عماد الطيب
كاتب
الحوار المتمدن-العدد: 8209 - 2025 / 1 / 1 - 01:55
المحور:
الادب والفن
منى نجاح الطريحي تمثل نموذجًا متميزًا للجمع بين البحث العلمي والأدب، وهو ميدان قد يبدو متناقضًا في ظاهره لكنه يعكس تكاملًا عميقًا بين العقل والإحساس. فمن خلال نصوصها الشعرية التي تتسم بالرمزية والروح الإنسانية، استطاعت أن تخلق فضاءً أدبيًا يعكس تجربة إنسانية متفردة. تعتمد الطريحي على الرمزية كأداة رئيسية للتعبير، مما يمنح نصوصها بعدًا تأويليًا يجعلها غزيرة المعنى. فالرموز التي تستخدمها ليست مجرد أدوات زخرفية، بل تحمل طبقات من الدلالات تعكس عمق التجربة الإنسانية التي تمر بها. على سبيل المثال، يظهر الألم والخراب في أعمالها كرموز لفقدان التوازن، لكنها لا تقف عند حدود الإحباط، بل تمضي نحو البناء والإصلاح، مما يعكس قوة الإرادة البشرية. تسلط نصوصها الضوء على قضايا إنسانية مشتركة تتجاوز الحدود الثقافية والجغرافية. الألم الذي تتحدث عنه ليس ألمًا فرديًا، بل هو انعكاس لمعاناة جماعية تعبر عن الحالة الإنسانية بشكل عام. هذا يجعل من نصوصها صالحة لكل زمان ومكان، حيث يجد القارئ نفسه في صميم النص. ما يميز الطريحي هو قدرتها على تحويل المأساة إلى فرصة للنهضة. نصوصها تسير في منحنى تصاعدي، حيث تبدأ من نقطة الانكسار لتصل إلى الأمل. هذا التوجه يعكس فلسفة عميقة ترى أن الجمال ينبعث من الرماد، وأن الخراب يمكن أن يكون بداية جديدة. لغة الطريحي تفيض بالإيحاءات والمعاني المتداخلة، مما يجعل القارئ متورطًا في عملية التأويل. استخدام الصور الشعرية المكثفة والمجازات يمنح نصوصها طابعًا فنيًا فريدًا، حيث تتطلب النصوص قراءة متأنية لاستيعاب المعاني الكامنة.
منى الطريحي ليست مجرد شاعرة، بل مفكرة تسعى لإعادة تشكيل العالم من خلال كلماتها. نصوصها تجمع بين الفكر والفن، مما يجعلها إضافة قيّمة إلى الأدب العربي المعاصر. قدرتها على المزج بين الرمزية والإنسانية تمنحها مكانة خاصة، حيث تخلق من الحزن لوحة فنية تدعو إلى التأمل والعمل.
منى الطريحي تمثل صورة نادرة للمبدع الشامل الذي يمزج بين الفكر العلمي والخيال الأدبي. نصوصها ليست فقط مجالًا للتعبير، بل دعوة للتغيير والإصلاح. إنها شاعرة للإنسانية، ورمز للتجديد والانبعاث من قلب الألم. تقول في احد نصوصها :
كان القليل كافيا لإصلاح الخراب .. لرتق الصدوع .. وابعاد النهايات المدببة عن شغاف القلب .. كان كفيلا .. لمنع تناثر الزجاج المكسور حول حدقات العيون .. لإيقاف نزف او ترطيب جرح .... ليكون النبض حياة .. والصلاة شكر .. والدعاء بهجة ...لكن القليل أبى ان يكون ..وكأنه سماء ابت ان تمطر رغم تكاثف الغيوم او ارض ابتلعت ماءها العذب ..او اشجار اسقطت اوراقها عنوة ...او كلام استعصى على لسان قائله .. وظلت حروفه رهينة العمر
تناولت الشاعرة في قصيدها موضوع الألم الإنساني والتوق إلى الإصلاح، لكنها تحمل في طياتها مزيجًا من الحزن والأسى الذي يوازي جمال التصوير الشعري. النص يتناول فكرة الحاجة إلى "القليل" الذي يملك القدرة على إصلاح الخراب والشفاء، لكنه في الوقت ذاته يمتنع عن الحضور، ليُعمّق من شعور الخيبة والخذلان.
النص يعتمد على ثنائية واضحة بين الرجاء والخذلان. يبدأ بتأكيد قدرة القليل على إصلاح الدمار وتهدئة الجراح، وهو تصور بسيط لكنه يحمل معانٍ عميقة تتعلق بالأمل والإيمان بالقليل كفعل تغيير جوهري. ثم يتحول النص إلى تصوير خيبة الأمل التي يسببها غياب هذا "القليل"، مستخدمًا صورًا متقنة تُبرز عمق المأساة.
اللغة في النص بسيطة لكنها غنية بالإيحاءات. الصور الشعرية التي وردت، مثل "تناثر الزجاج المكسور حول حدقات العيون" و"سماء ابت أن تمطر رغم تكاثف الغيوم"، تُبرز عمق الشعور بالعجز. هذه الصور ترسم لوحة مليئة بالتناقضات بين الممكن والمستحيل، وبين الأمل واليأس. كما أن النص يتميز باستخدام الاستعارات المكانية والطبيعية، مثل "أرض ابتلعت ماءها العذب" و"أشجار أسقطت أوراقها عنوة"، ليربط بين الحالة النفسية الداخلية للمتكلم وبين مظاهر الطبيعة، مما يضفي على النص بعدًا كونيًا.
القصيدة تُبرز مهارة عالية في استخدام الصور الشعرية والتعبير عن مشاعر الحزن واليأس. ومع ذلك، يبقى السؤال مفتوحًا: هل يمكن أن يُضاف بُعد آخر يخفف من وطأة التشاؤم، أو يترك للقارئ نافذة تأمل في إمكانية التغيير؟
وفي نصها الآخر تقول .. " كنت منقوش على قلبها منذ زمن مضى ..ربما لم تكترث .. ربما غطاك غبار الزمن ...او انها ادخرتك .... كتحفة ثمينة ... واليوم ... شيء ما ... اشعل ثورتها .. بعثرها ... كسر كل كنوزها ... نفض الماضي والذكرى عنها ...
حررها ... فك قيودها ... لتبصرك .. لتراك ... بعد سراب طويل ...وانت ... كن كالماء في صحرائها .. كغيمة تظللها .. كنسمة امل ... وقمر في سماءها . .اياك ثم اياك ان تفقدها .
في هذا النص تسلط الضوء على الحنين، البعث من رماد الماضي، وإعادة اكتشاف الحب. تجمع بين العمق العاطفي والتصوير الشعري الذي يمزج بين الماضي والحاضر، وبين الألم والرجاء. النص يرتكز على فكرتين أساسيتين. الحنين والذاكرة: يستحضر النص العلاقة التي كانت موجودة في الماضي، لكنها بقيت مخفية تحت غبار الزمن. هناك شعور مختلط بين الإهمال والتقدير المؤجل، حيث "أدُخر كتحفة ثمينة". و البعث والانبعاث: يظهر في القسم الثاني تحول واضح، حيث تتفجر المشاعر المخزونة، وتنطلق الثورة العاطفية التي تحرر القلب من قيوده، لتعيد إحياء الحب .
اللغة في النص مباشرة لكنها تحمل في طياتها صورًا تعبيرية غنية. فكرة الحبيب "المنقوش على القلب" تحمل دلالة قوية على الثبات والرسوخ، بينما تصوير الغبار والكنوز يعكس مدى تعقيد المشاعر المتشابكة بين النسيان والقيمة.
القصيدة تجمع بين الرقة والعمق، متبنيةً لغة شعورية تُبرز أهمية الحب كقوة تُحيي الذكريات وتعيد تشكيل المستقبل. ومع ذلك، يمكن أن يكون النص أقوى بإضافة صور مبتكرة تعكس تجربة الشاعر بشكل أكثر تفردًا.
#عماد_الطيب (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟