أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي دريوسي - مع اقتراب رأس السنة














المزيد.....

مع اقتراب رأس السنة


علي دريوسي

الحوار المتمدن-العدد: 8207 - 2024 / 12 / 30 - 23:31
المحور: الادب والفن
    


مع اقتراب رأس السنة يفرح قلبه، تشرق عيناه، ويبدأ إعادة ترتيب الكون في رأسه الصغير، يرسم لوحة طقس الاحتفال، لوحة كبيرة كمساحة غرفة تستلقي فيها الأفكار والأحلام ومشاريع الطفولة.

ستؤدي صوبا المازوت بطاستها المتخمة على غير العادة واجبها في هذا اليوم حتماً لمدة زمنية أطول بكثير من المعتاد، ستتراقص قطرات المازوت وتتلاحق بتسارعٍ استثنائي غير منتظم، سيسخن صاج الصوبا حتى الاحمرار والتوهج، سيسمح لهيبها الدافئ بالجلوس بعيداً قليلاً عن بواريها، ستعبق رائحة بقايا الخبز المقمّر تحت الصوبا أو فوقها، ستمتزج حتماً مع رائحة الليمون، ومع رائحة حطبٍ يحترق، رائحة قادمة من دكان الجيران، سيعلو أنين إبريق الشاي الأسود الراقد فوق غطاء الصوبا الصغير، سينتظر ورق الشدة/الكوتشينة امتداد الأيادي، سيفرح الجميع بلعبة الباصرة، ستكون المنافسة صاخبة حول الرهان المُتفق عليه كالعادة ولا سيما في البيوت الفقيرة: علبة راحة وثلاث علب من البسكويت، سيكتمل الضجيج عندما يصطهج الأطفال فرحين بلعبة الطرة والنقش، طامعين بالمزيد من الفرنكات من أجل شراء حبات الفول المسلوق والمبهّر، أو بذور عبّاد الشمس المحمّصة أثناء ذهابهم إلى المدرسة، سيتركون البطون خاوية بانتظار العشاء، لعله سيكون بيضاً على لحمة ناعمة مثلاً، لحمة مطحونة حتى الألم كي تختفي الرغبة باكتشاف محتواها ونوعيتها.

سيُسخّن زيت الزيتون في المقلاة لبرهة، سيُضاف إليه البصل المفروم واللحم الناعم مع قليل من الملح والبهارات، سيُحمس الخليط لدقائق، سيتم كسر عدة بيضات وخلطها جيداً، ثم إضافتها إلى المزيج الشهي، ستُغطّى المقلاة وتُترك على حرارة منخفضة كي تنضج الوجبة الحلم. قد يأكلون إلى جانبها الخبز والبصل اليابس والبندورة والخيار، في أحسن الأحوال بعض اللبن من دكان سلطاني.

عند العصر ستبدأ التحضيرات لمداواة انقطاع التيار الكهربائي المعتاد منذ البعث الجديد، سوف يتم إحضار ضوء الكاز بقاعدته النحاسية، سيتم التأكد من نظافة البلّورة الزجاجية ومن ملئه بالكاز، سوف يُجدّد فتيله، لعل أحدهم سيحضر "قزازة" الكاز من دكان عدسو، سَتُسمَعُ بالتأكيد أصوات العيارات النارية عند حلول الساعة الثانية عشرة، ستتعالى أصوات الجيران خلال زياراتهم الخاطفة اللطيفة لتبادل الأماني والتهاني.

مع اقتراب رأس السنة، تحديداً في يوم رأسها قد ينهمر المطر، قد تعصف ريح عاتية مفاجئة، قد تصرخ الصوبا الهرمة المريضة بآلام العظام، قد تنفض غضبها في جو الغرفة، قد ينتشر دخانها الأسود في الغرفة، قد تتساقط بقاياه في كل مكان، قد يكون للسرير المغطى بالشرشف الأبيض النصيب الأكبر، ذاك القابع في غرفة الجلوس والضيافة والنوم، قد تعلو الأصوات بالشّتائم والسّباب واللعنات، قد يغضب رب الأسرة، قد يترك البيت متذرعاً بالنفضة/ الرعشة سبباً، قد يأخذ طريقه إلى خمارة رويش أو خمارة دليلة أو خمارة عزيز، لا فرق، لا هم، فكلهم أصدقاء لأرباب الأسر الفقيرة.

مع اقتراب رأس السنة، تزداد وتيرة توفير فرنكات الطفولة، مصروف الجيب اليومي في المدرسة، سَتُشتَرى بها في المساء الموعود حفنات قليلة من القضامة المغبرة من دكان أبو زاهي، سيضع حبات قليلة في فمه، سيلحس ملحها، سيمصها، سيلوكها ويمضغها دون أن يبلعها، سيبصقها، يكورها بين أصابعه، سيسوّي سطوحها، يضعها تحت الصوبا، أو يُلصق الكرات المطحونة بأسنانه والمبلّلة بلعابه على جوانب الصوبا، سيتركها تسخن حتى يحترق سطحها، سيتناولها ويمضغها من جديد، ثم يبلعها، ويعيد الكرّة.

في المساء الموعود، سيأخذ نصيبه من البرتقال/ الليمون، برتقالة بالحد الأدنى، سيقشرها حزوزاً، سيأكل قسماً بتلذذ، ويترك القسم الآخر لوقت لاحق، سيطوي قشرة الليمون بين أصابعه، يقترب من الأقرب، سيمازحه ثم يفاجئه بالقشرة المطوية، يضغطها بقوة أمام عينيه، تنزف القشرة، سيصيب رذاذها العين، ستفوح رائحة الليمون، سيضحك، ليبكي الآخر، ستعلو الأصوات، ليبدأ العراك.

ستكتمل اللوحة في يوم رأس السنة، ستعلو هامة الفرح، لكن الوقت تأخر بعض الشيء، كم ثقيل هو الانتظار، لم يعد رب الأسرة إلى المنزل بعد، لعله تأخر في السوق، الزحمة لا ترحم، طاسة المازوت تحوي أقل من ربعها، تأجَّلَ سباق المسافات القصيرة لقطرات المازوت إلى المساء، لا بأس في كل الحالات، فإمكانية تعبئتها من دكان عدسو ما زالت قائمة وإن تأخر الوقت، لا بأس حتى لو كان اللّحّام أبو زاهي يبيع بقايا اللحم الأخيرة، قد يجلب ربّ الأسرة اللحم الناعم معه، تحديداً من شارع العنّابة، لعل كيس الليمون قد ضل الطريق إلى البيت، لعله يصل متأخراً بعض الشيء، لا همّ، المهم أن يصل.

أخيراً يعود إلى المنزل، هيئته تفصح عن قدومه من الخمارة مباشرةً، البرد لاسع، شهوة الاحتفال ما زالت كبيرة، يدخل ربّ الأسرة عابساً، لا بأس، كلهم يأتون بوجوه عابسة، كلهم منشغلون بتأمين لقمة العيش.

تسأله زوجته الثانية بلطف: هل جلبتَ معكَ اللحمة الناعمة؟

ينظر بعينه الحولاء إلى وجهها الكئيب ثم باتجاه طاولة الفوراميكا الجديدة، تقبض أصابعه على جهاز الراديو الأحمر، يرفعه عالياً، يرميه بما تبقى لديه من قوة إلى أرض الغرفة، تتطاير منه نشرات أخبارٍ عن القائد وحركته التصحيحية، تتطاير منه أغانٍ وطنية تُمجّد الانتصارات التشرينية، يُمسك بيده القوية كأساً زجاجيةً ويُلْحِقُها بالراديو، تتطاير شظاياها، يفك حزام بنطلونه، يبدأ بمعاقبة الطاولة، يضربها حتى تتشقّق شرائح الفوراميكا، يضرب زوجته الثانية، يرتعد الأطفال، يبكون بصمت ويتكورون حول صوبا المازوت الباردة ببطون أخذت تزقزق من شدة الجوع والبرد.



#علي_دريوسي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أهمية التمويل الذاتي للجامعات
- إلى تلك التي لم ألتقِها بعد
- الأستاذ الجامعي في زمن الذكاء الاصطناعي
- الكاتب والذائقة الأدبية في زمن الذكاء الاصطناعي
- مستقبل القصة القصيرة في زمن الذكاء الاصطناعي
- هل الأديب سياسي؟
- فريق الجيل الجديد
- ذيل السنونو
- العمل -أربعة- في ألمانيا
- حين ينفقع بالون البروفيسور من الضجر 8 والأخيرة
- حين ينفقع بالون البروفيسور من الضجر 7
- حين ينفقع بالون البروفيسور من الضجر 6
- حين ينفقع بالون البروفيسور من الضجر 5
- حين ينفقع بالون البروفيسور من الضجر 4
- حين ينفقع بالون البروفيسور من الضجر 3
- حين ينفقع بالون البروفيسور من الضجر 2
- حين ينفقع بالون البروفيسور من الضجر 1
- البروفيسور في ضيافة الشيخ قليعة كاملة
- البروفيسور في ضيافة الشيخ قليعة 5
- البروفيسور في ضيافة الشيخ قليعة 4


المزيد.....




- الجزائر.. ترميم 17 ألف وثيقة وإدراج مخطوطين في -سجل ذاكرة ال ...
- الغموض الاقتصادي يطفئ بريق مبيعات الأعمال الفنية عالميا
- مهرجان كان السينمائي يكرّم روبرت دي نيرو بالسعفة الذهبية الف ...
- صلاح الدين الأيوبي يلغي زيارة يوسف زيدان إلى أربيل
- من الطوب الفيكتوري إلى لهيب الحرب.. جامعة الخرطوم التي واجهت ...
- -النبي- الروسي يشارك في مهرجان -بكين- السينمائي الدولي
- رحيل الفنان والأكاديمي حميد صابر بعد مسيرة حافلة بالعلم والع ...
- اتحاد الأدباء يحتفي بالتجربة الأدبية للقاص والروائي يوسف أبو ...
- -ماسك وتسيلكوفسكي-.. عرض مسرحي روسي يتناول شخصيتين من عصرين ...
- المسعف الذي وثّق لحظات مقتله: فيديو يفند الرواية الإسرائيلية ...


المزيد.....

- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111 / مصطفى رمضاني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي دريوسي - مع اقتراب رأس السنة