|
ماركيزيات كتاب كامل
كاظم حسن سعيد
اديب وصحفي
الحوار المتمدن-العدد: 8208 - 2024 / 12 / 31 - 12:01
المحور:
الادب والفن
ماركيزيات قراءة ومختارات من قصصه القصيرة 2024
مقدمة كتاب ماركيزيات يروي ماركيز (1927 - 2014 ) في مجموعته القصصية ( اثنتا عشرة قصة مهاجرة ) كيف كتبها فقد استغرق فيها ثمانية عشر عاما وقبل ان تتكون ظهرت خمس منها كمقالات صحفية وسينياريوهات سينمائية وواحدة كمسلسل تلفزيوني واخرى رواها في مقابلة مسلسلة فكتبها صديق له فاعاد كتابتها بنفسه . خطرت فكرة كتابة هذه القصص مطلع السبعينيات بمناسبة حلم راوده فقد حلم انه يحضر مأتمه بالذات وفسره كوعي لهويته وراى فيه لقية مشجعة على الكتابة بعد ان انهى روايته خريف البطريك بفترة قصيرة . لقد سجل في دفتر ملاحظات مدرسي اعاره له ولداه اربعة وستين موضوعا وتاكد بعدها بانها لا تصلح رواية بل قصصا قصيرة . كان قد كتب قبلها ثلاث مجموعات قصصية لم تكن كوحدة متكاملة ويريد الان ان يكتب مجموعة بوحدة داخلية . وشعر حين وصل منتصف القصة الثالثة وهي عن جنازته بانه يفقد شيئا من حماسته ويرهق نفسه اكثر مما لو كتب رواية . ويضيف انه اكتشف بان القصة القصيرة اما ان تتشكل او تبدا بها من جديد او رميها في القمامة . كتب ماركيز روايته الاولى في سن 25 وفي 1965 خطرت في باله فكرة كتابة روايته الاهم مائة عام من العزلة وكان يقود عجلته فاستدار لمنزله ليتكهف في عزلته 18 شهرا لينجزها . استغرق ماركيز عشر سنوات في كتابة روايته مذكرات غانياتي الحزينات فصدرت سنة 2004. عرف اسلوب ماركيز بالواقعية السحرية والحقيقة انه لم يكن اول من ابتكره , في سنة 1925اطلق الناقد الالماني فرانك على معرض فني اقيم في مانهايم بالمانيا وصف الواقعية السحرية فاصبح مصطلحا لتحديد اعمال ادبية بدلا من الحركة التعبيرية . لقد كان ماركيز وفيا لنفسه فكتب مائة عام كما كانت ترويها له جدته حسب تصريحه حيث يمتزج الواقع بالغرائبية وتزال الحدود بين الخرافة والحقيقة . ما يجهله البعض ان ماركيز شاعر عظيم وتلك الطاقة الشعرية المتفردة التي كيفها في قصصه ورواياته هي ما صيرت من اسلوبه سحرا لقرائه وادخلته باقتدار الى عمق التاريخ . المراة والحب والطاغية والشيخوخة ثيمات كتب عنها ماركيز بعبقرية وسحر نادر لكني ارى ثيمة الموت اخذت مساحة شاسعة في كتاباته . منذ ترجمة مائة عام وتتويجه بنوبل حرصت على تتبع كل جملة كتبها ماركيز. وفي الثمانينيات من القرن الماضي قرات في احدى المجلات قصة طائرة الحسناء النائمة فاصبت بالذهول , مرت سنوات قبل ان اعرف انها قصة لماركيز , وما زلت للان استمتع بقراءتها . بعدها صدرت المجموعة القصصية الكاملة لماركيز بترجمة صالح علماني امهر من ترجم له فابهرتني قصته (الفتاة التي تصل في الساعة الخامسة ) , وهي تعكس مقدرته السينمائية والادرك العميق لروح المرأة . في قصص ضائعة الذي احتوى على مقالات صحفية وقصص قصيرة يضيء ماركيز جوانب مظلمة في حياة الانسان مثل اولئك النسوة اللاتي ينتحرن في الساعة السادسة ياسا من قسوة الحياة وخيبة الظن العميقة اوذلك العامل الذي لا يتحمل سعادة رئيسه لتوفر جمال الزوجة وروعة الطفل والثروة فيقول على السعادة ان لا تكون ابدية فيخطف صغير رب عمله ليجعله يمر بنكسة واحدة . لكن ما رسخ لدي فكرة كتاب يضم مختارات من قصص ماركيز هو قراءتي من ايام قصته ( اجمل غريق في العالم ). يصعب على الكثيرين تتبع كتب ماركيز التي تجاوزت خمسين مؤلفا , لهذا اعتقد ان انتقاء مختارات له سيكون نافعا في مرحلته شح فيها القراء وتكاثرت تلال الكتب . ستكون المقالات التي كتبتها عنه والتي ستحتل الجزء الثاني من الكتاب كافية لتسليط الضوء على منجزه القصصي .
الجزء الاول
المراة التي تصل في السادسة فتح الباب الدوار لم يكن هناك احد في مطعم خوسيه في تلك الساعة . لقد دقت الساعة السادسة للتو والرجل يعرف ان الزبائن المعهودين لا يبؤون المجيء الا في السادسة والنصف وقد كانت الزبونة بالغة المحافظة والانتظام في موعدها فلم تكد الساعة تنهي دقتها السادسة حتى دخلت امراة مثلما تفعل كل يوم في هذه الساعة وجلست دون ان تقول شيئا على المقعد الدوار المرتفع كانت تضغط سيجارة غير مشتعلة بين شفتيها . - اهلا بالملكة _ قال خوسيه حين رآها تجلس ثم ذهب الى الطرف الاخر من منضدة الكونتار يمسح بخرقة بالية سطح المنضدة الزجاجي انه الشيء نفسه الذي يقوم به خوسيه كلما دخل احد الى المطعم حتى مع المراة التي توصل معها الى نوع من الالفة , كان صاحب المطعم البدين متورد الوجه يقدم تمثيليته اليومية كرجل نشيط , تكلم من الطرف الاخر من الكونتار - _ ماذا تريدين اليوم ؟ قال _ اريد ان اعلمك كيف تكون رجلا شهما _ قالت المراة ,وكانت تجلس في اخر صف المقاعد الدوارة ومرفقاها على الكونتوار والسيجارة مطفاة بين شفتيها , وعندما تكلمت زمت فمها كي ينتبه خوسيه الى السيجارة غير المشتعلة , _ لم انتبه قال خوسيه _ انت لم تنتبه الى أي شيء حتى الان _ قالت المراة ترك الرجل الخرقة على المنضدة ومشى باتجاه الخزانة القاتمة والعابقة برائحة القار والخشب المغبر ثم رجع ومعه علبة الثقاب . ترك الرجل الخرقة على المنضدة ومشى باتجاه الخزانة القاتمة والعابقة برائحة القار والخشب المغبر ثم رجع ومعه عود ثقاب. .انحنت المرأة لتصل الى لهب الشعلة بين يدي الرجل الخشنتين وكثيفتي الشعر. راى خوسيه شعر المرأة الغزير المطلي بفانزلين سميك ورخيص وراى كتفها العاري فوق حمالة صدرها المزينة برسوم ازهار وراى منبت الثدي الغسقي عندما رفعت المرأة رأسها والسيجارة مشتعلة بين شفتيها. - انك جميلة اليوم ايتها الملكة - قال خوزيه. - دعك من هذه البلاهة - قالت المرأة - لا تظن ان هذا سينفعني غي ان ادفع لك. - ليس هذا ما عنيته ايتها الملكة قال خوزيه واضاف: اراهن ان الغداء ضايقك اليوم. عبت المرأة اول نفس دخان كثيف وقاطعت ذراعيها ومرفقاها لا يزالان على حاجز الكونتوار واستغرقت في النظر الى السارع من خلال زجاج المطعم العريض..كانت ملامحها كئيبة كآبة ضجرة ومبتذلة. - ساعد لك شريحة لحم جيدة قال خوسيه. - لا نقود لدي قالت المراة - منذ ثلاثة سهور وانت بلا نقود ودائما اعد لك شيئا جيدا - قال خوسيه. - اليوم مختلف- قالت المرأة بحزن وكانت لا تزال تنظر الى الشارع. - كل الايام متشابهة قال خوسيه - كل يوم تدق الساعة السادسة وعندئذ تدخلين وتقولين انك تشعرين بجوع كلب فاعد لك شيئا طيبا الفرق الوحيد هو انك لم تقولي اليوم انك تشعرين بجوع كلب فاعد لك شيئا الفرق الوحيد هو انك لم تقولي اليوم انك تشعرين بجوع كلب بل قلت ان اليوم مختلف. وهذا صحيح - قالت المرأة. والتفتت لتنظر الى الرجل في الجانب الآخر من حاجز الكونتوار يفحص الثلاجة. ظلت تتأمله لثانيتين او ثلاث ثوان. ثم نظرت الى الساعة فوق الخزانة. كانت السادسة وثلاث دقائق - هذا صحيح يا خوسيه. نظر الرجل الى الساعة وقال - ساقطع ذراعي اذا كانت هذه الساعة تتأخر دقيقة واحدة. - ليست هذه هي المسألة يا خوسيه. المسألة انني لم اجيء اليوم في السادسة قالت المرأة بل جئت في السادسة الا ربعا. - لقد دقت الساعة السادسة للتو يا ملكة قال خوسيه عند دخولك بالضبط انتهت الدقات. - انا هنا منذ ربع ساعة - قالت المرأة. توجه خوسيه الى حيث هي جالسة قرب من المرآة وجهها الضخم المحتقن بينما هو يرفع بسبابته احد جفنيه انفخي لي هنا قال دفعت النرأة رأسها الى الوراء كانت جادة متضايقة متراخية تجملها مسحة من الحزن والتعب دعك من الحماقات يا خوسيه انت تعرف اني لم اعد اشرب منذ ستة شهور يمكنك قول هذا لغيري ولكن ليس لي انا.. - اراهن انكما شربتما لترا على الاقل انتما الاثنين. شربت كأسين مع صديق قالت المرأة آه لقد اتضح لي الأمر الآن_ قال خوسيه ليس هناك مايستدعي التوضيح فالت المرأة انني هنا منذ ربع ساعة هز الرجل كتفيه حسن، اذا كان هذا ماتريدينه فأنت هنا منذ ربع ساعة قال ففي نهاية المطاف ليس هنالك من يهتم بعشر دقائق اكثر او عشر دفائق اقل. بل هي مهمة ياخوسيه قالت المرأة ومدت ذراعيها علي الكونتوار فوف سطحه الزجاجي بملامح من الخذلان المتراخي وقالت ليس لأني اريد ذلك وأنما لأننب منذ ربع ساعة واعادت النظر الى الساعة وصححت أعني أنني هنا منذ عشرين دقيقة لا بأس الملكة قال الرجل اقدم اليك يوما كاملا مع ليلته لمجرد ان اراك سعيدة. كرر وتوقف فجأة والتفت الى حيث المرأة هل تعرفين أنني احبك كثيرا؟ نظرت أليه المرأة بفتور. صحيح ؟ يالهذا الاكتشاف ياخوسيه وهل تظن انني ارضى البقاء معك ولو مقابل مليون بيزو ؟ لم يكن هذا ماعنيته أيتها الملكة فال خوسيه أراهت مرة اخرى على ان الغداء قد ضايقك ليس هذا هو السبب في ماقلته قالت المرأة وصار صوتها اقل تثاقلاً المسألة هي انه لاتوجد امرأة قادرة على تحمل ثقل مثلك ولو مقابل مليون بيزو احمر وجه خوسيه خجلاً ادار ظهره للمرأة و راح ينفض الغبار عن الزجاجات التي في الخزانة. تكلم دون ان يدير وجهه انت لاتطاقين اليوم ايتها الملكة اظن ان افضل مايمكنك عمله هو ان تاكلي شريحة اللحم وتذهبي للنوم. لست جائعة قالت المرأة راحت تنظر من جديد الى الشارع تتأمل المارة غير المرئيين بوضوح في المدينة التي يكتنفها الغروب وللحظة كان هناك صمت غائم في المطعم سكون يكاد لا يقطعه سوى تقليب خوسيه في الخزانة توقفت المرأة فجأة عن النظر الى الشارع وتكلمت بصوت منطفئ رقيق ومختلف. هل صحيح أنك تحبني يابيبيو؟ صحيح رد خوسيه بجفاء دون ان ينظر اليها. بالرغم مما قلته لك ، قالت المرأة: وماذا قلت لي ؟ قال خوسيه دون تغيير في صوته ودون ان ينظر اليها ماقلته عن المليون بيزو ، قالت المرأة لقد نسيته ، قال خوسيه هكذا أذاً انت تحبني ؟ قالت المرأة اجل، قال خوسيه كان هناك صمت. واصل خوسيه التحرك ووجهه يتجه نحو الخزانة ودون ان ينظر بعد الى المرأة. اطلقت هي دفقة جديدة من الدخان ولسندت صدرها الى منضدة الكونتوار ثم عضت لسانها بحرص ومكر قبل ان تقول له كما لو انها تتكلم على رؤوس اصابع قدميها. حتى لو لم انم معك؟ عندئذ ففط استدار خوسيه لينظر أليها. انا احبك حتى لو لم تنامي معي قال ثم مشى الي حيث هي جالسة وظل ينظر أليها مواجهة وذراعاه القويتان تستندان الى الكونتوار في مواجهتها و قال محدقاً في عينيها أحبك الى حد أنني اكون مستعداً كل مساء لقتل الرجل الذي يذهب معك. بدت المرأة مرتبكة للوهلة الاولى ثم نظرت بعد ذلك الى الرجل باهتمام بملامح تتماوج بين الشفقة والسخرية ثم عادت الى صمت قصير حائرة وأطلقت بعد ذلك ضحكة مجلجلة . انت غيور ياخوسيه ياللروعة انت غيور ! عاد وجه خوسيه الى الاحمرار بخجل صريح ، خجل شبه مستهتر مثلما يمكن ان يحدث لطفل كشفت فجأة كل اسراره قال انت لاتفهمين شيئاً هذا المساء يا ملكة ومسح عرفه بالخرقة. ما الذي تعنيه اذا؟ قالت المرأة. المسإلة انني احبك كثيرا الى حد انه لا يعجبني ان تفعلي هذا قال خوسيه. اي شيء؟ قالت المرأة ذهابك هذا مع رجل مختلف كل يوم - قال خوسيه. - هل صحيح انك مستعد لقتله كي لا يذهب معي ؟ قالت المرأة. - ليس كي لا يذهب معك قال خوسيه بل مستعد لقتله لانه ذهب معك. - انه الشيء نفسه قالت المرأة. بلغ زخم المحادثة حدا مثيرا كانت المرإة تتكلم بصوت خفيض ناعم فتان ووجهها يكاد يلتصق بالوجه المعافى والمسالم للرجل الذي يقف بلا حراك كالمسحور ببخار الكلمات. - كل هذا صحيح قال خوسيه. اذا قالت المرأة وهي تند يدها لتداعب ذراع الرجل الخشن والقت باليد الاخرى عقب السيجارة وتابعت تقول. .اذا انت قادر على قتل رجل ؟ - من اجل ما قلته لك اجل قال خوسيه وقد اتخذ صوته نبرة شبه درامية. انفجرت المرأة ضاحكة وهي تهتز بنية مكشوفة فبي السخرية. - يا للفضاعة يا خوسيه يا للفضاعة قالت وهي ما تزال تضحك - خوسيه يقتل رجلا. من كان يصدق ان وراء الرجل البدين التقي الذي يعد لي كل يوم شريحة لحم دون ان يتقاضى الثمن ويتسلى بتبادل الحديث معي الى ان اجد رجلا وراء مثل هذا الرجل يوجد قاتل. .يا للفضاعة يا خوسيه انك تخيفني. كان خوسيهمرتبكا. ربما احس بقليل من السخط ربما احس حين بدأت المرأة الضحك بشيء من خيلة الامل. - انك مخمورة ايتها البلهاء قال - اذهبي للنوم. حتى انك غير راغبة في اكل اي شيء. لكن المرأة وقد توقفت عن الضحك بدت جادة من جديد مفكرة مستندة الئ منضدة الكونتوار.. رأت الرجل يبتعد رأته يفتح الثلاجة ويغلقها ثانية دون ان يخرج شيئا منها ثم رأته يمسح الزجاج اللامع عندئذ تكلمت من جديد بالنبرة المؤثرة والناعمة التي قالت بها( هل صحيح انك تحبني يل بيبيو؟ - خوسيه- قالت. لم ينظر اليها - خوسيه - اذهبي الى النوم قال خوسيه . .واستحميقبل ان تنامي كي تهدأ السكرة. بجد يا خوسيه انا لست مخمورة. - لقد صرت غبية اذا - قال خوسيه. - تعال الى هنا اريد ان اتحدث معك - قالت المرأة. اقترب الرجل متارجحا بين الرضا وعدم الثقة. - اقترب عاد الرجل للوقوف قبالة المرأة. .انحنت هي الى الامام ..امسكته بقوة من شعره ولكن بحركة جلية العذوبة. - اعد علي ما قلته في البدء وقالت - ماذا تعنين؟ قال خوسيه وهو يحاول النظر اليها برأسه المنحني ممسوك الشعر. - انك مستعد لقتل رجل ينام معي قالت.. - انني مستعد لقتل رجل ينام معك يا ملكة..هذا صحيح - قال خوسيه. افلتته المرأة - ستدافع عني اذا ما قتلته اذا؟ قالت مؤكدة وهي تدفع بفظاظة متغنجة رأس الخنزير الضخم الذي لخوسيه..لم يجب الرجل بشيء. .ابتسم. - اجبني يا خوسيه. .قالت المرأة. .هل ستدافع عني اذا قتلته. ؟ - هذا يعتمد على الوضع - قال خوسيه - انت تعلمين ان الامر ليس بالسهولة التي يقال بها. - ليس هناك من تصدقه الشرطة اكثر منك..قالت المرأة. ابتسم خوسيه بوقار ورضا. .انحنت المراة نحوه من جديد فوق الكونتوار وقالت - هذا صحيح يا خوسيه اراهن انك لم تكذب مرة واحزة. - لن تحصلي بهذا على اي شيء. .قال خوسيه. - الشرطة تعرف عنك هذا على الاقل وتصدق اي شيء تقوله دون السؤال عنه مرتين. بدأ خوسيه يضرب ضربات خفيفة على الكونتوار قبالتها دون ان يدري ما يكنه قوله..نظرت المرأة مجددا الى الشارع ثم نظرت بعد ذلك الى الساعة وغيرت نبرة صوتها كما لو ان لها مصلحة في انهاء الحوار قبل ان يصل اول الزبائن. - هل انت مستعد لان تكذب من اجلي يا خوسبه ؟ قالت..اتكلم بجد. عندئذ عاد خوسيه للنظر اليها بغتة كما لو ان فكرة رهيبة دوت داخل رأسه ..فكرةدخلت من اذنيه ودارت للحظة بغموض واضطراب ثم خرجت من الاذن الاخرى مخلفة احساسا ضئيلا من الخوف. - في اي مشكلة تورطت ايتها الملكة ؟ قال خوسيه..وانحنى الى الامان وقد قاطع ذراعيه ثانية على الكونتوار. احست المرأة بالبخار القوي المحمل بقليل من النشادر في انفاسه القوية المشبعة التي تخرج بصعوبة بسبب ضغط الكونتوار على بطن الرجل. - هذا خذير ايتها الملكة في اية ورطة ادخلت نفسك ..قال. ادارت المرأة رأسها الى الجهة الاخرى - لا شيء. .قالت..كنت اتحدث للتسلية. ثم عادت للنظر اليه. - اتدري بان قد لا تصطر لقتل احد؟. - انا لم افكر قط في قتل احد..قاب خوسيه مرتبكا. - لا يا رجل..قالت المرأة.. اعني لا احد ممن ينامون معي. - آه..قال خوسيه.. الان بدأت تتكلمين بوضوح لقد كنت ارى على الدوام انك غير مضطرة للمضي في تلك الحياة..اراهنك على انك اذا ما تخليت عن ذلك فسوف اقدم لك شريحة لحم يوميا ودون ان اتقاضى شيئا. - شكرا يا خوسيه قالت المرأة. .الامر ليس هكذا والمسألة انني لم اعد استطيع النوم مع احد. - ها انت تعودين الى تعقيد الامور. .قال خوسبه..وبدأ يبدو نافذ الصبر. - انا لا اعقد شيئا. .قالت المرأة..واسترخت على الكرسب ورأى خوسيه ثدييها الخامدين والحزينين تحت حمالة صدرها. - غدا سارحل واعدك باني لن اعود للنوم مع احد. - من اين جاءتك هذه الحمى. .قال خوسيه. لقد صممت على هذا منذ قليل قالت المرأة منذ لحظةفقط انتبهت الى ان هذه كلهمجرد قذارة. تناول خوسيهخرقة القماش من جديد وراح يفرك الزجاج قريبا منها تكلم دون ان ينظر اليها. - ما تفعلينه هو قذارة بالضبط كان عليك ان تدركي ذلك منذ وقت طويل. - كنت اعرف منذ وقت طويل قالت المرإة ولكنني اقتنعت بذلك منذ لحظة فقط انني اشعر بالقرف من الرجال. ابتسم خوسبه رفع رأسه لينظر وهو لا يزال يبتسم لكنه رآها ساهمة ، حائرة، تتكلم وكتفاها مرفوعتان متارجة على المقعد الدوار وبملامح لا تعبير فيها ووجهها مذهب بدقيق خريفي مبكر. - الا ترى انه يتوجب عليهم عدم ازعاج امرأة تقتل رجلا لانها بعدان نامت معه احست بالقرف منه ومن كل الذين ناموا معها؟ - ليس هناك ما يدعو الى الذهاب بعيدا على هذا النحو ، قال خوسيه متأثرا وفي صوته خيط من الاسى. - وماذا لو ان المرأة قالت الى الرجل انها تشعر بالقرف منه وهي تراه يرتدي ثيابه لانها تذكرت انها كانت تتقلب معه طوال بعد الظهر وتشعر بانه لا يمكن للصابون ولا الليفة ان يزيلا عنها رائحته؟ - هذا ينقضي يا ملكة. .قال خوسيه بشيء من عدم اللامبالاة الان وهو يمسح الكونتوار: لا حاجة بك لان تقتليه دعيه يذهب ببساطة. لكن المرأة واصلت الكلام وكان صوتها ينساب رتيبا مفلتا عاطفيا. - وماذا لو توقف الرجل عن ارتداء ملابسه عندما قالت له المرأة انها تشعر بالقرف واندفع نحوها من جديد، و؟ - هذا شيء لا يفعله رجل محترم ،قال خوسيه. - ولكن ماذا لو فعله؟ قالت المرأة بجزع حانق ، ماذا لو كان الرجل غير محترم وفعل ذلك واحست المرأة عندئذ بالاشمئزاز وبانه يمكن لها ان تموت وعرفت الطريقة الوحيدة لوضع حد لكل ذلك هي في طعنه بسكين من اسفل؟. - هذا عمل فضيع ،قال خوسيه لحسن الحظ انه لا وجود لرجل يفعل ما تقولين. - حسن قالت المرأة وهي ساخطة تماما الان. .وماذا لو فعل ذلك؟ افترض انه فعله. - الامر لا يستدعي على اي حال الوصول الى ذلك الحد قال خوسيه وواصل مسح الكونتوار دون ان يغير مكانه، وقد صار الان اقل اهتماما بالمناقشة . ضربت المراة زجاج الكونتوار بمفاصل اصابعها وتحولت نبرتها الى التاكيد والتفخيم. - انت متوحش يا خوسيه ،انت لا تفهمشيئا. .وشدته من كمه بقوة - هيا قل انه كان على المرأة ان تقتله. حسن قال خوسبه بميل الى المصالحة كل شيء مثلما تقولين. - اليس ذلك دفاع عن النفس؟ قالت المرأة وهيزتهزه من كمه. نظر اليها خوسيه نظرة دافئة وراضية. - تقريبا ، تقريبا قال وغمز لها بعينه في ايماءة تعبر في القت نفسه عن تفهم ودود والتزام مخيف بالتواطؤ. لكن المرأة ظلت على جديتها، افلتته وقالت : هل انت مستعد لتقول كذبة كي تحمي مرأة تفعل ذلك؟ - هذا يتوقف... - يتوقف على ماذا؟ قالت المرأة. - يتوقف على من تكون المراة. .قال خوسيه. - افترض انها امرأة تحبها كثيرا. .قالت المراة ،امراة لا تنام معها , اتلاحظ ولكنك تحبها كثيرل مثلما تقول انت. - حسن مثلما تريدين ايتها الملكة قال خوسيه متراخيا،مستاء. ابتعد مرة اخرى نظر الى الساعة رأى انها تقترب من السادسة والنصف، فكرفي ان المطعم سيبدأ خلال دقيقة بالامتلاء بالناس، وربما لهذا السبب راح يفكر زجاج الكونتوار بقوة اكبر ناظرا الى الشارع من خلال زجاج النافذة. وكانت المرأة لا تزال علئ المقعد، صامتة مركزة ترقب حركات الرجل بمزاج حزن منحدر. تراه مثلما يرى المرء مصباحا آخذا بالانطفاء،فجأة،ودون تأثر تكلمت من جديد بصوت الوداغة الواهن. - خوسيه نظر الرجل اليهل بعذوبة زخمة وحزينة كثور امومي لم ينظر اليها ليسمعها بل لمجرد ان يراها وان يعرف انها نوجودة هناك تنتظر منه نظرة لا تكون بالضرورة مجرد نظرة دمية وحسل. - قلت لك اني راحلة غدا ولم تقل شيئا قالت المرأة. - اجل قال خوسيه. .ما لم تقوليه لي اين سترحلين. - أينما كان قالت المرأة حيث لا وجود لرجال يريدون النوم مع احدانا. ابتسم خوسيه ثانية - سترحلين حقا؟ سألها وكما لو انه يعي الحياة ، بدّل بسرعة ملامح وجهه. - هذا يعتمد عليك - قالت المرأة- اذا عرفت ان تقول في اي ساعة جئت فسوف ارحل غدا ولن اعود الى هذه الامور ابدا ايروقك ذلك؟ هز خوسيه رأسه بايماءة مؤكدة مبتسما ومصمما انحنت المرأة الى الاتجاه الذي هو فيه. - اذا ما عدت الى هنا يوما سأشعر بالغيرة اذا وجدت امرأة اخرى تتحدث اليك ، في مثل هذه الساعة وعلى هذا الكرسي. - اذا عدت الى هنا سيكون عليك ان تحضري لي شيئا ،قال خوسيه. - اعدك بان ابحث في كل مكان عن الدب الصغير ذي النوابض لاجيئك به..قالت المرأة. ابتسم خوسيه ومرر بخرقة القماش على الهواء الذي يفصله عن المرأة كما لو انه يمسح زجاجا غير مرئي. ابتسمت المرأة بتعبير ودود ومتغنج هذه المرة. ابتعد الرجل بعد ذلك وهو يمسح الزجاج في الطرف الاخر من الكونتوار. - ماذا..قال خوسيه دون ان ينظر اليها. - هل ستقول حقا لكل من سيسألك متى جئت بانني جئت في الساعة السادسة الا ربعا. .قالت المرأة. - لماذا؟ قال خوسيه وهو ما زال لا ينظر اليها وكما لو انه يكاد لا يسمعها الان - هذا ليس مهما قالت المرأة المهم ان تفعل ذلك. عندئذ راى خوسيه اول زبون يدخل من الباب الدوار ويمشي الى منضدة في الركن..نظر الى الساعة كانت السادسة والنصف تماما. - لا بأس ايتها الملكة قال ساهيا مثلما تريدين انا افعل دوما كل شيء مثلما تريدين. - حسن قالت المرأة اعد لي شريحة اللحم. توجه الرجل الى الثلاجة اخرج طبقا فيه لحم ووضعه على المنضدة ثم اشعل الموقد - ساعد لمك شريحة لحم وداع جيدة ايتها الملكة. - شكرا يا بيبيبو قالت المرأة. استغرقت في التفكير كما لو انها غاصت فجأة في عالم سفلي غريب تملؤه اشكال غير واضحة المعالم ومجهولة لم تسمع في الجانب الاخر من الكونتيوار الصوت الذي احدثه اللحن البارد حين سقط في الزيت المغلي ولم تسمع بعد ذلك الفرقعة الجافة ذات الفقاعات التي صدرتعث عندما قلب خوسيه الشريحة في المقلاة ولم تشم فوحان رائحة اللحم المتبل التي راحت تملأ جو المطعم. ظلت على تلك الحال تركز وتستعيد التركيز الى ان عادت الى رفع رأسها وهي ترمش ككما لو انها تعود من موت مؤقت.وعندئذ رأت الرجل الذي بجوار الموقد ،مضاء بالنار السعيدة المتصاعدة. - بيبيتو - آه - فيم تفكر ؟ قالت النرأة. - كنت افكر اذا ما كنت ستجدين الدب الصغير ذا النابض في مكان ما , قال خوسيه. - ساجده طبعا..قالت المرأة - لكن ما اريد ان تخبرني به هو اذا ما كنت ستوافق على ما اطلبه منك كهدية وداع. نظر اليها خوسيه وهو بجوار الموقد. - الى متى ساظل اكرر ذلك؟ قال- هل تريدين شيئا اكثر من افضل شريحة لحم.؟ - اجل. .قالت المرأة. ما هو ؟ قال خوسيه. - اريد ربع ساعة اخر. ادار خوسيه جسده الى الوراء كي كي ينظر الى الساعة، ونظر بعد ذلك الى الزبون الذي ما زال صامتا ينتظر في الركن ثم نظر اخيرا الى قطعة اللحم الذهبية في المقلاة،وعندئذ تكلم. - انا لا افهم حقا ايتها الملكة ،قال. - لا تكن احمق يا خوسيه،قالت المرأة - تذكر انني هنا منذ الخامسة والنصف. ترجمة صالح علماني من مجموعة ( عينا كلب ازرق )
طائرة الحسناء النائمة
كانت حسناء مرنة ذات بشرة ناعمة بلون الخبز والعينان حبتا لوز اخضر شعرها ناعم واسود وطويل على الظهر وهالة عراقة , يمكن ان تكون اندنوسية او من الايدز وكانت تلبس بذوق مرهف : سترة كتان بيضاء وبلوزة حرير طبيعي مزينة برسوم ازهار فاتحة جدا وبطال كتان خام وحذاء مستو له لون ازهار البوغامبليا ( هذه اجمل امراة رايتها في حياتي ) فكرت وانا راها تمر بخطوات لبوة رشيقة بينما كنت اقف في الدور لاجراءات الصعود الى طائرة نيويورك في مطار شارل ديغول بباريس كانت طيفا خارقا للطبيعة ظهر برهة واحدة واختفى وسط الحشد في البهو. كانت الساعة التاسعة صباحا وكان الثلج يهطل منذ الليلة السابقة وحركة المرور اشد كثافة من المعتاد في شوارع المدينة وابطأ بكثيرعلى الطريق السريع الى المطار وكانت هناك شاحنات مصطفة الى جانب الطريق وسيارات يتصاعد منها البخار تحت الثلج اما في بهو المطار بالمقابل فكانت الحياة لا تزال ربيعا . كنت اقف في نهاية طابور التسجيل وراء عجوز هولندية ظلت مدة ساعة تقريبا تجادل حو ل وزن حقائبها الاحدى عشرة وكنت قد بدات اشعر بالملل حين رايت الطيف المفاجيء الذي حبس انفاسي , وهكذا لم اعرف كيف انتهت المجادلة الى انزلتني الموظفة من السحاب بعبارة تانيب على شرودي وعلى سبيل الاعتذار سالتها ان كانت تؤمن بالحب من النظرة الاولى فقالت لي ( اجل اما الغراميات المستحيلة فهي الاخرى ). ابقت بصرها مثبتا على شاشة الكمبيوتر وسالتني أي مكان تفضل : مع المدخنين ام غير المدخنيت . - لا فرق عندي - قلت لها بتعمد كامل على اللا اكون الى جانب الاحدى عشرة حقيبة . - اختر رقما : ثلاثة او اربعة او سبعة. - اربعة وكان لابتسامتها وميض انتصاري حين قالت : _ خلال خمس عشرة سنة من عملي هنا انت اول شخص لا يختار الرقم سبعة. سجلت على بطاقة الصعود الى الطائرة رقم المقعد وسلمتني اياها مع بقية اوراقي وهي تنظر اليّ اول مرة بعينين لهما لون العنب كانتا عزائي ريثما ارى الحسناء ثانية وعندئذ فقط انتبهت الى ان المطار قد اغلق للتو وان جميع الرحلات قد تاجلت . - الى متى ؟ - - الى ان يشاء الله - قالت بابتسامة – لقد اعلنت الاذاعة صباح اليوم انه سيكون اعظم هطول للثلج خلال سنة . - لقد اخطأوا. فقد كان الاعظم خلال القرن , اما في قاعة انتظارالدرجة الاولى فكان الربيع واقعيا لدرجة ان هناك ازهارا في الاصص وحتى الموسيقى المعلبة بدت سامية ومهدئة مثلما اراد لها مبدعوها . وفجاة خطر لي ان ذلك المكان هو الملجأ المناسب للحسناء, وبحثت عنها في القاعات الاخرى وانا ارتعش لجراتي لكن معظم الموجودين هناك كانوا رجالا من الحياة الواقعية يقرؤون صحفا بالانكليزية بينما زوجاتهم يفكرن في آخرين وهن يتاملن الطائرات الميتة على الثلج من خلال الواجهات الزجاجية البانورامية , ويتطلعن الى المصانع الجليدية واراضي رسيه الزراعية الفسيحة التي عاثت بها الاسود خرابا . وبعد منتصف النهار لم يعد هناك مكان واحد غير مشغول واصبح الحر شديدا لا يطاق فهربت بعيدا كي اتنفس . رايت في الخارج مشهدا مرعبا , اناسا من كل الاشكال يملؤن قاعات الانتظار كلها ويخيمون في الممرات الخانقة بل على السلالم ايضا مستلقين على الارض مع كلابهم واطفالهم وامتعة سفرهم , فقد كان الطريق الى المدينة مقطوعا وكان قصر البلاستيك الشفاف ذاك يبدو اشبه بمركبة فضائية ضخمة متوقفة وسط العاصفة . ولم استطع تفادي التفكير في انه لا بد للحسناء من ان تكون ايضا في مكان ما وسط تلك القطعان الوديعة , وبث فيّ هذا الخاطر حماسة جديدة للانتظار . كنا قد وعينا في ساعة الغداء وضعنا كغرقى . فوقفت طوابير بلا نهاية امام مطاعم وكافتيريات وبارات المطار السبعة الممتلئة وبعد اقل من ثلاث ساعات اغلقت جميعالانه لم يعد لديها ما تقدمه للاكل لو الشرب اما الاطفال الذين بدا لنا لبعض الوقت لا وجود لاحد في العالم سواهم فقد راحوا يبكون معافي وقت واحد وبدات تتصاعد من الجوع رائحة القطيع . لقد كان وقت الغرائز , والشيء الوحيد الذي تمكنت من اكله وسط تدافع الناس هو آخر كأسين من مثلجات الكريم في دكان للاطفال .اكلتها بتمهل وانا جالس الى الكونتواربينما الندل يضعون الكراسي فوق المناضد كلما نهض الزبائن عنها وكنت انظر الى نفسي في المرآة التي قبالتي وانا امسك كاس المثلجات الاخير والملعقة الكرتونية وافكر بالحسناء . رحلة نيويورك التي كانت مقررة في الساعة الحادية عشرة صباحا انطلقت في الثامنة ليلا , وعندما تمكنت اخيرا من الصعود الى الطائرة كان مسافرو الدرجة الاولى قد احتلوا اماكنهم فقادتني احدى المضيفات الى مكاني , وقفت وقد كتمت الدهشة انفاسي , ففي المقعد المجاور والى جانب النافذة كانت الحسناء تستولي على المكان المخصص لها بخبرة الرحالة المجربين . وفكرت ( اذا ما كتبت عن هذا الامر يوما فلن يصدقه احد ). وبصعوبة بالغة حاولت ان اوجه اليها بلساني المعقود تحية خجولة لم تسمعها . لقد استقرت في مكانها وكانها ستعيش فيه سنوات طويلة . كانت تضع كل شيء في مكانه بنظام الى ان صار المكان مرتبا كالبيت المثالي حيث كل شيء في متناول اليد وفيما تفعل ذلك جاءنا الضابط المسؤول عن الركاب بكأس شمبانيا للترحيب , تناولت كأسا لاقدمه اليها ولكنني ندمت فورا فقد كانت تريد كأس ماء فقط ثم طلبت من الضابط بافرنسية سليمة اولا ثم بانكليزية لا تقل طلاقة بالايوقظها لاي سبب طوال الرحلة , كان صوتهاالرصين والدافيء يجرجر في طياته حزنا شرقيا . عندما جاؤوها بالماء فتحت فوق ركبتيها علبة زينة ذات زوايا نحاسية مثل صناديق الجدات واخرجت قرصي دواء ذهبيين من علبة تحتوي اقراصا اخرى متعددة الالوان , وكانت تفعل كل شيء بمنهجية ووقار كما لو انه ليس هنالك شيء غير محسوب لديها منذ ولادتها و واخيرا انزلت ستارة النافذة وفتحت مسند المقعد الى اقصاه وتدثرت بالبطانية حتى نصفها دون ان تخلع حذاءها ووضعت على وجهها قناع النوم واضطجعت على المقعد بجنبها فصار ظهرها باتجاهي ونامت دون لحظة تمهل , دون زفرة ودون أي تبديل في وضعها طوال الثماني ساعات الابدية والاثنتي عشرة دقيقة الاضافية التي استغرقتها الرحلة الى نيويورك . لقد كانت رحلة مشحوتة فانا الذي آمنت دائما بانه لا وجود في الطبيعة لما هو اجمل من امراة جميلة كان من المستحيل عليّ ان افلت لحظة واحدة من سحر تلك المخلوقة الخارجة من قصة خرافية . والنائمة الى جانبي . لقد اختفى الضابط عن الانظار فور اقلاعنا وحلت محله مضيفة ديكارتية حاولت ان توقظ الحسناء لتقدم لها علبة ادوات تجميل وسماعتي موسيقى , كررت على مسامعها التحذير التي كانت قد وجهته هي نفسها الى الضابط لكن المضيفة اصرت على ان تسمع منها بالذات انها لا تريد تناول العشاء ,وكان على الضابط ان يؤكد الامر لكنها وبختني مع ذلك لان الحسناء لم تعلق في عنقها قطعة الورق المقوى التي تشير الى رغبتها بعدم ايقاظها . تناولت عشائي وحيدا وكنت اقول بصمت كل ما كنت ساقوله لها لو انها كانت مستيقظة . كان نومها هادئها الى الحد الذي شعرت معه بالقلق في احدى اللحظات من ان يكون القرصان اللذان تناولتهما للموت وليس للنوم . وقبل تناول كل رشفة من مشروبي كنت ارفع كأسي : - نخبك ايتها الحسناء .اطفؤوا الانوار بعد انتهاء العشاء وعرضوا الفلم على لا احد ,وبقينا نحنالاثنين في ظلمة العالم , كانت اكبر عاصفة عرفها القرن قد انقضت وكان ليل الاطلسي فسيحا ونظيفا وبدت الطائرة ثابتة بين النجوم . - عندئذ تاملتها شبرا شبرا طوال عدة ساعات وكانت علامة الحياة الوحيدة التي استطعت ملاحظتها هي ظلال الاحلام التي تمر فوق جبهتا مثلما تمر ظلال الغيوم فوق الماء . كانت تعلق في عنقها سلسلة ناعمة جدا تكاد تكون غيرمرئية فوق بشرتها الذهبية وكانت اذناها تامتين بلا ثقوب للاقراط ,واظفارها بلون الصحة الجيدة الوردي وخاتم املس في يدها ,ولانها لم تكن قد تجاوزت العشرين كما بدا لي فقد واسيت نفسي بانه ليس سوى خاتم خطوبة عابرة وسعيدة وفكرت (انا اعرف انك نائمة حقيقية اكيدة مسيل مامون من الهجران خط نقي قريبة جدا من ذراعي المكبلتين ) , ورحت اكررفي ذروة نشوة الشمبانيا سونية خيراردو دييغو المحكمة هذه بعد ذلك انزلت مسند مقعدي الى مستوى مقعدها واصبحنا مستلفيين وقريبين احدنا من الاخر اكثر مما لو كنا في سرير زوجي . كان جو تنفسها هو جو صوتها ذاته وكانت بشرتها تطلقبخارا خفيفا لا يمكن له ان يكون الا ا الرائحة الخاصة بجمالها. بدا الامر غير معقول : ففي الربيع السابق كنت قد قرات رواية بديعة للكاتب ياسوناريكاواباتاعن المسنين البرجوازيين في كيوتو الذين يدفعون مبالغ مالية طائلة لقضاء الليل في تامل فتيات المدينة وهن عاريات ومنومات بينما هم يحتضرون حبا في السرير نفسه : لا يستطيعون ايقاظهن ولا لمسهن بل انهم لا يحاولون ذلك لان جوهر تلك اللذة هو في رؤيتهن نائمات . وفي تلك الليلة بينما انا اسهر على اغفاءة الحسناء لم افهم ذلك الصفاء الشيخوخي وحسب وانما عشته بكل ابعاده . - _ من سيصدق ذلك _ قلت في تفسي بحب للذات هيجته الشمبانيا : انا عجوز ياباني على كل هذه الارتفاعات ؟ - اظن انني نمت عدة ساعات مهزوما تحت وطاة الشمبانيا وومضات الفيلم الصامت واستيقظت وانا اشعر ان راسي قد تصدع . ذهبت الى دورة المياه وورائي بمقعدين كانت ترقد عجوز الاحدى عشرة حقيبة وقد فرشت ساقيها على المقعد بطريقة مقززة جدا . كانت تبدو كانها ميت مهجور في ارض المعركة وكانت نظارة قراءتها ملقاة على الارض في منتصف الممر فاستمتعت لبرهة بالسعادة البائسة لاني لم التقطها لها عن الارض . بعد ان فرجت عن نفسي من الافراط في الشمبانيا فوجئت برؤية نفسي في المرآة و كنت قبيحا وشنيعا وقد ادهشني ان تكون آثار الحب رهيبة الى هذا الحد . وفجأة راحت الطائرة تهوي ثم ما لبثت ان استوت بقدر ما استطاعت وواصلت طيرانها متقافزة كخبب الجياد . اضيء امر العودة الى المقاعد فخرجت فزعا ومتوهما بان اضطرابات الرب وحدها هي القادرة على ايقاظ الحسناء وانه لا بد حينئذ من ان تلتجيء الى ذراعي هربا من الرعب واوشكت في تسرعي ان ادوس نظارة العجوز الهولندية والتقطت النظارة ووضعتها في حضنها ثم شكرت حظي لانها لم تختر المقعد رقم اربعة قبلي . كان نوم الحسناء من النوع الذي لا يقهر وعندما استقرت الطائرة في الجو احسست برغبة في هزها متذرعا باية حجة لان الشيء الوحيد الذي كنت اتمناه في تلك الساعة الاخيرة من الرحلة هو رؤيتها مستيقظة حتى وان كانت غاضبة كي اتمكن من استعادة حريتي وربما شبابي كذلك ولكنني لم اجرؤ على عمل ذلك وقلت في نفسي باحتقار كبير (اللعتة , لماذا لم اولد في برج الثور ) ولكنها استيقظت دون مساعدة من احد في اللحظة التي اضيء فيها اعلان الهبوط , وكانت جميلة ونضرة كما لو نها نامت في حديقة ورود , وحينئذ فقط انتبهت الى رفاق المقعد في الطائرة مثل الازواج القدماء لا يتبادلون تحية الصباح حين يستيقظون . وهي لم تفعل ذلك ايضا , نزعت قناع النوم وفتحت عينيها المتالقتين ثم اعادت مسند المقعد الى وضعه الاول وازاحت البطانية جانبا وهزت غرة شعرها الذي يتسرح من تلقاء نفسه وبثقله بالذات ثم وضعت صندوق ادوات الزينة فوق ركبتيها ثانية وعملت مكياجا سريعا وخفيفا وهو ما تطلب الوقت المحدد تماما كي لا تنتظر الى ان فتح باب الطائرة , عندئذ ارتدت سترتها الكتانية ومرت فوقي تقريبا مع كلمة اعتذار متداولة بقشتالية صافية من امريكا اللاتينية ومضت دون كلمة وداع ودون ان تشكرني على الاقل لكل ما فعلته من اجل ليلتنا السعيدة و اختفت حتى شمس هذا اليوم في امازون نيويورك . حزيران 1987 ترجمة صالح علماني من مجموعة ( اثنتا قصة مهاجرة )
هذه هي القصة, كما رووها لي
لم يكن كارلو دي لوكا -وريث امبراطورية صناعية واسعة ورئيسها- واحدا من أكثر الرجال نفوذا في ايطاليا وهو في السادسة والثلاثين من عمره وحسب, بل ربما كان أكثرهم أناقة وكياسة كذلك فلم يكن للحفلات في روما أو ميلانو أي طعم دون مشاركتة وفضلا عن كونه محدثا لامعا بخمس لغات يتقنها تماما , كان يعزف البيانو , والجيتار , والساكسفون مثل محترف في العزف , ويغني ويرقص وكان الغناء والرقص مهنته , وكان طيارا مجربا, ورياضيا متعدد الرياضات, وحاويا مذهلا, ومقلدا باهرا للشخصيات المشهورة. وعلى الرغم من المهمات الكثيرة التي كانت تحاصره, سواء في عمله أو في الحياة الاجتماعية, فقد كانت حياته الزوجية منسجمة ومستقرة وكانت زوجته الجميلة والرشيقة تبدو سعيدة وكان له ابن وحيد, اسمه بيرو , عمره ثمان سنوات. لقد أثارت شخصية ذلك الرجل الأخاذ, قلقا غامضا في قلب سيلفيو بينالبير, وهو مهاجر أمريكي لاتنيني, خجول وكفؤ جدا , كان قد توصل خلال سنوات قليلة إلى موقع جيد في إحدى شركات كارلو دي لوكا الصغرى كان رب العمل في نظر بينيالبير هو نموذج الرجل السعيد , وقد بدا له ذلك اليقين أمرا لا يطاق , لأسباب من النوع الأخلاقي , لم يستطع هو نفسه تفسيرها. عند الغروب,وصل بينيالبير إلى شقتة في باريولي, ومعه بيرو الصغير الذي كان يبدو غير متعب لفرط سعادته.كانت زوجته وابنه ينتظرانه لتناول العشاء, بعد أن أمضيا يوم أحد ممتعا كذلك.فسر بينيالبير وجود بير بأبسط طريقة ممكنة : لقد رغب الطفل في أن ينام معهم, لأن أبويه لن يكونا في روما تلك الليلة, وقد ألح الصغير كثيرا حتى أن كارلو دي لوكا نفسه منحة الإذن قبل أن يسافر إلى نيو يورك. كان عشاء ممتعا, وقد تفاهم ابن بينيالبير وبيرو المحظوظ على أحسن مايرام, وتمكن هذا الأخير, لأول مرة, من أن يأكل ما يشاء ويرفض ما لا يرغب فيه, وأن يخرق جميع قواعد اللياقة دون أن يؤنبه أحد على ذلك.وقد هدأ بينيالبير من روع زوجته: الأمر كله مجرد مزاح, فهو يرى أنه من غير الأخلاقي أن يكون كارلو دي لوكا سعيدا كل تلك السعادة, ويريد أن يقدم له ولو يوم أحد واحدا من الغم على الأقل, ولفتت زوجته انجيلا نظره إلى أن تلك المداعبة الثقيلة قد تكلفه الطرد من عمله, كان بينيالبير معتمدا على تواطؤ بيرو في عدم اكتشاف أمره, لكنه كان مستعدا مع ذلك للعودة إلى بلاده, حيث بدأت تتبدل الظروف السياسية التي اضطرته إلى الهجرة. وأدركت انجيلا, التي كانت جدية وملهمة, أنه ليس أمامها من طريق آخر, بعد أن وصلت الأمور غلى ذلك المستوى, سوى مشاركة زوجها المصير. ثم طمأنتها نشرة أخبار التلفزيون حين لم ترد كلمة واحدة عن القضية. وانتهت إلى الاتفاق مع زوجها على أن يعيد الطفل إلى بيته سالما ومعافى, وفي صباح اليوم التالي الباكر لم ينم كارلو دي لوكا لحظة واحدة. كان الجدال مع شركائه طويلا ومضنيا,و لكنهم كانوا على وشك الوصول إلى اتفاق عند الفجر بدأت حقائب المال القادم من مصادر متنوعة تتجمع في المكتب,وكان يجري إعداد الخمسين مليونا لتسليمها. وفي الساعة السابعة صباحا, حين كانوا بانتظار المكالمة الأخيرة لإقرار تفاصيل تسليم الفدية, فوجئ الجميع بالخبر الذي يقول إن بيرو قد رجع. فعلا, لقد حمله بينيالبير على دراجته النارية حتى الحديقة المجاورة, وودعه هناك بعد أن زوده بتعليمات مفصلة للوصول إلى بيته دون لف ولا دوران. ابتعد الطفل عنه دون حماس, وكان حزينا إلى حد ما, لأن مغامرة حياته الكبرى قد انتهت. لم ينتبه هو, ولا خاطفه اللطيف إلى أن اثنين من رجال الشرطة الكثيرين الذين كانوا يرصدون المنطقة -أحدهما متنكر بزي بائع الحليب والآخر بزي كناس عام- قد اكتشفاهما. خرج كارلو دي لوكا, المهوك من التوتر والسهر, راكضا لاستقبال ابنه. وفي تلك اللحظة بالذات, توقفت أمامهما سيارة الشرطة التي كانت تحمل بينيالبير سجينا. حينئذ أدرك كارلو دي لوكا الحقيقة, وأفرغ على مستخدمه كل شحنته من الغضب المتراكم خلال نحو عشرين ساعة من الجزع. أما الطفل الذي كان مايزال بين يدي أبيه, فقد مر بلحظة من التشوش. ولكن ما إنطلقت سيارة الدورية بانوارها وصفاراتها, حتى أفلت نفسه من يدي أبيه, وركض وراء السيارة الشرطية, باكيا بصوت عال, ليمنعهم من أن يأخذوا إلى السجن أباه المزيف, الذي منحه يوم الأحد السعيد الوحيد. ترجمة صالح علماني من مجموعة قصص ضائعة
أجمل غريق في العالم ظنّه الأطفال لمّا رأوه ، أول مرة ، أنه سفينة من سفن الأعداء. كان مثلَ رعنٍ أسود في البحرِ يقترب منهم شيئا فشيئا. لاحظ الصبيةُ أنه لا يحمل راية ولا صاريًا فظنوا حينئذٍ أنه حوتٌ كبير، ولكن حين وصل إلى ترابِ الشاطيء وحوّلوا عنه طحالبَ السرجسِ و أليافَ المدوز و الأسماكَ التّي كانت تغطيهِ تبيّن لهم أنّه غريق. شرعَ الصبيةُ يلعبون بتلك الجثة يوارونها في الترابِ حينًا ويخرجونها حينًا حتّى إذا مرّ عليهم رجلٌ ورأى ما يفعلون نَهَرهم وسعى إلي القريةِ ينبه أهلها بما حدث. أحسّ الرجالُ الذين حملوا الميّتَ إلى أول بيتٍ في القرية أنه أثقل من الموتى الآخرين ، أحسّوا كأنهم يحملون جثّةَ حصانٍ وقالوا في ذات أنفسهم :"ربما نتج ذلك عن بقاء الغريق فترة طويلة تحت البحرِ فدخل الماءُ حتى نخاع عظامه." عندما طرح الرجالُ الجثةَ على الأرضِ وجدوا أنّها أطولُ من قامة كلّ الرجال ، كان رأس الميتِ ملتصقًا بجدار الغرفة فيما اقتربت قدماه من الجدارِ المقابلِ ، وتساءل أحد الرجال عمّا لو كان ذلك ناتجًا عن أن بعض الغرقى تطول قاماتُهم بعد الموت. كان الميتُ يحمل رائحةَ البحر ، وكانت تغطيه طبقةٌ من الطين و الأسماك. لم يكن من الضرورة تنظيف الوجه ليعرف الرجال أن الغريق ليس من قريتِهم ، فقريتهم صغيرة لا تحوي سوى عشرين من البيوت الخشبية الصغيرة ، و كانت القرية نادرةَ التربة مما جعل النسوة يخشين أن تحمل الريحُ الأطفال ومنع ذلك الرجالَ من زرع ِ الأزهار ، أمّا الموتى فكانوا نادرين لم يجد لهم الأحياءُ مكانًا لدفنهم فكانوا يلقون بهم من أعلى الجرف..كان بحرُهم لطيفًا ، هادئًا و كريمًا يأكلون منه. لم يكن رجالُ القرية بكثيرين حيث كانت القوارب السبعةُ التي في حوزتهم تكفي لحملهم جميعًا ، لذلك كفى أن ينظروا إلى أنفسهم ليعلموا أنه لا ينقص منهم أحد.. في مساءِ ذلك اليوم لم يخرج الرجال للصيدِ في البحر. ذهبوا جميعًا يبحثون في القرى القريبة عن المفقودين فيما بقتِ النسوة في القريةِ للعناية بالغريق ...أخذن يمسحن الوحلَ عن جسده بالألياف ويمسحن عن شعره الطحالب البحرية ويقشّرن ما لصق بجلده بالسكاكين..لاحظت النسوة أن الطحالب التي كانت تغطي الجثة تنتمي إلي فصيلة تعيش في أعماقِ المحيطِ البعيدة ، كانت ملابسه ممزقة وكأنه كان يسبح في متاهةٍ من المرجان. ولاحظت النسوة أيضا أن الغريقَ كان قد قابل مَلَكي الموتِ في فخرٍ و اعتزاز فوجهه لا يحمل وحشةَ غرقى البحرِ ولا بؤس غرقى الأنهار. وعندما انتهت النسوة من تنظيف الميّت وإعداده انقطعت أنفاسهن ، فهن لم يرين من قبل رجلاً في مثل هذا الجمال و الهيبة..لم تجد نساء القرية للجثة ، بسبب الطولِ المفرطِ ، سريرًا ولا طاولة قادرة على حملها أثناء الليل. لم تدخل رِجْلا الميتِ في أكبرِ السراويل و لا جسدُه في أكبرِ القمصان ، ولم تجد النسوة للميّت حذاءً يغطي قدميه بعد أن جربوا أكبر الأحذية. فقدت النسوة ألبابَهن أمام هذا الجسدِ الهائلِ فشرعن في تفصيل سروالا من قماشِ الأشرعة و كذلك قميصًا من "الأورغندي" الشفاف فذلك يليق بميّتٍ في مثل هذه الهيبة و الجمال.. جلست النسوة حول الغريق في شكلِ دائرةٍ بين أصابع كل واحدةٍ منهن إبرة وأخذت في خياطة الملابس ، كن ينظرن بإعجاب إلى الجثة بين الحين و الحين؛ بدا لهن أنه لم يسبق للريح ِ أن عصفت في مثل هذه الشدة من قبل ولا لبحر "الكاراييب" أن كان مضطربًا مثل ذلك المساء. قالت إحداهن " أن لذلك علاقة بالميّت" ، وقالت أخرى " لو عاش هذا الرجل في قريتنا لاشك أنه بنى أكبر البيوت وأكثرهن متانة ، لاشك أنه بنى بيتًا بأبواب واسعة وسقفٍ عالٍ وأرضيةٍ صلبة ولاشك أنه صنع لنفسه سريرًا من الحديد و الفولاذ ، لو كان صيادًا فلاشك أنه يكفيه أن ينادى الأسماك بأسمائها لتأتى إليه. ، لاشك أنه عمل بقوة لحفر بئرٍ ولأخرج من الصخور ماءً ولنجح في إنبات الزهر على الأجراف".. أخذت كل واحدة منهن تقارنه بزوجها ، كان ذلك فرصة ثمينة للشكوى والقول أن أزواجهن من أكبر المساكين..دخلت النسوة في متاهات الخيال. قالت أكبرهن:" للميّت وجه أحد يمكن أن يسمّى إستبان". كان هذا صحيحًا..كفي للأخريات أن ينظرن إليه لفهم أنه لا يمكن أن يحمل اسمًا آخر ، أمّا الأكثر عنادًا والأكثر شبابا فقد واصلت أوهامها بأن غريقًا ممدّدًا بجانب الأزهار وذا حذاء لامع لايمكن إلا أن يحمل اسمًا رومنطقيًا مثل "لوتارو". في الواقع ما قالته أكبرهن كان صحيحًا فلقد كان شكل الميت بلباسه مزريًا حيث كان السروال غير جيد التفصيل فظهر قصيرًا و ضيقًا ، حيث لم تحسن النسوة القياس وكانت الأزرار قد تقطعت وكأن قلب الميت قد عاد للخفقان بقوة..بعد منتصف الليل هدأت الريحُ ، وسكت البحرُ ، وساد الصمتُ كل شيء . أتفقت النسوة عندها أن الغريق قد يحمل بالفعل اسم إستبان ، ولم تسُدْ الحسرة أية واحدة منهن: اللاتي ألبسن الميّتَ واللاتي سرحن شعره واللاتي قطعن أظافره وغسلن لحيته. لم تشعر واحدة منهن بالندم عندما تركن الجثة ممدّدة على الأرض ، وعندما ذهبت كل واحدة إلى بيتها فكرن كم كان الغريق مسكينًا وكم ظلت مشكلات كبر حجمه تطارده حتى بعد الموت ، لاشك أنه كان ينحني في كل مرة يدخل فيها عبر الأبواب .. لاشك أنه كان يبقي واقفا عند كل زيارة ، هكذا كالغبي، قبل أن تجد ربة البيت له كرسيا يتحمله...ولاشك أن ربةَ البيتِ كانت تتضرع للربّ في كل مرة ألا يتهشم الكرسي. وكان في كل مرة يرد عليها إستبان في ابتسامةٍ تعكس شعوره بالرضا لبقائه واقفا ..لاشك أنه ملّ من تكرر مثل هذه الأحداث ، ولاشك أيضا أن الناس كانوا يقولون له "ابق وأشرب القهوة معنا" ثم بعد أن يذهب معتذرا يتهامسون: "حمدا لله لقد ذهب هذا الأبله". هذا ما فكرت فيه النسوة فيما بعد عطفًا على الغريق..في الفجر، غطت النسوة وجه الميّت خوفًا عليه من أشعة الشمسِ عندما رأين الضعف على وجهه. لقد رأين الغريق ضعيفًا مثل أزواجهن فسقطت أدمع من أعينهن رأفة ورحمة ، وشرعت أصغرهن في النواح فزاد الإحساس بأن الغريق يشبه إستبان أكثر فأكثر..وزاد البكاء حتى أصبح الغريق أكبر المساكين على وجه الأرض.. عندما عاد الرجال بعد أن تأكدوا من أن الغريق ليس من القرى المجاورة امتزجت السعادة بالدموع على وجوه النسوة. قالت النسوة: "الحمد لله ، ليس الميت من القرى المجاورة إذا فهو لنا!".. أعتقد الرجال أن ذلك مجرد رياء من طرف النسوة ، لقد أنهكهم التعب وكان كل همّهم هو التخلص من هذا الدخيل قبل أن تقسو الشمس وقبل أن تشعل الريح نارها. أعدّ الرجال نقالة من بقايا شراع وبعض الأعشاب التي كانوا قد ثبّتوها بألياف البحر لتتحمّل ثقل الغريق حتى الجرف وأرادوا أن يلفّوا حول رِجلي الجثّة مرساة لتنزل دون عائق إلى الأعماق حيث الأسماك العمياء وحيث يموت الغواصون بالنشوة ، لفوا المرساة حتى لا تتمكن التيارات الضالة من العودة به إلى سطح البحر مثلما حدث مع بعض الموتى الآخرين. ولكن كلّما تعجّل الرجال فيما يبغون كلّما وجدت النسوة وسيلة لضياع الوقت حيث تكاثر الزحام حول الجثة ؛ بعض من النسوة يحاول أن يلبس الميّت "الكتفيّة" حول كتفه اليمين لجلب الحظ حاول بعضٌ آخر أن يضع بوصلة حول رسغه الأيسر، وبعد صراع لغويّ وجسديّ رهيب بين النسوة شرع الرجال ينهرون ويصرخون :" مالهذه الوشايات والفوضى، ماذا تعلقن؟ ألا تعلمن أن أسماك القرش تنتظر الجثّة بفارغ الصبر؟ ما هذه الفوضى، أليس هذا إلا جثّة؟"..بعدها رفعت امرأة الغطاء عن وجه الميّت فانقطعت أنفاس الرجال دهشة: "إنه إستبان!" لا داعي لتكرار ذلك لقد تعرفوا عليه. من يكون غيره، هل يظن أحد أن الغريق يمكن أن يكون السير والتر روليك على سبيل المثال؟ لو كان ذلك ممكنا فلاشك أنهم سيتخيلون لكنته الأمريكية وسيتخيلون ببغاء فوق كتفه وبندقية قديمة بين يديه يطلق بها النار على أكلة البشر..لكن الجثة التي أمامهم غير ذلك، إنها من نوع فريد! إنه إستبان يمتد أمامهم مثل سمكةِ السردين حافي القدمين مرتديًا سروال طفلٍ رضيع ، ثم هذه الأظافر التي لا تُقطع إلا بسكين. بدا الخجل على وجه الغريق ، ما ذنبه المسكين إذا كان طويلاً وثقيلاً وعلى هذا القدر من الجمال؟ لاشك أنه اختار مكانًا آخر للغرق لو عرف ما كان في انتظاره. قال أحد الرجال: "لو كنت محله لربطت عنقي بمرساة قبل أن اقفز من الجرف.. لا شك أنني سأكون قد خلصتكم من كل هذه المتاعب ومن جثتي المزعجة هذه."أعد سكان القرية أكبر جنازة يمكن تخيلها لغريقٍ دون هوية. رجعت بعض النسوة اللاتي كن قد ذهبن لإحضار الزهور من القرى المجاورة برفقة أخريات للتأكد من صحة ما سمعن.عندما تأكدت نساء القرى المجاورة من شكل الغريق ذهبن لإحضار زهور أخرى ورفيقات أخريات حتى ازدحم المكان بالزهور وبالنساء.. في اللحظات الأخيرة تألّم سكانُ القرية من إرسال الغريق إلي البحر مثل اليتيم فاختاروا له أمًا وأبًا من بين خيرتهم وسرعان ما أعلن آخرون أنهم أخوته وآخرون أنهم أعمامه حتى تحول كل سكّان القرية إلى أقارب ، وبينما كان الناس يتنافسون في نقل الجثمان فوق أكتافهم عبر المنحدر العسير المؤدّي إلى الجرف لاحظ سكان القرية ضيق شوارعهم وجفاف أرضهم ودناءة أفكارهم مقارنة بجمالِ هذا الغريق. ألقى الرجال بالجثة عبر الجرف دون مرساة لكي تعود إليهم كيفما تشاء ومسكوا أنفاسهم في تلك اللحظة التي نزل فيها الميت إلى الأعماق ، أحسوا أنهم فقدوا أحد سكّان قريتهم وعرفوا، منذ تلك اللحظة، أن ثمة أشياء كثيرة لابد أن تتغير في قريتهم..عرفوا أن بيوتهم تحتاج إلى أبواب عالية وأسقف أكثر صلابة ليتمكن شبح إستبان من التجول في القرية ومن دخول بيوتها دون أن تضرب جبهته أعمدة السقف ودون أن يوشوش أحد قائلاً لقد مات الأبله..منذ ذلك اليوم قرر سكّان القرية دهن بيوتهم بألوان زاهية احترامًا لذكرى إستبان.. سوف ينهكون ظهورهم في حفر الآبار في الصخور وفي زرع الأزهار عبر الأجراف لكي يستيقظ بحارةُ السفنِ المارةِ في فجرِ السنواتِ القادمةِ علي رائحةِ الحدائق ولكي يضطر القبطان للنزول من أعلى السفينةِ حاملاً اسطرلابه ونجمتَه القطبية و يقول مشيرًا إلي الجبلِ الذي ينشر زهورَه الورديةَ نحو الأفق وفي كلّ لغاتِ العالم: "أنظروا إلى هناك حيث هدوء الريح وحيث ضوء الشمس. هناك هي قرية إستبان . ترجمة الدكتور محمد قصيبات. في مجموعة ( القصة الحزينة لارينديرا)
المرأة التي ذبحت اطفالها يعتقد ان هذه القصة وقعت في افغانستان منذ سنوات طويلة انها قصة رجل التقى مصادفة في احد الاسواق امراة بدت له اجمل امراة في العالم. وتمشيا مع العادات المحلية لم يحاول الرجل اغواء الجميلة بالاساليب الغريبة السليمة وانما اتفق مع ابويها ولكنها فرضت على زوجها شرطا لا يقتضي نومهما في غرفتين منفصلتين وحسب وانما الامتناع كذلك عن اية علاقة جنسية اللهم الا في الماسبات القليلة التي تكون مستعدة فيها لذلك . وقد خضع الزوج لتلك القواعد المخالفة للطبيعة الى ان اكتشف في احدى الليالي ان زوجته تهرب من البيت فيما هو نائم وتذهب لزيارة عشيق سري في كوخ بعيد عن بيتها وكانت على علاقة به قبل زواجها . حيئذ لحق بها الزوج مسلحا بسيفه وانتظر الى ان خرجت من البيت الغريب لنرجع الى بيتها فدخل وقطع راس العشيق بضربة من سيفه . بعد ذلك مسح السيفونظفه بحذر شديد حتى ان الزوجة فحصته - وهي تحاول معرفة مرتكب الجريمة - لم تجد أي اثر يتيح لها اتهام الزوج . واستطاع هذا الاخير من جهته ان يتوج طموحه بالنوم مع اجمل امراة في العالم التي انتهت بدورها الى الشعور بالسعادة معه ومنحته ثلاثة ابناء . وبعد سنوات طويلة واثناء مرورهما مصادفة في احد الايام امام كوخ العشيق الميت لم تستطع المراة ان تواري اضطرابها وطلبت من زوجها ان يبتعدا عن ذلك المكان باسرع ما يمكن . حينئذ اقدم الزوج على التهور الذي كشف امره حين قال لها ( لكنك ما كنت تتعجلين كثيرا في تلك الازمنة ). لم تبد المراة اية علامة تكشف عما تكنه ولكن الزوج حين رجع تلك الليلة الى بيته وجد ابناءه الثلاثة مقطوعي الرؤوس بالسيف ذاته الذي قطع به راس خصمه ولم يعد يعرف أي شيء منذ ذلك الحين عن أي شيء عن اجمل امراة في العالم . ترجمة صالح علماني من مجموعة قصص ضائعة
جنازة الأم الكبيرة
هذه، أيها الكفار في العالم أجمع، القصة الحقيقية للأم الكبيرة، صاحبة السيادة المطلقة على مملكة ماكوندو، التي عاشت سيادة لمدة 92 عامًا وتوفيت برائحة القداسة في يوم ثلاثاء من شهر سبتمبر الماضي، والتي أقيمت جنازتها. جاء البابا الأعلى.
والآن وقد اهتزت الأمة حتى استعادت توازنها. الآن بعد أن قام مزمار سان جاسينتو، والمهربون من غواخيرا، ومزارعو الأرز في سينو، والبغايا في غواكامايال، والسحرة في سيربي، ومزارعو الموز في أراكاتاكا، بتعليق مظلاتهم للتعافي من الوقفة الاحتجاجية المرهقة، وقد أصبح لديهم استعادوا هدوءهم واستولى من جديد على دولهم رئيس الجمهورية ووزرائه وكل من يمثل السلطة العامة والقوى الخارقة في أروع جنازة مسجلة في السجلات التاريخية؛ الآن وقد صعد الحبر الأعظم إلى السماء بالجسد والروح، وأنه من المستحيل السفر في ماكوندو بسبب الزجاجات الفارغة، وأعقاب السجائر، والعظام المتآكلة، والعلب والخرق والبراز التي تركها الحشد الذي جاء إلى السماء. الجنازة، الآن هو الوقت المناسب لوضع كرسي على باب الشارع والبدء في سرد تفاصيل هذه الثورة الوطنية منذ البداية، قبل أن يتاح للمؤرخين الوقت للوصول.
منذ أربعة عشر أسبوعًا، بعد ليالٍ لا نهاية لها من الكمادات والحجامة، التي دمرها عذاب الهذيان، أمرت الأم الكبيرة بالجلوس على كرسيها الهزاز القديم المصنوع من الخيزران للتعبير عن وصيتها الأخيرة. كان هذا هو الشرط الوحيد الذي يحتاجه للموت. في ذلك الصباح، من خلال الأب أنطونيو إيزابيل، قام بتسوية شؤون روحه، وكان يحتاج فقط إلى تسوية خزائنه مع أبناء أخيه التسعة، ورثته العالميين، الذين كانوا يراقبون حول السرير. بقي الكاهن، وهو يتحدث إلى نفسه، وعلى وشك أن يبلغ من العمر مائة عام، في الغرفة. لقد استغرق الأمر عشرة رجال لحملها إلى غرفة نوم الأم الكبيرة، وتقرر أنها ستبقى هناك حتى لا تضطر إلى إنزالها وصعودها مرة أخرى في اللحظة الأخيرة.
ذهب نيكانور، ابن الأخ الأكبر، تيتانيك وبرّي، يرتدي الكاكي، وحذاءً بمهماز، ومسدسًا طويل الماسورة من عيار 38 مدسوسًا تحت قميصه، للبحث عن كاتب العدل. القصر الضخم المكون من طابقين، الذي تفوح منه رائحة الدبس والأوريجانو، وغرفه المظلمة المزدحمة بالصناديق والحلي من أربعة أجيال تحولت إلى غبار، كان مشلولا منذ الأسبوع السابق تحسبا لتلك اللحظة. في الممر المركزي العميق، حيث الخطافات المعلقة على الجدران، حيث كانت الخنازير المسلوخة تُعلق ذات يوم وتُنزف الغزلان حتى الموت في أيام الآحاد الهادئة من شهر أغسطس، كان العمال ينامون مكدسين على أكياس الملح وأدوات الزراعة، في انتظار الأمر بإسراج الحيوانات. نشر الأخبار السيئة في مجال التمويل المفرط. وكان باقي أفراد الأسرة في غرفة المعيشة. حافظت النساء الغاضبات، اللاتي نزفن بسبب الميراث والسهر، على حداد مغلق كان عبارة عن مجموع عدد لا يحصى من الحداد المتراكب. لقد أحاطت الصلابة الأمومية للأم الكبيرة ثروتها واسم عائلتها بسياج مقدس، يزوج فيه الأعمام بنات بنات إخوتهم، وأبناء العمومة مع عماتهم، والإخوة مع أخوات أزواجهم، حتى شكلوا مجموعة. عقدة قرابة معقدة حولت الإنجاب إلى حلقة مفرغة. فقط ماجدالينا، أصغر بنات الأخ، تمكنت من الفرار من الحصار؛ مرعوبة من الهلوسة، قامت بطرد الأرواح الشريرة من قبل الأب أنطونيو إيزابيل، وحلقت رأسها ونبذت أمجاد العالم وأباطيله في مبتدئة الولاية الرسولية. خارج العائلة الرسمية وممارسة لحق بيرنادا، قام الرجال بتخصيب قطعانهم ودروبهم وقرىهم بنسل غير شرعي كامل، والذي كان ينتشر بين الخدم بدون ألقاب كأبناء الآلهة والمعالين والمفضلين والمحميين من الأم الكبيرة.
لقد أدى اقتراب الموت إلى إزالة التوقعات المرهقة. لم يكن صوت المرأة المحتضرة، التي اعتادت الإجلال والطاعة، أعلى من صوت آلة الأرغن في الغرفة المغلقة، لكنه كان يتردد صداه في أقصى أركان المزرعة. ولم يكن أحد غير مبال بهذا الموت. خلال القرن الحالي، كانت الأم الكبيرة هي مركز ثقل ماكوندو، كما كان إخوتها ووالداها ووالدا والديها في الماضي، في هيمنة امتدت لقرنين من الزمن. تأسست القرية حول لقبه. لم يكن أحد يعرف أصل التراث أو حدوده أو قيمته الحقيقية، لكن الجميع اعتادوا على الاعتقاد بأن الأم الكبيرة هي صاحبة المياه الجارية والراكدة، المطر والقادم، وطرق الريف، والأعمدة. من التلغراف والسنوات الكبيسة والحرارة، وأن له أيضًا حق موروث في الحياة والممتلكات. عندما جلست تنعم بنسيم الظهيرة على شرفة منزلها، وكل ثقل أحشائها وسلطتها محطمة في كرسيها الهزاز القديم المصنوع من الخيزران، بدت حقًا غنية وقوية بلا حدود، أغنى وأقوى سيدة. قوية في العالم.
لم يخطر ببال أحد قط أن يعتقد أن الأم الكبيرة فانية، باستثناء أفراد قبيلتها، وهي نفسها، مدفوعة بهواجس الأب أنطونيو إيزابيل الخرف. لكنها كانت واثقة من أنها ستعيش أكثر من 100 عام، مثل جدتها لأمها، التي واجهت في حرب عام 1875 دورية تابعة للكولونيل أوريليانو بوينديا، المتحصنة في مطبخ المزرعة. فقط في أبريل من هذا العام أدركت الأم الكبيرة أن الله لن يمنحها امتياز تصفية حشد من الماسونيين الفيدراليين في قتال مفتوح.
وفي الأسبوع الأول من الألم، كان طبيب الأسرة يسليها بكمادات الخردل والجوارب الصوفية. لقد كان طبيبًا وراثيًا، حائز على جائزة مونبلييه، معارضًا بقناعة فلسفية لتقدم علمه، وقد منحته الأم الكبرى امتياز منع إنشاء أطباء آخرين في ماكوندو. ذات مرة قام بجولة في المدينة على ظهور الخيل، لزيارة المرضى الكئيبين عند الغسق، ومنحته الطبيعة امتياز كونه أبًا للعديد من أطفال الآخرين. لكن التهاب المفاصل أصابه بالركود في الأرجوحة، وانتهى به الأمر إلى رعاية مرضاه دون زيارتهم، من خلال الافتراضات والرسل والمهمات. بناءً على طلب الأم الكبيرة، عبر الساحة مرتدياً بيجامته، متكئاً على عكازتين، واستقر في غرفة نوم المرأة المريضة. فقط عندما أدرك أن الأم الكبيرة تحتضر، أحضر له تابوتًا مزودًا بمقابض خزفية مكتوبة باللاتينية، ولمدة ثلاثة أسابيع قام بتلطيخ المرأة المحتضرة من الداخل والخارج بكل أنواع اللصقات الأكاديمية والجلاب الرائعة والتحاميل الماهرة. بعد ذلك، قام بوضع الضفادع المدخنة على مكان الألم والعلق على كليتيها، حتى الساعات الأولى من ذلك اليوم عندما كان عليه أن يواجه معضلة جعلها تنزف على يد الحلاق أو طرد الأرواح الشريرة على يد الأب أنطونيو إيزابيل.
فأرسل نكانور في طلب الكاهن. حمله أفضل عشرة رجال من بيت القسيس إلى غرفة نوم الأم الكبيرة، جالسة على كرسيها الهزاز المصنوع من الخيزران تحت المظلة العفنة للمناسبات العظيمة. كان جرس فياتيكوم في فجر سبتمبر الدافئ هو أول إخطار لسكان ماكوندو. عندما أشرقت الشمس، بدت الساحة الصغيرة أمام منزل الأم الكبيرة وكأنها معرض ريفي.
لقد كانت مثل ذكرى وقت آخر. حتى بلغت السبعين من عمرها، احتفلت الأم الكبيرة بعيد ميلادها بأطول المعارض وأكثرها صخبًا في الذاكرة. تم توفير نصف كوب من البراندي للناس، وتم التضحية بالماشية في الساحة العامة، وعزفت فرقة من الموسيقيين على طاولة دون توقف لمدة ثلاثة أيام. تحت أشجار اللوز المغبرة، حيث خيم الأسبوع الأول من القرن فيالق العقيد أوريليانو بوينديا، مبيعات الماساتو، الكعك، نقانق الدم، الشيشارون، إمباناداس، بوتيفاراس، كاريبانيولا، بانديوكا، ألموجاباناس، بونيويلوس، أريبويلاس، المعجنات المنتفخة، لونغانيزا، الكرشة، والكوكادا، والجوارابو، من بين جميع أنواع المخلفات، والحلي، والحلي والأدوات، ومصارعة الديوك، وألعاب اليانصيب. وفي خضم ارتباك الحشد المشاغب، تم بيع المطبوعات والكتف التي تحمل صورة الأم الكبيرة.
لم يخطر ببال أحد قط أن يعتقد أن الأم الكبيرة فانية، باستثناء أفراد قبيلتها، وهي نفسها، مدفوعة بهواجس الأب أنطونيو إيزابيل الخرف. لكنها كانت واثقة من أنها ستعيش أكثر من 100 عام، مثل جدتها لأمها، التي واجهت في حرب عام 1875 دورية تابعة للكولونيل أوريليانو بوينديا، المتحصنة في مطبخ المزرعة. فقط في أبريل من هذا العام أدركت الأم الكبيرة أن الله لن يمنحها امتياز تصفية حشد من الماسونيين الفيدراليين في قتال مفتوح.
وفي الأسبوع الأول من الألم، كان طبيب الأسرة يسليها بكمادات الخردل والجوارب الصوفية. لقد كان طبيبًا وراثيًا، حائز على جائزة مونبلييه، معارضًا بقناعة فلسفية لتقدم علمه، وقد منحته الأم الكبرى امتياز منع إنشاء أطباء آخرين في ماكوندو. ذات مرة قام بجولة في المدينة على ظهور الخيل، لزيارة المرضى الكئيبين عند الغسق، ومنحته الطبيعة امتياز كونه أبًا للعديد من أطفال الآخرين. لكن التهاب المفاصل أصابه بالركود في الأرجوحة، وانتهى به الأمر إلى رعاية مرضاه دون زيارتهم، من خلال الافتراضات والرسل والمهمات. بناءً على طلب الأم الكبيرة، عبر الساحة مرتدياً بيجامته، متكئاً على عكازتين، واستقر في غرفة نوم المرأة المريضة. فقط عندما أدرك أن الأم الكبيرة تحتضر، أحضر له تابوتًا مزودًا بمقابض خزفية مكتوبة باللاتينية، ولمدة ثلاثة أسابيع قام بتلطيخ المرأة المحتضرة من الداخل والخارج بكل أنواع اللصقات الأكاديمية والجلاب الرائعة والتحاميل الماهرة. بعد ذلك، قام بوضع الضفادع المدخنة على مكان الألم والعلق على كليتيها، حتى الساعات الأولى من ذلك اليوم عندما كان عليه أن يواجه معضلة جعلها تنزف على يد الحلاق أو طرد الأرواح الشريرة على يد الأب أنطونيو إيزابيل.
فأرسل نكانور في طلب الكاهن. حمله أفضل عشرة رجال من بيت القسيس إلى غرفة نوم الأم الكبيرة، جالسة على كرسيها الهزاز المصنوع من الخيزران تحت المظلة العفنة للمناسبات العظيمة. كان جرس فياتيكوم في فجر سبتمبر الدافئ هو أول إخطار لسكان ماكوندو. عندما أشرقت الشمس، بدت الساحة الصغيرة أمام منزل الأم الكبيرة وكأنها معرض ريفي.
لقد كانت مثل ذكرى وقت آخر. حتى بلغت السبعين من عمرها، احتفلت الأم الكبيرة بعيد ميلادها بأطول المعارض وأكثرها صخبًا في الذاكرة. تم توفير نصف كوب من البراندي للناس، وتم التضحية بالماشية في الساحة العامة، وعزفت فرقة من الموسيقيين على طاولة دون توقف لمدة ثلاثة أيام. تحت أشجار اللوز المغبرة، حيث خيم الأسبوع الأول من القرن فيالق العقيد أوريليانو بوينديا، مبيعات الماساتو، الكعك، نقانق الدم، الشيشارون، إمباناداس، بوتيفاراس، كاريبانيولا، بانديوكا، ألموجاباناس، بونيويلوس، أريبويلاس، المعجنات المنتفخة، لونغانيزا، الكرشة، والكوكادا، والجوارابو، من بين جميع أنواع المخلفات، والحلي، والحلي والأدوات، ومصارعة الديوك، وألعاب اليانصيب. وفي خضم ارتباك الحشد المشاغب، تم بيع المطبوعات والكتف التي تحمل صورة الأم الكبيرة.
بدأت الاحتفالات في اليوم السابق وانتهت في عيد الميلاد، مع انطلاق الألعاب النارية ورقصة عائلية في منزل بيج ماما. الضيوف المختارون وأفراد العائلة الشرعيون، الذين خدمهم اللقيط بسخاء، رقصوا على إيقاع عازف البيانو القديم المجهز بلفائف عصرية. ترأست الأم الكبيرة الحفلة من الجزء الخلفي من الغرفة، على كرسي مريح مع وسائد من الكتان، وكانت تعطي تعليمات سرية ويدها اليمنى المزينة بالخواتم في جميع أصابعها. في بعض الأحيان بالتواطؤ مع العشاق ولكن دائمًا تقريبًا بإلهامها الخاص، قامت في تلك الليلة بترتيب الزيجات للعام المقبل. وفي ختام اليوبيل، خرجت الأم الكبيرة إلى الشرفة المزينة بالتيجان والفوانيس الورقية، وألقت العملات المعدنية على الجمهور.
وقد انقطع هذا التقليد، ويرجع ذلك جزئيا إلى الحداد العائلي المتتالي، وجزئيا بسبب عدم اليقين السياسي في الآونة الأخيرة. ولم تسمع الأجيال الجديدة إلا عن تلك المظاهر الرائعة. لم يتمكنوا من رؤية الأم الكبيرة في قداس مرتفع، يشجعه بعض أعضاء السلطة المدنية، وتتمتع بامتياز عدم الركوع حتى في لحظة الارتفاع حتى لا تفسد تنورتها الهولندية ذات الكشكشة وتنوراتها المصنوعة من الدانتيل. تذكر كبار السن، كهلوسة الشباب، مائتي متر من الحصير التي امتدت من القصر إلى المذبح الرئيسي، في فترة ما بعد الظهر عندما حضرت ماريا ديل روزاريو كاستانيدا إي مونتيرو جنازة والدها، وعادت على طول الشارع المغطى بالحصى. كرامة جديدة ومشرقة، في عمر 22 عامًا، تحولت إلى الأم الكبيرة. ولم تكن رؤية العصور الوسطى تلك تنتمي إلى ماضي العائلة فحسب، بل إلى ماضي الأمة. وبصورة متزايدة، أصبحت غير دقيقة ونائية، وبالكاد يمكن رؤيتها على شرفتها، ثم اختنقت بنبات إبرة الراعي في فترة ما بعد الظهيرة الحارة، واختفت الأم الكبيرة في أسطورتها الخاصة. وكانت سلطته تمارس من خلال نيكانور. كان هناك وعد ضمني، صاغته التقاليد، بأنه في اليوم الذي ختمت فيه الأم الكبيرة وصيتها، سيقرر الورثة ثلاث ليالٍ من الاحتفالات العامة. ولكن كان من المعروف أيضًا أنها قررت عدم التعبير عن وصيتها النهائية إلا قبل ساعات قليلة من وفاتها، ولم يفكر أحد جديًا في احتمال أن تكون الأم الكبيرة بشرًا. في ذلك الصباح فقط، أيقظت أجراس البقر في فياتيكوم سكان ماكوندو، وكانوا مقتنعين بأن الأم الكبيرة لم تكن فقط مميتة، بل كانت تحتضر.
لقد حان وقته. في سريرها القماشي، الملطخ بالصبر حتى الأذنين، تحت المظلة الرغوية المغبرة، بالكاد يمكن تمييز الحياة في التنفس الخافت لثدييها الأموميين. الأم الكبيرة، التي رفضت حتى سن الخمسين الخاطبين الأكثر حماسًا، والتي وهبت بطبيعتها إرضاع جميع أفراد جنسها بمفردها، كانت تموت عذراء وبدون أطفال. في لحظة المسحة الأخيرة، كان على الأب أنطونيو إيزابيل أن يطلب المساعدة لوضع الزيوت على راحة يديها، لأنه منذ بداية معاناتها، كانت الأم الكبيرة تقبض قبضتيها. ولم تكن مسابقة بنات الأخت ذات فائدة. وفي النضال، ولأول مرة منذ أسبوع، ضغطت المرأة المحتضرة بيدها المرصعة بالأحجار الكريمة على صدرها، وثبتت نظرتها عديمة اللون على بنات أخيها قائلة: "لصوص". ثم رأى الأب أنطونيو إيزابيل باللباس الليتورجي وصبي المذبح حاملاً أدوات القربان، وتمتم بقناعة سلمية: "أنا أموت". ثم خلع الخاتم الذي به الماسة الكبرى وأعطاه لماجدالينا المبتدئة، فملكها لأنها الوريثة الأصغر. وكانت تلك نهاية التقليد: لقد تخلت المجدلية عن ميراثها لصالح الكنيسة.
عند الفجر، طلبت الأم الكبيرة أن تبقى بمفردها مع نيكانور ليعطيها التعليمات الأخيرة. ولمدة نصف ساعة، وبتحكم كامل في قدراته، كان يقدم تقريرًا عن سير العمل. لقد قام بصياغات خاصة حول مصير جسده، وأخيراً اعتنى بالوقفات الاحتجاجية. وأضاف: "عليك أن تبقي عينيك مفتوحتين". "احتفظ بجميع الأشياء الثمينة في مكان مغلق، لأن الكثير من الناس لا يأتون إلى الجنازة بل للسرقة." بعد لحظة، بمفرده مع الكاهن، أدلى باعتراف مطول وصادق ومفصل، ثم تناول بعد ذلك بحضور أبناء أخيه. وذلك عندما طلبت الجلوس على كرسي الروطان الهزاز للتعبير عن أمنياتها الأخيرة.
لقد أعد نيكانور، في أربع وعشرين صفحة مكتوبة بخط واضح جدًا، قائمة دقيقة بأصوله. تنفست بسلام، مع الطبيب والأب أنطونيو إيزابيل كشهود، أملت الأم الكبيرة على كاتب العدل قائمة ممتلكاتها، المصدر الأسمى والوحيد لعظمتها وسلطتها. تم تقليص الإرث المادي إلى أبعاده الحقيقية، وتم تقليصه إلى ثلاث وصايا ممنوحة بموجب مرسوم ملكي أثناء المستعمرة، والتي تراكمت مع مرور الوقت، بفضل زيجات المصلحة المعقدة، تحت سيطرة الأم الكبرى. في تلك المنطقة الخاملة، دون حدود محددة، والتي تغطي خمس بلديات والتي لم تُزرع فيها حبة واحدة على الإطلاق لصالح أصحابها، عاشت 352 عائلة كمستأجرين. في كل عام، عشية عيد ميلادها، كانت الأم الكبيرة تمارس فعل الهيمنة الوحيد الذي حال دون عودة الأراضي إلى الدولة: جمع الإيجارات. أثناء جلوسها في الممر الداخلي لمنزلها، تلقت شخصيًا مدفوعات مقابل حق العيش على أرضها، كما حصل أسلافها على مدى أكثر من قرن من أسلاف المستأجرين. وبعد ثلاثة أيام من الحصاد، امتلأ الفناء بالخنازير والديوك الرومية والدجاج، وبالعشور والثمار الأولى من ثمار الأرض التي تم إيداعها هناك كهدايا. في الواقع، كان هذا هو المحصول الوحيد الذي حصدته الأسرة على الإطلاق من منطقة ماتت منذ نشأتها، والتي تم حسابها للوهلة الأولى على أنها 100000 هكتار. لكن الظروف التاريخية فرضت أنه ضمن تلك الحدود، نمت وازدهرت البلدات الست في منطقة ماكوندو، بما في ذلك رئيس البلدية، بحيث لم يكن لأي شخص يعيش في منزل حقوق ملكية أكثر من تلك التي تقابله على المواد. .، بما أن الأرض مملوكة للأم الكبيرة وتم دفع الإيجار لها، حيث كان على الحكومة أن تدفع مقابل استخدام المواطنين للشوارع.
في المناطق المحيطة بالقرى الصغيرة، كان هناك عدد لا يحصى من الحيوانات يتجولون ويعانون من قلة الاهتمام وهم ينتعلون أقدامهم الخلفية على شكل قفل. كان هذا الحديد الوراثي، الذي أصبح مألوفًا في المناطق النائية، حيث كانت تصل الماشية المتناثرة في الصيف، تموت عطشًا، بسبب الفوضى أكثر من الكمية، أحد أقوى دعائم الأسطورة. لأسباب لم يتوقف أحد عن شرحها، تم إفراغ الإسطبلات الواسعة بالمنزل تدريجياً منذ الحرب الأهلية الأخيرة، وفي الآونة الأخيرة تم تركيب مصانع سكر وأقلام حلب ومطحنة أرز هناك.
وبصرف النظر عن ما تم إدراجه، فقد ذكرت الوصية وجود ثلاث جرار من الموروكوتاس مدفونة في مكان ما بالمنزل خلال حرب الاستقلال، والتي لم يتم العثور عليها خلال الحفريات الدورية والمضنية. مع الحق في مواصلة استغلال الأرض المؤجرة والحصول على العشور والباكورات وجميع أنواع الهدايا غير العادية، حصل الورثة على خطة مرسومة من جيل إلى جيل، ومتقنة لكل جيل، مما سهل اكتشاف المدفونين كنز.
احتاجت الأم الكبيرة إلى ثلاث ساعات لتسرد شؤونها الأرضية. وفي غرفة النوم المختنقة، بدا صوت المرأة المحتضرة يكرّم كل شيء مدرج في مكانه. وحين وقع متلعثما على توقيعه، وختم الشهود توقيعهم تحته، هزت رجفة سرية قلوب الجموع التي بدأت تتجمع أمام المنزل، في ظل أشجار اللوز المغبرة.
الشيء الوحيد المفقود آنذاك هو التعداد التفصيلي للمنافع الأخلاقية. بذلت جهدًا فائقًا - نفس الجهد الذي بذله أسلافها قبل وفاتهم لضمان هيمنة جنسها - وقفت الأم الكبيرة على أردافها الضخمة، وبصوت مهيمن وصادق، متروك لذاكرتها، أملت الأمر على كاتب العدل قائمة تراثه غير المرئي:
ثروات باطن الأرض، المياه الإقليمية، ألوان العلم، السيادة الوطنية، الأحزاب التقليدية، حقوق الإنسان، حريات المواطنين، القاضي الأول، الدرجة الثانية، المناظرة الثالثة، رسائل التوصية، السجلات التاريخية، الانتخابات الحرة، ملكات الجمال، الخطب المتعالية، المظاهرات الفخمة، السيدات الكرام، السادة الصحيحين، الجنود الشرفاء، حضرتكم الموقرة، محكمة العدل العليا، المواد المحظورة الاستيراد، السيدات الليبراليات، مشكلة اللحوم، نقاء اللغة، أمثلة للعالم، النظام القانوني، الصحافة الحرة ولكن المسؤولة، أثينا أمريكا الجنوبية، الرأي العام، دروس الديمقراطية، الأخلاق المسيحية، نقص العملات الأجنبية، حق اللجوء، الخطر الشيوعي ، سفينة الدولة، غلاء المعيشة، التقاليد الجمهورية، الطبقات المحرومة، رسائل الانضمام.
ولم يتمكن من الانتهاء. أدى التعداد الشاق إلى قطع رحلته الأخيرة. غرقت الأم الكبيرة في أعظم الصيغ المجردة التي شكلت لمدة قرنين من الزمان المبرر الأخلاقي لسلطة الأسرة، وأطلقت تجشؤًا عاليًا، ثم انتهت صلاحيتها.
بعد ظهر ذلك اليوم رأى سكان العاصمة النائية والقاتمة صورة امرأة تبلغ من العمر عشرين عامًا على الصفحة الأولى من الطبعات غير العادية، واعتقدوا أنها ملكة جمال جديدة. عاشت الأم الكبيرة مرة أخرى الشباب اللحظي الذي صورته في صورتها، مكبرة إلى أربعة أعمدة مع تعديلات عاجلة، وشعرها الغزير متجمع في أعلى جمجمتها بمشط عاجي، وتاج فوق طوقها الدانتيل. تلك الصورة، التي التقطها مصور مسافر مر عبر ماكوندو في بداية القرن وحفظتها الصحف لسنوات عديدة في قسم الأشخاص المجهولين، كان من المقدر لها أن تبقى في ذاكرة الأجيال القادمة. في الحافلات المتهالكة، في مصاعد الوزارات، في غرف الشاي الكئيبة التي تصطف على جانبيها ستائر شاحبة، يتهامسون بإجلال واحترام للسلطة الميتة في منطقة الحر والملاريا التي لا يعرف اسمها في بقية أنحاء البلاد. قبل ساعات قليلة قبل تكريسه بالكلمة المطبوعة. غطى رذاذ خفيف المارة بالشك والزنجار. ودقت أجراس الكنائس كلها تنعياً للموتى. واقترح رئيس الجمهورية، الذي فوجئ بالخبر وهو يلقي كلمته في حفل تخريج الطلاب الجدد، على وزير الحربية، في مذكرة كتبها بخط يده على ظهر البرقية، أن يختتم حديثه بـ دقيقة صمت حداداً على الأم الكبيرة.
لقد تأثر النظام الاجتماعي بالموت. رئيس الجمهورية نفسه، الذي وصلت إليه المشاعر الحضرية كما لو كان عبر مرشح تطهير، تمكن من رؤية من سيارته، في رؤية لحظية، ولكن وحشية إلى حد ما، ذعر المدينة الصامت. ولم يبق سوى عدد قليل من المقاهي غير الطبيعية مفتوحة، وكانت كاتدرائية متروبوليتان جاهزة لتسعة أيام من مراسم الجنازة. وفي مبنى الكابيتول الوطني، حيث كان المتسولون الملتفون بالأوراق ينامون تحت مأوى أعمدة دوريك وتماثيل صامتة للرؤساء القتلى، كانت أضواء الكونجرس مضاءة. وعندما دخل الرئيس مكتبه، متأثراً بمنظر العاصمة في حالة حداد، كان وزراؤه ينتظرونه وهم يرتدون ثياب التفتا الجنائزية، واقفين، وأكثر مهابة وشحوباً من المعتاد.
سيتم تعريف أحداث تلك الليلة وما يليها لاحقًا على أنها درس تاريخي. ليس فقط بسبب الروح المسيحية التي ألهمت أعلى المسؤولين في السلطة العامة، بل بسبب الإيثار الذي تم به التوفيق بين المصالح المتباينة والمعايير المتضاربة، لتحقيق الهدف المشترك المتمثل في دفن جثة مشهورة. لسنوات عديدة، ضمنت الأم الكبيرة السلام الاجتماعي والوئام السياسي لإمبراطوريتها، بفضل الصناديق الثلاثة للبطاقات الانتخابية المزورة التي كانت جزءًا من أصولها السرية. إن رجال العبودية، المحميين والمستأجرين، البالغين والقاصرين، لم يمارسوا حقهم في التصويت فحسب، بل مارسوا أيضًا حق الناخبين الذين ماتوا خلال قرن من الزمان. لقد كانت أولوية السلطة التقليدية على السلطة المؤقتة، وهيمنة الطبقة على العوام، وتجاوز الحكمة الإلهية على الارتجال الفاني. وفي أوقات السلم، كانت إرادتها المهيمنة تتفق وتختلف مع القواعد القانونية، والوظائف المسبقة، والوظائف، وتضمن رفاهية أعضائها، حتى لو اضطرت إلى اللجوء إلى الخداع أو تزوير الانتخابات لتحقيق ذلك. في الأوقات العاصفة، ساعدت الأم الكبيرة سرًا في تسليح مؤيديها، وساعدت ضحاياها علنًا. تلك الحماسة الوطنية هي التي منحتها أعلى درجات التكريم.
ولم يكن رئيس الجمهورية في حاجة إلى اللجوء إلى مستشاريه لقياس حجم مسؤوليته. بين قاعة الاستقبال في القصر والفناء الصغير المرصوف بالحصى الذي كان بمثابة عربة نواب الملك، كانت هناك حديقة داخلية من أشجار السرو الداكنة حيث شنق راهب برتغالي نفسه بسبب الحب في نهاية المستعمرة. وعلى الرغم من أجهزته الصاخبة من الضباط الحاصلين على الأوسمة، لم يتمكن الرئيس من قمع ارتعاشة طفيفة من عدم اليقين عندما مر بذلك المكان بعد الغسق. لكن في تلك الليلة، كان للقشعريرة قوة هاجس. ثم أصبح مدركاً تماماً لمصيره التاريخي، وأصدر مرسوماً للحداد الوطني لمدة تسعة أيام، وتكريم الأم الكبرى بعد وفاتها في فئة البطلة التي ماتت من أجل الوطن في ساحة المعركة. وكما عبر عن ذلك في الخطاب الدرامي الذي ألقاه لمواطنيه ذلك الصباح عبر شبكة الإذاعة والتلفزيون الوطنية، فقد كان القاضي الأول في البلاد واثقاً من أن جنازة الأم الكبيرة سوف تشكل مثالاً جديداً للعالم.
لكن مثل هذه الأهداف النبيلة كان لا بد أن تواجه عيوبا خطيرة. لم يكن الهيكل القانوني للبلاد، الذي بناه أسلاف الأم الكبيرة البعيدين، مستعدًا لأحداث مثل تلك التي بدأت تحدث. لقد تعمق أطباء القانون الحكماء، وكيميائيو القانون المثبتون، في التأويل والقياس المنطقي، بحثًا عن الصيغة التي تسمح لرئيس الجمهورية بحضور الجنازات. كانت هناك أيام من الصدمة في المجالات العليا للسياسة ورجال الدين والمالية. في قاعة الكونجرس الفسيحة، التي خلخلها قرن من التشريعات المجردة، بين اللوحات الزيتية للأبطال الوطنيين والتماثيل النصفية للمفكرين اليونانيين، وصلت استحضار الأم الكبيرة إلى أبعاد غير متوقعة، في حين امتلأت جثتها بالفقاعات في سبتمبر ماكوندو القاسي. . لأول مرة تم الحديث عنها وحملها بدون كرسيها الهزاز المصنوع من الروطان، ونومها في الثانية بعد الظهر وكمادات الخردل، وكان يُنظر إليها على أنها نقية ودائمة الشباب، ومقطرة بالأسطورة.
كانت الساعات التي لا نهاية لها مليئة بالكلمات، الكلمات، الكلمات التي تردد صداها في جميع أنحاء الجمهورية، وهيبة مكبرات الصوت للرسالة المطبوعة. إلى أن قاطع أحد الأشخاص الذين يتمتعون بحس الواقع في ذلك التجمع من الفقهاء العقيمين هذا الكلام التاريخي ليتذكر أن جثة الأم الكبيرة كانت تنتظر القرار عند درجة حرارة 40 درجة في الظل. ولم يتراجع أحد في مواجهة هذا الاندفاع للحس السليم في الجو النقي للقانون المكتوب. وصدرت الأوامر بتحنيط الجثة، فيما تم العثور على صيغ أو توفيق آراء أو إجراء تعديلات دستورية تسمح لرئيس الجمهورية بحضور الدفن.
كان هناك الكثير من الحديث لدرجة أن الثرثرة عبرت الحدود، وعبرت المحيط، وعبرت الغرف البابوية في كاستيلغاندولفو مثل هاجس. بعد أن تعافى من نعاس شهر أغسطس الأخير، كان الحبر الأعظم عند النافذة يراقب الغواصين وهم يغرقون في البحيرة بحثًا عن رأس الفتاة المقطوعة الرأس. في الأسابيع الأخيرة، كانت صحف فترة ما بعد الظهيرة مشغولة بأي شيء آخر، ولا يمكن للحبر الأعلى أن يكون غير مبالٍ باللغز المطروح بالقرب من مقر إقامته الصيفي. لكن بعد ظهر ذلك اليوم، وفي تبديل غير متوقع، غيرت الصحف صور الضحايا المحتملين بصورة امرأة وحيدة في العشرين من عمرها، عليها شريط حداد. "الأم العظيمة"، هتف الحبر الأعظم، مدركًا على الفور الصورة الغامقة التي قُدِّمت له قبل سنوات عديدة بمناسبة صعوده إلى كرسي القديس بطرس. "الأم الكبيرة"، هتف أعضاء مجمع الكرادلة بصوت جماعي في غرفهم الخاصة، وللمرة الثالثة خلال عشرين قرنًا كانت هناك ساعة من الارتباك والومضات الساخنة والتجول في إمبراطورية العالم المسيحي التي لا حدود لها، حتى تم تنصيب الحبر الأعظم في جندوله الأسود الطويل، متجهًا إلى الجنازات الرائعة والنائية للأم الكبيرة.
في الخلف كانت حقول الخوخ المضيئة، وشارع فيا أبيا أنتيكا مع ممثلات الأفلام الفاترات اللاتي يتحولن إلى اللون البني على المصاطب دون أن يسمعن بعد عن الضجة، ثم نتوء كاستيلسانتانجيلو الغامض في أفق نهر التيبر. عند الغسق، اختلطت تماثيل كاتدرائية القديس بطرس العميقة مع قطع برونز ماكوندو المتشققة. من مظلته الخانقة، عبر الأنابيب المعقدة والمستنقعات السرية التي كانت تحدد حدود الإمبراطورية الرومانية وقطعان الأم الكبيرة، سمع الحبر الأعظم ضجيج القرود طوال الليل، مضطربًا بسبب مرور الحشود. في خط سيره الليلي، كان القارب البابوي مملوءًا بأكياس الكسافا، وعناقيد الموز الأخضر، وصناديق الدجاج، وبالرجال والنساء الذين تركوا وظائفهم المعتادة ليجربوا حظهم بأشياء لبيعها في جنازة الأم الكبيرة. وقد عانى قداسته في تلك الليلة، لأول مرة في تاريخ الكنيسة، من حمى السهر وعذاب البعوض. لكن الفجر المذهل على أراضي السيدة العجوز العظيمة، والرؤية البدائية لمملكة البلسمين والإغوانا، محيت من ذاكرته معاناة الرحلة وعوضته عن التضحية.
استيقظ نيكانور على ثلاث طرقات على الباب معلنة وصول قداسته الوشيك. لقد استولى الموت على المنزل. مستلهمين خطابات رئاسية متتالية وعاجلة، ومن السجالات المحمومة للبرلمانيين الذين فقدوا أصواتهم وواصلوا فهم بعضهم البعض من خلال الإشارات التقليدية، تجاهل الرجال والتجمعات من جميع أنحاء العالم شؤونهم وملأوا الممرات المظلمة بحضورهم، الممرات المزدحمة، والسندرات الخانقة، وأولئك الذين وصلوا متأخرين تسلقوا واستقروا بأفضل طريقة في الباربيكان، والبالينك، وأبراج المراقبة، والغابات، والآلات. في القاعة المركزية، أثناء التحنيط في انتظار القرارات الكبرى، ترقد جثة الأم الكبيرة، تحت نتوء مرتجف من البرقيات. بعد أن أنهكتهم الدموع، راقب أبناء الإخوة التسعة الجثة في نشوة من اليقظة المتبادلة.
لا يزال يتعين على الكون إطالة المطاردة لعدة أيام. في غرفة المجلس البلدي، المفروشة بأربعة مقاعد جلدية، وجرة ماء مفلتر وأرجوحة ممسحة، كان الحبر الأعظم يعاني من الأرق العرقي، ويسلي نفسه بقراءة النصب التذكارية والأحكام الإدارية في الليالي الخانقة الطويلة. خلال النهار، كان يوزع الحلوى الإيطالية على الأطفال الذين يأتون لرؤيته عبر النافذة، ويتناول الغداء تحت العريشة الفلكية مع الأب أنطونيو إيزابيل، وأحيانًا مع نيكانور. وهكذا عاش أسابيع وأشهر لا نهاية لها، أطالها الترقب والحرارة، حتى وقف القس باسترانا مع طبله في وسط الساحة وقرأ جانب القرار. أُعلن أن النظام العام مضطرب، تاراتابلان، وكان رئيس الجمهورية، تاراتابلان، يتمتع بسلطات استثنائية، تاراتابلان، تسمح له بحضور جنازة الأم العظيمة، تاراتابلان، راتابلان، خطة، خطة.
كان اليوم الكبير قادمًا. في الشوارع المزدحمة بألعاب الروليت والفريتانجا وطاولات اليانصيب، والرجال الذين يلتفون حول أعناقهم ثعابين يعلنون عن البلسم النهائي لعلاج الحمرة وضمان الحياة الأبدية؛ وفي الساحة الصغيرة المتنوعة حيث علقت الحشود مظلاتهم وفتحت حصرهم، مهد رماة القوس والنشاب الوسيمون الطريق للسلطة. كان هناك، في انتظار اللحظة الحاسمة، غاسلات سان خورخي، وصيادو اللؤلؤ في كابو دي فيلا، وصيادو الشباك في سيينيجا، وصيادو الجمبري في تاساجيرا، وساحرات لا موجانا، ومناجم الملح في مانور، وصانعو الأكورديون في فنزويلا. فاليدوبار، وشالانات أيابيل، وباباياروس سان بيلايو، ومصاصو الديوك في لا كويفا، ومرتجلو ساباناس في بوليفار، وكاماجان ريبولو، وبوغاس ماجدالينا، وتينتريلوس مومبوكس، بالإضافة إلى تلك المدرجة في قائمة بداية هذه الوقائع، وغيرها الكثير. حتى قدامى محاربي الكولونيل أوريليانو بوينديا - دوق مارلبورو على رأسهم، بملابسه المصنوعة من الفراء وأظافر النمر وأسنانه - تغلبوا على استياءهم المستمر منذ قرون تجاه الأم الكبيرة وأمثالها، وجاءوا إلى الجنازة ليطلبوا من رئيس البلاد الجمهورية دفع معاشات الحرب التي كانوا ينتظرونها منذ ستين عاماً.
قبل الساعة الحادية عشرة بقليل، أطلق الحشد الهذيان الذي كان يختنق تحت أشعة الشمس، والذي احتوته نخبة هادئة من المحاربين الذين يرتدون الزي الرسمي مع المعسكرات المحصنة والموريون الرغوي، هديرًا قويًا من الفرح. الموقرين والموقرين في معاطفهم وقبعاتهم، رئيس الجمهورية ووزرائه، واللجان البرلمانية، ومحكمة العدل العليا، ومجلس الدولة، والأحزاب التقليدية ورجال الدين، وممثلو البنوك والتجارة والبرلمان. الصناعة، ظهرت قاب قوسين أو أدنى من التلغراف. كان رئيس الجمهورية العجوز والمريض، أصلع وممتلئ الجسم، يستعرض أمام أعين الجماهير المندهشة التي استثمرته دون أن تعرفه، والتي لم تتمكن إلا الآن فقط من الإدلاء بشهادة حقيقية عن وجوده. بين رؤساء الأساقفة المنهكين من خطورة خدمتهم والجنود بصدورهم القوية المدرعة بالشارات، كان أول قاضي في البلاد ينفث نفحة من القوة لا لبس فيها.
وفي المقام الثاني، في مسار هادئ من نسيج الكريب الحزين، يتم عرض الملكات الوطنيات لكل الأشياء التي كانت وسوف يتم عرضها. لأول مرة محرومين من الروعة الأرضية، مروا هناك، سبقتهم الملكة العالمية، ملكة هيلاتشا مانجو، ملكة أهوياما الخضراء، ملكة التفاح والموز، ملكة الكسافا الدقيقي، ملكة الجوافة البيروفية، ملكة جوز الهند المائي، ملكة الحبة ذات الرأس الأسود، ملكة 426 كيلومترًا من خيوط بيض الإغوانا، وكل ما تم حذفه حتى لا تجعل هذه السجلات لا نهاية لها.
في نعشها ذو الدائرة الأرجوانية، المنفصل عن الواقع بثمانية عاصبة نحاسية، كانت الأم الكبيرة آنذاك مغمورة في أبدية الفورمالديهايد الخاصة بها لدرجة أنها لم تتمكن من إدراك حجم عظمتها. كل الروعة التي حلمت بها على شرفة منزلها أثناء الوقفات الاحتجاجية الحارة قد تحققت مع تلك الوقفات الثمانية والأربعين المجيدة التي أشادت فيها جميع رموز ذلك الوقت بذكراها. الحبر الأعظم نفسه، الذي تصورته في هذيانها معلقًا في عربة متألقة فوق حدائق الفاتيكان، تغلب على الحرارة بمروحة سعف مضفرة وأكرم أكبر الجنازات في العالم بكرامته الفائقة.
في حالة ذهول من مشهد السلطة، لم يلاحظ السكان الرفرفة الشديدة التي حدثت على حامل المنزل عندما تم فرض الاتفاق في نزاع المشاهير، وتم إخراج النعش إلى الشارع على أكتاف معظم الناس. اللامع. لم ير أحد الظلال الساهرة لطيور الصقور التي تبعت الموكب عبر شوارع ماكوندو الصغيرة الملتهبة، ولم يلاحظوا أنه أثناء مرور الأشخاص اللامعين، كانوا مغطيين بسلسلة من النفايات الوبائية. لم يلاحظ أحد أن أبناء إخوة الأم الكبيرة وأبنائها وخدمها وأتباعها أغلقوا الأبواب بمجرد إخراج الجثة، وقاموا بتفكيك الأبواب وفك المسامير وحفر الأساسات لتقسيم المنزل. الشيء الوحيد الذي لم يلاحظه أحد وسط ضجيج تلك الجنازة هو تنهيدة الراحة المدوية التي أطلقتها الحشود عندما انتهت الأيام الأربعة عشر من الصلاة والتمجيد والإنشاد، وتم إغلاق القبر بمنصة من الرصاص. كان لدى بعض الحاضرين ما يكفي من الاستبصار لفهم أنهم كانوا يشهدون ولادة حقبة جديدة. الآن يستطيع الحبر الأعظم أن يصعد إلى السماء بالجسد والروح، بعد أن ينجز مهمته على الأرض، ويمكن لرئيس الجمهورية أن يجلس ليحكم وفقًا لحكمه الجيد، ويمكن لملكات كل ما كان موجودًا أن يتزوجن ويتزوجن. سعيدة، وتنجب وتنجب العديد من الأطفال، ويمكن للجموع أن تعلق مظلاتها وفقًا لطريقتها الحقيقية في المعرفة والفهم في المجالات المفرطة للأم الكبيرة، لأن الشخص الوحيد الذي يمكنه معارضة ذلك ولديه القوة الكافية للقيام بذلك هو بدأت تتعفن تحت منصة الرصاص. الشيء الوحيد المفقود إذن هو أن يضع شخص ما كرسيًا عند الباب ليحكي هذه القصة والدرس والعبرة للأجيال القادمة، وألا يترك أي من الكفار في العالم دون سماع الأخبار من الأم الكبيرة، أنه غدًا، الأربعاء، سيأتي كناسو الشوارع فيكنسون نفايات جنازاتهم إلى أبد الآبدين. 1959-1962 ترجمة اكد الجبوري ( جنازة الام الكبيرة )
الجزء الثاني
مقالاتي حول ماركيز
جمال الموت يغير الواقع
ظهرت الواقعية السحرية في المانيا اولا بين الحربين ثم في امريكا اللاتينية , سنة 1925كان الصحفي والناقد الالماني فرانك روة قد زار معرضا فنيا اقيم في مانهايم بالمانيا فاطلق عليه وصف الواقعية السحرية بعدها تثبت المصطلح على النتاج الادبي محل الحركة التعبيرية . واعتبر بيكمان وغروسز وكريستيان من اوائل المؤسسين لهذا النهج . منذ فوزه بنوبل اقترن هذا المصطلح الواقعية السحرية بكتابات ماركيز ,والمصطلحات قد لا تحتوي الظاهرة او الخط الادبي او الفني بشكل مكتمل فمن يرى قوة الجمالية في رسومات ماتيس لا يؤمن بمصطلح الوحوشية توصيفا لها لكن بعض الظروف تحتم تثبيت مصطلحات ما . في قصته ( اجمل غريق في العالم) تجسيد للواقعية السحرية حيث يمتزج الواقعي بالمتصور والغرائبية بالمعتادة . بسبب غريق استثائي تتغير اشياء كثيرة في قرية معزولة فيغيرون من ابوابهم فتكون عالية واشد صلابة سينهكون ظهورهم في حفر الابار في الصخور وفي زرع الازهار عبر الاجراف سيدهنون بيوتهم بالوان زاهية احتراما لذكرى الجثة استبان , وهو اسم اطلقته النساء عليه بعد مناقشات نفسية ولغوية وكان مفروضا من مترجمها الدكتور محمد قصيبات ان يوضح لنا معنى هذا الاسم لقوة رمزيته . حين اقتربت الجثة الغريقة من الاطفال ظنوه سفينة ولما اقترب وعلموا انه بلا راية ولا صاري توقعوه حوتا كبيرا حين اقترب من تراب الشاطيء . ازاحوا عنه الطحالب والياف المدوز والاسماك فشرعوا يلعبون بتلك الجثة يوارونها في التراب ويخرجونها هؤلاء اطفال غير هيابين من الموت فاستنبطوا منه لعبة للتسلية . حين حمله رجال القرية شعروا بثقله وكانهم يحملون حصانا فقد كانت الجثة اطول من قامة كل الرجال وتصوروا ان الغرقى تطول قاماتهم بعد الموت وسرعان ما علموا بان الرجل غريب عن قريتهم . تلك القرية كان موتاهم نادرين ولا يملكون سوى سبعة قوارب تكفي لحمل اهل القرية جميعا وفيما ذهبوا ليستفسروا عنه في القرى القريبة كانت النسوة يمسحن الطحالب عن شعره ويقشرن ما لصق بجثته بالسكاكين ولاحظن انه قابل ملكي الموت في فخر لان وجهه لا يحمل وحشة الغرقى . انهن لم يرين رجلا في مثل هيبته وجماله تحلقن حول الجثة لخياطة بدلة تليق به وهن يصدرن الاعجاب واخذن يحلمن بانجازات الرجل لو كان في قريتهن . فجرا غطت النسوة وجهه خوفا عليه من اشعة الشمس لقد راينه ضعيفا في اليوم الثاني فبدات ملحمة البكاء والعويل وفرحن لان الرجال عادوا ولم ينتسب الغريق لاية قرية فقلن انه منا . القصة تذكرك باحداث والمعتقدات التي كانت تسود في مائة عام من العزلة . كيف تنسج الناس الخرافات وكيف يتصورون العالم وكيف يعيشون فيه بطزاجة وعفوية .
في قصص ضائعة لماركيز لماذا ينتحرن في السادسة مساء .
سواء وحيدة تماما في منزلها او مع طفل او اكثر او ان لها زوجا اقترن باخرى فيواصلها نادرا او يتناساها فالشعورعميق بكارثة الوحدة والضياع . الرجال والناس لا يتمثلان ذلك , فالمراة لا تموت اثر رصاصة غادرة او نوبة او اي مسبب اخر للموت , الوحدة والاهمال هو سرطان الاحتضار البطيء . اتذكر في طفولتي جارة تشع جملا وخلقا , نذرت نفسها في تلك الازقة الترابية الضيقة المتعرجة في بيت شيد من الطين ان لا تتزوج حتى ترى اخاها متوجا بشهادة دكتور .. حين تحقق الحلم كانت قد بلغت الثلاثين .ستمزق روحها كل ليلة فاذا حل المنتصف تغفو على شبح اليأس والرعب متسائلة ( ما الذي قد جنيت من العمر يا صاحبي ؟ ! ). نحن نردد من الموروث وعراقيا ( اسمك رجل يا كعيم من وحشة الليل ) . بالقياس ترجح المراة اسم رجل (شخصه المرفوض ), او ظله ( وجوده مع عدم نفعه ) على مخالب الوحدة وتحمل الاعباء منفردة .وليست الوحشة هنا خوف المراة من المجهول قدر ما هو تسكين من التوتر المرير والخواء الذي يصعب سبر اغواره حين تتمكن منها الوحدة ليلا . في كتابه(قصص ضائعة )الذي يضم مقالات صحفية وقصصا نادرة يبحر ماركيز في هذا الموضوع عميقا , فيذكر انه كان يتسلى في محلات السوبر بمراقبة ربات البيوت وبعد التفحص يسال نفسه ... ويقول ان هذه العادة السيئة جاءته من سنوات عبر دراسة طبية حدثته عنها صديقته الطبيبة وحسب هذه الدراسة فان اكثر النساء سعادة في الديمقراطيات الغربية ينتحرن في الساعة السادسة .بعد ان يعشن حياة خصبة ويساعدن ازواجهن على الخروج من المستنقع ويربين ابناءهن ليصبحوا شديدي العود وليني القلب وان جميع المشاكل قد تم تجاوزها فلم يبق امامهن سوى الانتحار في مستنقعات خريفهن الراكد .فينتحرن مساء .ويسجل ماركيز رأيا قد لا يتوقف عنده القارئ غير المتمرس وهو (لقد كتبت دوما عن شرط المراة وعن سر طبيعتها ومن الصعب معرفة الاراء الاقرب الى الصواب ) ورغم ان عبارة , شرط المراة , غامضة فان الجمل التالية تعكس محنة الرجل وان كان متبحرا عن ادراك الاعماق الحقيقية للنساء . يسجل ماركيز رأيا لصديق له (النساء لا ينشدن اكثر من دفيء منزل وحماية سقف, يعشن في خوف دائم من الكارثة وفي نضالهن ضد جميع الشرور الغامضة لا توجد حيلة الا ولجأن اليها ... ولو ان الحضارة بايدي النساء لعشنا الى اليوم في كهوف الجبال ... ولكان جل ما يطلبنه من الكهف اضافة لكونه مأوى هو ان يكون افخم درجة واحدة من كهف جارتهن وان يحتفظن باولادهن آمنين .فعقب ماركيز (بعد اطلاعي على هذا الرأي كتبت ــ ان جميع الرجال عنينون ـــ ) ما اثار عليه امطارا من الشتائم . في اللوجستية المنزلية يكمن نضال المراة ولم تكن الحروب الكولومبية ان تحدث لولا استعدادهن لتحمل تبعات العالم وهن في البيت ..كان الرجال يمسكون بندقيتهم ويمضون الى المغامرة دون ان يتخذوا الاحتياطات من اجل اسرهن وقد يعود احدهم من حروبه فيجد كل شيء على ما يرام . ويختم ماركيز بتعليل الظاهرة -الانتحار , (بعد ان كن جميلات , دؤوبات , مخلصات عنيدات كرسن افضل طاقتهن لدفع ازواجهن الى الامام بيد وبيد اخرى يربين الاطفال بتفان ومحبة في بطولة سرية كانت مبررا لهن في الحياة لكن تلك البطولة تضاءلت حين بدأ الزوج وحيدا يحصد ثمار الجهد المشترك وازدادت ضآلة بعد ان كبر الاطفال فكانت تلك بداية فراغ كبير لكنه ليس بلا علاج فثمت فجوة متمثلة بالاعمال المنزلية اكثر الاعمال سخفا في العالم كما ان اعتذار الزوج عن الحضور يمكن تقبله فثمت مسلسل وصالون التجميل وصديقات متشابهات ومكالمات مطولة فلا يبقى من المستقبل الا الساعة السادسة .. في هذه الساعة اما ان يحصلن على عشيق عابر من الصنف الذي لا وقت لديه لخلع حذائه او يتناولن كمية اقراص منومة وقاتلة .. سيعلق الاصدقاء <كان لديها كل ما تحتاج لتكون سعيدة > ..لكن ماركيز يرى انهن كن سعيدات فقط عندما كن يملكن القليل مما يحتاجنه للسعادة .
هذه هي القصة كما رووها لي
تتحدث هذه القصة عن كارلو وريث امبراطورية صناعية ورئيسها .. كان في 36 من عمره اكثر الناس اناقة وكياسة في الحفلات ومحدثا لامعا بخمس لغات عازفا بآلات عدة كمحترف ..كان يغني ويرقص وطيارا مجربا ورياضيا ماهرا ومقلدا باهرا للشخصيات الشهيرة وله زوجة جميلة سعيدة وابن وحيد هو بيرو 8 سنوات هذه الصفات اثارت قلب سيلفيو المهاجر اللاتيني الخجول والكفؤ ولاسباب من النوع الاخلاقي لم يجد لها تفسيرا توصل ليقين بانه امام امر لا يطاق : رجل متكامل السعادة . وكما راى في الافلام وهو يصحب بن رئيسه بالصدفة اجرى مكالمة مغطيا السماعة بمنديل ( انه يتحدث باسم منظمة بروليتارية ولا يمكن اطلاق الصغير الا بشرطين :ادخال اصلاحات عميقة في العمل و ودفع خمسين مليون دولار نقدا ... (لا بد لرجل يعيش بسعادة كلية ان يمر بنكسة ).. هذا هو قرار سيلفيو ). هكذا تتنقل في هذا الكتاب بين الواقعية والسحرية والقصة والمقالة الصحفية في رحلة مشوقة يتدفق فيها الخيال لاقصاه ويضعك اما م مباحث وقضايا انسانية تكرهك ان تفكر فيها بعمق .
شيخوخة التسعين في رواية عاهراتي الحزينات
(لم انس ابدا نظراتها الغائمة بينما كنا نتناول الافطار ...لماذا عرفتني وانت عجوز جدا؟ اجبتها بالحقيقة العمر ليس ما نحن فيه بل ما نشعر به). هذه الجمل التي وردت في ص75من رواية ذكريات عاهراتي تقود الى لب الروايه. وهي ليست روايه تتحدث عن مغامرات جنسية كما يظهر من السياق بل هي بحث معمق حول معاناة الشيخوخة في احدى اوردتها وهي انحسار الغريزة. منذ تلك اللحظة احتفظت بها في ذاكرتي بوضوح فكنت اغير لون عينيها طبقا للحالة النفسية..لون الماء عند الاستيقاظ..ولون العسل عندما تضحك ولون النار عندما اغضبها..كنت البسها طبقا للسن والحالة التي تتوافق مع تغيرات حالتي النفسية..عروس عاشقة في العشرين..عروس صالون في الاربعين..ملكة بابليون في السبعين وقديسة في المئة. تتصدر الرواية القصيرة جملة من رواية(الجميلات النائمات)..وهناك من يظن بان ماركيز سرق الفكرة منها وارى الادق ان نقول الاستفادة لان العظماء لا يسرقون فقد خلقوا للابتكار والاصالة. واذكر ان ماتيس قال بعد اول زيارة لبيكاسو بانه لن يعود اليه ثانية فقد اخذ اهم ما في فنه عنه. تبدأ الرواية حينما اراد البطل بمناسبة عيد ميلاده التسعين ان يهدي لنفسه ليلة حب مجنونه مع مراهقة عذراء فيتذكر صديقته القديمة كاباركاس صاحبة بيت سري لممارسة الجنس للزائرين المتميزين لكنه لم يذعن لدعواتها حين كان اصغر سنا. لقد تلفن لها ورغم انه فارقها عشرين سنة تعرف على صوتها في التلفون مع رنة الجرس وخاطبها بلا مقدمات(اليوم نعم). امضى حياته بلا زوجة ولا مال امه اجمل امرأة اشترى لهما ابوه منزلا في مزاد علني..عمل لاربعين عاما نافخا في كابلات صحيفة(الدياريو)..وله راتب زهيد كمعلم لقواعد القشتالية. في الخمسين بدا يحس باولى ضربات الشيخوخة فيبحث عن نظارته التي كان يلبسها وتناول مرة افطاره مرتين لانه نسي انه تناول افطاره الاول..وتعرف على انزعاج اصدقائه لانه يروي الحكاية مرتين. لم يفعل شيئا حين انفرد مع مراهقته العذراء الحزينة البائسة التي كانت تعيل اخوتها..كانت مخدرة لساعات وهما عراة...وحين صحت الفتاة الصغيرة عز عليها ايقاظه فضلا عن التخوف من التجربة ومن مزاج متعكر فرضته حرارة الغرفة.
طائرة الحسناء النائمة مغامرة لصيد الجمال
نشرت هذه القصة لماركيزضمن مجموعة اثنتي عشرة قصة مهاجرة وهي مؤرخة في 1982 وهي ذات السنة التي حصد فيها كاتبها جائزة نوبل . لقد قرأتها باكثر من خمس ترجمات وارى ان صالح علماني افضل من ترجم لماركيز اطلاقا . يمكن تلخيص القصة ببضعة سطور عن رجل يسافر في طائرة فيشاهد امراة فاتنة فتسحره تماما ويتفاجا بعد ان بحث عنها عبثا في المطار بانها تستقل المقعد جواره فينتعش الا انها تتناول قرصين وتنام طيلة ساعات ثم تختفي في الزحام دون ان تبادله كلمة واحدة . لكن القصة اعمق كثيرا من ذلك فهي تعالج الحب الخالص من اول نظرة ومجال الميتافيزيقيا وازمة الوجود والازمات الاجتماعية في ظروف قاهرة وهيمنة الطقس السيء على مجرى الحياة ومحنة الشيخوخة . (كانت حسناء مرنة ذات بشرة ناعمة بلون الخبز والعينان حبتا لوز اخضر , شعرها ناعم واسود وطويل على الظهر وهالة عراقة , يمكن ان تكون اندونيسية او من الايدز). هكذا تبدأ القصة , بعدها يصف رشاقتها وهندامها الذي يعكس ذوقا فنيا , وكل ذلك لا يثبت لديك جمالا خارقا الا انك كلما تقدمت في القراءة تظهر للفتاة صفات شكلية واخلاقية اخرى لتكتمل لديك رؤيا عن جمال لا يقاوم . عندما يصف عيني الحسناء بانهما حبتا لوز خضراء وعيني الموظفة بلون العنب تجذبك بقوة هذه الاستعارات الشعرية الفائقة التي تميز بها ماركيز . يصف سترتها بانها من الكتان الابيض وفي ترجمة اخرى من فراء او جلد الوشق , ويصف حذاءها حسب تنوع الترجمات بانه مستو ذو حزام ضيق او دقيق اللون او بلون البوغاميليا وهي ازهار متعددة الالوان اشهرها اقرب للون الليلكي . انه يصفها مكثقا بانها ( اجمل امراة رايتها في حياتي ) وهي تمر بخطى لبوة رشيقة حين مرت عليه وهو يقف في الدور لاجراء الصعود الى طائرة نيويورك . (كانت طيفا خارقا للطبيعة ظهر برهة واختفى وسط الحشد في بهو المطار ). تستغرق الرحلة من باريس لنيويورك ثماني ساعات . الساعة التاسعة صباحا والثلج يتساقط بكثافة منذ ليلة , الشاحنات مصطفة على جانب الطريق والسيارات يتصاعد منها البخار فيما كان الجو ربيعيا داخل بهو المطار . كان يقف في طابور التسجيل وامامه عجوز هولندية تجادل حول حقائبها الاثنتي عشرة ما اشعره بالملل والغثيان . اولئك المزعجون سواء البقالون حين يشترون سلعا او البخلاء وهم يساومون او العجائز حين يقتنون يرهقون روحك قبل ان يغادروا رحلة الشراء . غام البطل في افكاره والحب الذي داهمه فجأة فاعادته للحياة من السحاب الموظفة وسالته عن اختيار مقعد فاختار الرقم 4 ما اذهل الموظفة التي لم تر من اختار هذا الرقم طيلة خمسة عشر عاما . قال لها الاهم ان لا تكون ذات الحقائب جواره , وهو محق فمن يتمكن من مجاورة عجوز من العصر السحيق طيلة رحلة في الجو لمدة ساعات . وسال الموظفة ( هل تؤمنين بالحب من اول نظرة ) , فاجابته بالايجاب مع ابتسامة تجارية خبرتها . واعلمته بان الرحلة ستتاجل الى ان يشاء الله لان عاصفة غير مسبوقة ستحل وصحح لنفسه بعد ذلك بانها اخطر عاصفة خلال قرن . كان الجو في قاعة الانتظار ربيعيا والرجال يطالعون الصحف فيما زوجاتهم يفكرن بعشاقهن , ازهار في الاصص وموسيقى مثالية تبث , وهن يتاملن الطائرات الميتة في الثلج والمصانع الجليدية واراضي رسية التي عبثت بها الاسود . عند المنتصف شعر الجميع بانهم غرقى واشتعل الجو سخونة وبتقدم الوقت نفذ كل الطعام واعول الاطفال مرة واحدة ولم يجد أي اثر للحسناء . بعدها صقع والمضيفة ترشده لمقعده , فقد كانت فتاته تستقل الكرسي جواره . وهي تستولي على المكان بخبرة الرحالة المجربين , وكانت قد صيرت من مكانها بيتا منظما ومثاليا فكل شيء رهن تناول يدها . لا بد انه قال في نفسه ( انه ستكون اجمل رحلة في حياته ). لكن القدر كان يحوك له شيئا اخر لونا من خيبة الظن العميقة الطعن . فقد طلبت الحسناء من المشرف كاس ماء واخرجت علبة ذات زوايا نحاسية كعلب العجائز وتناولت قرصين ذهبيين وشربت عليهما الماء ثم مدت الكرسي للخلف ووضعت البطانية حتى منتصف جسدها والقناع على وجهها واعطته ظهرها وغطست بنوم عميق . هنا يصفها بانها مخلوقة ذات سحر منبثقة من قصة خرافية , وان تلك الرحلة كانت مشحونة تماما . تاملها شبرا شبرا وتهجاها بشغف. انها تعلق على رقبتها سلسلة ذهبية تكاد تفقد لونها في البشرة المذهبة . انها ( نائمة , حقيقية , اكيدة , مسيل مامون من الهجران , خط نقي , قريبة جدا من ذراعي المكبلتين ). كانا قريبين من بعضهما كما في سرير زوجي , وجو تنفسها هو جو صوتها ذاته , وبشرتها تطلق بخارا خفيفا هو الرائحة الخاصة بجمالها ). هنا يتذكر رواية ياسوناري كاواباتا والتي لم يسمها وهي رواية الجميلات النائمات التي قال عنها مرة تمنيت ان اكتبها , وهي رواية عن اثرياء مسنين يدفعون مبلغا مرتفعا مقابل النوم جوار فتيات جميلات مخدرات شرط ان لا يفعلوا بهن شيئا فقط ليتذكروا شبابهم ويعيشوا متعة تامل الجمال العاري . ان ذكر ملخص للرواية في هذه القصة مضت بها عميقا واضافت لها بعدا غائرا . انها محنة العجز لدى المسنين من اقامة علاقات حميمية مع الجمال المتوفر والعاري , انها النهاية الفاجعة لخريف العمر . وهي توتر وجودي تقف خلفه قبضة القدر الغامضة . كم تمنى ان تكون اضطرابات مهولة يرسلها الرب لتصحو فتاته وتهرب من رعبها لذراعيه. كانت المسنة الهولنديه خلفه تغفو بشكل بشجع مسقطة نظارتها على الارض حين قصد الحمام وكاد يسحقها ما يجعله سعيدا , لكنه عند عودته لمقعده تناول العوينات وارقدها بحجرها فيما هبطت الطائرة تتقافز كخبب الخيل .
اخر رواية تنشر لماركيز بعد وفاته
اعلن عن الرواية (نلتقي في اغسطس ) تقع ب 150 صفحة لاول مرة سنة 1999 في امسية اقامها ( بيت امريكا ) بمدريد كان ماركيز بعمر 72 عاما وقد تعافى من السرطان وادلى بمقطع منها . (عادت إلى الجزيرة في السادس عشر من أغسطس على متن الباخرة الصغيرة التي رست على رصيف الميناء في الثالثة بعد الظهر. كانت ترتدي قميصاً يحمل رسوم مربعات أسكوتلندية وسروالاً جينزاً، وتنتعل حذاءً بسيطاً من غير جوارب، وتحمل مظلّة قماشية وحقيبة بحرية صغيرة. ولما بلغت طابور سيارات الأجرة على ناصية الرصيف، توجهت مباشرة إلى سيارة قديمة كان الصدأ قد تآكلها بسبب تعرّضها الدائم لماء البحر المالح. استقبلها السائق بعبارات تدلّ على معرفة قديمة بينهما، وانطلقت بهما السيارة في شوارع القرية المكسوّة بالتراب الأبيض بين المنازل المسقوفة بسعف النخيل والمطلّة على بحر متقّد تحت نور الشمس الغاربة). ربما كان السبب بعدم نشر الرواية ان ماركيزكان منهمكا بكتابة مذكراته التي صدرت 2002 وروايته مذكرات مومساتي الحزينات 2004, مع تقدم بالسن . علما ان ماركيز ينقح رواياته مرارا قبل نشرها . وقد بلغت مسودات هذه الرواية ما يربو عن 700 صفحة . البطلة انا ماغدالينا 48 عاما مثقفة , كان لها زوج وسيم وموسيقي ومدير و ماهر في التنس والشطرنج وكانا يمارسان الجنس بلذة ولهما اولاد موهوبون وواثقون رغم القلق من ان ابنتهما مصممة ان تصبح راهبة وبعد مغامراتها في الجزيرة اصبح زوجها ضيفا عابرا بالفراش . تبدا مغامراتها من الرحلة الثامنة حيث تمضي بعيدا كل عام عن مدينتها لتضع ازهارا على قبر امها . فتستدعي غريبا لتمارس معه الحب وفي الصباح كان الرجل قد مضى وهي لا تعرف حتى اسمه . تلك بداية سلسلة من المغامرات المخيبة التي كانت تؤديها مع غرباء . ما الذي يدعو امراة لها زوج ناجح ووفي لخيانته سوى عاصفة من رغبات ايروسية مختمرة في روحها ومستعرة . احدهم دس نقدا خفية لها في كتابها متصورها مومسا لا هاوية تبحث عن مزيد من اللذة والانغماس . وفي احد المرات حيث قصدت قبر امها لتتحدث اليها عن مغامراتها الجنسية وجدت عظاما متناثرة جوار قبرها .
قصة موت معلن لماركيز والقدر المحتوم
مع مطلع سنوات المراهقة تصورت اني حسمت الجدل الذاتي حول موضوعتين فلسفيتين هما الموت والقدر . واكتفيت بنظرية الحركة الجوهرية (الروح رغم انها ليست مادة فان لها نسبا ماديا ) والاطروحات المادية ( الروح مادة متطورة ) لانقي الدماغ من الجدل اللامتناهي حول الروح والمادة . لكن رواية قصة موت معلن المكثفة والقصيرة والمحكمة النسج وضعتني ثانية في مواجهة تلك المسائل الفلسفية الشائكة وعدت لدراسة اطروحة العلاقة بين الصدفة والضرورة وتوصلت لاراء في طور التكوين والتنضيج تلخص بان جزءا من القدر يعتمد على النسبة . منذ السطور الاولى يضعك الكاتب امام النهاية الماساوية للبطل ( في اليوم الذي كانوا سيقتلونه فيه استيقظ سنتياغو نصار وهو غني بالوراثة ومن اصل عربي ..). وعندما يعلم القاريء بالنهاية من اللحظات الاولى يفترض ان يفتر لديه الاحساس بلهفة المتابعة و لذة اكتشاف المستور . لكن ماركيز يقلب الامر مستفيدا من اسلوب الاستقصاء الصحفي وفن السيناريو وتقديم المعلومات بالتقسيط عبر لقائه بمن شهدوا الجريمة وظروفها بعد عقدين فتظل مشدودا حتى النهاية وانت تحاول مثله ان تستكشف اركان الجريمة البشعة واسبابها . سيجري الدم في جو احتفالي فالجميع ينتظر وصول مركب المطران فيما تجري استعدادات فائقة الندرة لاقامة عرس . زمن الرواية اربع ساعات فقط وعدد صفحاتها 122 . تبدا الكارثة حين يعيد العريس زوجته لاهلها بعد ساعات من الزفاف لانه يكتشف فقدانها العذرية . لكنها ستقتل انسانا اخر ايضا لا علاقة له بالحادث حسب اكبر الظن فتجيب انجيلا اخويها المسالمين التوأمين تحت ضغط لا يحتمل بان نصار هو من عبث بها ظنا منه بان اخويها لن يقتلاه بسبب غناه وجرأته . لكنهما نحراه بابشع الطرق وبمدى ذبح خنازير قاسية . لقد نصحتها القوادتان بان تسكره وتضع علامة العفة الحمراء على شرشف سريرهما الزوجي لكنها رفضت تعففا عن الغش مهيئة نفسها للقتل ( قررت اموت ولا اخدعه ) ارى في ذلك نبلا انثويا عاليا .لكن الجميع كان يعلم بان الجريمة ستقع والجميع تعفف عن اخباره وتحذيره وكل برر ذلك بالحجج الواهية . لهذا قال المحقق وهو يقلب ملفا القضية الذي بلغ 500 صفحة ( ان القدر يجعلنا غير مرئيين ) .
صكوك الغفران جذر لاخر رواية لماركيز
استغرق ماركيز ثماني سنوات ليكمل اخر رواياته ( عن الحب وشياطين اخرى ) وتتمكن الحيرة والتساؤل من القاريء لمدة الكتابة فيما استغرق سنة ونصفا لانجازه اهم رواياته مائة عام من العزلة . يمكن تلخيص كثير من الروايات بنصف صفحة ان نظرت اليها كحكاية تروى , فليست رواية عن الحب سوى فتاة صغيرة يعضها كلب فتبدا بالتصرف بشيء من الوحشية ما يضطر الكنيسة لحجزها ظنا منهم ان مسا شيطانيا اصابها . لا يمكن فهم الرواية دون معرفة محاكم التفتيش التي شكلت باسبانيا سنة 1242 لمتابعة تهم الالحاد ومعالجة المصابين بمس شيطاني . في مقدمة الرواية يروي ماركيز كيف انبثقت بذهنه فكرتها . فقد كلفه رئيس تحرير الصحيفة ان يمضي الى قبور سراديب دير كلارا فقد قرروا بيع دير الراهبات التاريخي الذي تم تحويله لمشفى منذ حوالي قرن لاقامة فندق ذي خمس نجوم . كانت سراديب الدير تحتوي قبور ثلاثة اجيال من الاساقفة ورئيسات الدير, وقد شرعوا بتفريغ القبور وتسليم البقايا لمن يطالب بها ودفن الباقي في حفرة مشتركة . في الكوة الثالثة للمذبح جوار مكان الانجيل تحطمت شاهدة اثر ضربة معول وانبعثت خارجه جديلة حية ذات لون نحاسي كثيفانها لماريا طول جديلتها 22 مترا. ربط ماركيز بين هذه الحادثة وما روته له جدته عن اسطورة الماركيزة الصغيرة ذات الاثنتي عشر عاما التي كانت جديلتها تنثال وراءها وقد ماتت مسعورة اثر عضة كلب وكانت طفلة مبجلة في شعوب الكاريبي . بصحبة احدى الخادمات هاجم كلب مسعور ماريا الابنة الوحيدة لماركيز التي خرجت لشراء سلاسل من اوراق الزينة ذات الجلاجل بهدف احياء عيد ميلادها الثاني عشر . وكانت مثل هذه الحوادث معتادة لذا عالجتها الخادمة واخفت السر عن اهلها . لقد تم تحذير الفتاتين بعدم تجاوز بوابة التجار لكن الخادمة اغرتها ضوضاء ميناء النخاسة فجّرت الصغيرة حتى الجسر المتحرك القائم في ضواحي خيتشيماني . لقد تاخر المركب الذي يقل عبيدا للبيع اسبوعا بسبب الخوف من تفشي وباء افريقي ولاخفاء الامر رميت الجثث في الماء لكن في الصباح الباكر اخرجها هيجان البحر وظهرت على السطح مشوهة متورمة ولها لون كبريتي غريب . لتعويض الخسارة بيعت عبدة اسيرة حبشية ملطخة بالدبس جعلها جمالها الخلاب كالدمية لقد بيعت بمقدار وزنها ذهبا .
اكناتيو اب الطفلة عشق امراة في العشرين من عمره فنفاه عنها ابوه لمزرعته وبعد عناء وانقضاء وقت ثقيل تزوج من امراة ماتت مصقوعة فتزوج من برناردا ابنة رئيس عمال عند ابيه وهي امراة شهوانية متهورة . كان اكناتيو متواضعا وليست له صفات بارزة نشا تلاحقه دلائل التخلف العقلي ولم يكن يحب احدا واول خبر سمع عنه هو حبه لاحدى حبيسات الراعية القديسة اوليفيا التي اتهمت بالجنون وحين نفاه ابوه الماركيز ليبعده عنها قال ( احيا فزعا من الحياة ) اكتسب في منفاه الطابع الحزين والمظهر الصامت والدافع التاملي وفتور الهمة والكلام البطيء الميل الصوفي . انه وريث اسرة ثرية ماركيزية افل نجمها وتعيش خريف مجدها . وبزلة لسان تخبر الخادمة الام برناردا بعضة الكلب صغيرتها ويعلم بعد ذلك الاب فيقصد طبيبا يخبره بان لا علاج للسعار وينصحه بان يوفروا للطفلة جوا مرحا جميلا فان نهايتها الموت قريبا . الام الفاجرة كانت تكره بنتها فتركتها تنمو بين عبيدهم فكسبت الفتاة لغات عدة منهم وتمتعت بصوت ساحر ومواهب خارقة وكانت الام تخشى منها فكانت تضع بقدميها منبها. الكنيسة تطالب الماركيز بان يودع الطفلة لديها لتطهيرها من مس شيطاني اصابها حسب اعتقادهم فيوافق الاب وهناك تحجر في سجن صغير في الكنيسة وحيدة جوار المجذومات المعتقلات . ( عندما فتحت الحارسة باب حجرة ماريا انبعثت منها رائحة عفنة كانت الطفلة مضطجعة على ظهرها فوق السرير الحجري بلا مرتبة ومربوطة بسيور جلدية من يديها ورجليها بدت كالميتة غير انعينيها عكست نور البحر ). في زنزانتها المنفردة امر مطران الكنيسة بالحاقها بالدير ليشرف على تطهيرها من الشياطين الاب ديلاروا بالماء المقدس والزيوت لكنها يقع في حبها مما دفعهم لادانته وتجريده من مكانته. كتبت الرواية في 1994 تجري احداثها في القرون الوسطى بامريكا اللاتينية . وفيما يؤكد طبيبها بان الطفلة تجاوزت الخطر لانها عاشت شهرين تخالف رأيه الكنيسة مؤكدة ان بها مسا شيطانيا . تتعرض الفتاة ضحية ابوين غير منسجمين مع بعضهما منذ البداية تتعرض لاقسى انواع الاهانة والتعذيب الروحي والجسدي بحكم معتقدات بالية لكنيسة محاكم التفتيش وصكوك الغفران . هنا يؤكد ماركيز بان الحب ليس حلا خلافا لاطروحات دستوفسكي في روايته الجريمة والعقاب . في الرواية يظهر ماركيز وقد بلغ القمة في اسلوبه الغرائبي غائرا في اعماق الانفس البشرية ليستنبط حقائقها وما تستر منها مستفيدا من المعطيات التاريخية وغنيا بخيال غاية الخصوبة .
امرأة الساعة السادسة قصة لماركيز عبر البناء الحواري والغور المكثف العميق بسيكولوجية الاشخاص والمشاهد السينمائية المتقنة تمكن ماركيز من احداث تأثير بالغ .ومثل مراهق متوتر يصغي لكهل يروي حدثا مهما ببطيء, يفتت لديك الكاتب طاقتك على الاحتمال لاجل ان تدرك النهاية .. تبدأ القصة بمشهد سينمائي (فتح الباب الدوار لم يكن هناك احد في مطعم خوسيه , لقد دقت الساعة السادسة للتو ....الزبونة بالغة المحافظة والانتظام في موعدها ... جلست دون ان تقول شيئا على المقعد الدوار المرتفع , كانت تضغط سيجارة غير مشتعلة بين شفتيها . ).لكن ماذا تعني دقة الساعة السادسة حتى ان عنوان القصة ارتبط بها واصبحت لقبا لامراة ... تركز القصة على موضوعين رئيسيين : الحب الخالص وربما العذري متمثلا بصاحب المطعم ..والمقت الجهنمي من النوم مع الرجال لدى المرأة .ذلك المقت الذي يقود الى فعل الجريمة في حالة الاكراه . قال خوزيه (انا احبك حتى لو لم تنامي معي ).. (مستعد لقتله لانه ذهب معك ) ... من خلال التجميع نعرف بان الرجل بدين, متورد الوجه , يداه خشنتان, كثيفتا الشعر , ذراعاه قويتان , له رأس خنزير , وبطنه تضغط على انفاسه ...اما المراة فقد رسم لها الكاتب ملامح مجزأة مختزلة (شعر غزير مطلي بالفازلين ,منبت شعر غسقي ,وجه مذهب بدقيق خريفي مبكر.. ) لكنه ركز كثرا على سيكولوجية جسدها.وذلك ما يذكرنا بنفس النهج الذي اختطه في قصته (فتاة الطائرة الحسناء ).. يبهرك بها دون ان يرسم لك مميزات جمالها الفائق . الرجل مسحور بها محتفل بحضورها , متوقعا ان شريحة لحم مجانية تكفي لجعلها سعيدة ..لكن المراة تركز على الزمن على وقت الساعة , هو لا يدرك مدى جحيمها , محاولا استرضاءها بكل السبل . يعرض نفسه كرجل نشيط من خلال مسحه الزجاج والمناضد بحركات متقنة تتوقف كي تستانف .. يبتعد عنها قليلا ليعود اليها ..لكنه احس اخيرا بخيبة ظن وهو يراها تسخر منه مع شيء من الشفقة ..فحين يخاطبها : انت ملكة او جميلة , تجيبه ... وحين خاطبها ( اريد ان اراك سعيدة ) زادت سخريتها منه .ولكنها استدركت بعد فترة .. بعد عدة جمل حوارية : <<هل صحيح انك تحبني رغم ما قلته لك - تقصد عدم البقاء معه مقابل مبلغ مرتفع - >> فيجيبها بكل خضوع (لقد نسيت كلماتك تلك >> .. هذا ليس غريبا فقد يدع الحب او العشق بعض الرجال في غاية المذلة وهم مستمتعون بهذا ..وقد تكون المراة مبتهجة لوجود رجل خاضع تماما الا انها بعد زمن ما , قد تمله او تستصغره لاهثة وراء رجل صارم . لكنها تنفجر بموجة ضحك <رجل تقي يقتل لاجلي . انت تخيفني > .هنا احس خوزيه - صاحب المطعم -لاول مرة بالسخط وخيبة الظن . لكنها بدهاء انثوي دعته للاقتراب وامسكت شعره بحركة جلية العذوبة ...هل انت تقتل من اجلي .. هل تكذب من اجلي اذا استفسرت الشرطة منك .. عندها نظرها بعمق كما لو ان فكرة رهيبة دوت في راسه مخلفة احساسا ضئيلا بالخوف وقال لها (أي مشكلة تورطت بها ايتها الملكة ) . من هنا ستتخذ القصة منحى دراميا اخر ,وتتضح الصورة لدى خوزيه .. تعده بانها سترحل وبانها ستعود هنا ثانية لتحس بغيرة من فتاة تقترب منه , شرط ان ينفذ طلبها .. ان يكذب على الشرطة فيقول اتت في الخامسة والنصف ..لقد نصحها بان تكف عن الرجال انها قذارة .. قالت <كنت اعرف لكني اقتنعت بذلك منذ لحظة ) .. انها كانت مع رجل واحست بالقرف وبان كل الصابون والمعقمات لا تزيل نتانته من جسدها .. لكن رجلها بدلا من ان يتوقف عاد لها ثانية ليحضنها .وهنا لا حل سوى الطعن بالسكين . تمكن ماركيزمن خلال الحوار المتقن والاستعارات السيكولوجية واللقطات السينمائية ..والتصاعد الفاجع لدراما الحدث ان يسح القارئ سحا للتواصل وان يمنعه من التقاط الانفاس حتى النهاية وان يكرهه على التعاطف مع امرأة بائعة هوى تقتل قبل قليل ..لقد كان سلوك المرأة غامضا حتى قبيل النهاية حيث تمت اضاءة الغموض لصاحب المطعم خوزيه المسكين والقارئ معا .
فهرست الجزء الاول المقدمة المرأة التي تصل في السادسة طائرة الحسناء النائمة هذه القصة كما رووها لي اجمل غريق في العالم المرأة التي ذبحت اطفالها الاربعة الجزء الثاني جمال الموت يغير الواقع في قصص ضائعة لماركيز لماذا ينتحرن في الساعة السادسة هذه القصة كما رووها لي شيخوخة التسعين في رواية عاهراتي الحزينات طائرة الحسناء الجميلة مغامرة لصيد الجمال آخر رواية تنشر لماركيز بعد موته قصة موت معلن لماركيز والقدر المحتوم صكوك الغفران جذر لاخر رواية لماركيز امرأة الساعة السادسة قصة لماركيز
#كاظم_حسن_سعيد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تسجيل لحكايا برقية ج5
-
تسجيل لحكايا برقية ج4
-
ارملة مونتيل العالم سيء التكوين
-
صكوك الغفران جذر لاخر رواية لماركيز
-
تسجيل لحكايا برقية ج3
-
مقدمة كتاب ماركيزيات
-
جمال الموت يغير الواقع
-
النوبلية نادين جورديمرالموت افلاس اخير
-
الباكورة السليمانية كتاب تسبب بحرق صاحبه
-
مكتبات غزة وقود لصنع الرغيف
-
الرواية القصيرة في الطريق الى الصدارة
-
النوبلية اليس مونرو الاسباب الخفية وراء العشق
-
البصرة وساحة الامويين يوم السقوط
-
كتاب النظام العالمي لهنري كيسنجر
-
كتاب مكان تحت الشمس لنتنياهو
-
رواية الزوجات والمحظيات الموت كرها
-
رواية الكتاب الذهبي لدوريس ليسسينج
-
المكتبات البصرية تاريخا وواقعا
-
الروائية كاواكامي العزلة وراء جفاف الروح
-
كتااب البصائر والذخائر للتوحيدي
المزيد.....
-
الباتيك في إندونيسيا.. فن تقليدي يعكس روح جاوا وبيئتها
-
بعد هجوم نيو أورليانز.. شاهد ما فعله موسيقيون ورجال دين في ش
...
-
سوريا.. المخرجة رشا شربتجي تؤكد الإفراج عن كاتب مسلسل -فضح م
...
-
علَّم طفلك اللغة العربية السليمة.. ثبت قناة طيور الجنة الآن
...
-
المقاومة بالسرد الجميل.. تجربة القصة الفلسطينية القصيرة من م
...
-
تعرّف على أبرز الأحداث والعروض الفنية والثقافية لعام 2025
-
الموت يُغيِّب الفنان المسرحي الكبير قصي البصري
-
اعتقال بطل فيلم -أبوكاليبتو- في اليونان
-
شاهدة على تحولات تاريخية ـ عواصم الثقافة الأوروبية عام 2025
...
-
-عباسيون وبيزنطيون رجال ونساء-.. تحولات الحكم في قصور الخلفا
...
المزيد.....
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
المزيد.....
|