخيانة، ولكنهم قد لا يعرفون لماذا جاء إليها، إذ أنه لم يكن رئيسا بالصدفة كالسابقين له، بل رئيسًا بالمؤامرة، أراد له المتآمرون أن يكون في المكان الخطأ، وأن يحيط نفسه بأخطأ وأغبى البشر، وأن يفعل بالسلطة ما يشاء، وأن يبقى فيها مدى الحياة، ويورثها لأحد أبنائه، قال صراحة: «اللي حدث في 25 يناير (2011) مش ح يتكرر تاني»!، بمعنى أنه لن يحدث معه ما حدث لمبارك!، وقال أكثر من مرة:« اللي ح يقرَّب من الكرسي ده يحذر مني» أو « ح شيله من على وش الأرض»! في العام الأول لاستيلائه على السلطة (في شتاء 2013)، كان ينتحل صفات الأنبياء والحكماء والفلاسفة ... وأطلَّ على شاشة التلفاز كنجم النجوم وبطل الأبطال، ليعلن في ملعب القاهرة الدولي عن مفاوضاتٍ سرّية بينه وبين الله، تناولت الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية. قال: «اسمعوني كويس، جا ربنا قالي طيب أنا هخلي معاك أكتر من الفلوس هخلي معاك البركة وريني هتعمل ايه في بلدك وهتعمل ايه لناسك؟ هتغير صحيح؟ هتصلح أحوال صحيح؟ هتراضي الناس صحيح؟ هتسعد الناس صحيح؟»، ولكن الله أخل باتفاقه معه، وأعطاه المال الوفير لإنشاء القصور، في حين منع عنه البركة، بهدف إتعاس الناس. وقال في إحدى اجتماعاته المُعَدَّة سلفا: « أنا طبيب بعرف أوصف المشكلة، ربنا خلقني كده إداني نعمة إني أعرف الحقيقة فين...»، ولم يكتفي بذلك، إنما أضاف صفة الإلوھية إلى ذاته المقدسة فقال في الاحتفال بمولد النبي عام 2016: « اللي يقدر على ربنا يقدر علينا...». فھو بھذا القول يريد أن يقول: «أنا ربكم الأعلى والأعظم والأكبر». لو كان في مصر رجال دين حقيقيون، يخشون الله حقًا، لتصدّوا لهذه الجرأة الفجَّة على الذات الإلهية، ولم يسكتوا أمام هذا التجديف والتطاول والسفه الذي يبتذل العقيدة ويستهين بالمقدّس ويهبط بالكلام عن الله إلى حضيض الطغيان وجنون العظمة. هذه الهستيريا الكهنوتية تتحوّل هنا من بارانويا فاقعة إلى إحدى أدوات الاستبداد والقمع، فطالما أنه وصل إلى مرحلة التفاوض والتحاور مع الله، ليس من سلطة أي مواطن، ولا من حقوقه، أو من صلاحياته، محاسبته أو سؤاله عن أي شيء يفعله، فكل الأشياء من مفسدات الإيمان به، ومن مبطلات الوطنية، والرد الناجع عليها هو "كفاية هرْي" أو: « متسمعوش كلام حد غيري»، أو: {لا تسألوا عن أشياء إن تبدُ لكم تسؤكم} (المائدة 101). في بداية جلوسه على العرش الإلهي، وإدعائه الاتصال بالله وارتكابه سلسلة من المذابح بحق المواطنين، قرّر الكهنة والمشعوذون التبكير بتمهيد طريق الطغيان له، فدشّنوا حركةً أطلقوا عليها "الشعب يأمر"، والهدف أن يكون استبداده وطغيانه وكافة تصرفاته باسم الشعب، وضمّت هذه الحركة نائبين برلمانيين سابقين، أحدهما أستاذ علوم سياسية في الجامعة، هو الدكتور جمال زهران، والثاني ناشط سياسي هو حمدي الفخراني الذي سرعان ما اقتيد إلى السجن بعد انتهاء دوره وتم سحله فوق منصّات الإعلام، خرجت الحركة على الناس مانحة الفريق (وزير الدفاع آنذاك)، رتبة المشير، وتطالبه بالترشّح لرئاسة الجمهورية، واعتماد قانون الإرهاب أسلوبًا وحيدًا للتعاطي مع كل من يعارض مشروعه .. كانت معهما في قيادة الحركة السيساوية الإلهية المباركة سيدة تدعى ”الحاجة عواطف“، نشرت صحيفة المصري اليوم، في ذلك الوقت، على لسانها « أطالب المشير السيسي بأن يترشّح للرئاسة ويصبح رئيساً، ولن يكسر له أحدٌ كلمة، وأقول له، إنت من الأهرامات الثلاثة ولن يهزّك ريح». *** سواء كان الحاكم في مصر بكباشي أو جنرال، فهو مهيأ نفسيا للإصابة بجنون العظمة بحكم جهله وعجزه وإحساسه بعقدة النقص، وأنه لا يستمتع به ما لم يجد ما يكفي من كهنة الوطنية ومحترفي الشعوذة السياسية وفقهاء السلاطين وكوكبة من كبار المنافقين، يحملون له المباخر ويعزفون له موسيقى الطغيان ونغمات الاستبداد على أوتار مشدودةٍ بين حطام شعب مسلوب العزة والكرامة منذ عقود. هذا العته عادة يطلبه الكثيرون، ويسعون إليه بإرادتهم المحضة، ويستحضره الكهنة والدجّالون، مسبوقًا بعبارة "نزولًا على إرادة الجماهير"، تلك الجماهير المسحوقة بين سندان الجوع ومطرقة الخوف، والتي صارت بلا حولٍ ولا قوة أمام من يدّعون أنهم رسل لله وسلاطينه على أرض مصر.
#ياسين_المصري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
فتاوي ”البلاوي“ والهوس الجنسي
-
ابن سلمان وصدمة التغيير
-
العلمانية والضلال الإسلاموي المبين
-
أصل الاستبداد الإسلاموي
-
الغرب و شيزوفرينيا العربان
-
الصنم الذي يتحكَّم حيا وميِّتا!
-
من أين يبدأ تنوير المتأسلمين؟
-
ثقافة ”البهللة والسبهللة“ الدينية!
-
التفضيل بالنفاق في مصر! (2/2)
-
التفضيل بالنفاق في مصر! (1/2)
-
أنا لسْتُ مُدينًا بشيء لوطن مسلوب الإرادة!
-
أين حدود الصبر؟!
-
يا شعب مصر (العظيم)!
-
الآلهة التي دمَّرت مصر (2/2)
-
الآلهة التي دمَّرت مصر (2/1)
-
عن سجن الأوهام والإجرام
-
الرئيس الذي يبكي!
-
على من ضحك الجنرال؟
-
الإسلاموفوبيا أسبابها ومآلاتها(2/2)
-
الإسلاموفوبيا أسبابها ومآلاتها(1/2)
المزيد.....
-
-إف بي آي- يكشف تفاصيل جديدة عن هجوم نيو أورليانز
-
بعد الشمال إسرائيل تنقل المحرقة إلى محافظة غزة
-
إعلام إسرائيلي: حماس لن تستسلم ونتنياهو يريد إفشال الصفقة
-
فيديو من دمشق.. أنفاق تربط قصر الرئاسة بمقر الحرس الجمهوري
-
قاتلا بغزة ولبنان.. جنديان إسرائيليان بين مصابي نيو أورليانز
...
-
وسائل إعلام حوثية: غارات أميركية بريطانية على صعدة
-
-أبو رقية-.. قيادي داعشي في قبضة جيش مالي
-
ألمانيا تحدد مصير مليون سوري.. من سيبقى ومن سيرحل؟
-
الإعلان عن حالة تأهب للغارات الجوية في مقاطعتين أوكرانيتين
-
قوات كييف تقصف جمهورية دونيتسك بـ 91 مقذوفا في غضون 24 ساعة
...
المزيد.....
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
المزيد.....
|