|
أزمة البديل
خالد بطراوي
الحوار المتمدن-العدد: 8208 - 2024 / 12 / 31 - 18:50
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
أزمة البديل في معظم الدول هي أزمة مزمنة ولا يوجد في الأفق المنظور ما يلوح إلى إمكانية تجاوزها، ومصير الشعوب يتأرجح بين ما هو موجود وما هو أفضل الموجود، تماما كذلك الذي يهرب من "الدلف" إلى " المزراب". في أمريكا تتأرجح كفة الانتخابات بين حزبين، ولا يوجد ومن غير المسموح أن ينجح غيرهما من الأحزاب، ببساطة لأن أيا منها – لظروف موضوعية وذاتية - فشل في أن يشكل بديلاً. ينطبق ذات الأمر في معظم دول أوروبا. في روسيا فإن بديل "بوتين" هو "بوتين" إلى أن ينتقل إلى رحمته تعالى. في الصين فإن سيطرة الحزب الحاكم لا تسمح لأن يطل أي حزب بوصفه بديلاً ، وفي كوريا فإن الجميع يهتف ويصفق و" يسحج" للزعيم ولابنته الرقيقة الحديدية. في بلداننا العربية، حاولت - وبعد الاستقلال - الأحزاب الشيوعية أن تكون بديلاً، وأوهمت نفسها بذلك، واحتمت "بشمسية" الاتحاد السوفياتي وتحولت الى تابع له، لكنها فشلت في أن تحقق على الأرض هذا البديل. حتى أولئك الرفاق من أعضاء الأحزاب الذين تمكنوا من الوصول الى قبة البرلمان، فقد فازوا بالدرجة الأولى لحب الناس الشخصي لهم ولانتمائهم العائلي وبالدرجة الأخيرة لقوة ونفوذ حزبهم. لذلك عمدت الأحزاب الشيوعية الى الدخول في ائتلافات الوحدة الوطنية والجبهات الوطنية كي تضمن "كراسي" لها في المواقع القيادية في البلد، أكثر من قناعتها بأهمية وضرورة هذه الجبهات وأهمية أن يكون هناك لقاء أيديولوجي لهكذا تشكيلات وحدوية. في السودان مثلا هذه الأيام، ومع كل الاحترام والتقدير لتاريخ ونضالات الحزب الشيوعي السوداني إلا أنه لم يستطع أن يترجم احترام الناس ومحبتهم للحزب إلى تسلمه مقاليد الحكم في البلاد. في العراق حيث الحزب الشيوعي صاحب النضالات والتضحيات الجسام، فقد تضاءل دوره هذه الأيام على الساحة العراقية ولا أعتقد أن قادته ورفاقه يرون أنفسهم بديلاً لقيادة العراق. أما سوريا ... فحدّث ولا حرج ... حيث حولت المدرسة البكداشية الحزب الشيوعي السوري الى تابع لحزب البعث السوري وهذه الأيام ... قد يتعرض بعض قادة الحزب الشيوعي السوري إلى ملاحقة تماماً أو بدرجة أقل كما ملاحقة أعضاء حزب البعث بوصفهم شركاء "في الفعل". في فلسطين، غاب الشيوعيون وأطاحت القيادة – ولشديد الأسف – بالتاريخ النضالي للحركة الشيوعية الفلسطينية، وارتهن الحزب للدولار، وأضحى سقف أهدافه هو التخلص من الديون والأعباء المالية وتغطية جزء من رواتب "المتفرغين" مع الحفاظ على مقاعد الحزب في الهيئات القيادية الفلسطينية والنقابات وفقاً لتحالفات "الكوتا" والتغني بأمجاد الماضي التليد والوقوف على الأطلال. حال باقي فصائل اليسار في عالمنا العربي ليس بأفضل من حال الأحزاب الشيوعية، إذ أنها تتأرجح ما بين التحالف مع اليمين أو تجنح إلى " اليسار الثوري المغامر". فصائل اليمين، وتحديداً الديني السياسي منها قد حاولت أن تشكل بديلاً، ووصل بعضها إلى مقاليد الحكم في هذا البلد أو ذاك ومنها مصر، إلا أنها فشلت في مواصلة الإمساك بدفة الحكم أو جرى إفشالها. البعض الآخر حاول فرض سيطرته " بالحديد والنار والبطش" وحظي بـ "طاعة" الناس خوفاً وليس عن قناعة وانتماء. أمام هذه الحقيقة الصادمة المؤلمة، هل من آفاق لأن تتشكل قوى تنجح جماهيرياً في أن تكون بديلاً؟ نعم، ومن دون أدنى شك .... لكن ليس من خلال ذات الأحزاب القائمة حالياً، اليمينية منها أو اليسارية، وليس من خلال قيادات هرمت وتحجرت وابتعدت عن رؤية معطيات وروح العصر. وليس أيضا من خلال إنشاء أحزاب جديدة، فالساحات ملأى بـ " الدكاكين" ولا تحتمل "دكاكين جديدة"، الساحات بحاجة الى "سوبر ماركت" وليس "دكانا". في المرحلة الراهنة نحن بحاجة الى الحراكات المتخصصة على صعيد بلدان العالم وليس فقط على صعيد البلد الواحد، التي يجتمع فيها الأشخاص من مختلف المشارب السياسية خصيصاً للتحرك نحو هدف واحد لكل حراك، حراك مناهضة التطبيع، حراك ملاحقة مجرمي الحرب، حراك مناهضة التعذيب، حراك الحفاظ على الموروث الثقافي وهكذا. كافة هذه الحركات منفردة ومجتمعة ستفرز قادة ميدانيين بدورهم قد يتمكنوا من الوصول الى قبة البرلمان في بلدانهم وقد يتمكن بعضهم فعلاً في المستقبل من أن يشكل أحزاباً بالإمكان وصفها على أنها "الأحزاب البديلة". خلاصة القول، الأحزاب الحالية ليست بديلاً ولا يمكن أن تكون كذلك، ولا يوجد إمكانية وفقاً لمعطيات الظروف الراهنة في أن تتشكل أحزاب جديدة بوصفها "بديلة"، ويلزمها لذلك حقبة زمنية قد تمتد الى أكثر من عشر سنوات بحيث تتشكل حراكات متخصصة قد تؤسس بعد ذلك "أحزاباً بديلة".
#خالد_بطراوي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حروب الاستنزاف ... ضربة ع الحافر وضربة ع المسمار
-
تكديس الأوهام
-
ما الذي ينتظر الشعب السوري؟
-
ما العمل .... فلسطينياً؟
-
السياسة والعواطف
-
سمات المرحلة الراهنة
-
متى ستضحك الشعوب؟
-
عشرون أربعون أو عشرون خمسون
-
الصراعات وجذورها الطبقية
-
المهندسة -م-
-
الغطرسة
-
قصة بلا نهاية
-
المحقق كونان
-
البوصلة
-
تعرف الكذبة .... من كبرها
-
البنيان المرصوص
-
كعكة العالم
-
سحابة صيف في الجامعات الأمريكية أم ماذا؟
-
موسيقى المسدس
-
حق الرد
المزيد.....
-
ألمانيا وفرنسا في زيارة تاريخية إلى سوريا: وزيرا الخارجية يت
...
-
حريق ضخم في سوق كانتامانتو في أكرا: دمار واسع وخسائر كبيرة
-
حماس تعلن استئناف المفاوضات مع إسرائيل في الدوحة
-
-سانا- عن مصدر وزاري: القبض على -أحد مسؤولي كاميرات المراقبة
...
-
الشيباني يعلن عن جولة تشمل الأردن وقطر والإمارات
-
2024.. ارتفاع استثمارات السياحة في روسيا
-
الجيش الإسرائيلي ينسف مربعا سكنيا في منطقة الشيخ زايد شمالي
...
-
مجلس النواب الأمريكي يعيد انتخاب الجمهوري مايك جونسون رئيسا
...
-
رويترز: لم يتحدد موعد الحوار الوطني السوري المنتظر
-
أهالي مخيم جنين يتهمون السلطة باستهدافهم كما يفعل بهم الاحتل
...
المزيد.....
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
المزيد.....
|