محمد هادي لطيف
الحوار المتمدن-العدد: 8207 - 2024 / 12 / 30 - 17:38
المحور:
الادب والفن
في الحانةِ، حيثُ السُّكْرُ طويلٌ
كعُمْرِ الحزنِ في أروقةِ المسكنِ
وحيثُ الصمتُ يجلدُ نايَ الكلامِ
والغرباءُ الذينَ تجرعتُهمُ كأسًا بعدَ كأسٍ
يُحدقونَ في وجهي كأنني طينٌ
لا يشكلهُ اللهُ ولا النسيانُ.
هنا يا حانةَ العمرِ،
لم يَعُدْ في القلبِ متسعٌ للمغفرةِ
ولا حتى للصُدفةِ التي تدَّعي أنها حبٌّ
والليلُ، الليلُ يا سيدتي
شَبِعَ من ذلِّ الجروحِ التي لا تُغسَل
ومن الطرقِ التي تنتهي بانتظارٍ عارٍ
“متى تعودين؟”
كانَ الصمتُ ضيفي في تلك الليلةِ
يمضغُ ظلي ويتثاءبُ في جوفي
حزينًا كمن أدمنَ على الموتِ
لكنهُ يختارُ كلَّ يومٍ جرحًا آخرَ
ليتسكعَ فيهِ كعاشقٍ.
أيها الغريبُ في مرآتي
منْ أنتَ؟
أأنا؟ أم بقايا رجلٍ
هجرتهُ أنوثةُ العالمِ
وانتشلتهُ الزجاجاتُ
من رحمِ النساءِ
لتلقي بهِ هنا
في حانةِ السُّكْرِ الطويل؟
الحزنُ،
آهٍ يا حزنُ،
إنكَ لا تُشبهُ السكاكينَ
بل أقسى،
كأنَّكَ شتاءٌ لا يذوبُ في الربيعِ
أو عتابٌ يجرحُ عُمرَ الأمومةِ.
في المسكنِ،
حيثُ يَخْرُجُ ضوءُ اللهِ من الشقوقِ
لِيُبَكِرَ موتَ الليلِ
يتسكعُ الحنينُ بينَ الجدرانِ
يُعانقُ أرواحًا لا تُغادرُ.
والذكرياتُ؟
كغرباءِ الأمسِ،
تُجرعني كلَّ مرةٍ كأسَ خيباتِهم.
يا حانةَ الليلِ،
ويا سيدةَ السكوتِ،
لماذا حينَ نبحثُ عن دفءِ المسافاتِ
لا نجدُ سوى غرباءِ
يشبهونَ أرواحنا المثقلةَ بالمطرِ؟
هكذا يا سيدتي،
نُكملُ الرقصَ على شِفاهِ الأوجاعِ
نشربُ حتى ننامَ
ونحلمُ حتى نفيقَ
لكننا لا نعودُ أبدًا…
#محمد_هادي_لطيف (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟