أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سمير محمد ايوب - الجميلون لا يأتون من لا شيء - جدل البدايات والنهايات!!! أحافير في الحب - النص الثالث















المزيد.....


الجميلون لا يأتون من لا شيء - جدل البدايات والنهايات!!! أحافير في الحب - النص الثالث


سمير محمد ايوب

الحوار المتمدن-العدد: 8209 - 2025 / 1 / 1 - 23:11
المحور: الادب والفن
    


كتب سمير محمد ايوب
الجميلون لا يأتون من لا شيء - جدل البدايات والنهايات!!!
أحافير في الحب - النص الثالث
بالامس كان العام الماضي يلفظ آخر أنفاسه، مثقلا ببرد شديد. كنت عند الظهر انهي مكالمة، وقبل ان اعيد جوالي الى مكانه امامي على المكتب، عاجلني جوالي بسؤالها غير المألوف: أينك؟! ما ان اجبت ، أكملت : أحتاج أن أكلمك، واتمنى عليك ان نلتقي على فنجال قهوة.
بعد ان اتفقنا، استقليت سيارتي على الفور، وأنا أتساءل في سري لماذا؟! قليلة هي المناسبات التي التقيت فيها تلك الاديبة الكبيرة، شابة في منتصف الخمسينيات من عمرها، طويلة ممتلئة، بسيطة على سجيتها، صارمة ممن يجرؤن على الخروج بلا ماكياج,
قصدت المقهى الذي اعتدت ملاقاة اصدقائي وضيوفي فيه في عمان، دامت رحلتي اليه نصف ساعة. وقفت على المدخل الرئيس للمقهى، أجلت عيني في تضاريسه، رأيتها تلوح لي بفرح ، تجلس في الزاوية التي اعتدت الجلوس فيها، اقتربت على عجل ، دعتني الى الجلوس، بعد ان تبادلنا التحايا، جلست صامتا على حافة الكنب المقابل لها.
ما ان وصلت قهوتي، احتضنت فنجالي بين كفيَّ، لامست حوافه بشفتي وكأني اوشوشه، وحدقت في عينيها لاسحبها من صمتها، واستدرجها الى الحديث، سألتها عن شريكها. كفت عن التدخين، واندفعت في البوح كماء دافق. بدوري كففت عن شرب قهوتي، وضعت فنجالي على الطاولة التي تفصلنا، فقد كنت بوارد الاستيعاب.
قالت بود اشياء كثيرة، ثم اضافت وهي تحدق في عيوني: يبتعد الخليل خطوة تلو اخرى يا شيخما، وتصمت قهقهاتنا في توالي الليل، لم يبق منها الا الصدى. إنطفأ نبيل المشاعر وبقيت غصتها. نضب ماء السماء المُتاح، وذبل الجوري والياسمين والنرجس. وتشققت الحواف والقيعان. في جعبتي الكثيرمما أود قوله. لكنني أكتفي الآن بما يصح قوله ويجوز. مقارنة بالبدايات، بتوجس أحس باننا نقترب من النهاية.
جئت استفتيك، هل علي الوقوف في مواجهة النهاية وتبعاتها، أم أستأنف لملمة شظايانا التي لا تنتهي، وأعيد كعادتي تدويرها بالترميم، علني قبل تحللها أبْعَثُ حيا مما مات؟! كنت من قبل وفي أحلك الظروف، على يقين أن الأمور لن تصل الى ما وصلت اليه الان. ألأنني ساذجة؟ أم لأنني كنت متفائلة حد البلاهة؟ أم لأنني كنت أؤمن بقشة الغريق فلا أفلتها أبداً من يدي؟ ربما، وإن كنت لا أعتقد ذلك، لاني ما زلت مؤمنة بأن الحياة، في نهاية المطاف تغلب، وإن بدا غير ذلك، فأرحام المشاعر كجنات عَدْنٍ تجري في ارحامها أنهار لها مسالكها وتعرجاتها ومجاريها المتشابكة!
يا شيخي، أحس بنوع من الذنب، وبالكثير من الحَزَنْ، لاني شاركت في تسميم شَرَاكاتنا وفي موتها، وانا اواصل الحياة بلا مبالاة. ألست شريكة في مشاعرنا، ومهمة الشريك حمايتها؟ وازيدك من الشعر بيتا، حتى وان ارتبك المسار واهتز اليقين، فما زال يسعدني ان اكافح لأزخر من جديد بتلك البدايات، ام تظنها النهاية حقا، وينبغي علي التخلي بنفس مكسورة؟! ما العمل هل استسلم؟! فأنا في حيرة من أمري!!! طال العذاب وتمكن اليأسُ مني.
قلت بود وبطريقتي المباشرة: افضل ما تهبينه لنفسك الان، هو احترام نفسك ومحبة الناس. وأضفت: إن خسرت الرهان مع شريك، يتعيّن عليك السماح له بالرحيل، بالطريقة التي يراها تناسبه، فطرق الرحيل يا سيدتي متنوعه، بعضها مثير للشفقة وبعضها مثير للاشمئزاز المقرف.
ما انتما فيه ليس كما تظنين، بل بداية لحقبة اخرى في العلاقة، ولكن بخبرات أكثر ووعي اعمق. فمع كل يوم نعيشه يا سيدتي، نخسر رهانا ونربح آخر، نكسب شيئا مبهجا ونخسر شيئا كان واعدا مليئا بالفرص. وأحيانا يذهب كل شيء كأنه ما كان. يذهب بلا عدل، تاركا وراءه وجعا عظيما وحزنا أعظم. وفي النهاية، بصمت يسدل الستار. ونبقى وحدنا. وساعتها تتجلى الأخلاق يا سيدتي.
من المفارقات الغريبة يا دكتوره، اننا متفقون على اننا في كل ثانية نستقبل عددا من المواليد الجدد، ونودع أرواحا يقل عددها او يزيد، قليلا او كثيرا عن عدد المواليد، بدايات حياة تلازمها نهايات، تتخذ اشكالا رجراجة. مع العلم ان كل نهاية ليست بالضرورة خسارة، بعضها ضرورة، تعلن بصوت عالٍ عن انتهاء مرحلة وبداية مرحلة، تحمل احتمالات أن تكون جيدة. وهي تعاود اشعال سيجارتها من جديد، قاطعتني بصوت متهدج، مشوب بأمل محتار: تسأل ما العمل إذن يا سيدي؟!
فتابعت مباشرة: لا يمكن لأي كان، العودة إلى الوراء لصنع بداية جديدة. إلّا أنّه مع كل نهاية، يمكن البدء في صنع نهاية جديدة، لا ترتكب الاخطاء القديمة نفسها، شريطة ان يفهم ان وجهته الجديدة ليست مكانا جديدا يسعى للوصول اليه، وانما طريقة جديدة يرى بها الاشياء.
عاودت مقاربة فنجال قهوتي وانا اقول: أرمِ أحلامك في الفضاء، كما يرمي صياد سنارته التي يخفيها في ثنايا طُعْمٍ لذيذ مغري للسمك الجائع، وهو جالس على كرسيه على حواف بحر، وهو لا يعرف ما الذي ستعود به السنارة رزقا له، فردة حذاء عتيق ، أعشاب مما يلفظ البحر، سمكة بحجم عقلة الاصبع، ام سمكة هامور سمينة؟ أم ترجع السنارة صفر اليدين، حتى من الطٌّعْمِ الذي كانت تتخفى في ثناياه؟ّ! انه يراهن مع الأمل يحسن الظن.
الحياة تغلب في نهاية المطاف، حتى بغير معاونة الفصول، وإن بدا غير ذلك. فالراشدون من البشر مهما ارتكبوا أو اضطربوا أو تعثرت خطاهم، لا يرون في النهايات كومة خسارات ونقطة في آخرالسطر، بل اشتباكات ايجابية زاخرة ببدايات جديدة، ليس طول مدة البقاء فيها هو المعيار في نجاحها، وانما البقاء على العهد هو المعيارالحق، حتى وان اختلفت الطرق وطالت المسافات او قصرت.
للذين تأكدوا ان حياتهم قد انقلبت رأسا على عقب مثلك، او حتى على وشك، إعلموا علم اليقين، ان الصفر اخ شقيق لكل نهاية، لذا لا بأس ان ترون النقطة وانتم تبكون، فبعض البكاء جيد احيانا، وأن تقلبوا الصفحة وانتم تضحكون. هذه الحياة بكل ممراتها يا سيدتي، مليئةٌ بأشياء يُمكنُ أن تُحبَّ او تركل. يكمن الفرقُ فعلًا، في مدى قدرةِ الواحد منا على تمييزِها، وصناعةِ مفارقةٍ لا تمتُّ لمعانيها الواقعيّة بصلة.
أتمنى عليك سيدتي عيش الحياة، متصالحة مع تناقضاتها وأضدادها. فإن قررتي أن لا تموتي قبل أن تحاولي الحياة في الحياة، إعلمي يا رعاك الله، أن هناك بالقطع احتمالٌ لتتويج مساعيك بغير الهزيمة. فالحزن أيضًا عيش، والألم عيش، واليأسُ عيش. الأمرُ بسيطٌ إلى حدٍّ كبير: هذه الدنيا فرص، فلا تفوِتي فرصَتَكَ في عيشِها كما هي.لا بأس من البكاء أحيانا، لا عليك، كلُّنا بارعون في التنكُّرِ، لكنَّ شخصيّاتنا غير المُمَكْيَجَة، تطغى في النهاية وتكسب وهي تطلق آخر اسهمها في صدر الهزيمة.
فأجمل من عرفْتُ، من النساء ومن الرجال، هم أولئك الذين عرفوا الهزيمة والخسارة والعذاب، وبفهمهم للحياة ، وجدوا معارجهم الخاصة للخروج من الأعماق السحيقة.
الجميلون يا سيدتي لا يأتون من لا شيء.
الاردن - 1/1/2024



#سمير_محمد_ايوب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فاصل وواصل !!! أحافير في الحب – النص الثاني
- هيا قُمْ، فدربُ الآلام في انتظار قيامتك!!! أحافير في الحب - ...
- بعض نقاط وبعض حروف ... إضاءة سريعة على المَوْلِدْ في سوريا ! ...
- يا رب لوط، أقم قيامتك، سبحانك!!! إلتفاتة الى ما يجري في امة ...
- التلمود اليهودي هو أصل الشر - وعد بلفور عتبة
- الحساب المفتوح، مقاومة حتى النصر... إضاءة على المرحلة الحالي ...
- ككل عام، عاد ...
- الانتخابات النيابية - تداعيات وتبعات إضاءة على المشهد في الا ...
- إلا أنت وأنا ... احافير في الحب
- جُلُّ الأمصارِ غائبة يا غزة !!! أضاءة على ملحمة الطوفان ...
- اللعنة على كل من يستحقها اضاءة على واقع الحال والمآل !
- أعداء الحياة والربيع إضاءة على ملاحم الطوفان في فلسطين
- سابع أخر في تموز جديد، لا تَمُتْ قبلَ الموت؟
- أحجية اليوم التالي ... إضاءة على المشاهد غزة العزة
- غطرسة الفقر نوافذ على بعض ما قد مضى من العمر - الثانية
- نوافذ على بعض ما قد مضى من العمر النافذة الاولى
- الندية والدونية في الصراع الوجودي إضاءة على المشهد في فلسطين ...
- بوح على بيادر الوطن ... الوطن
- الجدل العربي – الايراني الى اين ؟! أضاءة على المشاهد في فلسط ...
- صدِّقوا الصواريخ، حتى وإن همَست - فهي الاصدق إنباءً!!! إضاءة ...


المزيد.....




- الأردن يعلن إرسال وفود لدراسة الحالة الفنية والأمنية لإعادة ...
- ألبر كامو: قصة كاتب عاش غريباً ورحل في ظروف غامضة
- كتاب الفوضى.. قصة صعود وهبوط شركة الهند الشرقية
- ترامب يعتبر جلسة تحديد عقوبته بقضية الممثلة الإباحية -تمثيلي ...
- -زنوبيا- تُحذف من المناهج السورية.. فهل كانت مجرد شخصية خيال ...
- عمرها 166 مليون سنة.. اكتشاف آثار أقدام ديناصورات في أوكسفور ...
- الفنان عبد الحكيم قطيفان ينفي تعيينه نقيبا للفنانين في سوريا ...
- تسجيل صوتي للمشتبه به في هجوم نيو أورليانز شمس الدين جبار: - ...
- قضية الممثلة الإباحية تلاحق ترامب قبل أيام من تنصيبه
- الباتيك في إندونيسيا.. فن تقليدي يعكس روح جاوا وبيئتها


المزيد.....

- اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110 / وردة عطابي - إشراق عماري
- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سمير محمد ايوب - الجميلون لا يأتون من لا شيء - جدل البدايات والنهايات!!! أحافير في الحب - النص الثالث