أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - إبراهيم اليوسف - صمت المثقف السوري: محاولة قراءة في موقف النخبة من التحولات الكبرى1














المزيد.....


صمت المثقف السوري: محاولة قراءة في موقف النخبة من التحولات الكبرى1


إبراهيم اليوسف

الحوار المتمدن-العدد: 8206 - 2024 / 12 / 29 - 20:03
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


صمت المثقف السوري: محاولة قراءة في موقف النخبة من التحولات الكبرى


إبراهيم اليوسف


ما يلاحظ من صمت من قبل المثقف السوري أمام التحولات العميقة التي شهدتها البلاد خلال العقود الأخيرة يمثل في حقيقته ظاهرة لافتة، تكشف عن حجم التعقيد الذي يكتنف المشهد السوري. هذا الصمت- ولا أقصد الخطاب التهليلي الببغاوي- الصمت الذي قد يراه بعضنا خياراً واعياً بينما يجده آخرون منا نتيجة ضغوط وقيود، وهو لم يكن مجرد فعل فردي، بل هو انعكاس لواقع سياسي واجتماعي وثقافي سعى النظام إلى تكريسه وفرضه، عبرالترغيب والترهيب، عبر سنوات طويلة من القمع الممنهج، وحاول كثيرون من أصحاب الأقلام الشجاعة مواجهته، والانفكاك من ربقته، قبل الثورة السورية 2011 وبعدها، دافعين ثمن ذلك غالياً.. وإنه مع تسليم مفاتيح السلطة في سوريا إلى وجوه جديدة، جاءت عبر توافقات دولية وإقليمية وحسابات عسكرية، وجد المثقف نفسه أمام واقع ملتبس فرض عليه مواقف تتراوح بين الحذر، التردد، والانكفاء، وهو يعيش بهجة إسقاط النظام الدموي، بيد انه يتفاجأ بما قد يدعو إلى الخوف على السوريين وسوريا، في المرحلة المقبلة؟
السوريون، سواء كانوا معارضين أو موالين، يعيشون- في هذه الأيام- تحت وطأة صدمة تاريخية كبرى: فرحاً أو قلقاً فالموالاة كانت في أكثرها مغلوب على أمرها، ماعدا من تلوثت أيديهم بدماء السوريين وهم حفنة فحسب، فهؤلاء يجب أن ينتظروا المحاكمات وترتيبات العدالة الانتقالية. أما المعارضة، التي لطالما حلمت بإسقاط نظام استبدادي حكم البلاد لعقود، وجدت نفسها غير قادرة على تصديق سقوطه، بعدما كانت تعتقد أن دعمه الإيراني والروسي كفيل بتأبيد بقائه. هذا النظام، الذي استند إلى دعم مكثف من إيران ووكلائها مثل حزب الله، إلى جانب روسيا، انهار تحت وطأة التغيرات الإقليمية والدولية. إيران، التي كانت تطمح لفرض مشروعها الإقليمي، باتت تواجه أزمات داخلية وخارجية معقدة، خاصة بعد تآكل نفوذها في المنطقة. أما روسيا، التي غرقت في مستنقع أوكرانيا، فهي الآن تبحث عن أية مكاسب فعلية أو رمزية للخروج من أزماتها المتلاحقة. تركيا بدورها، استغلت الفوضى السورية لتنفيذ أجندتها الخاصة، مستهدفة الكرد في سوريا بشكل رئيس، ومحاولة تعزيز نفوذها في البلاد، سواء عبر احتلال غير مباشر أو السعي إلى الهيمنة على القرار السياسي السوري.
في ظل هذا المشهد، يعيش المثقف السوري بين قلق الحاضر وتداعيات الماضي. المثقف في الداخل، الذي كان في أغلب الأحيان مكرهاً على الصمت أو التماهي مع خطاب النظام البعثي، يجد نفسه اليوم أمام مأزق جديد، حيث يترقب ما ستؤول إليه الأوضاع السياسية. بعض المثقفين، الذين لطالما اضطروا للانخراط في تمجيد النظام، يعيشون حالة من التردد بين البقاء على الهامش أو محاولة إعادة بناء خطابهم الثقافي بعيداً عن التبعية. أما المثقفون الذين يعيشون في الخارج، فقد بات بعضهم أكثر حذراً من الانخراط المباشر في القضايا السياسية، خاصة أن سنوات الغياب الطويلة عن البلاد جعلتهم أكثر ميلاً للانتظار حتى تتضح الصورة النهائية لما يجري في الداخل.
في خضم هذه التحولات، يبقى السؤال الأهم: ما هي مسؤولية المثقف السوري تجاه المرحلة الراهنة؟ للإجابة على هذا السؤال فإنه من المؤكد أن على المثقف دوراً محورياً في إعادة قراءة الأحداث بروح نقدية جريئة، تتسم بالإنصاف والموضوعية. إن دماء الشهداء الذين ضحوا من أجل الحرية والكرامة وليس في إطار الارتزاق واستعادة عنف النظام أو الأوصياء الإقليميين،لا يمكن أن تُنسى، خاصة أن الثورة في بداياتها كانت تمثل صوتاً حقيقياً للشعب السوري قبل أن تتحول إلى ساحة للصراعات الإقليمية والدولية. المثقف، بصفته شاهداً على هذا التحول، ملزم بأن يفضح محاولات استغلال الثورة لتسويغ مشاريع التهجير والتغيير الديمغرافي، التي نفذتها أطراف إقليمية مثل تركيا وبعض دول الخليج، بهدف تحقيق مصالحها الخاصة على حساب وحدة المجتمع السوري.
الصمت تجاه هذه الممارسات يعمق الشرخ بين مكونات المجتمع السوري، لاسيما بين الكرد وأخوتهم العرب، ويخدم مخططات طالما سعى إليها أعداء سوريا. المثقف الحقيقي هو الذي يمتلك الجرأة على مواجهة هذه المشاريع، ويدعو إلى تجاوز الأحقاد والانقسامات، من أجل بناء وطن يضمن الحرية والعدالة لجميع أبنائه.
ومع ذلك، فإن المثقف ليس مطالباً بالتصفيق لأي واقع جديد دون تمحيص. لا بد من تقييم ما يجري بروح نقدية، تعترف بالإنجازات لكنها تسلط الضوء على الأخطاء والانتهاكات. التحدي الأكبر يكمن في مواجهة العسكرة التي لا تزال تهيمن على المشهد السوري، نتيجة الإرث الذي خلفه نظام الأسد الأب واستمر في عهد خلفه. هذه العسكرة، التي جعلت القرار السياسي رهناً للميليشيات والفصائل المسلحة، لا يمكن أن تكون الأساس لبناء دولة مدنية حديثة.
إن صمت المثقف السوري يجب أن يتحول إلى فعل واعٍ يعبر عن رؤيته لمستقبل البلاد، بعيداً عن الخوف أو الاصطفافات الضيقة. المثقف الذي صمت طويلاً عليه أن يدرك أن اللحظة الراهنة تتطلب منه وقفة صادقة مع الذات، وأن يتجاوز قيود الماضي من أجل الإسهام في بناء خطاب ثقافي جديد يرتقي بتطلعات الشعب السوري، ويؤسس لمرحلة جديدة تقوم على الحرية والكرامة والعدالة.


المقال المقبل:
سوريا المتناثرة
بين"|ثورتين"



#إبراهيم_اليوسف (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إنها مقومات حرب أهلية: مقدمات بغددة دمشق
- السوريون والخطط الوهمية: سيرومات الوهم
- دمشق الجديدة والمعادلة الصعبة
- هل مات التوثيق الكتابي في زمن الصورة الإلكترونية؟
- اللصوص يسرقون من اللصوص بوتين والأسد كمثالين
- الخطاب الشعبوي: صناعة الوهم واستدامة الكارثة-2-
- الخطاب الشعبوي كردياً: محاكاة ومحاكمات
- في شؤون وشجون “الموفد الكردي” الموحد إلى دمشق
- الدكتور محمد فتحي راشد الحريري: مسيرة علم وأخلاق وحياة خالدة
- آن الأوان لعودة- ب ك ك- إلى ساحته
- الثقافة الكردية في سوريا الجديدة نحو الاعتراف القانوني
- سقوط القيم والأخلاق قبل سقوط النظام بشار الأسد أنموذجاً للخس ...
- مفارقات العقل الأحادي: قراءة في الموقف من الكرد وقضاياهم
- دمشق وقامشلي: من الأولى بمبادرة احتضان الأخرى؟
- الاستبداد والاستبدال: رؤية لما بعد نظام الأسد!
- الكرد من أوائل مؤسسي و بناة سوريا: لماذا يتم تغييب دورهم؟
- الرئيس المخلوع: بين جبن الطغاة وبذخ العروش
- تقرير -قيصر- ودوره في فضح انتهاكات حقوق الإنسان في سوريا
- سجون سوريا: الداخل مفقود وهل من أحد يخرج منها؟.. سجن صيدنايا ...
- الهندسة المعمارية لسجن صيدنايا: البناء، الزنازين، والطوابق ا ...


المزيد.....




- فنلندا تشتبه بتورط -الظل الروسي- في قطع كابل للطاقة تحت البح ...
- البحرية الملكية البريطانية تستدعي 200 بحار في يوم -الكريسماس ...
- خامنئي ينتقد وجود قواعد أمريكية على الأرض السورية
- -بيرانا نباتية وثعبان دي كابريو-.. اكتشافات بارزة في عالم ال ...
- مواد طبيعية لتخفيف آلام الأسنان
- السعودية تعدم 6 إيرانيين
- اكتشافات وابتكارات مهمة تتعلق بألزهايمر توصل إليها العلماء ف ...
- -وفا-: سقوط 6 شهداء بقصف إسرائيلي استهدف شقة سكنية في حي الش ...
- أهم أنواع الأسلحة الروسية التي لا يمكن التصدي لها في عام 202 ...
- الحماية المدنية الجزائرية تنشر حصيلة ثقيلة لتدخلاتها الميدان ...


المزيد.....

- لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي / غسان مكارم
- إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي- ... / محمد حسن خليل
- المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024 / غازي الصوراني
- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - إبراهيم اليوسف - صمت المثقف السوري: محاولة قراءة في موقف النخبة من التحولات الكبرى1