أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خليل الشيخة - سوريا والعراق: سياسة النقائض















المزيد.....


سوريا والعراق: سياسة النقائض


خليل الشيخة
كاتب وقاص

(Kalil Chikha)


الحوار المتمدن-العدد: 8209 - 2025 / 1 / 1 - 17:04
المحور: الادب والفن
    


عندما ذهبت إلى إدارة الجوازات في عام 1981 للحصول على جواز سفر للمجيء إلى امريكا وإكمال دراستي، استغرق مني ذلك الجواز اللعين أكثر من شهر ونصف، لأن الأسم يجب أن يمر على كل أفرع المخابرات. وفي اليوم الموعود، دخلت إلى دائرة الجوازات واستلمت الجواز الذي كتب في إحدى صفحاته: بإستطاعة حامل هذا الجواز الدخول لكل دول العالم ماعدا إسرائيل والعراق. ساعتها استغربت هذه الجملة الغريبة، فقد ساوى مصدّر الجواز بين إسرائيل والعراق. فسألت الشرطي ببراءة لماذا ممنوع علينا الذهاب إلى العراق؟ فنظر إلي الشرطي محاولاً أن يفهم مرامي السؤال، وكدت أن أقع ضحية هذا السؤال والجرجرة إلى السجن لولا أن الشرطي كان طيباً وقال لي بعد أن اكتشف يراءة سؤالي: من الأفضل لك أن لاتسأل مالا يعنيك فتقع بما لا يرضيك. ففهمت وغادرت المكان فرحاً ليس فقط بجواز السفر بل لأن الحكومة أثبتت للتو براءتي كمواطن.
هذا كان في عام 1981، عندما كانت الطليعة المقاتلة وحزب البعث (جناح العراق) يقارعان نظام الأسد الأب. لكن، منذ أن زار حميد الشطري، مدير الاستخبارات العراقية والإرهاب، سوريا وجلس مع السيد أحمد الشرع قائد العمليات العسكرية في دمشق، تناقلت الأخبار وقنوات تلفزيونية بأن الشرع عندما لاقى الشطري وسلم عليه، كان يحمل خلفه مسدسا نظراً إلى بروز في بدلته من جانب الظهر. فإذا صح هذا الكلام، فلماذا كان الشرع حذراً من الشطري ولماذا لم يأت رئيس الوزراء العراقي عوضاً عن مسؤول الإستخبارات وهي خطوة غريبة من العراق. وتفرعت التحليلات والإجتهادات: هل أرسلوا هذا الرجل من أجل إغتيال الشرع ولهذا تجهز الرجل لأسوء السيناريوهات من بلد اجتهدت على طوال 14 عاماً على إرسال مليشياتها كي تقمع الشعب السوري تحت مسميات محاربة الإرهاب. أو ربما تحسّب الشرع بأن العراق الذي وضع أسمه على لائحة الإرهاب وحكمه غيابياً بالإعدام آتياً إلى دمشق لينفذ هذه العملية. لكن سارت الأمور دون مشاكل ولو أن الجو كان متوتراً. فقد هددت المليشيات العراقية بأن تتدخّل وتحارب السلطة الجديدة وتعيد الأسد القابع في موسكو. وحتى هذه الأمنيات اجهضت، لأن الامريكان المتموضعين في شرق الفرات هددوا بقصف تلك المليشيات. فقد تغّير مزاجهم، لأن مصالحهم التي أتوا من أجلها وخسروا الغالي والنفيس مهددة من الأزع الإيرانية.
وهنا، طرحت على نفسي سؤالاً كبيراً، ما الأسباب التي جعلت من العراق عبر تاريخه معادٍ لسوريا وهو البلد العربي الجار، والبلد العربي الذي يشترك معه ثقافياً ولغوياً وقومياً. سؤال شاسع واسع من المفروض أن يجيب عليه عالم اجتماع في التاريخ. ولأن أسئلة كهذه لاتطرح بسبب أننا نحن العرب نتخفى تحت ستار الأخوة العربية والأخوة التاريخية محرّم علينا مثل هذه أسئلة.
هذه ليست دراسة، فأنا لا أملك أدوات الباحث الاجتماعي أو التاريخي. ولكن لديّ رؤية وقد تكون خاطئة كلياً. سأطرحها من أجل توسيع الرؤى والإستفادة من أخطاء التاريخ، فقد ذبحت هذه المنطقة بعضها البعض بلا مبرر. من منكم لم ير مايسمى بالحجاج العراقيين والإيرانيين وهم يضربون ضريح معاوية بالكنادر ويصرخون بعبارات طائفية. أحقاد تتناسل، مثل بذرة سامة مازالت تنمو في تربة موبوءة. أظن أن الحاجز الرئيسي الذي حدد العلاقة عبر التاريخ بين الدولتين هو المذهب، ونمط الثقافة القائمة بين البلدين. فقد بدأ الصراع بين الشام والعراق منذ السنين الأولى للإسلام عندما تقاتل أبناء العم في معركة صفين، ثم تبعتها معركة كربلاء التي حددت العلاقة بين البلدين. رغم أن أهل الشام كان غالبيتهم من المسيحيّين في تلك الفترة. أما ماقبل الإسلام، فقد كان المنازة تابعين للإمبرطورية الفارسية والغاساسنة للإمبرطورية الغسانية وهي البذرة الإولى للصرعات فيما بعد، كما أظن. أما من الناحية الثقافية، فقد شكل أهل الشام ثقافة وذهنية التاجر في المنطقة بينما شكل العراق ثقافة البادية، كما شرح هذا بالتفصيل الباحث الرائع العراقي علي الوردي. تظهر هذه الصراعات في الأزمات وتفتح جروحاً من الصعب أن تندمل. أما في العصر الحديث، فقد مثل البعث العراقي التوجه السني للحزب بغض النظر عن الشعارات ومثل الأسد الأب التوجه الشيعي للحزب. فقد انفلت الصراع في منتصف السبعينات عندما دعم صدام حزب البعث التابع له في سورية ودعم الأسد الفئات الشيعيّة المناوئة لصدام، ولم يكتف الأسد بذلك، بل دعم إيران في حربها ضد العراق سياسياً وحتى عسكرياً. رغم أن كلا البلدين يدعون الحكم بشعارات نفس الحزب من أمة عربية واحدة، فكيف يستقيم الأمر في دعم دولة أجنبية ضد دولة عربية جارة. فقد دخل الأسد الأب في صراعات سياسية مع دول عربية، لكنه كان دائماً على وفاق مع الإيرانيين. السر ببساطة هو أن هذه المنطقة مازالت تتحزب للطائفة أكثر مما تتحزب من أجل الشعارات أو الوطن. هذا كان في عصر الأب، أما في عصر الابن فقد تمددت إيران في سورية وتطورت الأمور إلى أن وصلت إلى تبعية كاملة لإيران. ولترجمة هذا التحالف على الأرض، أرسلت ايران مليشياتها المتعددة الجنسيات وأرسل العراق كذلك ماتيسر له كي ينقذ حليفه من الإنهيار وأرتكبت هذه المليشيات كل أنواع الجرائم بحق الشعب السوري وشردت الملايين. كما أنه ظهرت من خلال هذه الشعارات أحقاداً طائفية مثل (يا ثارت الحسيين) أو ( زينب لن تسبى مرتين). وظل الجرح السوري ينزف لمدة 14 عام، حتى تسنى لشباب الباصات الخضر أن ينظموا اأنفسهم مرة أخرى ويقضوا على النظام السوري الذي اذاقهم الويلات.
الثورة السورية فريدة في تاريخها ومنجزاتها. فقد أسقطت حلف سرطاني حاول أن يحرق المنطقة كلها ويستعمل جهل الناس وانعدام وعيهم في قتل بعضهم البعض. لقد آمنت دائماً أن التاريخ دائماً يسير باتجا الأعلى رغم مايشوبه من عثرات لاتوقفه بل تؤجله. فنظام الأسدين كان نظاماً غريباً ممسوخاً لايتماشى مع التاريخ رغم محاولة دول إقليمية وعالمية مساعدته ليقف على رجليه، لكن السقوط كان مجرد مسألة وقت، فقد كنا نستغرب أفعال نيرون حارق روما أو جرائم هتلر، لكن لم نر عبر التاريخ الطويل العريض جرائم تشبه جرائم نظام الأسد في كبس البشر وهم أحياء وتقطيعهم ثم اذابتهم في الأسيد. جرائم تنم عن حقد وتشفي . جرائم تخبرنا أن هذا الإنسان الذي وصل إلى القرن الواحد والعشرين ظلت سمة التوحش غالبة عليه، لأنك لايمكن أن ترى حيوانا يعذب فريسته بهذا الشكل. فالأسد الذي يخنق فريسته قبل أن يأكلها، لكنه لايقتل إلا إذا كان جائعاً. كل هذه المجازر والمقابر صنعها الحقد التاريخي الذي مازال ناشطاً في النفوس.
أخيراً، أظن أن هؤلاء البشر إما أن يتغيروا ويقبلوا باقامة دول حديثة على الطراز الغربي وبناء وطن يحترم الإنسان أو سينقرضوا كما أنقرضت من قبلهم الديناصورات.



#خليل_الشيخة (هاشتاغ)       Kalil_Chikha#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- انقلب مركب الأسد
- إحد عشر يوماً هزت سوريا
- جول جمّال هازم الإستعمار
- الشرطي والبرجوازي عند شابلن
- في خيانة السادات
- مجزرة في مدينة غرينسبورو
- ضجة حياة ماعز
- غوركي ورواية اعتراف
- نظرياتنا ونظرياتهم
- أهزوجة وشتيمة وطوشة
- مكسيم غوركي: سيرة ذاتية كاملة
- جامعات غوركي
- الإستعمار سبب تخلفنا
- غوركي: بين الناس
- من غشنا ليس منا
- غوركي وطفولة النكد
- رمزية بلد العميان
- جرة الماء والسقا مات
- ذكريات المعرجلانة
- زيارة إلى مصر


المزيد.....




- ترامب يعتبر جلسة تحديد عقوبته بقضية الممثلة الإباحية -تمثيلي ...
- -زنوبيا- تُحذف من المناهج السورية.. فهل كانت مجرد شخصية خيال ...
- عمرها 166 مليون سنة.. اكتشاف آثار أقدام ديناصورات في أوكسفور ...
- الفنان عبد الحكيم قطيفان ينفي تعيينه نقيبا للفنانين في سوريا ...
- تسجيل صوتي للمشتبه به في هجوم نيو أورليانز شمس الدين جبار: - ...
- قضية الممثلة الإباحية تلاحق ترامب قبل أيام من تنصيبه
- الباتيك في إندونيسيا.. فن تقليدي يعكس روح جاوا وبيئتها
- بعد هجوم نيو أورليانز.. شاهد ما فعله موسيقيون ورجال دين في ش ...
- سوريا.. المخرجة رشا شربتجي تؤكد الإفراج عن كاتب مسلسل -فضح م ...
- علَّم طفلك اللغة العربية السليمة.. ثبت قناة طيور الجنة الآن ...


المزيد.....

- اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110 / وردة عطابي - إشراق عماري
- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خليل الشيخة - سوريا والعراق: سياسة النقائض