|
إعدام صدام والقوميون العرب
طالب الرماحي
الحوار المتمدن-العدد: 1788 - 2007 / 1 / 7 - 10:07
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
كنت اتصور أن الشعوب العربية لم تعد بتلك السذاجة والتخلف التي عاشتها زمن الهزائم و أن التقنية الحديثة الإعلامية منها خاصة قد وفرت لها فرصة قراءة العالم بشكل أفضل ، لكن الذي جلب انتباهي هو خبر الجزائرية التي رمت بنفسها من الطابق العلوي لأنها لم تعد تتحمل وهي ترى ( قائد الضرورة العربي ) وهو مستسلما لحبل المشنقة ، هذه المرأة التي لاتريد أن تعيش في عالم بدون ( صدام ) فضلت أن تذهب معه الى صقر ولعلها صادقة في مشاعرها لو أنها كانت تعني أن حال العرب اليوم والذي يدعو الى العار والخزي هو أشد عليها من صقر، والغريب أن هذه الحالة ليست فردية وأنما ثمة عقل جمعي يحكم غالبية تلك الشعوب ونحن نرى البكاء والعويل الذي تعالى بعد إعدام ( قائدها ) صدام وهذا يدل على أن هذه الشعوب ما زالت تعيش بنفس العقلية المتخلفة التي كانت تعيشها في السبعينات ، فعندما هزمت إسرائيل الشعوب العربية في 1967 شر هزيمة واستطاعت وقتها أن تقتل من العرب مئات الآلاف واجبرتهم على الإستسلام والخنوع ، الغريب أن الشعوب في ذلك الوقت لم تستشعر الهزيمة . الذي اسشعرها هو شخص واحد كان قائدا للجيوش العربية وهو جمال عبد الناصر ، لقد اعلن أمام الملأ أنه مسؤول عنها وهو الذي قادهم إليها ، وأعتقد أن ناصر في ذلك الوقت حاول أن يستبق الحدث فكان يتوقع أن تقدمه الشعوب العربية الى القضاء فهو قائد لم يحسن إدارة المعركة فأعلن تنحيه قبل أن تبادر الشعوب الى تنحيته ومحاسبته وهذا عرف درجت عليه كل شعوب العالم الحر ، إلا أن أمر العرب غريب ، فبدل من أن توافقه الرأي وتقبل تنحيته وهو الذي سبب لها كارثة فقد خرجت تلك الشعوب في أغلب المدن العربية وهي تهتف باسم القائد المهزوم ولقد رأيت بعيني العويل والبكاء على عبد الناصر في ذلك الوقت في أحد البلاد العربية ، والآن وبعد أن أعدم صدام الذي سجل رقما قياسيا في الهزائم وسحب المنطقة من تلابيبها نحو التخلف والخلاف والتدهور السياسي والإقتصادي من خلال الكثير من حماقاته العسكرية وسياساته القمعية ، فبدل من أن تبارك خلاصها منه وتشد على يد العراق الشقيق أعادت مرة أخرى عويلها ونحيبها القديم على عبد الناصر وبشكل صارخ يدل على أن هذه الشعوب تعيش فعلاً عقدة النكوص الى الوراء إنها عقدة التعلق بمن يقودها الى الهزائم . لقد بقي العرب متعلقين بجمال عبد الناصر بعد أن قادهم في حرب حزيران ، ولو لم يمت ذلك الرجل لما تخلوا عنه ، ومع أن الموت اختطفه فإن قطاعات عريضة لم تشأ أن تمحوه من ذاكرتها وبقي مصدر إلهام لوحدة موهومة ونصر مزعوم ، والغريب في الأمر أن التيار القومي العروبي الذي جاهد من اجل ترسيخ هذه الثقافة ( العمياء) في زمن الهزائم العربية قديما ما زال يتصدى زعامة التيارات التي دافعت عن صدام حيا وهو يرتكب الجرائم ويخطط للهزائم وميتا بعد أن قال فيه الشعب العراقي كلمته وعلقه في حبل المشنقة . فكل المؤتمرات التي كانت تعقد بين حين وآخر لمساندة صدام وتلميع وجهه القبيح يقودها القوميون وقد اتخذوا مسميات عدة فمرة بإسم المؤتمر القومي العربي وأمينه خالد السفياني أو حركة القوميين العرب التي أسسها جورج حبش أو الأحزاب والتجمعات الناصرية التي وضعت لها فروعا في كل البلدان العربية ، والحزب العربي الإشتراكي الناصري الذي هو امتداد لحزب البعث وهذا واضح من خلال شعاره ، وقد تشكلت من هذه المجاميع الكثير من الإتحادات المختلفة كأتحاد المحامين العرب واتحاد الكتاب العرب الذي ترأسه علي عقلة عرسان وغيرها ، وكل هذه التجمعات التي تختلف في المسميات تشترك في الأهداف وفي المتبنيات الفكرية وعمودها الفقري هو التعبد للقومية العربية واتخاذها في كل مرحلة ( هُبلاً ) تقدسه وتتعبد عند موائده . لقد كان صدام خليفة لعبد الناصر في عرف القوميين العرب ولعله تميز عن سلفه في جانب العطاء فقد اغدق عليهم من قوت الشعب العراقي والذي كان يتضور جوعا وتموت أطفاله ومرضاه لعدم توفر اللأدوية فيما كانت موائده عامرة للقوميين الذين كانوا يصلون الى بغداد تباعا ، وكلنا نتذكر فضيحة كابونات النفط اللأخلاقية التي كان زبائنها وسماسرتها أولئك المتطفلين . في تلك الأيام العجاف كان صدام يمارس كل أنواع البطش ومصادرة الحريات والإعدامات وسفكه لأنهار الدم في أقبية سرية رهيبة، بل كان الحصار الداخلي الذي كان يفرضه صدام على الشعب العراق وخاصة في الوسط والجنوب أكثر وقعا وقسوة من الحصار الخارجي ، ومع ذلك فقد كان الدولار وكابونات النفط تكمم أفواههم وتعقد لجام ضمائرهم - إن كانت ثمة ضمائر لبعضهم – لكن تلك الأفواه أطلقت لألسنتها العقال عندما رأت سيدها الذليل وهو يواجه ثمن جرائمه بحق ابناء العراق ، وأصبح لكل هؤلاء ضمائر لأول مرة تتحدث عن كرامة قائدهم الكارتوني الذي ترك جنوده وهرب متخفيا في جحر تحت الأرض ، لقد نشطت اتحاداتهم وحركاتهم لتأبين ذلك المجرم دون حياء ، وطفقوا يتكلمون عن إهانات تعرض لها في ( لحظاتٍ ) وقت إعدامه حسب زعمهم ، لكنهم تغافلوا عن الإشارة لأكثر من 4 عقود بكاملها تعرض فيها شعب لإهانة وحماقات ذلك النافق المنافق. إن كل المشاعر الشاذه التي تميزت بها الشعوب العربية منذ نكسة حزيران وحتى يومنا هذا والتي ترتب عليها اتخاذ مواقف سلبية ، تقع مسؤليتها على الحركات والتجمعات والأحزاب القومية ، وأنهم يشكلون أكبر خطر يتعرض له العرب لكثير من الأسباب أهمها ، الأول : إن اغلب هؤلاء قد استحوذوا على أغلب المؤسسات الإعلامية للدعم المادي والمعنوي الذي يتلقونه من المقبورصدام والصنم القذافي والمؤسسات التكفيرية الوهابية ، فهم ومنذ نصف قرن تقريبا يزقون الشعوب العربية بأفكار ساهمت الى حد بعيد في صياغة مجتمع تستحوذ عليه مشاعر ( الطائفية والعنصرية ) وكرسوا ثقافة العداء ضد أهم شعب ناصر قضايا الأمة العربية وهو الشعب الإيراني من خلال إشاعة الكثير من المصطلحات العنصرية كـ ( المجوسية ) و الـ ( البويهية ) وبذلك خلقوا هوة يصعب ردمها بين شعبين جارين كبيرين ، كما أنهم لعبوا على أوتار الشيطان منذ عقود من خلال إشاعة أنغام الطائفية داخل المجتمع العربي فحاولوا أن يعزلوا الشعب العراقي العربي الأصيل عن الأمة العربية من خلال سلب هويتهم العربية ونشطوا على مر التاريخ الحديث الى إشاعة مصطلح ( الصفوية ) الذي كان يرددها الإعلام الصدامي البعثي انذاك لسلب الهوية العربية عن شيعة العراق الذي يشكل الوجود العربي الأصيل في المنطقة . والسبب الثاني : لو أردنا أن نتمعن في الكثير من دعاة القومية العربية لوجدناها تنحدر عن أصول غير عربية ، وهذا ( ساطع الحصري ) من كبار منظري القومية العربية الأوائل هو تركي طوراني وأن ميشيل عفلق مؤسس حزب البعث ذات النزعة القومية والذي يتباكى القوميون على آخر صنم له سقط في العراق هو الآخر مسيحي ومن أصل يوناني ، وقسطنطين زريق مسيحي من أصول تركية وغيرهم كخالد السفياني وعلي عقلة عرسان المشكوك بإصولهم العربية وهذا من الأسباب الكبيرة التي تجعل دعاة القومية العربية يتحركون من وحي مصالحهم الذاتية وليس من وحي خير وصالح الأمة . ولذا فإن على الأمة وخاصة الطبقة المثقفة الواعية أن تتدارك الأمر قبل فوات الأوان في هذه المرحلة الحساسة من تاريخنا المعاصر وأن تبادر الى عزل كل دعاة القومية ممن خدعوا الأمة واستغلوا بساطتها وأثروا على حساب بؤسها وتخلفها وأصبحوا أدوات طيعة وأبواق تنعق ليل نهار بحمد الطواغيت والقتلة من الحكام العرب كصدام والقذافي وأمثالهما ، والعمل الحثيث لإعادة صياغة موقف شعبي عربي جديد ينسجم وطبيعة المرحلة..
#طالب_الرماحي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حوار مع الإمام علي عليه السلام
-
العراق أبقى ياحماس
-
لِمَ لم يوحدنا 124 ألف نبي ؟؟
-
حقا صدام منكم آل العرب!! صدق أبوالمعالى فائق
المزيد.....
-
بوتين يتصل بحاكم جمهورية تتارستان الروسية بعد الهجوم الأوكرا
...
-
مشاهد توثق لحظة دهس عنصر في قوى الأمن الداخلي اللبناني عمدا
...
-
فلاديمير باربين: الاستخبارات الدنماركية تختلق تهديدات خرافية
...
-
زاخاروفا: على رومانيا أن تتراجع عن تصريحاتها حول -تدخل- روسي
...
-
-البديل- الألماني: الحزب لم يتلق أبدا أي طلب عضوية من منفذ ه
...
-
مصر.. توجيه من السيسي في اختيارات طلاب الشرطة
-
الكرملين: الصواريخ التي تستهدف أراضينا يوجهها متخصصون أمريكي
...
-
الفلسطينيون في خان يونس ينتظرون ساعات للحصول على وجبة يومية
...
-
كيف وإلى أين فر المقربون من بشار الأسد بعد هروب رأس النظام؟
...
-
بودابست: نرفض سياسة العقوبات ضد روسيا
المزيد.....
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
المزيد.....
|