|
مناورات البيجيدي للالتفاف على تعديلات مدونة الأسرة.
سعيد الكحل
الحوار المتمدن-العدد: 8210 - 2025 / 1 / 2 - 16:16
المحور:
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
أصدرت الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية بلاغين متتاليين في موضوع تعديلات مدونة الأسرة. البلاغ الأول صدر يوم 24 دجنبر 2024، عبرت فيه عن "ارتياحها واعتزازها لكون المقترحات المقدمة لمراجعة مدونة الأسرة كرست احترام المرجعية والثوابت الدينية والدستورية والوطنية". بينما صدر البلاغ الثاني يوم 30 دجنبر، تهاجم فيه، من جهة، وزير العدل على خلفية تصريحاته التي اعتبرتها "غير لائقة ومستفزة ومتحايلة" "لا تراعي المكانة الكبيرة للأسرة عند المجتمع المغربي المسلم ومرجعيتها الدينية لديه". ومن جهة ثانية، تتطاول فيه قيادة الحزب على اختصاصات وزارة العدل التي أنيط بها وضع قانون تنظيمي للمدونة لما طالبت "أن يتولى هذا الورش المجتمعي الحساس من تتوفر فيه الكفاءة اللازمة ويحظى بثقة المجتمع". والحزب، بهذا البلاغ يطعن في ثقة جلالة الملك في الوزير وهبي، وفي مصداقية وزارة العدل، كما يشكك في كفاءة أعضاء اللجنة، من علماء وخبراء، التي سيُعهد إليها وضع مسودة القانون التنظيمي قبل عرضه على البرلمان بغرفتيه. وقبل هذا وذاك يبخس المؤسسة التشريعية دورها الدستوري في تمثيل الشعب والتعبير عن إرادته. فالنص النهائي للمدونة سيعرض على البرلمان للتدقيق والمصادقة، وسيكون لبرلمانيي الحزب فرصة للمناقشة والاقتراح، أما تبخيس جهود وزارة العدل والبرلمان، فالمسألة فيها تصفية حسابات مع وزير العدل شخصيا الذي تحمّل مسؤولية إنجاح ورش تعديل المدونة بكل شجاعة سياسية وأدبية جعلته يحظى بثقة جلالة الملك ودعمه له رغم كل مناورات البيجيدي وتهجماته عليه وتجييشه للذباب الإلكتروني للنيل من شخص الوزير بعد فشله في المطالبة بإقالته. مناورة مكشوفة الأهداف. إن مواقف البيجيدي من المطالب النسائية بمراجعة المدونة، كانت دوما مناهضة لها. ولم يكتف الحزب بالمناهضة، بل حرّض ضد كل الأصوات المطالبة بالمراجعة متهما إياها بالكفر والعمالة للغرب والانخراط في مخطط محاربة الدين وتفكيك الأسرة. وفي كل موعد لمراجعة المدونة، يحاول الحزب التشويش على المطالب والتجييش ضد الدولة حتى تأتي التعديلات محدودة. ويظهر هذا واضحا، إذ لم يكد يمر عقْد من الزمن على تعديل 1993 حتى تمت مراجعة المدونة سنة 2003 لتدخل حيز التنفيذ سنة 2004. وها هي تخضع من جديد للتعديل بعد عقدين فقط. فالحزب لا يدافع عن حقوق النساء ولا يسعى للنهوض بوضعيتهن، وإنما يصر على تكريس ظلمهن وشرعنة استغلالهن. فقد عارض الحزب الطلاق القضائي، ورفْع سن الزواج إلى 18 سنة، واقتسام الممتلكات الزوجية، وولاية المرأة على نفسها في الزواج. بل اقترح، في المذكرة التي قدمها للجنة الملكية الاستشارية المكلفة بمراجعة المدونة سنة 2000، إلغاء ولاية المرأة الثيب على نفسها في الزواج؛ وهو الحق الذي منحته لها مدونة 1993. وها هو الحزب، اليوم، يعود لعادته القديمة بهدف التحايل على التعديلات التي أجازها المجلس العلمي الأعلى ووافق عليها جلالة الملك؛ ومن ثم إفراغها من محتواها مثلما فعل مع الدستور في البنود المتعلقة بإلغاء التمييز ضد النساء. فالحزب، رغم ترؤسه الحكومة لولايتين متتاليتين لم يشكّل "هيئة المناصفة ومكافحة كل أشكال التمييز"، وكذا "المجلس الاستشاري للأسرة والطفولة". وحتى عندما جاء بقانون رقم 103.13 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء، جاء به كسيحا لا يستجيب للمطالب النسائية. لا يستغرب المرء إذن، من المناورات الحربائية للبيجيدي. فهو لا يقترح تعديلا إلا ويلتف عليه مناورةً وتحايلا، حتى يبقى وفيا لموقفه المناهض لحقوق النساء. ففي مذكرة التعديلات التي اقترحها على لجنة مراجعة المدونة 2023، اقترح، في موضوع سكن الأرملة: "يمكن ربط تفعيل استحقاقات العصبة وحصولهم على حقهم الشرعي من التركة بالقيام بواجباتهم الاجتماعية اتجاه أقاربهم وبعدم الإضرار بأرملة وبنات المتوفى إذا كان استيفاء الحق سيؤدي إلى تشريد العائلة أو التسبب لها في أضرار بالغة"؛ ليقترح "الإبقاء على التعصيب باعتبار ارتباطه بنص قرآني، مع إسناد النظر للقضاء بما لا يسمح بتشريد الأرملة". ولما وافق المجلس العلمي على "إيقاف بيت الزوجية عن دخوله في التركة" حماية للأرملة من التشرد، انقلب البيجيدي على نفسه ليرفضه ضمنيا، عبر تحفظه على "إيقاف سكن الزوجية عن دخوله في التركة، بالنظر لما ينجم عنه من إخلال بالحقوق المرتبطة بالإرث وانتهاك لحقوق الورثة الآخرين". نفس الخلفية ــ مناهضة حقوق المرأة ــ سيناور بها الحزب للالتفاف على حق المطلقة في الولاية القانونية على أبنائها المحضونين، ويخصّ بها الأب. وهذا تبخيس للمرأة وتنقيص منها ومن كفاءتها، بحيث تعطاها الحاضنة دون الولاية القانونية. فكيف يُنتظر من حزب ناهض ولاية المرأة على نفسها أن يقبل ولايتها على أبنائها؟ لهذا طالب بـ"الإبقاء على الولاية القانونية للأب مع منح الاختصاص لرئيس محكمة الأسرة (قسم قضاء الأسرة) للبت في الطلبات المقدمة من قبل الأم الحاضنة في حالة وجود نزاع في إطار الأوامر المبنية على طلب". مقاومة التعديل لتكريس استغلال المرأة. رغم كون التعديلات التي أجازها المجلس العلمي الأعلى "حلولا وسطى"، فإن البيجيدي يناور لتقزيمها أو تعطيل مفعولها. لهذا نجده يعلن (رفضه المطلق الدعوة إلى تثمين الواجبات الأسرية أو المهام المنزلية المبنية في أصلها على العرف والتراحم والتعاون والتطاوع بين الزوجين وليس على التعاقد والندية بينهما). علما أن المجلس العلمي أحيى العمل بفتوى فقهاء سوس: حق "الكد والسعاية" تثمينا للعمل المنزلي للمرأة. ولا يكتفي البيجيدي بتكريس الاستغلال المادي للمرأة، بل يصر على شرعنة الاستغلال الجنسي لها وذلك برفض الإجراءات المصاحبة للاستثناء المتعلق بتزويج القاصر في سن 17 سنة لكونها قد تستغرق سنة؛ مما اعتبره الحزب إجراء يجعل "الاستثناء مستحيلا". فالحزب لا تهمه الصحة البدنية والنفسية للفتاة القاصر ولا نضجها العقلي والعاطفي، بقدر ما يهمه الإبقاء على تزويج القاصرات الذي شدد عليه في كل المذكرات التي قدمها في موضوع تعديل المدونة؛ ومما اقترحه في المذكرة الأخيرة: "تحديد الاستثناء في 15 سنة كحد أدنى". أي السماح بتزويج ذات 15 سنة؛ فما الفائدة من التعديل إذن؟ نفس المعارضة شدد عليها بلاغ قيادة الحزب بخصوص استطلاع رأي الزوجة ”حول اشتراطها عدم التزوج عليها من عدمه، والتنصيص على ذلك في عقد الزواج”، متعللا بأنه "ليس من اللائق ولا من الصواب تحويل عقود الزواج إلى عقود إذعان واشتراط". لقد تجاهل البيجيدي أن الرسول (ص) اشترط على علي ألا يتزوج على بنته فاطمة، وكذلك كان حتى توفيت، فتزوج علي بعد وفاتها. لم يستفد البيجيدي من دروس التاريخ وحركية الواقع التي أثبتت أن قوة التغيير وحتميته لن توقفها بلاغات الحزب ولا مناوراته البهلوانية.
#سعيد_الكحل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عن أهمية تعديل مدونة الأسرة في هذه الظروف، - حوار لفائدة جري
...
-
اجتهادات مجلس العلماء دون انتظارات الملك والنساء.
-
هل تؤمن جماعة العدل والإحسان بحقوق الإنسان حتى تحتمي بها؟
-
وقاحة عزيز غالي.
-
هل يتعظ القومجيون؟
-
بوعلام صنصال يفضح سماسرة حقوق الإنسان.
-
النضال الارتزاقي.
-
الصحافة لا تضمن الحصانة.
-
أما آن لملف الصحراء أن يُغلق؟
-
فرنسا: من التردد والضبابية إلى الوضوح والاعتراف.
-
إلى جماعة العدل والإحسان: المتاجرة بمآسي غزة لم تعد مربحة.
-
لا منزلة بين الوطنية والعمالة.
-
خالد مشعل في جلباب بن لادن.
-
عام على طوفان الأقصى: التكلفة والمآل.
-
مسؤولية أوروبا في التصدي لجذور الهجرة غير النظامية.
-
أبعاد مؤامرة التحريض على -الحريـﯕ.
-
خلفيات الانقلاب المذهبي للفقيه الريسوني.
-
الفقيه الريسوني من إدانة جرائم إيران إلى الإشادة بها.
-
من صفة الريسونيَيْن اللؤم ونكران الجميل.
-
العداء الجزائري مقابل الانتصار الدبلوماسي المغربي.
المزيد.....
-
حـدث تردد قنوات الاطفال الجـديد 2025 (وناسة + طيور الجنة + ب
...
-
بعد القبض على مأذون مزيف في مصر.. ما مصير عقود الزواج المحرر
...
-
“آلو شرطة” استقبل الان قناة الاطفال وناسة لولو بترددها الجدي
...
-
“من بيتك” التقديم في منحة المرأة الماكثة بالمنزل 2025 والشرو
...
-
بسبب شطيرة.. امرأة تقتل عامل بريد في مطعم أمريكي
-
مقطع فيديو لسائحتين -أوروبيتين- تسخران من امرأة منتقبة في دب
...
-
سائح أمريكي يقتل امرأة في تايلاند بسبب قيادته المتهورة (صور)
...
-
-رقصة مثيرة مع امرأة- تضع لاعب مانشستر يونايتد في ورطة (فيدي
...
-
-المادة-.. قمع النساء بين جشع الرأسمالية وقسوة الزمن
-
بشروط ومعايير محددة .. رابط رسمي للتسجيل في منحة المرأة الما
...
المزيد.....
-
الحركة النسوية الإسلامية: المناهج والتحديات
/ ريتا فرج
-
واقع المرأة في إفريقيا جنوب الصحراء
/ ابراهيم محمد جبريل
-
الساحرات، القابلات والممرضات: تاريخ المعالِجات
/ بربارة أيرينريش
-
المرأة الإفريقية والآسيوية وتحديات العصر الرقمي
/ ابراهيم محمد جبريل
-
بعد عقدين من التغيير.. المرأة أسيرة السلطة ألذكورية
/ حنان سالم
-
قرنٌ على ميلاد النسوية في العراق: وكأننا في أول الطريق
/ بلسم مصطفى
-
مشاركة النساء والفتيات في الشأن العام دراسة إستطلاعية
/ رابطة المرأة العراقية
-
اضطهاد النساء مقاربة نقدية
/ رضا الظاهر
-
تأثير جائحة كورونا في الواقع الاقتصادي والاجتماعي والنفسي لل
...
/ رابطة المرأة العراقية
-
وضع النساء في منطقتنا وآفاق التحرر، المنظور الماركسي ضد المن
...
/ أنس رحيمي
المزيد.....
|