سمير الرسام
الحوار المتمدن-العدد: 8210 - 2025 / 1 / 2 - 14:07
المحور:
الادب والفن
كان الهاتف يقف هناك كعمودٍ خرساني بارد، صامتًا في وجه العابرين. قلبه المعدني لا ينبض إلا حين تطعمه العملات، كأنه يأبى الحياة إلا بثمن. يومها، كان الطقس عاصفًا، والمطر ينهال وكأنه ينتقم من الأرض. الرياح تصفع الوجوه بلا رحمة، والبرق يجزّ السماء بنصل من نور. كنت أنا هناك، أقف أمام الهاتف، في معركة مع الزمن والمطر، أرغب فقط في أن أبعث رسالة واحدة.
يدي امتدت إلى جيبي، باحثة عن العملات التي خبأتها بعناية. لكنها لم تجد إلا فراغًا. ثقب خفي في الجيب قد خانني، كما لو أن القدر كان يلعب دوره المعتاد، يسلب ما ظننت أنه مضمون. تلفتُّ يمينًا ويسارًا، باحثًا عن حل في هذه العاصفة التي لا ترحم. لا أحد هناك، سوى البرد والصمت.
ولكن ... هناك، تحت الهاتف، رأيتها: عملة وحيدة، درهم نسيه شخص ما، أو تركه القدر ليختبرني. أخذت الدرهم بين أصابعي المرتعشة. كان ثقله يضاهي الأمل نفسه. أدخلته في الهاتف، فسمعت صوت النبض. نبض الهاتف كان نبضي. ودون أن أفكر طويلاً، رن هاتف من أحب. كنت بحاجة لبضع ثوان، وليس دقيقة واحدة، فهي كانت كافية لأقول كل شيء:
"لا أستطيع الحضور... الطقس سيء للغاية. أحبك."
وأنا في هذه الدوامة، مرنت صوتي على الرد، كححت مرتين. ابتسمت. لكن الهاتف بقي يرن دون رد! قلت في نفسي: ربما لأنها كانت هناك حيث تواعدنا، ووصلت للمكان المنشود قبل الوقت. فماذا عساي أفعل؟!
كان الدرهم قد أعاد النبض للهاتف، لكنه لم يكن كافيًا لإعادة النبض للقاء كان مقدرًا له أن يضيع في العاصفة.
سمير نعمة مهدي
Sameer Neamah Mahdi
#سمير_الرسام (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟