|
عن أهمية تعديل مدونة الأسرة في هذه الظروف، - حوار لفائدة جريدة العلم.
سعيد الكحل
الحوار المتمدن-العدد: 8207 - 2024 / 12 / 30 - 16:17
المحور:
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
ماذا عن أهمية تعديل مدونة الأسرة في هذه الظروف، هل ترون أن التوقيت كان مناسبا ؟ منذ اعتلاء جلالة الملك العرش وهو يولي أهمية كبرى لقضية المرأة والأسرة ويتفاعل إيجابيا مع مطالب الحركة النسائية والحقوقية. وقد جسد هذا الاهتمام إصدار مدونة الأسرة سنة 2004 التي كانت خطوة جبارة في سبيل القضاء على أشكال عديدة من العنف والتمييز والظلم في حق النساء. لكن سرعان ما أظهرت الممارسة ضرورة تعديل مدونة الأسرة بسبب عدد من الاختلالات والانحرافات. فجاءت دعوة جلالته في خطاب العرش 2022، إلى مراجعة المدونة من جديد. وحدد جلالته الأطر المرجعية لهذه المراجعة في الرسالة التي وجهها لرئيس الحكومة، في شتنبر 2023، وكذا المنهجية التعددية والتشاركية وذلك “في إطار مقاصد الشريعة الإسلامية، وخصوصيات المجتمع المغربي، مع اعتماد الاعتدال والاجتهاد المنفتح، والتشاور والحوار، وإشراك جميع المؤسسات والفعاليات المعنية”. ولا شك أن اهتمام جلالة الملك بقضية المرأة والأسرة سرّع إجراءات المراجعة التي أسفرت عن مشروع المدونة الذي ستعرضه الحكومة على البرلمان في أقرب الآجال. من هنا، فالتوقيت جد مناسب يراعي انتظارات الحركة النسائية التي بلورت مطالبها واقتراحاتها وقدمتها للجنة المكلفة بمراجعة المدونة، وفي نفس الوقت يؤجرئ التوجيهات الملكية بضرورة إنهاء الاختلالات والانحرافات التي كشف عن تطبيق المدونة خلال عقدين من الزمن لمواءمتها مع الدستور ومع المواثيق الدولية التي صادق عليها المغرب. يلاحظ المتابع أن جلالة الملك محمد السادس يحرص في كل مرة، يتعلق الأمر بقضية من القضايا الكبرى الاستراتيجية (الدستور ، النموذج التنموي، الإنصاف والمصالحة ...) على اعتماد المقاربة التشاركية عبر الانصات لمختلف الفاعلين بتعدد مشاربهم، كيف تقرأون ذلك وكيف تقيمون هذه المقاربة ؟ لا يخفى عليكم أن جلالة الملك اعتمد المقاربة التشاركية منذ اعتلائه العرش. إذ بادر جلالته إلى تشكيل اللجنة الاستشارية لتعديل مدونة الأحوال الشخصية، سنة 2000، والتي انفتحت على كل مكونات المجتمع من أجل بلورة مشروع مدونة يحظى بالاتفاق ويرقى بحقوق النساء والأطفال داخل الأسرة. فمنهجية التشارك صارت مسطرة منصوصا عليها في الدستور بغرض التأسيس لقيم الاختلاف والحوار بين مكونات المجتمع وجعلها ـ المنهجية التشاركية ـ أسلوبا لإدارة الشأن العام. وبهذا يثبت جلالته أسلوبه المتميز في إدارة الحكم وتسيير شؤون الدولة والمجتمع. والغاية من هذه المنهجية هي أولا: تقاسم المسؤولية بين الأطراف المعنية والمشاركة في النقاش وبلورة الاقتراحات. وثانيا تكريس الدور التحكيمي لجلالة الملك؛ وثالثا الحفاظ على التوازنات بين مكونات المجتمع لضمان الاستقرار والعيش المشترك وحماية المجتمع من الصراعات المذهبية أو الطائفية. ذلك أن الملك، بصفته أمير المؤمنين، هو ملك لجميع المغاربة، وفوق الأحزاب والتنظيمات والانتماءات السياسية أو الإيديولوجية أو العرقية أو الطائفية. فالملك هو الحَكَم، وفق الفصل 42 من دستور 2011 (الملك، رئيس الدولة، وممثلها الأسمى، ورمز وحدة الأمة، وضامن دوام الدولة واستمرارها، والحكم الأسمى بين مؤسساتها، يسهر على احترام الدستور، وحسن سير المؤسسات الدستورية، وعلى صيانة الاختيار الديمقراطي، وحقوق وحريات المواطنين والمواطنات والجماعات، وعلى احترام التعهدات الدولية للمملكة). ذكر جلالة الملك أنه لا يحرم حلالا ولا يحلل حراما، كيف أمكن التعامل وفق هذه المرجعية في ظل وجود ضغوطات متضاربة بين قوى محافظة وأخرى أكثر حداثية وانفتاحا؟ إن القاعدة التي انطلق منها جلالة الملك في تعديل مدونة الأحوال الشخصية سنة 2000، هي نفسها التي وضعها أساسا لمراجعة مدونة الأسرة الحالية، والمتمثلة في أنه "لا يحرم حلالا ولا يحل حراما". فقد وضع جلالته هذه القاعدة بوصلة لأي تعديل أو مراجعة لمدونة الأسرة حتى يوازن بين مطالب مكونات المجتمع بمختلف مشاربها الفكرية والإيديولوجية والسياسية، ويضمن، في نفس الآن، توافقا مجتمعيا على مخرجات الحوار. فكما حظيت مدونة الأسرة سنة 2004 بالإجماع ستحظى المدونة الجديدة التي سترى النور في 2025 بنفس الإجماع. فهذه القاعدة التي وضعها جلالته وألزم نفسه بها كأمير المؤمنين والحكم بين مكونات المجتمع، تُجنب المجتمع المغربي مخاطر الصراع والتطاحن الداخلي. وهذا ما يفسر قبول كل الأطراف بمشروع مدونة الأسرة في خطوطه العريضة التي أفصح عنها وزير العدل ووزير الأوقاف والشؤون الإسلامية. إذ لم يخرج أي طرف أو تيار يعلن رفضه للمشروع. فجميعهم قبلوا بالتحكيم الملكي حتى وإن لم يستجب المشروع لكل مطالبهم. وهذه من مزايا المقاربة التشاركية وكذا الدور التحكيمي للملك. هل تعتقدون أن هذه الإصلاحات ترضي أو تستجيب لما تم التعبير عنه في النقاش العمومي الساخن الذي جرى لفترة طويلة ؟ باعتبار مشروع مدونة الأسرة الجديدة هو ثمرة نقاشات واقتراحات من مختلف مكونات المجتمع السياسية والحزبية والجمعوية والحقوقية، فأكيد أنه لن يأخذ باقتراحات طرف ويلغي اقتراحات أطراف أخرى. من هنا لا يمكن أن يحقق المشروع، بما يحمله من إصلاحات، الرضى التام. ولا يخفى عليكم أن الانتظارات كانت عالية والآمال كانت كبيرة في بلورة مدونة عصرية ترفع الظلم والحيف عن الإناث، خاصة في مجال الإرث وما يتعلق بقاعدة التعصيب والتي تتسبب في مآسي كثيرة للأسر التي لم تُرزق ذكورا، وكذا إثبات نسب الأطفال المزدادين خارج إطار الزواج. وما جاء به المشروع الجديد لا يضع حدا لهذه المآسي وإن كان يخفف من حدتها نسبيا. إذ يظل الظلم، وهو أكل أموال الناس بالباطل، قائما يترصد الأسَر حتى التي لها ذكور. فالأعمار بيد الله، لكن الموت قد يخطف الأب والابن الذكر في حادث سير لا قدر الله، ليفتح باب المأساة على الأم والبنات. وسيبقى شبح قاعدة التعصيب يطارد غالبية الأسر. وإن اكتفى المشروع بحل وسط يتمثل في إجازة الهبة وحمايتها من الطعن ضمانا لحق البنات. نفس الأمر فيما يتعلق بإثبات النسب، بحيث لم يأت المشروع بحل جذري يتمثل باعتماد البصمة الوراثية في إثبات النسب، واكتفى بإلزام الأب البيولوجي بالنفقة على ابنه من علاقة خارج إطار الزواج. علما أن الرسول (ص) كان يعتمد "القيّافة" في إلحاق الابن بأبيه مثلما حدث في حالة زيد بن حارثة تطبيقا لقول الله تعالى (أدعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله). فالرسول اعتبر "القيافة" كافية لإثبات النسب وإلحاق الابن بأبيه البيولوجي حتى وإن أنكر أبوته. لكن المجلس العلمي الأعلى كان له رأي آخر وقرر اعتماد البصمة الوراثية في إلزام الأب البيولوجي بالنفقة دون بقية الحقوق الواجبة للطفل كالنسب والتوارث. فالمجلس العلمي الأعلى أنزل الطفل خارج إطار الزواج منزل "الطفل بالتبني" لا حقوق شرعية له باستثناء النفقة. ولعل الطفل بالتبني أفضل حالا لأنه يحظى بالرعاية والتربية. طبعا لا يمكن للمرء أن ينكر بعض الإصلاحات المهمة التي جاء بها المشروع، ومنها تلك المتعلق بسكن الأرملة الذي يبقى من حقها استغلاله إلى حين وفاتها وليس للورثة أو العصبة حق إفراغها منه ضمانا لكرامتها وحمايتها من التشرد. ثم حق الحاضنة في الزواج مع الاحتفاظ بالمحضونين. وهذا مكسب مهم يضاف إليه حق المطلقة الحاضنة أن تكون لها الولاية القانونية على أبنائها حماية لحقوق الأطفال وضمانا لمصلحتهم. هذه الاصلاحات تكرس الإدراك الوسطي للمراجع الدينية والكونية، هل حققت التوازن المطلوب بين المرجعية الدينية الإسلامية السمحة وبين الانفتاح على المواثيق الكونية؟ تجدر الإشارة هنا إلى ما جاء في بلاغ الديوان الملكي عقب الجلسة التي ترأسها جلالته والمخصصة لموضوع مراجعة مدونة الأسرة يوحي بأن مشروع المدونة لم يرْقَ لتطلعات وانتظارات جلالته، ومن ثم " دعا جلالة الملك أمير المؤمنين، المجلس العلمي الأعلى، إلى مواصلة التفكير واعتماد الاجتهاد البناء في موضوع الأسرة، عبر إحداث إطار مناسب ضمن هيكلته، لتعميق البحث في الإشكالات الفقهية التي تطرحها التطورات المحيطة بالأسرة المغربية، وما تتطلبه من أجوبة تجديدية تُساير متطلبات العصر". ومادام الأمر كذلك، فإن المجلس العلمي الأعلى مطالب بالانفتاح على الاجتهادات الفقهية التي ألغت العمل بقاعدة التعصيب في عدد من الدول العربية والإسلامية منها: تونس، سوريا، اليمن، العراق، إيران، السنغال، واعتمدت قاعدة "الردّ" حماية لحقوق الإناث. فالمشروع الحالي يُبقي على التمييز بين الذكور والإناث كما هو الحال في التعصيب. وبذلك يُبقي المجال مفتوحا أمام الحركة النسائية والحقوقية للنضال من أجل مواءمة المدونة مع المواثيق الدولية التي جعلها الدستور تسمو على التشريعات الوطنية. إن المشروع الحالي يُنزل المدونة منزلة وسطى بين المرجعية الدينية المنغلقة نسبيا وبين المرجعية الكونية لحقوق الإنسان. إذ لم يذهب الاجتهاد إلى أبعد مدى مستفيدا من مما أقره الرسول (ص) والخلفاء الراشدون فيما يتعلق بالتعصيب، وقاعدة الردّ، وإثبات النسب. وهي قضايا جوهرية تترتب عنها مآسي حقيقية يكون الأطفال أولى الضحايا. لتقريب المأساة من تصور القراء الكرام: سيصل عدد الأطفال دون سن 15 المتخلى عنهم ومجهولي النسب 155 ألف طفل سنة 2030. يتم التخلي عن 8640 طفل على الأقل سنويا في الشارع. وحسب دراسة ميدانية بعنوان “مغرب الأمهات العازبات" أجرتها جمعية "بيبي ماروك" نجد أن 153 طفلا يولدون يوميا خارج مؤسسة الزواج في المغرب. فماذا أعدّ المجلس العلمي الأعلى لهؤلاء لما رفض إلحاقهم بآبائهم امتثالا لأمره تعالى لرسوله الكريم (أدعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله)؟ فمشروع المدونة لم يأخذ في الاعتبار المصلحة الفضلى للطفل التي تنص عليها المادة الثالثة من اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل التي صادق عليها المغرب سنة 1993.
#سعيد_الكحل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
اجتهادات مجلس العلماء دون انتظارات الملك والنساء.
-
هل تؤمن جماعة العدل والإحسان بحقوق الإنسان حتى تحتمي بها؟
-
وقاحة عزيز غالي.
-
هل يتعظ القومجيون؟
-
بوعلام صنصال يفضح سماسرة حقوق الإنسان.
-
النضال الارتزاقي.
-
الصحافة لا تضمن الحصانة.
-
أما آن لملف الصحراء أن يُغلق؟
-
فرنسا: من التردد والضبابية إلى الوضوح والاعتراف.
-
إلى جماعة العدل والإحسان: المتاجرة بمآسي غزة لم تعد مربحة.
-
لا منزلة بين الوطنية والعمالة.
-
خالد مشعل في جلباب بن لادن.
-
عام على طوفان الأقصى: التكلفة والمآل.
-
مسؤولية أوروبا في التصدي لجذور الهجرة غير النظامية.
-
أبعاد مؤامرة التحريض على -الحريـﯕ.
-
خلفيات الانقلاب المذهبي للفقيه الريسوني.
-
الفقيه الريسوني من إدانة جرائم إيران إلى الإشادة بها.
-
من صفة الريسونيَيْن اللؤم ونكران الجميل.
-
العداء الجزائري مقابل الانتصار الدبلوماسي المغربي.
-
عنتريات سماسرة حقوق الإنسان تُفسد فرص العفو الملكي.
المزيد.....
-
قانون جديد في نيويورك ينصف -المرأة الحامل-
-
تعنيف النساء في العراق.. أزمة مستمرة تفتك بالنساء
-
أردوغان يرد بطريقة مرحة على امرأة تفاجأت -بتقدمه في السن-
-
إحالة مذيعة مصرية للمحاكمة الجنائية بسبب -مخدر الاغتصاب-
-
تشاجر والداه وتركاه.. امرأة تعثر على رضيع بعمر شهر واحد على
...
-
سوريا: 80 جلدة عقوبة مشي أو جلوس الشباب مع الفتيات بالشوارع
...
-
زاخاروفا تمزح حول خطورة النساء الروسيات على الأجانب
-
حياة أكثر تعقيدا وخالية من الخصوصية تواجهها النساء بمخيمات ا
...
-
اختتام جلسات الحوار المجتمعي حول “العمل اللائق للنساء بين اق
...
-
ميساء صابرين: أول امرأة سورية تترأس المصرف المركزي، فكيف كان
...
المزيد.....
-
الحركة النسوية الإسلامية: المناهج والتحديات
/ ريتا فرج
-
واقع المرأة في إفريقيا جنوب الصحراء
/ ابراهيم محمد جبريل
-
الساحرات، القابلات والممرضات: تاريخ المعالِجات
/ بربارة أيرينريش
-
المرأة الإفريقية والآسيوية وتحديات العصر الرقمي
/ ابراهيم محمد جبريل
-
بعد عقدين من التغيير.. المرأة أسيرة السلطة ألذكورية
/ حنان سالم
-
قرنٌ على ميلاد النسوية في العراق: وكأننا في أول الطريق
/ بلسم مصطفى
-
مشاركة النساء والفتيات في الشأن العام دراسة إستطلاعية
/ رابطة المرأة العراقية
-
اضطهاد النساء مقاربة نقدية
/ رضا الظاهر
-
تأثير جائحة كورونا في الواقع الاقتصادي والاجتماعي والنفسي لل
...
/ رابطة المرأة العراقية
-
وضع النساء في منطقتنا وآفاق التحرر، المنظور الماركسي ضد المن
...
/ أنس رحيمي
المزيد.....
|