أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ياسين سليماني - هل خدعنا هارون الكيلاني؟














المزيد.....

هل خدعنا هارون الكيلاني؟


ياسين سليماني

الحوار المتمدن-العدد: 8205 - 2024 / 12 / 28 - 16:50
المحور: الادب والفن
    


قدّم مهرجان المسرح المحترف العرض المسرحي الأحدث "أنثى الجن" لهارون الكيلاني مؤلفا ومخرجا عن مسرح مستغانم وكانت ليلة من ليالي المسرح الجميلة التي لم يتوقف فيها العرضُ عن إثارة الإعجاب والتصفيق ثم النقاش في الجلسة النقدية التي تلت العرض.
في العرض حضرت اللغة العليا، حيث النص ذاته يتحول إلى شعر وفلسفة بتراكيب لا أظن أن عرضا واحدا قد يسمح للمتلقي باستيعاب قوة نسجها والحمولة المعرفية الكبيرة التي ينهض بها، كما حضر التمثيل المحكم للشخصيات وتشكيل حركي ماهر، مع مجموعة المفردات الإخراجية المتبقية من موسيقى وإضاءة التي جعلت منه يتحول إلى مشهدية كثيرة الإبهار. وحضرت الفكرة الغرائبية، حيث الجن يتلبّس الإنسان، فنرى الكائنات العجيبة ونرى الجسد المنهك من أثرها كما نرى أمّا جزعة على ابنتها ونرى راقيا يُأتى به ليقرأ القرآن على الممسوسة ويُخرج الجن المتوحّش، لكن الراقي ذاته يتحول إلى ضحية، ثم الراقي ذاته يتحول إلى عاشق ذائب في هوى الشابة. ولا بأس أن نكرر هنا ما قاله صاحب هذه الكلمات للمخرج في الجلسة النقاشية: العرضُ فرجويُّ يلبي احتياجات الجمهور العادي ونخبويّ يلبي طموحات بصرية وسمعية وذوقية للمتلقي الخاص ومن الصعب اختصاره في ثنائية الجن والإنس ومن الجيد محاولة الغوص طبقات أخرى لفهم مستوى آخر من الطرح قد يغيب عن التلقي الأول.
بهذا التوصيف اجتمعت في العرض كل العلامات التي تجعل منه عملا ناجحا، اشتغل العرضُ على كل ما يمكن أن يجذب الجمهور ويدفعه دفعا إلى الإعجاب به، وصنّاع العرض على رأسهم الكيلاني أذكياء بل ماهرون في هذا، إذا أراد أي مدير إنتاج تقديم عمل ناجح فليأت بالكيلاني.
لكن...
وهذه الـ"لكن" إذا كنتَ عزيزي القارئ قرأتها بالحجم نفسه لبقية الكلمات فعليك أن تتخيلها معي بحجم كبير مثل اللافتات الإعلانية التي نراها في الشوارع الكبيرة وعليك أن تربطها بعنوان المقال. هل خدعنا هارون الكيلاني؟
إننا نقول أن العرض نجح في جلب جمهور يصفق كثيرا وفي أجزاء عدة وفي النهاية وقف مطولا لتحية الكيلاني وفريقه، وقلنا في البداية مجموعة المواصفات التي تبيّن أنه عرض ناجح، إلا أننا لم نتحدث عن الفكرة أو إن شئتَ: قيمة الفكرة، والفكرة هنا دون مواربة مغشوشة وبضاعة كاسدة فاسدة. هل صحيح أن هناك طبقات معرفية أخرى واربها العرضُ ولم تظهر في القراءة الأولى المباشرة للمتلقي؟ محاولة تأويل خطاب العرض إلى غير ثنائية الجن والإنس وتغول الجن في حياة الإنسان وهشاشة الفرد وضعفه أمام هذه "القوى العظيمة" وجبروتها تجد موانع كثيرة يُفلس معها أي خطاب تأويلي وهذا ما يشجّع على القول بأننا وقعنا ضحايا ديكاتورية الإعجاب بالكيلاني، وربما هذا يجعلنا نعترف كنقّاد بأن الخطاب النقدي في الكثير من المرات ينساق تحت تأثير العامة بدل أن يكون موجّها لهم ومسدّدا لخطاهم وهذا مأزق شديد الخطورة وهو ما يشجّع بعهم المتسرّعين للقول بموت النقد، فأي نقد هذا الذي يسير صاحبه كما تسير قطعان الغنم؟ !
في العرض –هذا ما نتعرف عليه بعد تفكير في العمل والتخلص من إمبريالية اللحظة المبهرة للعرض-إعلاء من الغيبي البدائي وتغييب للعقل، إن الكيلاني في عرضه هذا رفسَ العقلَ رفسا، وألغى أية معقولية، وجعل من الإرادة الإنسانية ميتة أمام الكثير من القوى الميتافيزيقية التي قطعت معها البشرية بعد الفتوحات المعرفية الكبيرة التي توصلت إليها. لم تعد البشرية تؤمن بالهشاشة البشرية بهذا التوصيف الذي رأيناه في العرض إلا لما كانت في مرحلتها البدائية أو ربما في المراحل الأولى من تكوّن العقل ما قبل العلمي. عندما كان الإنسان يقف حائرا أمام مجموعة من الظواهر التي تقع أمامها ويمتنع عقله عن تفسيرها أو تسبيبها (مفهوم السببية)، فيلجأ للحلول السريعة، أي ربطها بقوى غير طبيعية وغير مادية. لكن تاريخ الفلسفة ثم تاريخ العلم يؤكد مرة بعد مرة هذه القطيعة المعرفية الكبرى مع التفسير الما ورائي للظواهر، لذلك تراجع حديث العالم عن السحر والشعوذة وتراجع عمل "الرقاة" و"العلاج بالكلام المقدس" والطقوس الشعبوية، في العالم أجمع إلا في بعض البلدان الآسنة التي لا تزال علاقتها متشنجة مع العقل والعقلانية. بكلمة أبسط: عرض "أنثى الجن" يضرب في مقتل كل جهود المسرحيين الكبار في أن يكون المسرحُ مساحة للتنوير والتثوير ومجالا يساعدنا على فتح أعيننا المُغَلّقة على قضايانا الحياتية الكبيرة –في كل الأصعدة- التي لا نحسن التعامل معها إلا قليلا، وهو عرض يقول لنا أن الإنسان ضعيف وسيبقى ضعيفا، فلا ينفع معه شيء، أي أنه خطاب انهزامي اتكاليٌّ يرهن مصير الإنسان في غير يده، دون أية حلول (مع اتفاقنا أن المسرح ليس من واجبه طرح حلول) ودون أية اقتراحات.
إنّ "أنثى الجن" كعمل فرجوي جمالي يجمع كل ما يمكن أن يمتع العامة، ولأصحابه أن يفخروا بهذا إن شاؤوا لكن إعمال المشرط النقدي في هذا الجسد الفني سيجعل الكثير من الرجعية والاستغباء والأفكار الميتة تنزّ منه مهما تم وضع هذا في علبة جميلة من القطيفة، إنه عرض جميل لكن بأفكار بائسة تماما مثل الفتاة الحسناء الغبية تهيم بها عند أول لقاء ثم تكتشف أنك المغفّل الكبير !!



#ياسين_سليماني (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- احموا التاريخ الجزائري من المسرحيين الجزائريين
- 70 سنة في غرامك: ثرثرات عن مسرحنا الجميل
- حلاق إشبيلية: النصوص الكلاسيكية لا تزال تبهر
- مهرجان المسرح المحترف في دورته الـ 16: الدروس والعبر
- عرض -أفريكا- إحياء كاكي أم اغتيال له؟
- عرض -ثورة-لمسرح بلعباس: المخرج يعبث مرتين
- هل كان الجاحظ مثليا؟
- موسم شتم ياسمينة خضرا
- كنا ثلاثة، اختار الموت أوّلنا
- زمنهم الجميل هل كان جميلا حقا؟
- الميديا وورقة التوت والمثقف البائس
- أمي...أنت حيوانة؟!
- محطات تلفزيونية أم دكاكين خردة؟ مقال في تعذّر صناعة دراما جز ...
- عيد ميلاد جديد: غابت الطرطة بسبب السيد كورونا
- جهالات عبد العزيز كحيل
- واحد -عيد- ناقص -ذبح- من فضلك
- إنه الفن يا كلاب الجحيم
- كاريكاتورية لافتات -أنا محمد-
- انتبهوا...أنهم يسرقون الله
- كلاب الله


المزيد.....




- 6 أفلام تتنافس على الإيرادات بين الكوميديا والمغامرة في عيد ...
- -في عز الضهر-.. مينا مسعود يكشف عن الإعلان الرسمي لأول أفلام ...
- واتساب يتيح للمستخدمين إضافة الموسيقى إلى الحالة
- “الكــوميديــا تعــود بقــوة مع عــامــر“ فيلم شباب البومب 2 ...
- طه دسوقي.. من خجول المسرح إلى نجم الشاشة
- -الغرفة الزهراء-.. زنزانة إسرائيلية ظاهرها العذاب وباطنها ال ...
- نوال الزغبي تتعثر على المسرح خلال حفلها في بيروت وتعلق: -كنت ...
- موكب الخيول والموسيقى يزيّن شوارع دكا في عيد الفطر
- بعد وفاة الفنانة إيناس النجار.. ماذا نعرف عن تسمم الدم؟
- الفنان السوري جمال سليمان يحكي عن نفسه وعن -شركاء الأيام الص ...


المزيد.....

- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111 / مصطفى رمضاني
- جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- رضاب سام / سجاد حسن عواد
- اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110 / وردة عطابي - إشراق عماري
- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ياسين سليماني - هل خدعنا هارون الكيلاني؟