أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد علي محيي الدين - لقد قصدها يوما















المزيد.....


لقد قصدها يوما


محمد علي محيي الدين
كاتب وباحث


الحوار المتمدن-العدد: 8208 - 2024 / 12 / 31 - 18:11
المحور: الادب والفن
    


أهداني الصديق حسام آل زوين روايته الجديدة (لقد قصدها يوما) وهي من منشورات احمد المالكي- بغداد- شارع المتنبي، صدرت أواخر سنة 2024. والرواية تجمع بين التسجيلية والسيرة الذاتية، فالرواية التسجيلية نوع سردي ينضوي في جنس الرواية، يعنى بالتفاصيل والحقائق ما يجعل المؤلف يحشد طاقاته لإدخالها ضمن الخصائص الفنية والموضوعية، أما رواية السيرة الذاتية فهي شكل من أشكال الرواية باستخدام تقنيات سيرة ذاتية خيالية أو دمج عناصر السيرة الذاتية والخيالية، بتغيير الاسماء والمواقع والتلاعب بالأحداث لتكون ضمن القوالب الفنية المعروفة.
وفي هذه الرواية يأخذنا المؤلف في سياحة طويلة تناولت محطات كثيرة في مسيرته الحياتية، ويروي لنا بأسلوب شيق مراحل متنوعة من حياته، فهي تسجيل لمحطات توزعت على سبعة فصول تتحدث عن رحلة طويلة وشاقة.
والعنوان هو نافذة القارئ الأولى إلى العمل، فقد كان جذابًا ومعبّرًا عن جوهر السيرة الذاتية؟ فهو يحمل طابعًا رمزيًا نجح في إثارة الفضول؟ وقد استطاع المؤلف أن يُضفي عنصر التشويق بالرغم من الطبيعة التوثيقية للرواية؟ و كان الإيقاع متوازنًا موحي للقارئ، واستطاع عرض الشخصية بطريقة إنسانية تعكس تعقيداتها النفسية وقراراتها المصيرية، وكانت الشخصيات الأخرى فعّالة في إظهار التحديات التي واجهها، ونجح الى حد كبير في معالجة القضايا الكبرى مثل الحرية، الظلم، التمرد بطريقة عميقة، ونلحظ في ثنايا النص الجدل الأخلاقي المحيط باستخدام العنف كوسيلة للمقاومة؟ وكانت لغته قادرة على نقل الأحاسيس والمعاناة بصدق؟ واستطاع الموازنة بين السرد الواقعي والأدبي ونجح في خلق صور شعرية أو استعارات أثرت النص، ونجحت الرواية في إيصال الرسالة المرجوة عن النضال ضد الظلم؟ فلم تكن أحادية الجانب بل سمحت للقارئ بتكوين رؤيته الخاصة؟ فقد كانت تعتمد على أحداث حقيقية تم نقلها بأمانة مع اضافات يستدعيها السرد الروائي للأحداث لتأخذ طريقها لذهن القارئ، وكانت صدى للظروف الحالية لتجعلها ذات صلة بالعصر الذي كُتبت فيه؟.
ان نجاح الرواية يعتمد على مدى قدرتها على نقل تجربة النضال بشكل صادق وعميق، وطرح أسئلة حول الخيارات السياسية والأخلاقية. والروايات التي تتناول سير المناضلين تشكل نافذة لفهم التاريخ، وقد تجنب الكاتب المبالغات أو تبسيط الأحداث، والحفاظ على التوازن بين السرد الواقعي والجمالية الأدبية.
"لقد قصدها يومًا" يحمل غموضًا رمزيًا يثير الفضول حول ماهية "القصد" وما يمثله. هل العنوان يشير إلى هدف سياسي، عاطفي، أو فلسفي؟ فالعنوان يفتح أفقًا تأويليًا واسعًا، لكنه قد يكون غامضًا أكثر من اللازم، مما يربك القارئ قبل دخول النص.
والتداخل السردي في الرواية يُبرز أسلوبًا غير خطي يعكس حالة الفوضى أو التعقيد في حياة الشخصية الرئيسية. هذه التقنية قد تكون مفيدة لإظهار تقلبات النفس وصراعات المناضل، لكنها تتطلب براعة في التنفيذ، لذلك كان التداخل منظمًا جيدًا، فلا يؤدي إلى إرباك القارئ ويضعف تماسك النص، واستطاع المؤلف التمييز بين الأزمنة والمواقف بطريقة واضحة، والانتقال بين الأحداث سلسًا؟.
وهذا التداخل قد يخدم القصة فالهدف منه إبراز تأثير النضال على البنية النفسية للشخصية، وقد نجح الكاتب في تحقيق هذا الهدف، وفي توظيف السيرة الذاتية لمعالجة الأحداث رغم التداخل السردي، فهذا يعد إنجازًا يعزز قوة الرواية.
كما أنه استطاع المزج بين السيرة الذاتية والمنحى الروائي لتقديم تجربة شخصية غنية تتجاوز حدود الحياة الفردية إلى قضايا سياسية واجتماعية أوسع. هذا التوظيف يعكس قدرة الكاتب على استخدام التفاصيل الشخصية للمناضل لإضفاء طابع إنساني على القضايا الكبرى، مما يجعل القارئ يتماهى مع النضال وفهم أبعاده المختلفة.
ان التداخل السردي يمكن أن يكون مقصودًا ليعكس تعقيد حياة المناضل والارتباك الناتج عن الأحداث التي يمر بها، وقد نجح في تقديم هذا التداخل بطريقة تخدم الرواية، وذلك يعكس حرفية في التعامل مع السيرة الذاتية كأداة لبناء سرد متشابك يوازن بين الواقعية والتأمل.
والأحداث كما يبدو قد قُدمت عبر عدسة السيرة الذاتية بأسلوب سردي مُحكم، يتيح للقارئ الاطلاع على دوافع الشخصية الرئيسية وقراراتها، وتماسك العرض رغم أن التداخل يشير إلى قدرة الكاتب على التحكم في الزمن السردي، مما يجعل التنقل بين الحقب الزمنية والأحداث مسألة تخدم النص بدلاً من إرباك القارئ.
لقد نجح الكاتب في إظهار الشخصية بعمق من خلال أفعالها وأفكارها ومواقفها من السلطة والنضال، وذلك يُبرز العمل كدراسة نفسية وسياسية للشخصية، ومن هنا تصبح وسيلة لفهم الخيارات المعقدة التي واجهها المناضل، دون الوقوع في فخ التمجيد أو الحكم الأخلاقي.
واستطاعت الرواية استخدام حياة فردية لإضاءة قضايا جماعية، مما يعزز من قدرتها على حمل رسالة سياسية واجتماعية، وهذا التداخل السردي وإن كان مبررًا، يحتاج إلى إشارات أو أدوات إضافية لتوضيح انتقال القارئ بين الأزمنة، فالرواية تقدم نفسها عبر تداخل سردي يعكس طبيعة التجربة النضالية التي غالبًا ما تكون معقدة وغير خطية. التداخل هنا يمكن النظر إليه من زوايا متعددة، فالزمن النفسي يتجلى عندما ينسحب السرد إلى ذكريات أو مشاعر تحمل انعكاسات الأحداث الكبرى على شخصية البطل، مما يعكس اضطراباته الداخلية، والزمن الواقعي يظهر عبر الأحداث التي تُعرض كوقائع من الماضي والحاضر، ولكن في حالة السيرة النضالية، يُمكن أن يطغى النفسي على الواقعي، ما يخلق تداخلًا مقصودًا، والكاتب قد ترك للقارئ دورًا نشطًا لفهم الأحداث وربطها ببعضها، مما يعكس عمقًا فكريًا يدعو القارئ إلى التفكير في الدوافع والمألات، فالسارد يبدو قريبًا من المناضل نفسه، مما يخلق إحساسًا قويًا بالتجربة الفردية ويمنح الرواية بُعدًا حميميًا، وقد تتداخل أصوات شخصيات ثانوية (رفاق، أعداء، عائلة) لإبراز التناقضات الاجتماعية والسياسية، ما يعكس تعددية الرؤى حول فكرة النضال ذاتها.
والرواية تعتمد على السيرة لتكون وسيطًا يُبرز تفاعل البطل مع الظرف السياسي المحيط. من خلال السرد، ويظهر التوتر بين: الذات الفردية... القرارات التي يواجهها البطل كإنسان يحمل مخاوف وآمالًا، والمجتمع والسلطة... التناقض بين القيم التي يدافع عنها المناضل والآليات التي تُستخدم لقمعه، والسرد هنا يصبح وسيلة لإظهار الصراع الطبقي أو السياسي، حيث يعكس أسئلة مثل: هل يمكن للوسيلة (العنف) أن تبرر الهدف (الحرية)؟.
والرواية تقدم مسارات متعددة تتداخل فيها اللحظات النضالية مع لحظات الانكسار والتأمل، مما يخلق بناءً أشبه بشبكة تُبرز تعدد الجوانب في حياة المناضل، فترتكز العقدة على ثنائية أساسية... النضال ضد السلطة كفعل قهري، مقابل الصراع النفسي الداخلي لشخصية تسعى لتحقيق العدالة لكنها تواجه تحديات أخلاقية وإنسانية عميقة.
والتقنيات السردية المُستخدمة التي اعتمدها الكاتب باستخدام تقنية التداعي الحر للسماح للأفكار والذكريات بالظهور بشكل طبيعي وغير مرتب، مما يجعل النص أكثر واقعية وإنسانية. هذه التقنية تربط القارئ نفسيًا بالشخصية، من خلال الرمزية السردية لأحداث تُعرض بأسلوب يمكن أن يحمل رمزية تتجاوز ظاهر النص. على سبيل المثال، "القصد" في العنوان يمكن أن يُفسر كبحث عن الحرية، العدالة، أو حتى التوازن الشخصي.
والتكرار والتوازي السردي أظهر التوازي بين النضال السياسي والخط الشخصي (كالعلاقات الإنسانية أو القرارات المصيرية) ويمكن أن يعكس الترابط بين ما هو فردي وما هو جماعي، والسرد في هذه الرواية يبدو سياسيًا بطبيعته، لكنه أيضًا يحمل في طياته تساؤلات إنسانية أوسع، عن كيفية انعكاس النضال على شخصية المناضل؟ هل يظهر كفعل تضحية خالص أم يترافق مع نزعات شخصية مثل الغضب، الانتقام، أو الطموح؟ فالرواية تذهب إلى ما هو أبعد من السيرة التقليدية لتُبرز أبعادًا إنسانية: الثمن الشخصي للنضال: كيف يُظهر السرد تأثير الخيارات السياسية على حياة البطل؟ فالتداخل السردي يمكن تفسيره كمحاولة لإظهار كيف أن الماضي دائم الحضور في حاضر المناضل، مما يُبرز فكرة أن النضال ليس لحظة مؤقتة بل حالة مستمرة تؤثر على الزمن بأكمله.
ان رواية "لقد قصدها يومًا" تقدم نفسها كمحاولة لتجاوز السرد الخطي التقليدي، مما يجعلها أكثر انسجامًا مع طبيعة النضال المتشظي والمعقد، وتكمن قوة الرواية في قدرتها على توظيف التداخل السردي لإبراز الأبعاد النفسية والسياسية للشخصية، ورغم نجاح السرد، فقد يواجه القارئ تحديًا في فهم العلاقات الزمنية والانتقال بين الأحداث. ويمكن للكاتب تعزيز التجربة السردية باستخدام أدوات إضافية، مثل تقسيم الفصول بشكل أوضح، أو توفير إشارات زمنية تساعد على تنظيم التداخل، وبهذا الشكل، تصبح الرواية عملاً متشابكًا يجمع بين السياسة، الفلسفة، والإنسانية في بناء سردي غني بالتأملات، وتبدو عملًا يحمل طابعًا عميقًا وإنسانيًا، يقدم تجربة نضالية بمنظور جديد، ان نجاح الكاتب في توظيف السيرة رغم التحديات السردية يُحسب للنص، ويجعله إضافة مميزة إلى الأدب الذي يعالج النضال السياسي.



#محمد_علي_محيي_الدين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قطف الثمر في التاريخ والتراث والفكر
- نبيل الربيعي باحثا ومقاليا
- دار الظالم خراب
- سجلت ضد مجهول
- كلاوات حجي علي
- كلها سوده مصخمة
- ينرادلها هلهولة
- سالفة الاخرس
- لمن تقرع الأجراس
- وزير بالمزاد
- خَل يموت الحصان من أكل الشعير
- عازف الناي سفاح عبد الكريم
- سيد ويهودي راضعين من ديس
- قراءة في سونيتة الغجر
- بدون تربية
- رفقا بالقوارير
- -رد لا تتهده بحلك آفه-
- چمل الغرگان غطه
- راح أجيب شهود
- من تاريخ النقابات والجمعيات الفاعلة في العراق


المزيد.....




- الباتيك في إندونيسيا.. فن تقليدي يعكس روح جاوا وبيئتها
- بعد هجوم نيو أورليانز.. شاهد ما فعله موسيقيون ورجال دين في ش ...
- سوريا.. المخرجة رشا شربتجي تؤكد الإفراج عن كاتب مسلسل -فضح م ...
- علَّم طفلك اللغة العربية السليمة.. ثبت قناة طيور الجنة الآن ...
- المقاومة بالسرد الجميل.. تجربة القصة الفلسطينية القصيرة من م ...
- تعرّف على أبرز الأحداث والعروض الفنية والثقافية لعام 2025
- الموت يُغيِّب الفنان المسرحي الكبير قصي البصري
- اعتقال بطل فيلم -أبوكاليبتو- في اليونان
- شاهدة على تحولات تاريخية ـ عواصم الثقافة الأوروبية عام 2025 ...
- -عباسيون وبيزنطيون رجال ونساء-.. تحولات الحكم في قصور الخلفا ...


المزيد.....

- اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110 / وردة عطابي - إشراق عماري
- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد علي محيي الدين - لقد قصدها يوما