أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود شقير - من دفتر اليوميات/ محمود شقير19















المزيد.....


من دفتر اليوميات/ محمود شقير19


محمود شقير

الحوار المتمدن-العدد: 8208 - 2024 / 12 / 31 - 16:14
المحور: الادب والفن
    


الجمعة 20 / 2 / 1998
انهمكت في تقليم شجرات العنب المحيطة ببيتنا (عددها أربع شجرات). قلمتها وشعرت بارتياح لأنني أنجزت عملاً بسيطاً، لكن الغبار المتساقط على أنفي من أغصان الشجر، جعلني عرضة لمزيد من السعال طوال هذا المساء، فاحتملت ذلك.
بعد تقليم العنب، ذهبت إلى بيت الوالد والوالدة. تسامرت معهما مدة قصيرة ثم خرجت. الوالد يبدو مرهقاً هذه الأيام، وهو يشكو من دوخة ومن هبوط عام. صحته ليست على ما يرام بعد الوعكة التي أصابته قبل أشهر.
مزاجي هذا اليوم عرضة للتقلبات. الساعة الآن الواحدة بعد منتصف الليل. سأقرأ ساعة أو أكثر قليلاً في رواية "إله الأشياء الصغيرة" للروائية الهندية أرنداتي روي (باللغة الانجليزية). لدى هذه الكاتبة الشابة أسلوب مدهش في السرد وفي التقاط التفاصيل.

الأحد 1 / 3 / 1998
الساعة الآن الثانية بعد منتصف الليل. انتهيت قبل لحظات من قراءة ديوان محمود درويش "لماذا تركت الحصان وحيداً"، وهذه هي المرة الرابعة التي أقرأ فيها هذا الديوان الجميل (كان محمود أهداني نسخة من الديوان حينما التقينا في عمان). ورغم قراءتي للديوان مرات عدة، فثمة صور شعرية ورموز وردت في الديوان، لم أستطع حتى الآن استيعابها تماماً. غير أن صوراً أخرى وطرائق في الكتابة الشعرية يتبعها محمود، أصبحت أكثر وضوحاً لدي. مثلاً، صرت أكثر معرفة بطريقة محمود في تركيب صوره ومجازاته، وفي تحويل الفكرة إلى صورة حسية، وصرت أكثر قدرة على ملاحظة موسيقى القصيدة لديه وإيقاعاتها. هذا الديوان يفيض عذوبة وقدرة على تطويع اللغة وعلى الغوص في ثنايا الذات.
هذه الأيام، تساورني أفكار هدامة تجاه مسألة الاستمرار في الكتابة، ملحة علي بتركها، حيث أشعر أنني بعد ما يقارب أربعين عاماً من الكتابة لم أنجز شيئاً كبيراً، وها هو ذا العمر يتقدم بي، ولم يبق لي الكثير من الزمن لكي أحقق ما أصبو إليه من كتابة لم أكتبها حتى الآن. وها أنذا أحاول أن أقرأ بشكل جدي ومستمر، لكن ما لم أقرأه بعد يحتاج إلى أعمار عدة. وأنا حائر تجاه ذلك وقلق وشديد الاستياء.

الأربعاء 4/3/1998

ذهبت إلى العرس . دخلت وأنا متهيب لأنني لم أسمع صوت الغناء. كان العرس صامتاً ، ليس ثمة غناء ولا زغاريد. قبل يومين ، قام جنود الاحتلال عند حاجز ترقوميا بقتل ثلاثة عمال ، كانوا عائدين الى بيوتهم بسيارة أجرة . شارك آلاف المواطنين في الجنازة التي لم تشهد بلدة دورا مثيلا لها . على شاشة التلفاز ، كانت والدة أحد الشهداء تحمل صورته وهو يقبض على آلته الموسيقية ( العود ) . الجنود القتلة الذين اغتالوا اللحن الوديع ، غادروا السجن هذا الصباح ، قال أحد قادة الجيش الاسرائيلي : لا داعي للاستمرار في اعتقالهم لأنهم كانوا ينفذون التعليمات . شهود عيان أكدوا أن ثمة كذبة كبيرة ، فالعمال العائدون الى بيوتهم لم يفكروا أبدا في اجتياح حاجز الجنود ، والجندي الذي ابتدأ باطلاق النار قبل زملائه الآخرين كان معبأ بفكرة القتل ، والا لماذا كان يرتدي بلوزة مكتوبا عليها بأحرف بارزة : وجدنا لكي نقتل !!!
بعض محطات التلفزة التقطت صورا لزوجات العمال الثلاثة ولأطفالهم . أحد هؤلاء طفل عمره ثمانية أيام ، لم يكن يدري ماذا حل بوالده . بعد سنوات من اليتم ستروي له أمه ما جرى . طفل آخر لا يتجاوز الثانية من العمر ، كان يلعب في ساحة البيت ، لم يكن معنيا بنواح النسوة ودموعهن ، ولم يكن يعي أن أباه قد غادر البيت الى الأبد .
في عرس البيرة ، كان الصمت سيد الموقف حدادا على شهداء دورا - الخليل . وكان أهل العريس والمدعوون الى العرس واجمين ، وبين الحين والآخر كانت أسئلة حائرة تنطلق في فضاء الصمت تبحث عن نهاية لهذا المسلسل الدموي المكتظ بالعنصرية والحقد والتنكيل .
كنت أغادر العرس متلفعا بالحزن ، أجتاز حاجز الرام متجها نحو القدس . القتلة أمام أعيننا كل صباح وكل مساء ، ودمنا عرضة لرصاصهم في كل ساعة من نهار وفي كل ساعة من ليل.
***
السبت14 / 3 / 1998


طقس معتدل ، ونهار شبيه بنهارات كثيرة تتوالى علي دون بهجة أو حبور. أصعد طريق الجبل ذاهبا الى عملي في مدينة رام الله . أجتاز المخفر الذي بناه المحتلون منذ أشهر فوق أرضنا ، أجتاز بيوت المستوطنة، أدخل الشارع العريض الذي عبدوه حديثا ليخدم المستوطنة وحي تل بيوت الشرقية . وأمضي الى رام الله .
أنهمك في عملي ، أقرأ مجموعة من المقالات لنشرها في العدد الرابع عشر من دفاتر ثقافية ، أسأل عن البريد لعل رسالة القاهرة التي ترسلها نورا أمين قد وصلت ، لكنها لم تصل . أتلقى عددا من الهواتف ، يزورني في المكتب عدد من الأصدقاء .
بعد انتهاء الدوام ، أتناول غدائي البسيط ، ثم أنهمك في قراءة حوار طويل مع محمد حسنين هيكل حول أوضاع العرب الراهنة ، وحول آفاق التسوية المنتظرة مع حكام اسرائيل . يبدو هيكل متشائما ، ويرى أن أية تسوية في هذه الظروف ستكون مجحفة بحق العرب والفلسطينيين ، وستكون في الوقت نفسه تسوية مؤقتة ، وهو يرى أن الصراع لن يتوقف .
أهاتف وفاء درويش ، وأخبرها أن لها معي مائة وخمسين شاقلا ، مكافأة لها على مقالة نشرتها في دفاتر ثقافية ، اتفقت معها أن تكلف ابنتها بانتظاري على الشارع كي أسلمها المكافأة . غادرت مبنى الوزارة ، توقفت قرب بيت وفاء على الشارع الرئيسي المؤدي الى القدس ، لم أجد ابنتها في انتظاري ، هبطت من السيارة واتجهت الى بيتها ، كانت هناك هي وابنتاها ، وكن يتأهبن للخروج ، سلمتها المبلغ ، طلبت مني أن أوصلها هي والبنتين الى القدس ، لأنها ستذهب للسلام على أمها القادمة من عمان .
نزلت وفاء وابنتاها من سيارتي في منطقة الشيخ جراح . واصلت سيري نحو المكبر . ذهبت الى بيت ابني أمين ، لحضور الاحتفال بعيد ميلاد ابنه أسامة . غدا يصبح عمره عاما واحدا . وغدا أيضا يصبح عمري سبعة وخمسين عاما . يا الهي ، ها هو ذا العمر يمضي وأنا لم أنجز شيئا بعد ، لذلك أشعر بقلق مقيم .
***

الأحد 15 / 3 / 1998
اليوم عيد ميلادي. أصبح عمري سبعاً وخمسين سنة. بدأت منذ أسبوع تنفيذ برنامج الكتابة اليومية (هذا اليوم لم أكتب شيئاً، لأنني كنت مضطراً إلى مشاهدة فيلم "المعتقل" على الفيديو. لم يعجبني الفيلم. منذ أسبوع ونبيل العريان منتج الفيلم يهاتفني ليسألني رأيي في الفيلم. غداً قد يتصل بي، وسوف أعطيه رأيي فيه. هو قدمه من أجل المشاركة في جوائز فلسطين للآداب والفنون والعلوم). كتبت خلال الأسبوع الماضي قصتين قصيرتين، وبعض النصوص النثرية.
المشكلة أن ذهني مشتت، ولدي ارتباطات يومية كثيرة (اليوم ذهبت إلى صالة المطل في رام الله القديمة لحضور افتتاح المعرض الفني لمحمد صالح خليل والهندية صبحادي. جاء الوزير ياسر عبد ربه وافتتح المعرض. وجاء سليمان النجاب، وعدد من الكتاب والفنانين. تفرجت على اللوحات المعروضة ثم غادرت عائداً إلى البيت). أحاول هذه الأيام أن أقلص مشاركتي في ندوات وأنشطة عديدة.
الكتابة الإبداعية بالنسبة لي تحتاج إلى بطالة كاملة، وتحلل من الارتباطات اليومية، ونوع من الاسترخاء مع الكثير من القراءة، وأكثر هذه الأمور غير متوفر لي للأسف الشديد.
مساء، احتفلنا بعيد ميلاد الحفيد أسامة (أسامة مولود بتاريخ 15 / 3 / وهو التاريخ نفسه الذي ولدت فيه). وقد أصبح عمره عاماً واحداً. إنه طفل وسيم موفور الصحة.
الساعة الآن تتجاوز الثانية عشرة ليلاً. سأحاول بعد قليل، كتابة شيء خاص ببرنامج حزب الشعب، لتقديمه للجنة التحضيرية للمؤتمر. بعد مؤتمر الحزب الذي سيعقد في حزيران القادم، سيكون نشاطي الحزبي محدوداً جداً، ولن أعود عضواً في اللجنة المركزية للحزب، لأنني لن أرشح نفسي لعضويتها، وسأحاول تكريس كل وقتي للكتابة.
يتبع...20



#محمود_شقير (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من دفتر اليوميات/ محمود شقير18
- من دفتر اليوميات/ محمود شقير17
- مداخلة أخيرة عن زميلتي الكورية/ محمود شقير
- زميلتي الكورية هان كانغ الفائزة بجائزة نوبل2024 / محمود شقير ...
- زميلتي الكورية الفائزة بجائزة نوبل للآداب2024/محمود شقير4
- زميلتي الكورية التي فازت بجائزة نوبل للآداب2024/محمود شقير3
- زميلتي الكورية القائزة يجائزة نوبل للآداب2024 / محمود شقير/2
- زميلتي الكورية هان كانغ الفائزة بجائزة نوبل للآداب/1
- من دفتر اليوميات/ محمود شقير16
- من دفتر اليوميات/ محمود شقير15
- من دفتر اليوميات/ محمود شقير14
- من دفتر اليوميات/ محمود شقير13
- من دفتر اليوميات/ محمود شقير12
- من دفتر اليوميات/ محمود شقير11
- من دفتر اليوميات/ محمود شقير10
- من دفتر اليوميات/ محمود شقير9
- من دفتر اليوميات/ محمود شقير8
- من دفتر اليوميات/ محمود شقير7
- من دفتر اليوميات/ محمود شقير6
- من دفتر اليوميات/ محمود شقير5


المزيد.....




- الباتيك في إندونيسيا.. فن تقليدي يعكس روح جاوا وبيئتها
- بعد هجوم نيو أورليانز.. شاهد ما فعله موسيقيون ورجال دين في ش ...
- سوريا.. المخرجة رشا شربتجي تؤكد الإفراج عن كاتب مسلسل -فضح م ...
- علَّم طفلك اللغة العربية السليمة.. ثبت قناة طيور الجنة الآن ...
- المقاومة بالسرد الجميل.. تجربة القصة الفلسطينية القصيرة من م ...
- تعرّف على أبرز الأحداث والعروض الفنية والثقافية لعام 2025
- الموت يُغيِّب الفنان المسرحي الكبير قصي البصري
- اعتقال بطل فيلم -أبوكاليبتو- في اليونان
- شاهدة على تحولات تاريخية ـ عواصم الثقافة الأوروبية عام 2025 ...
- -عباسيون وبيزنطيون رجال ونساء-.. تحولات الحكم في قصور الخلفا ...


المزيد.....

- اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110 / وردة عطابي - إشراق عماري
- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود شقير - من دفتر اليوميات/ محمود شقير19