كوسلا ابشن
الحوار المتمدن-العدد: 8205 - 2024 / 12 / 28 - 00:54
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
الصحراء هي مجال جغرافي و إثنو-ثقافي أمازيغي, وفق المعطيات التاريخية و الانتروبولوجية و الإثنولوجية و اللسانية, تشكل منذ ألاف السنين, و من أراضيها إنطلق الملثمون لتأسيس الدولة المرابطية بقيادة قبيلة لمتونة صانعة أمجاد الدولة الصنهاجية من مركزها السياسي أموراكوش ( مراكش). الصحراء منذ القدم هي جنوب بلاد الأمازيغ. لو إفترضنا أن الصحراء كانت أرض مستقلة, لجعلت لمتونة من إحدى "مدنها" عاصمة أولى للدولة الصنهاجية.
مشكل الصحراء طرح على طاولة البحث في أروقة الأمم المتحدة, بمبادرة الدولة الإسبانية الاستعمارية سنة 1966. الموقف الاسباني الاستعماري من الإستقلالية الذاتية للصحراويين, بني على تصور صناعة كيان كرتوني يسيره المركز الاستعماري من مدريد وتتحكم الشركات الاسبانية في ثرواته الطبيعية, إلا ان الفشل كان حليف المشروع الإسباني, وهو أمر منطقي و طبيعي.
قبول النظام اللاوطني بإتفاقية مدريد 1956 المشروطة بإعتراف مدريد بمغربية أريف شرط تخلي القصر عن المطالبة بإسترجاع باقي المستعمرات و منها الصحراء, و نفس الإتفاقية كانت وراء منع النظام آل علوي لجيش التحرير في الجنوب من مواصلة الكفاح المسلح لتحرير الصحراء, و إمتثالا لبنود هذه الإتفاقية كذلك, تم تجريد المقاومة من السلاح و تعريضها للإبادة في ما عرف بعملية "إكفيون". الموقف اللاوطني الخياني للقصر و أتباعه, برفض المطالبة بإسترجاع الصحراء, لا عبر المقاومة المسلحة و لا عبر الأمم المتحدة, و التخلي عن الشباب الصحراوي المتعطش للحرية, قد دفع (فتح الدال) أو دفع (ضم الدال) بالمؤدلجين و المسيسين منهم الى تأسيس جبهة "البوليساريو" (1973) بوصية القومجي الدكتاتوري آل قدافي. غير أن إنعدام النضج السياسي و الايديولوجي و قلة الخبرة في دوالب السياسة الدولية, أسقط الشباب في فخ المؤامرة الإقليمية, و إستقطبوا بسهولة من طرف نظام آل قدافي عدو الحسن الفاشي و بعده إحتضنهم نظام جنرالات قصر المرادية لإستغلالهم لأهدافه الجيوسياسية.
في يونيو 1975 أصدرت محكمة العدل الدولية إستشارة, تعترف فيها بأن الصحراء الغربية لم تكن أرض بلا سيادة, بل كان لها إمتداد جغرافي و سياسي ببلاد مروك كما لها علاقات تاريخية وروابط ثقافية بينهما (الإنتماء المشترك). هذه الإستنتاجات أدت فيما بعد الى توقيع اتفاقية مدريد في نوفمبر 1975. الحدث الذي لم يكن منتظرا لقادة النظام العسكري في قصر المرادية, بتعويلهم على عدم إنسحاب إسبانيا من الصحراء وخاصة بعد إكتشاف مناجم الفوسفاط ببوقراع. النظام العسكري الدكتاتوري الذي إدعى حتى 1974, أنه لا مصلحة له في الصحراء, ولم يكن انذاك يتحدث عن وجود ( شعب صحراوي ) و لا يساند الجماعة الإرتزاقية, وأكثر من ذلك أن البربري بوخروبة محمد (هواري بومدين ), خلال المؤتمر العرقي ((قمة جامعة الدول العربية )) سنة 1974, أعلن: " ان القضية تهم من الأن فصاعدا موريتانيا والمغرب, أقول أنني متفق ولا أرى أي اشكال " ويضيف " أود أن يفهم اخواني جلالة الملك والرئيس الموريتاني نوايا الجزائر و بصفة نهائية, أننا نساند المغرب وموريتانيا من اجل تحرير كل جزء من الارض, ليس فقط الصحراء الغربية او الصحراء المحتلة من طرف اسبانيا بل أيضا سبتة ومليلية وكل الجزر التي لا تزال تحت السيطرة الاسبانية ". الموقف التضليلي للنظام العسكري تغير تسعين درجة بعد إنتهاء المفاوضات بين الرباط و مدريد, التي إنطلقت مباشرة بعد الإعتراف الأممي بمروكية الصحراء, و دخول الجيش الموركي للتراب الصحراوي. هذه الأحداث المتتالية خلقت حالة من الهيستيرية في سيكولوجية قادة قصر المرادية, ليتغير موقفهم من المساندة للمورك الى الموقف المعادي له, وليكتشف النظام العسكري لوجود ( الشعب الصحراوي ) وممثله "البوليساريو", المطالب بخلق كيان مصطنع عرقي عروبي في أرض ايمازيغن, سمي ب " الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية", و ذلك بإقصاء المكون الأصلي الأمازيغي من الجغرافية و التاريخ, و بلقنة المنطقة بمحاولة تقسيم البلد, خدمة للمشروع الشوفيني للقوى العرقية في ليبيا و دزاير. بعد تخلي آل قدافي عن فكرة القضاء على نظام آل علوي بالعنف المسلح, نتيجة المصالحة مع الحسن الفاشي, تولى هذه المهمة جنرالات قصر المرادية بإحتكارهم ملف الصحراء بالسيطرة على الجماعة الإرتزاقية و التحكم في مصير "اللاجئين". بإحتواء المسألة الصحراوية أعلن النظام اللقيط في دزاير الحرب العسكرية والدبلوماسية ضد إرادة الشعب لموركي, و كانت المواجهة المباشرة بين الجيش الدزايري و الجيش الموركي في معركة حربية بأمغالا سنة 1976, ليتبين للعالم و بالملموس أن "البوليساريو" مجرد قناع ظاهري, و أن الصراع الحقيقي هو بين النظام العسكري و لمورك, و أن مشكل الصحراء مجرد مسألة مصطنعة و مفتعلة من طرف الأنظمة الشوفينية في ليبيا و دزاير لإعلان الحرب ضد مورك. منذ سنة 1976, تحكم قصر المرادية في ملف الصحراء, و إستغله لصالح مصالحه الإقتصادية و السياسية.
بتخلي آل قدافي عن "البوليساريو", و إحتكار الملف الصحراوي من طرف الجنرالات, أصبح لزاما عليهم وحدهم تمويل الحرب العسكرية و الحرب الدبلوماسية و الحرب الدعائية التضليلية لكسب المؤيدين لأطروحتهم, التي كسبت التضامن داخل المعسكر الشرقي السابق و أتباعهم في العالم, هؤلاء تعاملوا مع مشكل الصحراء من الخلفية الإيديولوجية و السياسية, بإعتبار نظام الجنرالات محسوب على الأنظمة "التقدمية" و مساندا للقضايا العادلة للشعوب, أما النظام آل علوي فهو رجعي و حليف الأنظمة الرجعية و الإمبريالية. وعلى الصعيد الافريقي, فأموال الشعب الدزايري, من عائدات الغاز و النفط, كانت كافية لشراء ذمم بعض ( القادة ) الأفارقة الجاهلين كل الجهل لمشكل الصحراء, و بتأثيرهم على قرارات منظمة الوحدة الافريقية, حسم الموقف بالإعتراف الإفريقي بالعضوية الكاملة للكيان الوهمي في المنظمة, اثناء المؤتمر 20 المنعقد في اديس ابابا سنة 1984. و عوض إقناع الأفارقة بعدالة موقف مورك من صحرائه, تصرف النظام آل علوي بصبيانية و عجرفة و إنسحب من المنظمة الإفريقية و ترك إفريقيا تنخرها هلوسة و وهمية "الشعب الصحراوي" و مبدأ تصفية الإستعمار(حق أريد به باطل).
التضليل الإيديولوجي و القانوني الذي إعتمده ساسة وايديولوجيي الجنرالات, هو التلاعب بمقاصد مبدأ تقرير المصير. تقرير مصير الشعوب حق طبيعي وقانوني, لكل الشعوب الحق في التحرر من الإحتلال الأجنبي, و تقرير مصيرها و بناء دولها المستقلة و إختيار نظمها الإقتصادية والإجتماعية والسياسية. يعتبر حق تقرير المصير حقا جماعيا, خاصا بالشعوب الأصلية ذي الإنتماء المشترك, و ليس للأقليات الأجنبية الإستطانية. وقد حصر القانون الدولي هذا الحق بعدة شروط, حتى لا يؤدي إلى تقسيم الدول وزعزعة سيادتها. و بهذا حصر الحق في تقرير المصير في حالتين مهمتين.
الأولى: هي حالة الشعوب الخاضعة للاستعمار, و كان لها سيادة على الأرض قبل الإستعمار, و بموجب هذا المعطى, يكون لها حق المطالبة بالتحرر من الإستعمار الأجنبي و تقرير مصيرها بنفسها.
الثانية: هي حالة إستثنائية, حق الأقليات العرقية أو الدينية, التي تتعرض للإضطهاد القومي و الإجتماعي و الديني.
من قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة, إعلان منح الاستقلال للبلدان والشعوب المستعمرة.
قرار الرقم 1514 (15) في 14 ديسمبر 1960
إن الجمعية العامة تعلن:
- إن إخضاع الشعوب للإستعباد الأجنبي وسيطرته واستغلاله يشكل إنكارا لحقوق الإنسان الأساسية, ويناقض ميثاق الأمم المتحدة, ويعيق قضية السلم والتعاون العالميين.
- لجميع الشعوب الحق في تقرير مصيرها, ولها بمقتضى هذا الحق أن تحدد بحرية مركزها السياسي وتسعي بحرية إلي تحقيق إنمائها الاقتصادي والاجتماعي والثقافي.
- كل محاولة تستهدف التقويض الجزئي أو الكلي للوحدة القومية والسلامة الإقليمية لبلد ما تكون متنافية و مقاصد ميثاق الأمم المتحدة ومبادئه.
- البلدان المستقلة, التي تعتبر شعوبا أصلية هي المنحدرة من السكان الذين كانوا يسكنون بلدا أو اقليما جغرافيا أثناء غزو أو استعمار أو اثناء رسم الحدود الحالية للدولة, والتي ايا كان مركزها القانوني, لا تزال محتفظة ببعض او بكامل نظمها الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية الخاصة بها.
جماعة "البوليساريو" لا تنتمي الى الشعب الأصلي كما تشير إليه المادة الأولى, ولا هي تملك صفات المكونة للشعب المميز عن الكل الموركي, و لا هي أقلية عرقية أو دينية مضطهدة. ما يهدف إليه جنرالات قصر المرادية هو تزييف لمبدأ تقرير المصير, لضرب مبدأ إستكمال الوحدة الترابية. و هذا الفعل اللاقانوني هو ما إستنكره قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة: "كل محاولة تستهدف التقويض الجزئي أو الكلي للوحدة القومية والسلامة الإقليمية لبلد ما تكون متنافية ومقاصد ميثاق الأمم المتحدة ومبادئه".
القانون الدولي لا غموض فيه, فلا يفهم من مبدأ تقرير المصير, تقسيم وتفكيك الدول, حسب مزاج صناع الدويلات التابعة للمراكز الأجنبية. الإعتراف بحق تقرير المصير, هو حق طبيعي و قانوني, يحدده القانون الدولي في شروط تتوفر في الشعب المعني بتقرير مصيره أهمها: أن يكون الشعب تحت حكم أجنبي الهوية القومية ( إستعماري), و هذا يرى في الإختلاف الإثنو-ثقافي واللغوي بين الطرفين. و الثاني الإختلاف الديني, في حالة إضطهاد الديني, بتعرض الأقلية الدينية لإنتهاكات حقوق الإنسان على أساس ديني, من طرف السلطة الحاكمة, الإنتهاكات التي تعرقل التعايش السلمي بين الأطياف الدينية.
هذا الشرطان لا يتوفران في ساكنة الصحراء, ولا ينبغي إعتبار سكان الصحراء أقلية قومية أو دينية أو لغوية منفصلة عن جغرافية مورك.
مسألة الصحراء تدخل في إطار إستكمال الوحدة الترابية لدولة مورك, و هو المبدأ الذي نص عليه قرار جمعية الأمم المتحدة, على أنه لا يمكن تقسيم أراضي الدول بحجة حق تقرير مصير الشعوب. أن مبدأ وحدة الأراضي يهدف إلى حماية الدول من العدوان الخارجي وحمايتها من التفكك الغير العادل. و لسبب تجنب سوء الفهم, صيغ في الفقرة الرابعة من المادة الثانية من ميثاق الأمم المتحدة مايلي: "يمتنع جميع أعضاء الأمم المتحدة في علاقاتهم الدولية عن التهديد باستخدام القوة أو استخدامها, سواء ضد حرمة أراضي أي دولة أو استقلالها السياسي, أو بأي طريقة أخرى تتعارض مع أهداف الأمم المتحدة". وفقا لإعلان مبادئ القانون الدولي, بأنه لا ينبغي تفسير كل شيء على أنه يسمح أو يشجع أي أعمال من شأنها أن تؤدي إلى تفكيك أو انتهاك جزئي أو كامل للسلامة الإقليمية أو الوحدة السياسية للدول المستقلة وذات السيادة.
وفقا لمبدأ إستكمال الوحدة الترابية للمورك والحفاظ على سلامتها وكذا عدم وجود العناصر الأساسية في الإختلاف والتميز بين المجالين, فالدعوة الى تقرير المصير للصحراء على أساس عرقي "الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية", يكون باطلا و لا يستند على أسس قانونية و لا على أسس طبيعية.
النظام آل العلوي يتحمل مسؤوليته في مشكل الصحراء, فلم يهتم منذ البداية بمطالبة الإستراجاع الكامل لأراضي مورك, بل كان همه الوحيد الإعتراف له ببوقعة أرض يحكمها, ولهذا أتت إتفاقية مدريد سنة 1956 لصالح دولة الحماية الإسبانية وبإرادة آل العلوي وحلفاءه من الكتلة اللاوطنية العرقية بزعامة علال الفاشي و المهدي بن بركة و عبد الرحيم بوعبيد. كما أنه منذ تدويل مشكل الصحراء, عمل النظام آل علوي في ملف الدفاع, تجاهله عن قصد الإشارة الى العنصر الأمازيغي في مسألة الصحراء, بسبب توجهه الإيديولوجي العرقي. و على أساس الحكم الفردي المطلق, إحتكر القصر هذا الملف من دون إشراك المعنيين بمشكل الصحراء و في مقدمتهم القوى الحية من الصحراويين, و إلتجأ الى إستمالة المشايخ المصلحيين بشراء ولائهم, وقد أضر هؤلاء الشيوخ الفاسدين هذا الملف أكثر مما نفعوه. لقد كانت لسياسة إحتكار الملف و إدارته بشكل اللاعقلاني و بالعنف السياسي, نتائج سلبية سواء بظهور التمرد في الداخل, أو الإخفاق بإقناع جميع الأطراف الدولية بعدالة موركية الصحراء, بسبب سياسة النظام الرجعي الدكتاتوري, المساند للإمبريالية و للأنظمة الإستبدادية.
بإنهيار المعسكر الشرقي السابق و رحيل الحسن الفاشي, طرأ تحول ولو بطئ في مسألة الصحراء, لقد تراجعت الكثير من الدول بالإعتراف ب"الدولة" الوهمية, و بدأت حاليا بعض الدول الإفريقية بالتحرك السياسي لطرد "البوليساريو" من الإتحاد الإفريقي, و فقد قرار الإستفتاء مصداقيته, خاصة بعد عرقلة "البوليساريو" إجراء الإستفتاء وفق الإحصاء الذي أجرته إسبانيا سنة 1974, و أودعته أرشيف الأمم المتحدة, و بقيت "البوليساريو" تناور و تتلاعب بلوائح من يشملهم الإستفتاء. فقد الإستفتاء مشروعيته و لم يظل مقبولا في الظروف الحالية. الحل الواقعي و العقلاني لمشكل الصحراء, هو الحل الوسطي المنصف للطرفين, و المتمثل في الإستقلال الذاتي المقبول من طرف الشعب موركي و المقبول من طرف المجتمع الدولي.
إطالة زمن مشكل الصحراء دلالة عن بطلان أطروحة الجمهورية العرقية من جهة و من جهة أخرى إطالته حاليا, راجع الى سياسة الجنرالات الهادفة لعرقلة التسوية السلمية لهذا الملف الذي صرف عنه المليارات من الدولارات من أموال الشعب دزايري, و يبقى المشكل يزيد من معانات المقهورين في مخيمات تندوف, و يهدد الإستقرار و السلام في الشمال الإفريقي و منطقة الصحراء و الساحل.
جمعية الأمم المتحدة عليها الإحاطة بكل العناصر الاساسية والجزئية في ملف الصحراء وخاصة الإنتباه للعنصر الأمازيغي الصحراوي, و الإنتباه للعنصر الدخيل في المطلب العرقي تأسيس "الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية". على المحفل الأممي التعامل بحذر و جدية مع هذا الملف, والإسراع في تبني الحل العادل و النهائي للمشكل الذي طال عذاب و فقر الصحراويون بسبب نهب "البوليساريو" للمساعدات الدولية و كذا معانات ساكنة مخيمات تندوف من الإنتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان. الحل الوحيد لهذا المشكل, هو الحكم الذاتي المنصف للجميع, ما دام قرار الإستفتاء غير قابل للتنفيذ.
#كوسلا_ابشن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟