أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سماح هدايا - اليقظة فضيلة كبرى















المزيد.....


اليقظة فضيلة كبرى


سماح هدايا

الحوار المتمدن-العدد: 8207 - 2024 / 12 / 30 - 13:53
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


الفرح الشعبيّ في سوريا، بسقوط النظام في ٨ كانون الأول، جاء مثل طوفانٍ طاغٍ، غمر أحزان الناس ومآسيهم.
عندما يأتي الفرح فجأة، من دون توقّعٍ أو تحضير، دفعة واحدة مباغتة، لا تستطيع الأفئدة استيعاب هذه الغبطة، خصوصاً، لما يكون نصراً بالحرية، غير مسبوق على امتداد عقود طويلة من الظّلمة والقهر والذل والصّمت القسريّ. كأنّها الصدمة، فالفرح أيضا، صدمة، وقد تكبر الصدمة إلى مرحلة لا يمكن السّيطرة عليها وعلى الأصوات الصّادحة بنشوة الفرح، خصوصاً في الحناجر المكبوتة طويلا تحت إرهاب النّظام الطّاغية وشبّيحته.
ربما لعبتْ الحسابات الدوليّة دوراً مهمّاً في تسريع إسقاط النّظام، لكنّ النّصر جاء حصيلة فعلٍ كبيرٍ وزمنٍ صعب، أسهم فيه مئات الآلاف من السّوريين... لا فئة واحدة محدّدة، أو طائفة واحدة، فهو وليد مخاضٍ مؤلم عسير وخلاصة تضحيّات كبيرة. لذلك يستحق أنْ يُكافأ بمشاعر الفخر وخطاب العقل الواعي. بالشّكر ونوايا القلب الحسنة. بالاتحاد ولمّ الشّمل، بالحذر والتنبّه لمحاولات الانقلاب عليه وعلى مبادئه. هذا النصر يستحق منّا ألا نطيل البقاء في دوامة الفرح الجميل الكسول، وأن نخرج الى عملٍ واقعيّ بنائيّ وإلى مبادرات بحجم المرحلة واستحقاقها التاريخيّ. وألا تسحبنا إلى تيارها أفعال غوغائية وآراء تشكيكيّة تهديميّة، تنتشر في الخطابات العامة السّاذجة والتضليليّة. وفي منشورات الإعلام الأصفر، وإعلام مواقع التّواصل الاجتماعيّ العاملة على بثّ الفرقة والفتنة.
النّصر السّوري لا يشبه ما حصل في مصر من نصرٍ جزئيّ، بخلع رئيس الجمهوريّة وحاشيته، وانقلاب مضاد من داخل النظام نفسه، أو بانقلاب تونس. هو اجتثاثُ نظامٍ بأكمله من جذوره. ولا مجال لعودة النّظام السّابق. وليس كثورة الخميني، أو حكم طالبان، فالعالم لم يعد يحتمل الدول الدينيّة الجامدة والعنصريّة. وسوريا لا يناسبها هذا المقاس.
مخاوفُ الناس من عودة نظام استبداديّ إلى الحكم مشروعة، على ألا تشغلَ عن رؤية الواقع بعين عاقلة، أو تصرفَ عن العمل لتحسينه. فالواقعُ السّوريّ، الآن، كتلةٌ من مشاكل ضخمة. وفلول النظام العسكريّة والاجتماعية والثقافيّة، مازالت موجودة. لذلك، فالحاجة للأمن والأمان أولى الأولويات، وبغضّ النظر عن المواقف الأيديولجية لأي جماعة او شخص، فسوريا يجب أن تتحرّر، أولاً، من حقبة النّظام الطاغية ومن مجرميه الذين مارسوا حرب الإبادة والتطهير، لكي تُبنى على أسس راسخة من التّعايش المحترم والتّعاون والتّعدّديّة العادلة.
البلد، الآن، يتطلّب عملا دؤوباً مدروساً لتحرير لإنسان السّوري من الصدمة التي امتدت أجيالا، ومما علق في نفسه من جهل وفساد وعصبية... ومواجهة فتنة الطائفيّة والتحريض على الأكثريّة والأقليّة. ويتطلّب استمراراً لطاقة الثورة في تحقيق مبادئها، بضمان حرية الرّأي والتّعبير، وإرساء العدالة واحترام كرامة الإنسان في معيار المواطنة المتساوية.
المرحلة القادمةُ مرحلةُ بناء وإعمارٍ في مختلف المجالات والمستويات، وللجميع دور ومسؤوليّة في ذلك، وفي مواجهة التّخريب والفساد والشر المنحدر من إرث النظام السابق. تخليص المجتمع من الغوغائية والفوضى والتّطرّف الفرديّ والجماعي، يفرض العمل الجمعيّ لتأمين التّعايش الإنساني الحضاري في مصير مشترك. ويفرض حشد القوى لإزالة عقلية الطّاغوت والأصنام البشريّة والمعنوية. قد نشأ، في الثورة، ضمير جمعيّ وخبرة وذاكرة نقديّة، من خلال خوض التّجارب الصعبة والسّير في أشد الطرقات وعورة، بين مد وجزر، صعود وهبوط، خسارة وربح، خذلان وخذلان، حتى وصلت الثورة بإرادة الشعب وصموده الى هدفها وأسقطت نظام البغي والطغيان، وسيبقى هذا الضمير حيّا لاسقاط أي حكم ٍ دكتاتوري في سوريا.
ستقف طاقة الثورة وضميرها الجمعيّ، بالمرصاد لمحاربة أيّ نظامٍ استبدادي جديد. فعندما حرّر ثوارها السجون وكشفوا عن المسالخ وقبور التعذيب، وعن أبشع الجرائم الوحشيّة والإبادات والمقابر الجماعيّة، وأزالوا ذلك الرعب عن النفوس، أصبح من الصعب، بعد رؤية ماحصل، وعيش ذلك القهر، السّماح بتكراره او بحدوثه بشكل جديد. فإنجاز الثورة الإنسانيّ التحرّري، لن يفرّط التاريخ به وسيبقى مرشدا للحرية والعزّة. تحرير الإنسان السوري، يعني تحريره من إرث الذّل وعقليّة العصبيّة العنصريّة، ومنهج الفساد. وهو مقدمة لتمكينه وبناء سوريا الكرامة والعدل. حتماً، ليس ذلك، بالعمل السهل، بعد التّخريب العميق لعقود طويلة. فالشّرور مازالت في الأرض، وفي النفوس الضغيفة والعقول التافهة المؤهلّة لاثارة الفتن. المهم، الآن، صون التحرير واستمراره، وحماية الإنجاز، بترسيخ الأمن والاستقرار. بجمع السلاح كله، وملاحقة فلول الأجهزة الأمنيّة والعسكريّة السّابقة المتوّرطة بالقتل والتّعذيب، ومحاربة الشّبيحة ورجال العصابات وتجّار الحروب.
ربما تتأخّر المحاسبة القانونية، بسبب الوضع الحالي من معارك الحرب التحريريّة. ربما تحصل التّسويات والمصالحة، وهذا ضروري، لكنْ، لا تسامح مع المتورّطين بدماء السوريين. فالمحاكمات العادلة تحقن الدماء وتمنع الانتقام ونشوب حرب أهليّة. يجب العمل، بشكل منهجيّ، لتحقيق العدالة الانتقاليّة. البناء والإعمار، لا يتحققان قبل تحقيق الأمن والمحاسبة، فالقلوب المكلومة كثيرة، ودواؤها في القصاص العادل والعاجل...
قد لا تكون أيديولوجية القائمين في الحكومة المؤقتة، الآن، سياسياً وعسكرياً، مقبولة للجميع، وقد لا يروق خطابهم لفئات معينة، على الرّغم من محاولة توخّي العقلانية في الخطاب ومحاولة تطويره، لكنّهم، الآن، قادة سوريا الذين يحمونها، وهم الذين يخوضون معارك التحرير والأمن. وهم الذين أنجزوا النصر. يجب احترام جهودهم وتقدير العمل الجبار في ترسيخ الأمن وانفتاح الحوار على الجميع. التعاون معهم ضرورة وطنيّة ريثما يتهيّأ الواقع للاستقرار وحصول الانتخابات. أمّأ الاختلاف في المنظور والرؤية، فهو طبيعيٌ. سنّة الحياة. الخلاف يمكن تناوله والتباحث فيه والتناظر حوله، بعد استّتباب الأمن والاستقرار.
الواقع الجديد بعد الثورة، لن يسمح لطرف بالتّمادي طويلا والاستقواء على طرف آخر، ولن يسمح بتغوّل فئة في الحكم والسلطة، فهذا أمرٌ أسقطته الثورة بمبادئها العامة التي طبعتْ المجتمعَ السّوري الجديد.
وقد يُؤخذ ضد الحكومة المؤقتة الحالية، حصر السلطة في جماعتها، وعدم إشراك آخرين من أطياف أخرى بالقيادة. وقد يُثار القلق من الحكم الفئوي التّسلّطي، وهو أمرٌ مشروع، لكنْ، وكما صرّحت القيادة نفسها، بأنّ لهذا التّصرف ظروفه الخاصة واحتياجاته المؤقتة، ريثما يستتّب الأمن ويستقرّ الوضع. ومن الضّروري أنْ تُعطَى الحكومة المؤقّتة وقيادتها الفرصة الصحيحة، فتركة النظام كارثيّة. وحجم الدمار هائل، والخراب عميقٌ، بنويّاً ومعنويّاً ومؤسّاساتياً. يجب أنْ تُعطى القيادة الثّقة والعين الرّاصدة والوقت المحدّد الكافي لتحرير الأرض كاملة وفرض الأمن.
حتما لا يليق بالثورة السّورية أيّ مشهد ظلمٍ، أو عنفٍ غير أخلاقي ضد الأسرى، ويجب العمل مع الحكومة لضبط الممارسات الفرديّة أو العسكريّة غير اللائقة، حتى لو كان بشرعيّة الثورة وحق الدّم. فصفحةُ النصر، يجب ألا تتشوّه بأفعال همجيّة.
هناك مشاكلُ ضخمة تنتظر الحكومة والسّوريين لحلّها والعمل عليها، مثل المفقودين والمحرّرين من السّجون، الجرحى والمعوقين، الأيتام ومجهولي النسب، المغتصبات والأرامل، البيوت المدمرة، الاقتصاد المنهار، البنية التّحتيّة السّيئة، الألغام، الفساد المستشري، إيواء النّازحين، المدارس المهدّمة والتعليم، المستشفيات والرعاية الصحيّة...الجنسيات وغيرها.
قضايا خطيرة جوهريّة وأساسيّة يجب معالجتها، ويجب أن يضعها الشعب في أولويات تفكيره وعمله، ويسهم في المساعدة لحلّها، عوضا عن إثارة قضايا تافهة أو شائعات، والانشغال بموضوعات تثير القيل والقال، لا قيمة لها على مستوى تحرير وطن وبناء دولة ومؤسسات.
إرساء العدل وتشكيل الهيئات القانونيّة وبناء السّلم الأهليّ وحماية أمن البلد وضبط الإعلام، أهم بكثير من قضايا غطاء الشعر ولباس المرأة وشرب الخمر. فالمعتقدات، هي في النهاية، أمور شخصيّة، وقرارات، يتحمّل مسؤوليتها الذاتيّة الإنسان لا الدولة. والخلافات أو الاختلافات مجال للحوار الاجتماعي والنقاش العقلاني، وليس منهجاً لبناء الدولة. المرحلة، الآن، تحرير وبناء. تحتاج التعقّل. والمسؤولية، ولا تنحصر في الحكومة المؤقتة، فلكلّ إنسان دورٌ، من رجل وامرأة، صغير وكبير. ابتداء من تنظيف الأحياء والشوارع إلى تنظيف العقول والقلوب، إلى ترسيخ السلم الأهلي وصولا للإدارة السياسية والعسكرية، على أن تبقى مبادئ الثورة ماثلة في البصيرة، وحاضرة في السّلوك، برفض الذل والمهانة والبغي والتهميش.
قد أظهر الخطاب الجديد للإدارة السّياسيّة والعسكريّة وعيا جيداً للواقع والمسؤوليّات، ومن الضّروري الانفتاح على الخطاب، فالمصير معلّق الى حدٍّ كبير بالاتحاد، وبالوعي والمعرفة... التجربة، الآن، فريدة وجديدة وخطيرة، وفي مهبّ الفتن، وتحت مجهر العالم بأنماطه الراسخة وأفكاره الجاهزة، وهي تتطلّب فهماً عميقاً للواقع وخطاباً جديداً وأفكاراً مدروسة، خصوصاً، أنّ يداً خفيّةً خبيثة تعبث بعقول الناس وتثير مخاوفهم. الفتنة من الداخل والخارج، تعمل بمختلف وسائل الإعلام المتاحة، بلا كللٍ أو ملل، على إشعال حرب أهليّة، والمنجّي هو وعيٌ ناضج، وعقل وطنيّ، وعملٌ منظّم للبناء. وأخيراً إعلام يتصدّى للحرب المضادّة بيقظة ومهنيّة.
د. سماح هدايا



#سماح_هدايا (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- صرخة ضد الخوف
- هل من طريق إلى المصالحة؟
- المعنى الحقيقي للحياة يكمن في محاربة الشر
- الانتماء إلى أمة مسألة مصير
- للحظةٍ ثوريّةٍ جديدةٍ
- في تذكُّرِ من تأبَّى الذلَّ والظُّلمَ
- -حتّى لا تيبسُ عروقُ الكبرياء-
- للسوريين عبرة في مأساة فلسطسن
- سوريا التّضليل والتّقسيم
- ثورات معلقة
- المهجر..بين تحديات وخيارات
- هل يتأثر التعلّم وتحصيل المعرفة باستخدام اللغة؟
- بين دولة وثورة عقيدة
- لماذا انفجر الشعب السوري بهذا الشكل؟
- والشعب إذا حكى...
- فرائس وفخاخ وقناصّة
- صرخة ضد الهزيمة
- الحل السحري
- سوريا من قضة وطنية محقّة لقضية صراع دولي
- ثورة -سنوات الدم-..لا -شهر عسل-


المزيد.....




- المشاهد الأولية لهجوم وإطلاق نار بملهى ليلي في نيويورك.. وإص ...
- ليلى علوي تعايد متابعيها بصور عائلية.. و-المستريحة- في دور ا ...
- ماسك يدعو لانتخابات جديدة في بريطانيا
- أخطاء شائعة في تخزين زيت الزيتون قد تؤدي إلى فساده
- مصدر: واشنطن قد تضطر -لمهاجمة إيران قريبا-
- ماسك يؤيد منشورا رجّح أن يكون عام 2025 الأهم في تاريخ البشري ...
- وصول طائرة مساعدات قطرية ثانية إلى مطار دمشق
- لماذا أثار تدشين حزب الجبهة الوطنية الجديد في مصر جدلا؟
- -التحول في سوريا يمثل تحدياً إستراتيجياً عميقاً بالنسبة لإسر ...
- الجيش الإسرائيلي يكشف عن معطيات جديدة حول قتلاه منذ بداية ال ...


المزيد.....

- لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي / غسان مكارم
- إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي- ... / محمد حسن خليل
- المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024 / غازي الصوراني
- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سماح هدايا - اليقظة فضيلة كبرى