|
سوريا المتناثرة بين ثورتين: هل تحتاج كتابة الدستور ثلاث سنوات؟
إبراهيم اليوسف
الحوار المتمدن-العدد: 8207 - 2024 / 12 / 30 - 21:59
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
سوريا المتناثرة بين ثورتين: هل تحتاج كتابة الدستور ثلاث سنوات؟
إبراهيم اليوسف
توطئة في مفهوم الزمن في كتابة الدستور
كتابة الدستور ليست مجرد عملية تقنية يتم فيها تجميع النصوص القانونية في وثيقة واحدة، بل هي إعادة صياغة شاملة للهوية الوطنية والقيم التي ستؤسس عليها الدولة. الزمن المطلوب لهذه العملية يجب أن يكون انعكاساً لحاجة حقيقية للتوافق، وليس مجرد تأخير مقصود أو نتاج صراعات خلف الكواليس. ثلاث سنوات تبدو فترة طويلة إذا ما قورنت بتطلعات شعب خرج من سنوات طويلة من القمع والصراع، لكنها قد تكون ضرورية إذا كانت تعكس حواراً وطنياً شاملاً وصادقاً. سنوات الحرب وخبرة السوريين بالدساتير خلال السنوات الأربع عشرة الماضية من الحرب، شهد السوريون صياغة العديد من مشاريع الدساتير التي وُلدت في سياقات سياسية واجتماعات متفرقة، بعضها برعاية إقليمية أو دولية. هذه التجارب المتكررة أكسبت السوريين خبرة واسعة في عملية كتابة الدستور، لكنها أظهرت أيضاً عمق التحديات المرتبطة بتوافق الأطراف المختلفة. فقد تمت صياغة دساتير في ورشات ومؤتمرات متعددة، إلا أن غياب الإرادة السياسية الصادقة واستمرار الصراعات، بل النهاية غير المتوقع للنظام بهذا الشكل، حال دون تحقيق توافق حقيقي على أي من تلك المشاريع.
الحكومة المؤقتة ومحدودية الدور
وجود حكومة مؤقتة لا يعني استمراراً لفكرة الدولة المؤقتة. هذه الحكومة، مهما كانت طبيعتها، يجب أن تكون جسر عبور نحو مرحلة دائمة ومستقرة. ومن هنا تأتي ضرورة تحديد مدة زمنية واضحة لعملها، على ألا تتجاوز أشهر معدودة. مهمتها الأساسية هي تسيير الأعمال، الإشراف على العملية الانتقالية، والتحضير لانتخابات حرة ونزيهة. من المهم أيضاً أن يُمنع أعضاؤها من الترشح في الانتخابات المقبلة، ضماناً لاستقلاليتها ولمنع استغلال السلطة المؤقتة لتحقيق مصالح شخصية.
عودة إلى الدستور: الدستور ليس مجرد وثيقة قانونية، بل هو مرآة تعكس هوية الأمة وطموحاتها. عملية صياغته تتطلب حواراً وطنياً عميقاً وشاملاً يشمل جميع مكونات الشعب السوري دون استثناء. ومع ذلك، يجب أن نتساءل، هل ثلاث سنوات كافية أم أنها طويلة جداً بالنظر إلى حاجة الشعب الملحة للاستقرار؟ السرعة في الإنجاز لا تعني التسرع، بل تتطلب كفاءة في الإدارة وحسن نية في العمل. إحصاء ما بعد سقوط النظام وضبط الهوية الوطنية ومراجعة سجلات السكان ثمة قوائم لدى دول اللجوء ودول الجوار بأسماء السوريين الذين لجأوا إليها، أو حصلوا على الحماية أو جنسية مابعد الحرب، كما ان هناك أرومة في إدارة السجل المدني العام تحتوي قوائم للمواطنين الأصليين والمقيمين في سوريا قبل زمن الحرب بخمس سنوات، كما هناك قوائم بأسماء مكتومي القيد ناهيك عن سندات التمليك بأنواعها- شهادات الطلاب- أمكنة العمل إلخ... فلدى كل هؤلاء ما يثبت مواطنيتهم عبر وثائق رسمية وشهادات معتمدة. هذه القوائم تشكل قاعدة بيانات موثوقة يمكن الاستناد إليها- وطنياً ضمن سوريا- لتحديد هوية السكان الأصليين وضمان حقوقهم. إضافة إلى الوثائق، فإن معرفة الجيران والمحيطين بهؤلاء الأشخاص تمثل مصدراً اجتماعياً مهماً يعزز من صدقية المعلومات المتوافرة. يمكن تشكيل لجان متخصصة ودقيقة، تضم ممثلين عن الأطراف الوطنية والمحلية، لمراجعة هذه البيانات، مع الحرص على استخدام آليات صارمة لتفادي التلاعب أو التزوير. وفي هذا الصدد، فإن أية محاولة للخداع أو تقديم معلومات مزيفة يجب أن تواجه بإجراءات قانونية صارمة. لأن فرض المسؤولية القانونية على من يحاول استغلال هذه العملية سيضمن نزاهة العمل ويحفظ الحقوق، ما يسهم في استعادة الثقة بين الدولة والمجتمع.
ضرورة الانتخابات المبكرة وتحديد مدة الحكومة المؤقتة الانتخابات في المرحلة الانتقالية يجب أن تكون مبكرة، فاستمرار حكومة الأمر الواقع لمدة أربع سنوات يبدو مفرطاً وغير مسوغ، إذ أن طبيعتها المؤقتة تتطلب ألا تمتد لفترة طويلة. الهدف الأساسي من هذه الحكومة هو إدارة شؤون البلاد في الفترة الانتقالية وتسهيل الوصول إلى انتخابات حرة ونزيهة تعكس إرادة الشعب بشكل مباشر. مدة أربع سنوات-مثلاً- تعني منح الحكومة المؤقتة صلاحيات تتجاوز طبيعتها وتسميتها ومهمتها، وهو ما قد يؤدي إلى تكريس وضع غير مستقر أو انحراف عن أهداف المرحلة الانتقالية. إذ يجب أن تكون الفترة الزمنية محددة بدقة، ومحدودة بما يكفي لضمان الانتقال السلس إلى حكومة دائمة منتخبة، مع الالتزام بتهيئة الظروف اللازمة لإجراء الانتخابات في أقرب وقت ممكن.
في غياب الدستور ومعضلة العناصر الأجنبية
وجود العناصر الأجنبية ضمن القوى العسكرية في سوريا يمثل إشكالية عميقة يجب معالجتها بشكل جذري، وتطبيق قرار واحد على جميعها. فلا يمكن النظر إلى هؤلاء كجزء من النسيج الوطني، لاسيما إذا كانوا يحملون أهدافاً تتعارض مع طموحات الشعب السوري. وأن منح الجنسية لهؤلاء أو ترقيتهم في زمن قياسي ليس سوى امتداد لسياسات سابقة ساهمت في إضعاف الثقة بين الدولة والمجتمع. ومن هنا فإنه يجب العمل على ترحيلهم بشكل قانوني وإنساني، مع تقديم التعويضات المستحقة لهم إذا كانوا قد قدموا خدمات فعلية، والدعاء لهم إن كانوا قد أتوا بحسن نية خدمة للسوريين، وثوابهم في ذلك عند الله سبحانه وتعالى!
أسئلة المرحلة الجديدة في بداية العهد الجديد، يحق لكل مواطن سوري أن يطرح تساؤلات مشروعة حول مستقبل بلاده وكيفية تحقيق طموحاتها. هل يمكن الوثوق بأن القوى الجديدة قادرة على تجاوز المصالح الذاتية لتحقيق المصلحة العامة؟ كيف يمكن ضمان ألا تتحول المرحلة الانتقالية إلى مرحلة دائمة تحت مسمى المؤقت؟ هل سيُسمح للشعب بأن يكون المحرك الأساسي في صياغة المستقبل بدلاً من أن يكون مجرد متلقٍ لقرارات فوقية؟ ولهذا فإن المرحلة الجديدة تتطلب استعادة كاملة للسيادة الوطنية، وهذه الاستعادة تبدأ من تحييد أي تأثير خارجي على عملية صياغة الدستور. ولا يمكن لوثيقة تمليها أطراف خارجية أن تعبر عن الإرادة الحقيقية للشعب السوري. السيادة ليست مجرد شعار، بل هي عملية يومية يتم فيها استعادة القرار الوطني من قبضة التدخلات الإقليمية والدولية. أجل. إن أي تأخير في صياغة الدستور يجب ألا يكون نتيجة غياب الإرادة السياسية أو انعدام الكفاءة، بل ثمرة لحوار وطني شامل يعكس إرادة الشعب وتطلعاته. باعتبار أن الحوار الوطني ليس مجرد لقاءات بين النخب السياسية، بل هو عملية تشاركية يجب أن تشمل جميع الشرائح الاجتماعية، من القرى النائية إلى المدن الكبرى، لضمان أن يكون الدستور معبراً عن الجميع. لأن سوريا الجديدة بحاجة إلى دستور لا يعكس فقط القوانين، بل يعبر عن الأحلام والطموحات. الدستور يجب أن يكون نتيجة لحوار صادق لا يخضع للإملاءات الخارجية، ولا يُنجز على عجل من أجل تحقيق مكاسب سياسية آنية. الزمن المطلوب لصياغته يجب أن يكون انعكاساً لرغبة حقيقية في تأسيس عقد اجتماعي جديد، لا مجرد أداة لإطالة أمد الصراعات أو تكريس هيمنة جديدة.
#إبراهيم_اليوسف (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
صمت المثقف السوري: محاولة قراءة في موقف النخبة من التحولات ا
...
-
إنها مقومات حرب أهلية: مقدمات بغددة دمشق
-
السوريون والخطط الوهمية: سيرومات الوهم
-
دمشق الجديدة والمعادلة الصعبة
-
هل مات التوثيق الكتابي في زمن الصورة الإلكترونية؟
-
اللصوص يسرقون من اللصوص بوتين والأسد كمثالين
-
الخطاب الشعبوي: صناعة الوهم واستدامة الكارثة-2-
-
الخطاب الشعبوي كردياً: محاكاة ومحاكمات
-
في شؤون وشجون “الموفد الكردي” الموحد إلى دمشق
-
الدكتور محمد فتحي راشد الحريري: مسيرة علم وأخلاق وحياة خالدة
-
آن الأوان لعودة- ب ك ك- إلى ساحته
-
الثقافة الكردية في سوريا الجديدة نحو الاعتراف القانوني
-
سقوط القيم والأخلاق قبل سقوط النظام بشار الأسد أنموذجاً للخس
...
-
مفارقات العقل الأحادي: قراءة في الموقف من الكرد وقضاياهم
-
دمشق وقامشلي: من الأولى بمبادرة احتضان الأخرى؟
-
الاستبداد والاستبدال: رؤية لما بعد نظام الأسد!
-
الكرد من أوائل مؤسسي و بناة سوريا: لماذا يتم تغييب دورهم؟
-
الرئيس المخلوع: بين جبن الطغاة وبذخ العروش
-
تقرير -قيصر- ودوره في فضح انتهاكات حقوق الإنسان في سوريا
-
سجون سوريا: الداخل مفقود وهل من أحد يخرج منها؟.. سجن صيدنايا
...
المزيد.....
-
فيديو مرعب يظهر لحظة دهس ضحايا نيو أورليانز.. إليكم ما نعلمه
...
-
-شكرا يا أم هذا العالم-.. أصالة تشكر السعودية على تقديمها ال
...
-
وزير التعليم السوري يعلق على تعديل المناهج الدراسية: حذفنا م
...
-
غزة.. آمال بوقف الحرب بالعام الجديد
-
ماذا نعرف عن علم التنجيم وتوقعات الأبراج؟
-
من هو سلمان الخالدي الذي سلمه العراق للكويت لمحاكمته؟
-
قائد شرطة حماس ونائبه من بين القتلى في غارة إسرائيلية على مخ
...
-
تعديلات على مواد تعليمية تثير الجدل والمخاوف في سوريا
-
غارة إسرائيلية على مستودعات للجيش السوري في ريف دمشق
-
شاهد ما عثر عليه في سيارة -تسلا سايبرترك- التي انفجرت أمام ف
...
المزيد.....
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
المزيد.....
|