|
اللاموس-lamminge1979(مايكل هاينكه):مسارات تدمير الذات
بلال سمير الصدّر
الحوار المتمدن-العدد: 8209 - 2025 / 1 / 1 - 12:11
المحور:
الادب والفن
يعتبر هذا العمل التلفزيوني –اللاموس-احد انواع القوراض-باكورة اعمال هذا المخرج الكبير ،ويصنفه البعض بأنه افضل اعمال هاينكه المبكرة على الاطلاق. حقق هاينكه هذا العمل على جزأين دعا الاول ب:اللاموس:البسطاء وان كان اللفظ باللغة الانجليزية Arkadian يحتوي على ترادف من الممكن أن يدل على السذاجة أو الحمق... وهنا نحن نقلب المعادلة اعلاه،بحيث نقول أن جزئية البسطاء هي أسوأ اعمال مايكل هاينكه المبكرة على الاطلاق،وهذا مختلف عن الجزأية الثانية التي تدعى بالجراح،وهو عمل منقلب على الجزأ الأول،ومن الممكن اعتباره قمة منسية في اعمال هذا المخرج من الرعيل الثاني الذي-مثل برتولوتشي-تربى على ايدي النخبة السينمائية الحقيقية. المكان هو النمسا في صيف عام 1959،لكن علينا قبل ذلك ان نشرح العنوان قليلا كما جاء على لسان احدى الشخصيات: اللاموس هو احد انواع القوارض التي في هجرتها تقودها الى المحيط دائما ومن ثم تعمد الى انتحار جماعي... العنوان يشير بقوة الى مسار التدمير الذاتي الذي يتخذه المرء عندما يتصرف تصرفات تودي به الى الهاوية،طبعا من الممكن ان تشير الى الادمان أو اي شيء آخر،وهو هنا الزنا في مقتبل العمر. وهنا يكون هاينكه اغرق هذا الجزأ في موضوع اجتماعي اصلاحي هادف وبدت المعالجة مسقطة أكثر منها تحليلية أو نقدية،ولن تنجح كثرة محاولات الانتحار-والتي أحدها كان ناجحا فعلا-باضفاء بعدا وجوديا حقيقيا عليه. إذا،علاقات بين شاب اقل من ناضج مع زوجة استاذه الاربعينية العصابية والتي تسقط هذا الجنين لاحقا،وايفا التي تريد ارضاء حبيبها وارضاء نفسها ايضا من خلال ممارسة جنسية تودي لاحقا الى محاولة انتحار فاشلة نظرا لحدوث الحمل. هناك جمل وعبارات لايمكن التغاضي عنها في الفيلم من GISELA الاربعينيه زوجة الاستاذ المذكورة اعلاه...هذه الشخصية العصابية تقول: ببساطة اشعر بالرغية في تدمير كل شيء،كل الأثاث،انه يكبتني،يحبسني ويجعلني اتكالية... تقودنا هذه الحملة اعلاه الى القارة السايعة،حيث يعتبر هاينكه من افضل المخرجين الذين تحدثوا عن علاقة الانسان بالمحيط البارد ومن ضمنه الاشياء،لكنه لايتفوق ابدا على كيسلوفسكي،حيث ان شاعرية كيسلوفسكي تبقى لها الغلبة. ولانستطيع القول بأننا نطبق حرفيا الحفر التاريخي لميشيل فوكو،ولكننا نحاول اكتشاف خلفيات هذا المخرج التي كانت ذات بداية برغمانية وغودارية خالصة...فنه وفلسفته وطبيعة نظرته للأشياء. ان كان هاينكه انتقل الى حيز اعلى من فيلم اصلاحي،اي انتقل من التعبير عن هموم الشباب الطبيعية الى الهم اليأسي الاكتئابي،فهذا الهم فعليا انتقل الى الجزأ الثاني كجزء مستقل عن الأول،حيث ان هذا الأخير من الممكن عدم النظر اليه في مسيرة هاينكه. في الجزء الثاني الذي يدعى بالجروح: هنا نتعرف على سيجريد التي دبت الآن مكشوفة جدا على الهشاشة وذات علاقات متعددة الهدف منها تحقيق ارضائها العاطفي،حيث انها تشعر بفراغ شديد مع زوجها بارد المشاعر الذي يعمل في الجيش. ولكن هناك أيفا،شخصية مركزية اخرى في الفيلم،يموت والدها مع بداية الفيلم وهي حامل وفي نفس الوقت عزباء: هنا،بعد ان تلتقي بأصدقائها بعد عشرين عاما وتهم احدى زوجاتهم بفضح الوضع الاجتماعي المقرف للجميع،تقول: هل تعرفون ما انتم عليه جميعا...؟! لاموس،ربما تعرفون ما هي تلك الكائنات جميعا...انها نوع من انواع القوارض ولكنها تسير في جماعات متخذة مسارا محبطا للغاية،وانتم جميعا تمتلكون هدفا واحدا...التذمر على قدر الامكان. هذه الكلمات قالها والدها ذات مرة قبل موته... إذا،يتابع هاينكه هذا المسار السوداوي لتدمير الذات،لكن روح بيرغمان حاضرة في النص والموضوع،وحتى احيانا في طريقة الطرح والسرد،كما ان هناك شيئا أكثر من الجزء الأول من تكثيف للمشاعر والحضور الحقيقي لمنطلقات الشخصية. فالوالد الذي يموت مع بداية الفيلم-كما قلنا-يطلب ان يعمل له قناع الموت،وهو شيء على شاكلة طبعة اسمنتية للوجه. ولكن سرعان ما تكسر هذه الطبعة بحادث عرضي من قبل القس والذي هو –بالرغم من كل شيء- معبأ هو الآخر بالأفكار الوجودية... ثم،تقول سيجريد في أحد لقطات الفيلم: أشعر وكأني...وكأن اسير على حبل رفيع جدا واستطيع الحفاظ على توازني للحظة،ولكن تلك الاشياء الرفيعة تجعلني اترنح وينقلب كل شيء إلى دمار... لا أعرف ماذا افعل،لم يعد هناك شيء مهم بالنسبة لي بعد الآن...أنت-مخاطبة زوجها-الأطفال... عندما تكونون جميعا في المنزل أنا لا ألاحظ ذلك،أنا افعل الاشياء مثل حصان جامح واجلس هناك فقط باقي اليوم...وكأني مصنوعة من حجر وأحاول الشعور بأي شيء من اجل نفسي....لكن ليس هناك من اي شيء. علينا الاعتراف،ان هذه النبرة الشخصية أطرت الشخصية نفسها في الحيز الوجودي التساؤلي الأكبر من موضوع الزنا الذي احاط بالجزء الأول،فالزنا هنا هو محاولة للخلاص أكثر من تأصيل خطيئة اجتماعية،والمسار الذاتي هنا عصابي نابع من الحياة نفسها،وطبيعة الوجود في الحياة اكثر من مؤثر خارجي....انه الموقف النابع من الحياة نفسها وليس الأشياء-مهما كانت-التي نفعلها في الحياة نفسها. سيجريد تنتهي منهارة في احدى المصحات النفسية نتيجة لتخلي الآخر عنها،والذي كانت ترى فيه حلا لبرودها العاطفي المتأجج فيها. الحالة هنا أكثر فردانية وأكثر ذاتية...هي الحالة التي يستحق الحديث عنها اي مخرج كبير...حالة تشبه برسونا وتشبه الصحراء الحمراء وتشبه ايضا التانغو الأخير في باريس. لقد انجبنا ثلاثة اطفال الى هذا العالم،لأننا كنا نعتقد بأن هذا سوف يساعد ضد الضجر...ضد مخاوفنا...ضد شيء آخر ربما يعلمه الشيطان. ثم ايفا، تلك التي مات والدها مع بداية الفيلم تحاول التأمل بالوجود من حولها: مشهد لقطة ميتة...ثم تجلس في مقهى:اسبرسو لو سمحت ثم سرعان ما تلمح دلوا يسقط من على سقف احد المنازل معبأ بالتراب لغايات البناء،لكن هذا الموقف يمر بسلام...سلام طبيعي ان التطور نحو تدمير الذات الذي بالاساس يحمل صفة الانتحار مدفوع هنا بالمحيط البشري الناقد للعاطفة والمتسم بالبرود اجاه الآخر،وإذا اردنا النظر الى المحيط الخارج عن النطاق البشري نجده ايضا لايختلف بشيء...انه محيط عابق بالبرود اتجاه مآسي الأشياء الأخرى ايضا...وهنا نقول ان الجزء الثاني (الجروح) هو اقرب الى روح هاينكه من الجزء الأول. تحاول سيجريد ان تتخذ مسارا ايجابيا...تكلب من الدكتور فريتز ان يصبح عشيقها في الشقة...تستغرب سيجريد...تنبهر:يا إلهي..ما هذه الصورة شيء ما-لانستطيع القول عنه بانه بشر-ذو وجه مخيف ويجلس على كرسي فاخر-يصح ان نقول عنه بانه كرسي عرش-وهو يصرخ بشكل مخيف. يقول فريتز:ألا تعتقدين بأنه يصف موقفنا بدقة...؟! تسأل:من...؟ وضعنا جميعا...انه يصرخ ولكن من خلف الزجاج لماذا يجرح أحدنا الآخر...تسأل سيجريد لماذا لانستطيع المضي قدما بدون ان نجرح بعضنا البعض...لماذا لانعامل بعضنا البعض باحترام؟ يرد فريتز:لا أعرف،اعتقد ان هناك احتماية من اثنين: عدم المبالاة،او تجريح الآخرين وجرح انفسنا هي تحاول ان تحقق السعادة،تنظر الى كل الآخرين من حولها...هل هم سعداء فعلا...؟ يفرض زوج سيجريد عند ايقانه بعدم اهتمامها مسارا انتحاريا...وكأنه يقتلها في حادث سير مفتعل،بينما وفي نفس اللحظة تتمدد ايفا وحيدة معانية آلام المخاض لطفل فكرت طويلا بالتخلص منه... هذه النهاية ليست مبهمة على الاطلاق،وليست اشكالية ايضا،بل هي ترمم الخط التشاؤمي الذي سيطبع فيه هاينكه كل الوجود بشتى مكوناته في افلامه لاحقا. 24/08/2024
#بلال_سمير_الصدّر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بعد ليفربول 1974:الفيلم التلفزيوني الأول لمايكل هاينكه
-
عن مايكل هاينكه وثلاثة مسارب للبحيرة 1976
-
الحياة ولا شيء آخر1992:كيارومستاني الذي يبحث عن مصير ابطاله
-
استعراض ترومان1998(من اخراج بيتر وايلدر وتمثيل جيم كاري): تل
...
-
1900(برناردو برتولوتشي)-1976: فيلم عن الصعود والسقوط الطبقي
-
الريح ستحملنا 1999(عباس كيارومستاني):ارتجال الحياة
-
تذاكر 2005(عباس كيارومستاني): فيلم عن التذكرة التي نحجزها في
...
-
القمر 1979(برناردو برتولوتشي): انه حب اوديبي ولكن ليس بالمعن
...
-
البجعة السوداء(دارين آرنوفسكي) 2010 : اوبرا تشايكوفسكي تحولت
...
-
حياتي في ذلك الزمن الذي قضيته مع انتونين ارتو 1993:مسرح القس
...
-
تجربة 1973(عباس كيارستمي):اللقطة هي الحياة
-
أليس 1990(وودي ألن):صراع
-
سبتمبر 1987(وودي ألن): .اليد الالهية واضحة جدا
-
وردة القاهرة الارجوانية 1985(وودي ألن):السينما مثل المخدر...
...
-
الدخان المقدس 1999(جين كامبيون):على نمط شذرات أميل سيوران ول
...
-
رومانسية الكهولة-تأصيل حلم
-
مأساة رجل سخيف 1981(برناردو برتولوتشي): في عالم الخواء لايمك
...
-
السماء اللواقية1990(برناردو برتولوتشي):محظية الشرق
-
داني روز مسارح برودواي 1984:هناك شيء مطمئن داخل وودي ألن هذه
...
-
أشياء مسكينة: البزوغ الأنثوي الأول لجيل قادم سيغلب منطق العا
...
المزيد.....
-
تسجيل صوتي للمشتبه به في هجوم نيو أورليانز شمس الدين جبار: -
...
-
قضية الممثلة الإباحية تلاحق ترامب قبل أيام من تنصيبه
-
الباتيك في إندونيسيا.. فن تقليدي يعكس روح جاوا وبيئتها
-
بعد هجوم نيو أورليانز.. شاهد ما فعله موسيقيون ورجال دين في ش
...
-
سوريا.. المخرجة رشا شربتجي تؤكد الإفراج عن كاتب مسلسل -فضح م
...
-
علَّم طفلك اللغة العربية السليمة.. ثبت قناة طيور الجنة الآن
...
-
المقاومة بالسرد الجميل.. تجربة القصة الفلسطينية القصيرة من م
...
-
تعرّف على أبرز الأحداث والعروض الفنية والثقافية لعام 2025
-
الموت يُغيِّب الفنان المسرحي الكبير قصي البصري
-
اعتقال بطل فيلم -أبوكاليبتو- في اليونان
المزيد.....
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
المزيد.....
|