|
فيصل شريف فارس الذكريات
عادل علي عبيد
الحوار المتمدن-العدد: 8207 - 2024 / 12 / 30 - 14:11
المحور:
الادب والفن
فيصل شريف فارس الذكريات (1) كان الأستاذ والمربي الراحل القدير فيصل شريف (رحمه الله) يعلق صور ادباء الزبير في إدارة مدرسته ، وحدث مرة ان زاره احد المفتشين ، وحين سأله عن هذه الصورة ، اجابه انهم ادباء هذه المدينة الذين نعتز بهم . فما كان من المفتش الا ان قال : لا يجوز لك ذلك . فما كان من شريف الا ان رد عليه بقوة قائلا: هذه قناعتي بمن اعتز ، والأمر لا يهمك . (2) كانت مكتبته (القرطاسية) في سوق سوادي في الزبير تضم دفاتر وكتب مدرسية واقلام وسلع يحتاجها الطلبة ، وكانت تجمعنا في نقاشات وحوارات وسجالات لعل المرحوم كان يديرها بطريقة لا تخلو من اثارة ونكتة . وكان المحل عامرا بالشاي والقهوة التي يصنعها بنفسه ، وحدث مرة ان جرى حوارا بيني والصديق الأستاذ على جبر الصرائفي ، والاستاذين جودة وعودة ، والأستاذ المحامي ماجد القرغولي . فما كان مني الا ان استشهدت بمثال قلت فيه: اننا الآن جالسون بمكتبة ، او ما تسمى (مكتبة) ، لكنها خالية من الكتب ! وهذا .... فقاطعني بقوة بأسلوبه الفكه ، قائلا : ( وهذا دليل على امية صاحبها) فما كان منا الا ان اطلقنا ضحكاتنا التي كانت تعبر عن كبتنا ، وما كان منه (رحمه الله) الا ان قال : (العتب مو عليكم ، العتب على (الامي) الذي يجهد حتى يقدملكم القهوة الطيبة الشاي يا .. (3) عرف عن المرحوم فيصل شريف روعة الخط ، ودقة التجليد . فكان خطاطا للنشرات المدرسة ، ومجلدا للكتب . وما زلت احتفظ ببعض الكتب التي استعارها مني واعادها اليّ مجلدة ومخطوطة بأناقة . وحدث مرة انني دخلت عليه وهو منهمك في خط يبدو صعبا ، وكان معي الاخ احمد الحسيني . وحين سألناه عن آخر الابداعات ؟ قال : انه خط ما ، ولكنني اطلب من الأخ احمد ان يقرأه ، وكانت العبارة المخطوطة لأمير المؤمنين الامام علي (عليه السلام) : ( اخشوشنوا فات الترف يزيل النعم) . واتذكر انني قلت له : استاذنا لما تنتقي هذه المقولات التي لا تخلو من صعوبة ؟ فما كان منه الا ان اخرج ورقة أخرى ، كان مخطوطا عليها عبارة أخرى للإمام (عليه السلام) تقول : ( كفاك ربك كم يكفيك واكفه كفكافها ككميم كان في فلك .....) وحينها اعدت عليك ذات السؤال السابق : لماذا تختار مثل هذه العبارات الصعبة ؟ فنظر الي بقوة وقال : ( تكدر تكول انه اتمقلج ... ! ).
(4) حينما قدمت استاذنا المغترب الكبير مجيد الكعبي في محاضرة له في مقر الحزب الشيوعي في الزبير ، متحدثا عن تجربته الأدبية الثرة ، وناقلا منجزه الفكري . بقي الأستاذ الراحل فيصل شريف واقفا في آخر القاعة الى وقت انتهاء المحاضرة ، على الرغم من وجود مقاعد شاغرة . واتذكر انني عجبت لهذا الموقف ، وغمزت الى المناضل الراحل عبد الحسين العقابي ليذهب اليه ، لكنه قفل راجعا . فاستثمرت استرسال الضيف المحاضر ، لأذهب اليه وأقول : هنالك مقاعد شاغرة يا أستاذ ، فنظر اليّ بعين دامعة قائلا : كيف اجلس واستاذي حاضر محاضر في هذا المكان!
(5) كان الراحل معجبا بقصيدتي التي اهديتها الى الصديق الدكتور العزيز حسين فالح نجم ، والتي ضمها ديواني (فنارات عرقى)) انت جسرٌ للمشاة يعبر عليك الآخرون آن لك ان تبصر اعوجاج ظهرك ! وكان يرددها دائما ، وحينما سألته عن السبب قال (رحمه الله) : ما زال هذا (الحسين) تعبر الجموع على ظهره ، فكل معلمي مدرسة (قتيبة) وتلامذتها تعبر على هذا الجسر ، وكان يشير الى ايثار وتضحية الدكتور حسين والذي عمل معه في ذات المدرسة . فيصل شريف فارس الذكريات (6)
من اغرب النكات التي سجلها الراحل فيصل شريف (رحمه الله) . ان في مرحلة ما بعد العدوان الأمريكي الغاشم على شعبنا العراقي ، وبينما انهك الحصار الجائر الناس ، وفي صباح احد الأيام شاهدت (باص خشب) وقف قبالة سوق سوادي ، فهب الناس بالعشرات والمئات يتزاحمون على هذا الباص ، فما كان مني ان استفسرت عن هذه الحالة ، فأجابني احدهم ان الباص يحمل علب (الطرشي) واعترف ان المشهد قد هالني ، حتى رحت احصي عدد العلب الزجاجية التي يحملها الباص ، وكيف نفدت خلال بضع دقائق ! فقلت في نفسي : اذن ، (فاز باللذات من كان جسورا) فتقدمت خلسة الى سائق الباص وقلت له : هل بإمكانك ان تؤمن لي هذه الكمية غدا صباحا ، ولا باس بالساعة الرابعة فجرا ؟ فأومأ اليّ إيجابا . ورحت احلق بأحلامي الوردية ، ووصفت الحالة بانها فرصة العمر . وفعلا ، وصل الباص ، واخذت السائق الى زقاق بعيد ، وراحت انفض البضاعة بعيدا عن عيون المتطفلين ، واعطيته حقه . ونقلت البضاعة الى مكتبتي ومخزن آخر . وحرصت على ان استطلع السوق والمنطقة وامسحها من خلال دراجة هوائية استعرتها من احدهم .وحدث انني ابصرت علب الطرشي على اول محل مررت به ، وتقدمت الى صاحب المحل متسائلا !فأجابني ان الطرشي متوفر في كل المحال والدكاكين منذ الساعة الثانية صباحا . يقول الراحل (رحمه الله) بقيت البضاعة نائمة على صدري اكثر من سنة ، والعجيب انني كنت ابصر في القنينة الواحدة من الطرشي اشكالا وهيئات متنوعة وغريبة ، فضلا عن كمية الهلام المطحلب الذي يعطيها شكلا غريبا ، حتى انني فكرت ان اشترك بهذه الاشكال الغريبة في المعرض الفني الذي كانت تقيمه مديرية التربية دوريا . !
#عادل_علي_عبيد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
اطلاقة الرحمة على البرتقال
-
نسألكم الدعاء شيخنا !
-
رسالة إلى البطل طالب خزعل (سيمفونية عمارتليه) :
-
ماتت النكتة يا طارق الجوزي ..
-
شهد
-
الحاج اديب نظرة في الكتاب الكريم
-
التدبر سر المعرفة
-
الفكر الموسوعي لدى الحاج محمد اديب كاظم
-
من دير العاقول الى المفتول *
-
ورقة نقدية احتفاء بادباء الزبير وابي الخصيب
-
أخيرا رحل طائر السعف
-
علاء المرقب ( الازميل والخشب الطري )
-
الشاعر علي الياسري .. مظان التجلي
-
(ريوق بروليتاري)
-
النص والصورة
-
فاروق عبود حمدي
-
الليل طويل يا حمد
-
الصالون الرياضي في البصرة (المنطلق والهدف )
-
حب في درجة 50 مئوي
-
خربشات
المزيد.....
-
المخرجون السينمائيون الروس الأكثر ربحا في عام 2024
-
تردد قناة روتانا سينما 2025 نايل سات وعرب سات لمتابعة أحدث ا
...
-
أبرز اتجاهات الأدب الروسي للعام الجديد
-
مقاومة الفن والكاريكاتير.. كيف يكون الإبداع سلاحا ضد الاحتلا
...
-
فيلم -الهنا اللي أنا فيه-.. محاولة ضعيفة لاقتناص ضحكات الجمه
...
-
أفضل الأفلام الروسية لعام 2024
-
حصاد 2024.. أجمل الكتب التي بقيت راسخة في ذاكرة المبدعين
-
مصر.. اعتزال مطرب شعبي شهير الغناء في أول ساعات 2025
-
الممثل المصري مصطفى شعبان يعلن زواجه (فيديو)
-
تردد ام بي سي مصر 2025 تابع أفلام رأس السنة
المزيد.....
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
المزيد.....
|