|
سوريا - المسار بعد سقوط النظام ..
رزكار نوري شاويس
كاتب
(Rizgar Nuri Shawais)
الحوار المتمدن-العدد: 8207 - 2024 / 12 / 30 - 02:52
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
ضمن تحولات و تحركات بالغة التعقيد في منطقة شرق المتوسط ، سقط نظام الأسد البعثي الذي اعتمد في أسلوب حكمه على أبشع وسائل القمع و الاستبداد بحق الشعب السوري وسائلا لهيمنته و استمراره في الحكم . سقط النظام بعد ان اذاق أبناء سوريا من مختلف الاتجاهات القومية والدينية ، المر ّ و الويلات ، و ألحق بثقافة و قيم التراث الاجتماعي و الشعبي السوري أضرارا بالغة كسلوكيات تغلغلت في تعامل السوريين فيما بينهم من حيث التعايش الإيجابي و قبول الاخر و احترام الرأي و التعبير.. نظام زَرعَ الخوف و الشكوك و القلق و الحذر الدائم بين الناس لاكثر من (50) عاما ، لا شك في انه تمكن من تربية الاجيال على تبجيل و تأليه فرد واحد بيده مصير الجميع و اطاعة حزب او مكون حاكم واحد على الطاعة العمياء و تنفيذ الأوامر بلا نقاش , شعب تربى عبر عقود طوال على التعصب و الكراهية و المنافسات الشرسة لنيل الحظوة و فتات المصالح من نظام كان هم رؤوسه الأوحد الاحتفاظ بالسلطة .. و عندما بدأت الثورة السورية بتظاهرات شعبية سلمية و بمطاليب مشروعة لم يكن عصيا على النظام التفاهم مع الشعب بخصوصها ، بل فضّل التعامل معها بعنف و وحشية ، بالمقابل تحولت التظاهرات الى انتفاضة مسلحة واسعة ، شاركت فيها العديد من قوى و شرائح المجتمع السوري ، كل حسب رؤاه و اتجاهاته الفكرية و العقائدية ، لكنها جميعها برغم خلافاتها فيما بينها ،تشاركت في هدف اسقاط النظام و إزاحة كابوس الظلم و الرعب الذي كان يرزح تحت وطأته عموم أبناء المجتمع السوري .. و هنا لابد من الإشارة الى ان القوى و الجماعات المشاركة في الثورة السورية لم تسلم من ( شروط ) تقديم الدعم و الاسناد لها من قبل التدخلات الخارجية الإقليمية و الدولية في شؤونها و رسم اتجاهاتها لمرحلة ما بعد سقوط النظام ، فكان المشهد (و لا يزال ) يكشف بوضوح عن حالة صراع دولي و إقليمي على الساحة السورية ، قوى تتعاطف و تقدم الدعم لأطراف المعارضة السورية و قوى تدعم و تحمي النظام ، و بالطبع كان (و لا يزال ) لكل طرف داعم لجبهتي النزاع السوري أهدافه و مرامه الخاصة .. وسقط النظام فجأة بشكل دراماتيكي ليضع الكثير من المراقبين في حيرة وتساؤلات عن القوى التي وقفت وراء ما حدث و ما سيحدث لاحقا على الصعيدين السوري و الجوار السوري و هل هو بداية لتغيرات كبرى في المنطقة ام لا ..؟!! من المؤكد انه هناك قوى إقليمية و دولية كبرى لعبت الدور الأساس في عملية اسقاط نظام بشار ، و السرعة التي تم بها انجاز هذا الامر تؤكد بدورها ان إمكانية و خطط المشاركين في لعبة اسقاط هذا النظام بسهولة و مبررات ذلك كانت متوافرة و جاهزة منذ اندلاع المعارضة المسلحة للنظام سنة 2011 فلماذا تلكؤا في ذلك ؟ ربما وراء الأكمة ما ورائها ..!! انهار النظام و فرّ رأسه و تفتت رموزه و اركانه ، وبهذا سجل الشعب السوري بمجموع قواه التي عارضت السلطة البائدة انتصارا تاريخيا على حكم الظلم و الاستبداد .. لكن الانجاز المهم لأية ثورة وطنية ،هو ثمارها و مكاسبها التي يجب ان تصب لمنافع الشعب و تنال رضاه . استقبل الشارع السوري بحماس و بفورة عاطفية جياشة تحرره و خلاصه من الحكم الدكتاتوري المستبد و دخل مرحلة انتظار ما يستجد من تطورات ما بعد سقوط النظام ، وهناك من ينتظر بقلق و من ينتظر بتفاؤل ، فمرحلة ما بعد الانتصار هو الأصعب في مسارات التغيير و النهوض للتقدم نحو مراحل اكثر اشراقا و أحوالا افضل .. ان المسار نحو بناء سوريا الجديدة يواجه حتما تحديات كبيرة ، و ان ما يأتي لن يتحقق بسهولة و مرونة ، الامر الذي يتطلب تآزر و تعاون كافة القوى الوطنية السورية لمواجهة تلك التحديات و عبور اشكالاتها و ازماتها بروح وطنية تسعى بحق وجد الى تأسيس نظام حكم و دولة يضمن لجميع مكونات الشعب السوري الأمان و السلام و العدالة و المساوات في الحقوق و الواجبات .. ما تحتاجه سوريا الآن كبداية سليمة و صحية للنهوض هو توجه عملي و فاعل لتوفير مناخات مجتمع التعايش و قبول الاخر و تحريم و نبذ العصبيات القومية و المذهبية و كل ما يهرىء و يفتت نسيج المجتمع السوري و ذلك بالبدء الفوري بحوار وطني شامل بين كافة القوى الوطنية السورية و تأسيس إدارة او حكومة انتقالية تمثل جميع الاطياف لأدارة شؤون البلاد و تجنب أفكار سلطة الامر الواقع و حكومة المكون او اللون الواحد و فرضها على الآخرين .. و على هذا الأساس يجب المباشرة ببناء الجيش السوري كمؤسسة دفاعية وطنية تحمي الشعب و البلاد و عدم الاعتماد على الميليشيات ، فالجيوش للأوطان و الشعب كله ، اما المليشيات فهي ومهما كانت مواقفها الوطنية تمثل جماعات و تيارات .. و ما تحتاجه سوريا الآن كضرورة ملحة هو صياغة دستور جديد للبلاد ، حيث يستحيل على أي نظام حكم ان يؤدي مهامه القانونية من دونه ، الدستور هو القانون الأساسي الذي يمنح الدولة هويتها و شخصيتها و سيادتها و طبيعة العلاقة بين مؤسسة الحكم و فئات الشعب و هو القانون الأساسي الذي يجب ان يضمن حقوق و واجبات الجميع و تحقيق العدل و المساوات وترسيخ شراكة حقيقية في الحكم بين مكونات الشعب .. و ما تحتاجه سوريا اليوم كمطلب عاجل هو حل مشكلاتها القومية و المذهبية و منها القضية الكوردية ، حلا ديمقراطيا عادلا يعزز من حالة التعايش و التآخي في البلاد .. ما تحتاجه سوريا هو تجنب و رفض كل اشكال الوصاية و التدخلات الأجنبية ( السلبية ) في شؤونها ومنها التدخل في الخصوصية الديموغرافية لمكونات المجتمع السوري و تواجدها الجغرافي في البلاد .. و ما تحتاجه سوريا بعد عقود طويلة من القهر و الاقصاء القومي و المذهبي هو نظام الدولة الديمقراطية التعددية المنفتحة على العالم و مفاهيم العصر ، الملتزمة بمباديء حقوق الانسان ، نظام الدولة المناهضة للدكتاتورية و الإرهاب ، الدولة الحريصة على ثرواتها و على بناء علاقاتها مع العالم بالشكل الذي يصان به مصالح الشعب و يعزز من قوتها و سيادتها كبلد يحتل موقعا مهما في جغرافية المنطقة .. اجل ، ان اسقاط نظام الأسد الدكتاتوري هو بداية مسيرة وطنية طويلة لبناء سوريا الجديدة و لن تكون سهلة ، ستكون هناك محاولات خبيثة كثيرة للتدخل في طبيعة مسارها و عرقلة تقدمها و كذلك محولات بعض الأطراف الالتفاف عليها و زرع أنواع منوعة من الألغام على طريق تقدمها .. او جر اطرافها ها الى نزاعات و صراعات داخلية بين أبنائها .. ان سوريا التي انجبت الالاف من المناضلين من القادة و الساسة الوطنيين و المثقفين و و الادباء و رجالات الفكر و الفنانين المبدعين ، تمتلك قدرات و إمكانيات النهوض و التقدم لبناء سوريا الجديدة على أسس عادلة و صحيحة أذا أرادوا ، و كل ما على الذين يهمهم امر سوريا و مصالح شعبها ( و في مقدمتهم الأمم المتحدة بمنظماتها و جامعة الدول العربية التي تعد سوريا واحدة من أعضائها ) ، تقديم ما باستطاعتهم من دعم و اسناد يسرّع من عملية نهوضها و تقدمها ..
#رزكار_نوري_شاويس (هاشتاغ)
Rizgar_Nuri_Shawais#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بعد سقوط نظام بشار ، ماذا عن إيران ؟
-
سوريا ، بعد سقوط نظام بشار .. ماذا بعد ؟
-
دائرة الصراع ما بعد 7 اكتوبر
-
هوامش على حواف زمن الثرثرة (20) تداعيات ..
-
هوامش على حواف زمن الثرثرة (19) أيضا الحروب
-
هوامش على حواف زمن الثرثرة (18) في الحرب أيضا..
-
هوامش على حواف زمن الثرثرة (17) - شيء عن الكذب ..!
-
هوامش على حواف زمن الثرثرة (16)
-
بين غزّة و باب المندب ..
-
أطفال الحروب
-
كلمة جديدة في قاموس اللهجة العراقية : حَلْبَسَ ، يُحَلبسْ ،
...
-
هوامش على حواف زمن الثرثرة (15) - قصاصات
-
هوامش على حواف زمن الثرثرة (14) - نمنمات
-
هوامش على حواف زمن الثرثرة(13) – حول الاستبداد أيضاً
-
هوامش على حواف زمن الثرثرة(12) – أيضاً شيء حول الاستبداد
-
هوامش على حواف زمن الثرثرة(11) – شيء حول الاستبداد
-
هوامش على حواف زمن الثرثرة(10) – شيء حول الحقيقة
-
الاستبداد القومي و الشراكة الوطنية
-
هوامش على حواف زمن الثرثرة (9) – أيضا ، في الحروب و ميادينها
-
هوامش على حواف زمن الثرثرة (8) – أيضا في الحروب و ميادينه
المزيد.....
-
المشاهد الأولية لهجوم وإطلاق نار بملهى ليلي في نيويورك.. وإص
...
-
ليلى علوي تعايد متابعيها بصور عائلية.. و-المستريحة- في دور ا
...
-
ماسك يدعو لانتخابات جديدة في بريطانيا
-
أخطاء شائعة في تخزين زيت الزيتون قد تؤدي إلى فساده
-
مصدر: واشنطن قد تضطر -لمهاجمة إيران قريبا-
-
ماسك يؤيد منشورا رجّح أن يكون عام 2025 الأهم في تاريخ البشري
...
-
وصول طائرة مساعدات قطرية ثانية إلى مطار دمشق
-
لماذا أثار تدشين حزب الجبهة الوطنية الجديد في مصر جدلا؟
-
-التحول في سوريا يمثل تحدياً إستراتيجياً عميقاً بالنسبة لإسر
...
-
الجيش الإسرائيلي يكشف عن معطيات جديدة حول قتلاه منذ بداية ال
...
المزيد.....
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
المزيد.....
|