أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسام موسي - رؤية الواقع وثقافة العلوم الإنسانية: أسس النقد والمسرح الحقيقي














المزيد.....


رؤية الواقع وثقافة العلوم الإنسانية: أسس النقد والمسرح الحقيقي


حسام موسي
كاتب وباحث وناقد ومؤلف مسرحي مصري


الحوار المتمدن-العدد: 8205 - 2024 / 12 / 28 - 20:14
المحور: الادب والفن
    


لطالما كان المسرح والنقد الفني نافذتين واسعتين تطلان على أعماق النفس البشرية وتتناولان تعقيدات الواقع المعاش. فالمسرح ليس مجرد عرض مرئي، كما أن النقد ليس مجرد تحليل تقني للأعمال الفنية، بل كلاهما يمثلان امتدادًا لحوار دائم بين الإنسان والواقع. في هذا الإطار، يصبح الناقد ورجل المسرح مطالبين بدور مركزي لا يقتصر على التعبير الفني أو الكتابي، بل يمتد إلى تقديم رؤية تحليلية للواقع وتفسير تناقضاته، مستندين في ذلك إلى ثقافة واسعة تشمل العلوم الإنسانية بكل تشعباتها.

الواقع الإنساني الذي يواجهه الناقد والمسرحي مليء بالتناقضات والصراعات، ولا يمكن لأحد أن يحيط به دون امتلاك رؤية ثاقبة وقدرة على القراءة العميقة للواقع. هذا الدور يتطلب من الناقد أن يكون شاهدًا على عصره ومحللاً له، ليس فقط من خلال مراقبة الظواهر السطحية، بل عبر التغلغل في الجذور العميقة للمشكلات الاجتماعية والسياسية والثقافية. من هنا، نجد أن الناقد الحقيقي لا يكتفي برصد الأحداث أو عرض الآراء، بل يلتزم بمسؤولية تقديم تفسير شامل وموضوعي، يكشف من خلاله أبعادًا جديدة للأعمال الفنية ويعكس القضايا المعقدة التي تواجهها المجتمعات.

ولكي يتمكن الناقد أو المسرحي من أداء هذا الدور، فإنه يحتاج إلى الإلمام العميق بالعلوم الإنسانية، التي تعتبر بوابة لفهم الإنسان وسلوكياته. هذه العلوم، التي تشمل الفلسفة وعلم النفس وعلم الاجتماع والتاريخ، تمنح الناقد والمسرحي أدوات تحليلية تساعدهما على فك شفرات الواقع وفهم الأنساق الفكرية التي تتحكم في الأفراد والجماعات. على سبيل المثال، نجد أن الفلسفة تمنح الناقد القدرة على استكشاف الأسئلة الكبرى حول الوجود والعدالة والمعنى، بينما يقدم علم النفس رؤى عميقة في دوافع الشخصيات وصراعاتها الداخلية. أما علم الاجتماع، فيسلط الضوء على الديناميكيات الاجتماعية وتأثيرها على الأفراد والمجتمعات، بينما يقدم التاريخ سياقًا غنيًا لفهم الحاضر في ضوء الماضي.

عبر التاريخ، نجد العديد من الأمثلة التي تعكس أهمية هذا النهج. مسرحيات شكسبير، على سبيل المثال، ليست مجرد قصص درامية ممتعة، بل هي دراسات عميقة للنفس البشرية وصراعاتها. عندما نحلل شخصية مثل هاملت، نجد أنها تتجاوز كونها شخصية درامية لتصبح تجسيدًا معقدًا للتردد والبحث عن الحقيقة في عالم مليء بالفساد. هنا يتضح دو الناقد في تفسير هذه الطبقات النفسية والاجتماعية، مما يمنح العمل المسرحي بعدًا جديدًا.

وبالمثل، يمكننا أن نتأمل في مسرحيات بريخت، التي لم تكن مجرد أعمال مسرحية، بل كانت دعوة صريحة للتفكير والتغيير. بريخت استخدم رؤيته التحليلية للواقع ليعيد صياغة المسرح كوسيلة للتأمل والنقد. وفي هذا السياق، نجد أن فهمه للعلوم الإنسانية، خاصة علم الاجتماع، كان أساسيًا في بناء منهجيته المسرحية التي تعتمد على كسر الإيهام وإشراك الجمهور في التفكير.

الواقع مليء بالتناقضات، وهذه التناقضات هي الوقود الذي يحرك الإبداع النقدي والمسرحي. التناقضات بين الفرد والمجتمع، بين الحرية والسلطة، وبين الرغبة في التغيير والخوف من المجهول، كلها تشكل مادة غنية للتحليل الفني والنقدي. المسرح العبثي، على سبيل المثال، كان رد فعل على تناقضات العصر الحديث، حيث قدم صمويل بيكيت مسرحيات مثل "في انتظار جودو" التي تعكس عبثية الحياة البشرية في مواجهة عالم خالٍ من اليقين. هنا يصبح دور الناقد هو تفسير هذه العبثية وربطها بالسياق الثقافي والاجتماعي، مما يمنح الجمهور فرصة لفهم أعمق للتجربة الإنسانية.

ومن الأمثلة القريبة منا، نجد أعمال سعد الله ونوس، الذي استطاع أن يقدم مسرحًا يعكس أزمات المجتمع العربي بتناقضاته السياسية والاجتماعية. ونوس لم يكن مجرد كاتب مسرحي، بل كان محللاً اجتماعياً وفيلسوفاً يُعيد صياغة الواقع من خلال شخصياته وصراعاتها. في هذا السياق، يظهر دور الناقد في تسليط الضوء على هذه التناقضات وتحليلها، مما يساعد الجمهور على رؤية الواقع من منظور جديد.

إن الدمج بين النظرية والممارسة هو أحد التحديات الكبرى التي يواجهها الناقد والمسرحي. النجاح في هذا الدمج يتطلب قدرة على تحويل التحليل النظري إلى عمل فني أو نقدي ملموس يخاطب الجمهور بلغة مفهومة. مسرحيات يوسف إدريس تمثل مثالًا رائعًا على هذا الدمج، حيث استطاع إدريس أن يقدم نصوصًا تعكس واقع المجتمع المصري بأسلوب بسيط ومباشر، لكنه يحمل في طياته عمقًا فكريًا ونقديًا.

في النهاية، يمكن القول إن الناقد ورجل المسرح الحقيقي ليسا مجرد ممارسين لمهنة، بل هما شهود على العصر ومحللون له. الرؤية التحليلية للواقع والإلمام بالعلوم الإنسانية ليستا رفاهية، بل هما شرط أساسي للإبداع الحقيقي والنقد البنّاء. من دون هذا الفهم العميق، يصبح العمل النقدي أو المسرحي مجرد تكرار سطحي للواقع، يفقد تأثيره وقيمته. ولكن مع رؤية واضحة وثقافة إنسانية غنية، يمكن للناقد والمسرحي أن يساهما في تشكيل وعي الجمهور وفتح آفاق جديدة للفهم والإبداع.



#حسام_موسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لعبة النهاية: عبثية الوجود بين النص والعرض
- مسرحية الحياة حلم: الباروك وتجلّياته في أدب العصر الذهبي الإ ...
- لغة الوجوه والعينين: نافذة الروح في فن التمثيل
- الفعل التمثيلي بين المراقبة والتفسير: دراسة فلسفية وثقافية
- القوالب الفنية في أوبريت العشرة الطيبة لسيد درويش
- تحديات مسرح الشارع في الفضاء العام: بين الصناعة والتلقي
- مساعدو الإخراج في المسرح: أدوار محورية في الظل
- فن الصمت في التمثيل: قوته، تأثيره، ودور المخرج في توجيهه
- الكوميديا الهزلية (الفارس): دراسة معمقة حول أحد أقدم أشكال ا ...
- الأنانية لدي الممثل: بين تحديات الفردية والتزام الجماعة
- التطوع في المهرجانات الفنية
- استلهام التراث في المسرح: بين التجديد والحفاظ على الهوية
- سمات ممثل مسرح الشارع: الفن في قلب الأماكن العامة
- جريمة بيضاء : استكشاف الصراع بين الظاهر والباطن علي خشبة الم ...
- -مرايا إليكترا: عرض مسرحي يتجاوز التوقعات-
- بين الصرامة والحب: رحلة تحول الأب في - العيال فهمت -
- الحياة حلم) بين انتقادات الكلاسيكية الجديدة و الواقعية و احت ...
- -النقطة العميا- دعوة لتأمل الذات ومراجعة الضمير
- - النقطة العميا- دعوة لمعرفة الذات
- دنيس ديدرو والابن الطببعي


المزيد.....




- فرانسيس بورنيت وصراع القيم والسلطة
- توسّل مُستنزَف
- رقم قياسي لمنزل فيلم Home Alone عند طرحه للبيع.. هذه آخر قيم ...
- بيت المدى يؤبن المخرج والمفكر السينمائي قيس الزبيدي
- مزيج أحزان البلقان والعثمانيين وأوروبا.. غناء سيفدالينكا الب ...
- وفاة -جولييت- بطلة الفيلم الرومانسي الشهير -روميو وجولييت-
- وفاة -جولييت- بطلة الفيلم الرومانسي الشهير -روميو وجوليت-
- تشريح الانهيار العربي والشخصي في تجربة مسرحيّ التسييس سعد ال ...
- أفضل المسلسلات العالمية في 2024.. نجوم السينما يغزون التلفزي ...
- لأقوي أفلام الكرتون.. استقبل تردد قناة كرتون نتورك على الناي ...


المزيد.....

- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسام موسي - رؤية الواقع وثقافة العلوم الإنسانية: أسس النقد والمسرح الحقيقي