|
حروب الاستنزاف ... ضربة ع الحافر وضربة ع المسمار
خالد بطراوي
الحوار المتمدن-العدد: 8206 - 2024 / 12 / 29 - 18:48
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لقد ولّى زمن الحروب التي تستسلم فيها دولة لدولة أخرى وترفع الراية البيضاء. نحن الآن في مرحلة حروب الاستنزاف التي تستمر لسنوات رغم أن إحدى الدول قادرة وبسهولة على هزيمة الدولة الأخرى، لكنها ليست معنية بالحسم العسكري السريع. روسيا مثلا قادرة بين عشية وضحاها على حسم الحرب مع أوكرانيا ورفع العلم الروسي فوق المبنى الرئاسي الأوكراني، لكنها لا تريد ذلك بل تريد استنزاف قوى أوكرانيا حتى يقتنع الشعب الأوكراني أن هذه الحرب الضروس قد أنهكته ويأتي صاغراً إلى حكام روسيا " شبيك لبيك ... خدامك بين ايديك". الدول العظمى قاطبة غير معنية بالحسم السريع في بؤر التوتر المسلح في البلدان بين الجهات الرسمية والمعارضة، بل يهمها أن يستمر هذا التوتر فهي التي تمد الطرفين بالسلاح والدواء والمخدرات. سقط نظام البعث في العراق بفعل تدخل أمريكي مباشر وسقط معه الجيش. سقط نظام حسني مبارك في مصر وبقي الجيش الذي أسقط رئيس أركانه حسني مبارك ... وأصعد الرئيس مرسي العياط إلى سدّة الحكم ثم أسقطه ليتولى العسكر بأنفسهم مقاليد الحكم رغم ارتداء الرئيس الحالي للبزة المدنية. وانتشل الليبيون الزعيم الليبي من داخل عبارة لتصريف المياه ليضرب بالنعال ويلقى حتفه وسقط معه الجيش وتوزع على قيادات عسكرية مختلفة ومنها حفتر. وما زالت تدور صراعات الاستنزاف في السودان بين طغمتين عسكريتيين رسميتين بقيادة البرهان وحميدتي. ومؤخراً، سقط البعث السوري وسقط الجيش ولا تصدقوا مقولة اختراق شبكة الاتصالات العسكرية ليتم إصدار الأوامر من جهة مجهولة للجيش بالانسحاب من حلب، فالذي حصل أمر جرى الترتيب له بهدوء وببطء وليس على عجل وبتوافق كل الأطراف اللاعبة على الساحة السورية، فلا يستطيع المرء منا أن يهضم – حتى مع سفن أب – أن شخصاً "مطلوباً" لأمريكا قد أصبح زعيماً مقبولاً لها في سوريا. أنظمة لا تستند إلى قاعدة جماهيرية شعبية، لن تجد من يدافع عنها عند الشدائد والأزمات. فإذا كان حال الجيوش في بلدان العالم الثالث على هذا النحو، فبالله عليكم كيف هو حال قوى المعارضة وتشكيلاتها المسلحة وهي أيضا ترتهن بقرارات جهات عليا خارجية من هذه الدولة أو تلك؟ عندما تصل الدول التي تدعم هذه الحركات إلى تفاهمات مع الدول الإمبريالية فإنها سرعان ما تتخلى عن الحركات التي تدعمها وتتركها في مهب الريح، فقد انتهى دورها ولم تعد تلزمها فقد كان الهدف من دعمها هو توظيفها لتحقيق مكاسب للدولة الداعمة وتقسيماً وظيفياً لدورها في المنطقة وبعضاً من تحقيق للمصالح. وفي كل هذه المعادلات، فإن الحطب ... هو الإنسان، ومن بين هذا الإنسان ذلك الوطني الحق الغيور المناضل الذي امتشق السلاح لأجل الأرض والشعب والقضية. فهو الذي يتم الايعاز له بالمهمة النضالية بل والقتالية، وهو الذي ترصده كل أجهزة الرصد العالمية وتقوم بتصفيته قبل أن يصل هدفه، أو حتى بعد أن يحقق هدفه فقد كان لفعله هذا المردود الذي يخدم أكثر من قام بتصفيته. ومن هنا يجب أن نميز بين مستويين في حركات وتنظيمات النضال الوطني التحرري، المستوى الوطني الحق الغيور المضحي " حطب الثورة" والمستوى السياسي الذي يوظف هذه الغيرة لمآرب بعضها ذاتية محضة. إن اتفقنا على كل ما سبق أعلاه، فما هي جدلية العلاقة بين الانسان الوطني الغيور والفعل الذي يخدم هذه الوطنية وتلك الغيرة؟ الإنسان الوطني الغيور المناضل الحق يعي أن " الوطن ... هو الانسان" كما قال الكاتب الفذ الكسندر بك في روايته " الرعب والجرأة"، فيضع نصب عينيه الحفاظ على الإنسان، على حياته وسلامته البدنية والنفسية، وراحته وتطوره العلمي وفضائه الثقافي وموروثه وهواياته وكل ما يتعلق به، ويجنّبه الويلات والكوارث ولا يجعله "حطبا" أو ضحية للتجاذبات الدولية أو الإقليمية أو حتى الصراعات الداخلية وإفرازاتها المتمثلة بالمصالح الشخصية. وكي يتحقق ذلك، على المناضل الوطني الحق أن يدرس بروح مسؤولية عالية كل خطوة أو تحرك يقدم عليه أو يصدر التعليمات بتنفيذه للحفاظ على الإنسان، أبناء البلد، وليس من الجبن التراجع عن تنفيذ أي عمل طالما أن عواقبه وخيمة قد تسفر عن القتل والتشريد والتهجير والتجويع والحصار وغير ذلك. لا يستقيم مثلاً أن تقدم قوة سياسية على فعل يعطي للإمبريالية وأدواتها ذريعة لتدمير هذا البلد أو ذاك. وقد يقول قائل ... وهل تنتظر الإمبريالية مثل هذه الذريعة؟ ورغم مشروعية السؤال ورغم أن الإمبريالية لا تنتظر أية ذريعة أو مبرر، لكن علينا أن لا نعطيها مقدماً ... صكاً للغفران. ذلك لا يعني البتة ... الاستكانة ... وإنما التوظيف الخلاق لأشكال النضال ، والانتقال السلس من هذا الشكل إلى ذاك وفقاً للمعطيات والظروف والمستجدات لضمان البقاء والحافظ على الأرض والشعب والقضية. الحروب هذه الايام .... هي حروب استنزاف ... تحتاج إلى فلسفة ونهج يضمن الاستمرار والثبات وطول النفس .... كي تبقى ككيان وكشعب .... لا أن يتم سحقك.
#خالد_بطراوي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تكديس الأوهام
-
ما الذي ينتظر الشعب السوري؟
-
ما العمل .... فلسطينياً؟
-
السياسة والعواطف
-
سمات المرحلة الراهنة
-
متى ستضحك الشعوب؟
-
عشرون أربعون أو عشرون خمسون
-
الصراعات وجذورها الطبقية
-
المهندسة -م-
-
الغطرسة
-
قصة بلا نهاية
-
المحقق كونان
-
البوصلة
-
تعرف الكذبة .... من كبرها
-
البنيان المرصوص
-
كعكة العالم
-
سحابة صيف في الجامعات الأمريكية أم ماذا؟
-
موسيقى المسدس
-
حق الرد
-
علامة الرسوب هنا، في السجل ... والباب هناك
المزيد.....
-
أهداف السنة الجديدة.. إلى متى تعود جذورها وكيف تغيّر هذا الت
...
-
مركبة تدهس حشدًا في -نيو أورليانز- الأمريكية.. وعمدة المدينة
...
-
-جثة طارت نحوي-.. اللحظات الأولى بعد حادثة الدهس بنيو أورليا
...
-
خبير إسرائيلي: العملية العسكرية في غزة لم تحقق هدفها و-حماس
...
-
مراسل RT: مقتل 6 أشخاص في استهداف إسرائيلي لشقة سكنية في غزة
...
-
بين تفاؤل حذر وواقع أليم.. اللبنانيون يبنون الآمال ويعولون ع
...
-
كيف جعلت السلع الثمينة وطرق التجارة الحيوية من دارفور أرضاً
...
-
-أمل الإسرائيليين الوحيد في 2025 يجب أن يكون إنهاء حرب غزة-
...
-
سوريا 2025 – أبرز التحديات المنتظرة بعد سقوط نظام الأسد
-
رابطة دوري إسبانيا تضع مستقبل أولمو مع برشلونة في مهب الريح!
...
المزيد.....
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
المزيد.....
|