|
هل باعت روسيا نظام الأسد؟!
عبدالله عطوي الطوالبة
كاتب وباحث
الحوار المتمدن-العدد: 8207 - 2024 / 12 / 30 - 10:38
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
سؤال من هذا النوع لا يُجَابُ عليه بلا النافية أو بنعم المؤكِّدَة، بل يُفترض إخضاعه لنقاش موضوعي يتوسل المنطق بمنأى عن "نظرية المؤامرة"، وانطلاقًا من طبائع الأمور وحقائق بدأت تتكشفت بعضها يكاد يكون محط إجماع. الأصل، ألا تتدخل روسيا أو أي قوة دولية في سوريا. وكان المفترض ألا تجد القوى الدولية والاقليمية أبوابًا مشرعة تغريها ب"اللعب" في الساحة السورية، مضطرة بحكم مصالحها أو لغايات في نفس يعقوب. ما بعد "ألا" في الفِقرتين السابقتين وثيق العلاقة بتصرف النظام الذي بات في ذمة التاريخ، لجهة سلوك مسار مختلف مع شعبه المنتفض. هنا، لا بد من العودة إلى البدايات لوضع الأمور في نصابها الصحيح، وعلى وجه التحديد منتصف آذار 2011، تاريخ بدءِ الحراك الجماهيري المطالب بالحرية والكرامة، اثر انتقال شرارة ما يُعرف بالربيع العربي إلى الشقيقة سوريا. كَسَرَ السوريون حاجز الخوف، وخرجوا في التاريخ المومأ اليه فوق في انتفاضة شعبية واسعة النطاق، ظلت متمسكة بطابعها السلمي (سلمية...سلمية)، بشهادة العالم كله حوالي سبعة أشهر. لكن النظام لم يقرأ مطالب شعبه المشروعة بوعي يواكب شروط المرحلة، وينطلق من مصلحة الدولة، بل دفعته عنجهيته وضيق أفقه وطبيعته الاستبدادية إلى الرد بالحديد والنار. بذلك السلوك الأرعن، ارتكب النظام خطيئته الأولى، وبسببها بدأت سوريا تتحول إلى جرح دامٍ مفتوح، يغري "الخارج" بالتدخل. هذا الخارج متنوع على صعيد الأهداف والغايات، فمنه الصديق صاحب المصالح، مثل روسيا. ومنه من لا يريد خيرًا لسوريا ولا للأمة التي تنتمي إليها سوريا، مثل أميركا وأتباعها واللاهثون في غبارها. اضطرت قوى المعارضة إلى اللجوء للسلاح، أمام عنجهية النظام ودمويته، وهو ما لم يحدث في تونس ولا في مصر. فمثلما لجأ النظام إلى روسيا وإيران لدعمه بالمال والسلاح، واستقدم ميليشيات من لبنان والعراق واليمن وغيرها لتخوض حربه مع شعبه، اضطرت المعارضة إلى البحث عن دعم من دول أجنبية واقليمية. والدول ليست جمعيات خيرية، فالذي يقدم المال والسلاح له مصالح معززة بحسابات لا بد لمتلقي الدعم من مراعاتها. وله بالتأكيد شروطه الخاصة به، ولن يعدم الوسائل لفرضها عندما تستدعي الضرورة. باختصار، بدأت سوريا تتحول إلى ساحة مواجهات دامية، وأخذت المليارات تُخصص لتأجيج النيران المشتعلة بهدف تدمير الدولة السورية ذاتها. هنا، يفرض نفسه بإلحاح السؤال التالي: لو تصرف النظام بحدود معقولة من الحكمة في حينه، وبقدر يُحسب له من الرشد السياسي، وقاد مسارًا سياسيًّا يفضي إلى إصلاحات ديمقراطية حقيقية وتوسيع المشاركة في السلطة السياسية واتخاذ القرار، هل كانت سوريا ستنزلق فيما انزلقت إليه؟! نرجح الإجابة بلا النافية، من دون تردد. لكن اللحظات التاريخية في السياسة بحاجة لمن يجيد التقاطها، لأنها لا تتكرر بقدر ما تستعصي على من لا تتعدى حساباتهم التشبث بكرسي الحكم بأي شكل، ولو على خوازيق التبعية وأكوام الجماجم والأنقاض ! ونرى من الموضوعية التذكير برأي آخر يرفض قراءة ما حصل في سوريا على هذا النحو، ويتناول كل ما جرى في هذا البلد الشقيق بمنظور "المؤامرة" ضد النظام المقاوم الممانع. ومع التقدير لأصحاب هذه القراءة، ومنهم أصدقاء وزملاء أعزاء، إلا أنها تدين النظام أراد القائلون بها ذلك أم لم يريدوه. فالنظام الذي يحكم دولة منذ واحد وستين عامًا، ويتحرك شعبه ضده بأيدٍ خارجية، وفق منطق "نظرية المؤامرة"، غير جدير بالاحترام ولا يستحق البقاء في السلطة. أما نحن فنواصل قراءتنا لتسلسل التطورات المأساوية في سوريا الشقيقة، ونتائجها الكارثية. تَزَايَدَ التدخل الاقليمي والدولي في سوريا، من بوابة المواجهات الدامية، وتصاعدها بكل ما رافقها من جرائم يندى لها الجبين. وبدأت المواجهات تأخذ طابعًا مذهبيًا وطائفيًا، لا يمكن تبرئة النظام من مسؤولية إثارته، ثم تأجيجه. كان النظام معنيًّا بدفع المكون السنِّي في سوريا إلى ردود الفعل المسلحة العشوائية، لتسهيل وصمه بحاضنة الإرهاب، وبالتالي، غير المؤهل لحكم سوريا. في موازاة ذلك، أظهر النظام نفسه حاميًا للطوائف والأقليات العلوية والمسيحية والدرزية والاسماعيلية والشيعية من بطش المتطرفين والتكفيريين. هنا، اقترف النظام خطيئته الثانية، متمثلة بالاستثمار في ثنائية سنة- شيعة، وتأجيج الصبغة المذهبية والطائفية للصراع. وقد صبت هذه الخطيئة في صالح النظام مؤقتًا، وبشكل خاص على صعيد حرف الحراك الشعبي عن هدف اسقاط الديكتاتورية وإقامة نظام وطني ديمقراطي في سوريا. ومن أسوأ تداعيات تلك الخطيئة انكفاء القوى الوطنية والعالمانية السورية، صاحبة المصلحة في التغيير الديمقراطي، لصالح تيارات وقوى ذات مرجعيات دينية متشددة. غرقت سوريا بالمآسي، وبات مصير النظام متعلقًا بالتدخل الخارجي. اضطرت روسيا إلى التدخل العسكري عام 2015، انطلاقًا من أولوية مصالحها، كما صرح قادتها بذلك على أعلى المستويات. في العالم التالي، أي 2016، تمكن النظام بدعم عسكري روسي وإيراني ميليشياوي من استعادة أجزاء واسعة من سوريا كانت تحت سيطرة فصائل المعارضة. وكان من المفترض وفق منطق الأشياء ونزولًا عند مصالح الدولة، أن يبادر النظام في حينه إلى التفاهم مع المعارضة للمباشرة بمسار سياسي ينقذ سوريا. وقد بدأنا نسمع من مصادر مختلفة أن روسيا كانت تدفع بهذا الإتجاه، وتضغط للتفاهم مع تركيا أيضًا. وعليه، يبدو أننا وصلنا إلى خطيئة النظام الثالثة، وتختزن في طياتها جملة حماقات ارتكبها النظام وسوف يدفع السوريون أثمانها إلى أمد يصعب التكهن بنهايته. لم يفهم النظام معنى تمرير روسيا والصين قرار مجلس الأمن رقم 2254، سنة 2015، الداعي إلى انتقال سياسي سلمي في سوريا. وظل متشبثًا بالنهج الاستبدادي الشمولي المتخلف ذاته، الذي انتفض شعبه من أجل اسقاطه. وحال ضيق أفقه دون قراءة سياسية علمية دقيقة للعملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، واستمرار التدخل العسكري الروسي لصالحه بعدها. في أوكرانيا روسيا تخوض حربًا وجودية، لها الأولوية على ما عداها. وليس بمقدورها تحمل نتائج خسارتها، ولن تسمح بذلك حتى لو استخدمت السلاح النووي، كما يعلن قادتها على رؤوس الأشهاد، بكل ما يترتب على ذلك من احتمالات أخطرها نشوب حرب عالمية ثالثة. أما تدخلها في سوريا، فدافعه الرئيس مصالح مضمونة باتفاقيات دولية. وتشمل هذه المصالح حماية قواعد عسكرية في طرطوس وحميميم، يمكن الاستغناء عنها في حال طروء ما يستدعي ذلك. وضع النظام كل ما ذكرنا دبر أذنيه، وكأن وجوده لم يكن متوقفًا على دعم روسيا وإيران ومدى قناعة الدولتين بالاستمرار في هذا الدعم. وقد بدأت ترشح معلومات عن خلافات بين النظام وداعميه، وعدم مراعاته لعلاقات كل منهما وحساباته الدولية والاقليمية. ولعل أول ما يخطر بالبال على هذا الصعيد، اهتمام روسيا بتعزيز علاقاتها الاقتصادية مع تركيا وتطويرها. وليس يفوتنا الإشارة إلى ما يُقال بشعور كل من روسيا وايران، في الآونة الأخيرة، بأن النظام بدأ يتحول إلى عبءٍ عليهما. فقد أنقذته روسيا من سقوط كان شبه مؤكد، قبيل تدخلها عام 2015 بأسبوعين، كما قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف حينئذٍ، في تصريح شهير بهذا الخصوص. وتوَّجَ النظام خطاياه وضيق أفقه بخطيئة رابعة، ظهرت فاقعةً جليَّة يوم السقوط بتاريخ الثامن من كانون أول 2024. ونعني تهاوي نظام حكم سوريا ستة عقود ونيف بهذه السرعة، وفرار رأسه إلى موسكو بطريقة مخجلة دون أن يخبر أقرب المقربين إليه. بخصوص ما حصل في اللحظات الأخيرة قبل السقوط، هناك أكثر من رواية. ولن نقحم قارئنا بما يحتمل الصواب والخطأ بالقدر ذاته، ولقناعتنا بأن الحقيقة لا بد ستظهر بأسرع مما نتوقع في عصر الفضاء المفتوح. لكن بعض ما يُقال له وجاهته، وجدير بأخذه بنظر الاعتبار مع المؤشرات المعززة. بعد سقوط النظام، أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن قوات بلاده ساعدت في إخراج أربعة آلاف مقاتل إيراني وأعادتهم إلى وطنهم. بالتزامن مع ذلك، صرح الكرملين رسميًّا بما يفيد أنه فوجئ بالتقدم السريع لفصائل المعارضة وبسقوط النظام بتلك السرعة. وقد أصبح شبه مؤكد أن جيش النظام أخذ ينسحب من مواقعه لصالح المعارضة، مُعلنًا بذلك عدم استعداده للقتال من أجل نظام لم يعد يملك مقومات البقاء. ويتردد أن روسيا بعد أن فوجئت بالوضع البائس للنظام واستحالة بقائه، سارعت إلى تفاهمات مع تركيا الداعم الرئيس لفصائل المعارضة. وقد تضمنت التفاهمات تسهيل سقوط النظام من دون عنف وإراقة المزيد من دماء السوريين، مقابل ضمان انسحاب آمن للقوات الروسية من مواقعها المنتشرة في مواقع عدة داخل سوريا، مستصحبة المقاتلين الإيرانيين لإعادتهم إلى بلدهم. وما حدث بالفعل على الأرض يرجح هذا الإحتمال، ويكسبه قَدَرًا من المصداقية. من هنا نفهم ما يُقال ويبدو أنه صحيح، ومفاده أن أول من دخل دمشق بعد بدءِ تهاوي النظام كانت فرقة عسكرية شّكَّلَتها روسيا من قوى المعارضة المسلحة في مناطق خفض التصعيد في درعا، بقيادة أحمد العودة. وربما على أرضية انسحاب جيش النظام من مواقعه أمام تقدم فصائل المعارضة، كما سبق لنا القول، وتفاهمات روسيا وتركيا في اللحظات الأخيرة، يذهب محللون ومراقبون، إلى حد وصف ما حدث بأنه كان عملية استلام وتسليم. في المجمل، وتأسيسًا على ما تقدم، ماذا بمقدور الطيران الروسي أن يفعل لنظام لا يطيقه شعبه، وفوق ذلك تخلى عنه جيشه، وخاصة في وقت تواجه فيه روسيا حربًا وجودية أميركية غرب أطلسية على المسرح الأوكراني؟! في الختام نستأذن القارئ العزيز بالسؤال عنوان هذا المقال، ما رأيك بعد كل ما قرأت، هل باعت روسيا نظام الأسد؟!
#عبدالله_عطوي_الطوالبة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
من وحي الزلزال السوري ودروسه.
-
المتآمرون بالفعل ضد العرب.
-
نمط تفكير بائس !
-
اسلام أردوغاني أم ماذا؟
-
ماذا تريد أميركا من سوريا الجديدة؟!
-
الإنسان والدين
-
الدولة المزرعة!
-
من الذي سقط في سوريا؟!
-
على بلاطة
-
ليلة الهروب الكبير من دمشق !
-
ألا نخجل ؟!
-
من سفالات فقهاء السلاطين!
-
أسئلة وتساؤلات أكثر من مشروعة
-
سوريا المختلفة في يومها الأول...جردة حساب
-
نراهن على عراقة الشعب السوري وانتمائه لعروبته
-
لماذا يحن بعضنا لزمن الخلافة العثمانية البائس؟!
-
هل كان المسلمون الأوائل يقدمون الدين على السياسة؟!
-
مرجعيات الإبادة العرقية في السرديتين الغربية والتوراتية الصه
...
-
من وحي كابوس يحدث على الأرض !
-
في ضوء ما يجري في حلب وادلب
المزيد.....
-
بين -بيركين- و-ويركن- فارق بمئات آلاف الدولارات.. حقيبة محلي
...
-
اليوتيوبر الشهير -مستر بيست- وثيا بويسن يعلنان خطوبتهما
-
الدفاع الروسية: 580 عسكريا حصيلة قتلى قوات كييف على أطراف مق
...
-
بطريرك أنطاكيا للروم الأرثوذكس: ننتظر من الشرع أن يمدّ يده إ
...
-
سجل سري في الآلة الحاسبة قد يحرج مستخدمي -آيفون-
-
تركيا.. الادعاء يطالب بأحكام مطوّلة على ضالعين بهجوم -كروكوس
...
-
السلطة الفلسطينية تغلق مكتب قناة الجزيرة في الضفة الغربية
-
زيلينسكي: أوكرانيا تستعد لاستئناف العلاقات الدبلوماسية مع سو
...
-
الأسماك.. خيار غذائي لا غنى عنه لصحة أفضل
-
مسؤول أفغاني: عشر الأفغانيين يعانون إدمان المخدرات
المزيد.....
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
المزيد.....
|