محمد هادي لطيف
الحوار المتمدن-العدد: 8203 - 2024 / 12 / 26 - 22:15
المحور:
الادب والفن
الآن،
لا شيء،
سوى الريحِ،
تدقُّ النافذةَ كيدٍ مرتجفة،
كأنَّها تسألني:
“لماذا تظلُّ هنا؟”
وأنا لا أجيبُ،
ليس لأنَّ الريحَ لا تفهمُ الكلام،
بل لأنَّ السؤالَ أكبرُ من فمي
وأصغرُ من هذا الخرابِ الذي يسكنني.
الليلُ متعبٌ،
يرمي أوساخَه على الغرفةِ،
يجلسُ في الزاويةِ،
يُدخّنُ حزنًا لا ينتهي.
أقول له:
“خفّف قليلًا من سوادك!”
فيضحكُ كأنه صديقٌ قديم،
ويمدُّ يده ليكمل ما تبقى من الخراب،
يدوس على قلبي مثلما يدوسون على الطين.
الآن،
لا شيء،
سوى الريح،
وأنا أراقبُ الفانوسَ،
يهتزُّ من حزنٍ قديم،
كما يهتزُّ جسدُ الطينِ
حين يحتضنُه المطر.
كلُّ شيءٍ يتسللُ مني:
الضوءُ،
الوجوهُ،
الأغاني التي خبّأتها في جيوبِ المسافة،
وحتى الذكرياتُ
تهربُ منّي واحدةً بعد الأخرى،
كأمٍّ تتركُ أبناءها على أرصفةِ الحربِ،
وتعبرُ وحدها.
تلك الطاولةُ الملعونة،
ما زالت تحملُ كأسَكَ الفارغ،
تُحدّقُ فيه كأنَّها تفتقدُ يدكَ،
كأنَّكَ كنتَ تُحادثُها أكثر مما تُحادثني.
هل تذكرُ الطاولة؟
كنا نرسمُ عليها وجوهًا لمدنٍ نحبُّها،
ثم نمسحُها بنبيذِ المساء
لنرى وجوهَنا تغرقُ فيها.
حتى المساءُ لا يأتي كما كنتَ تعرفه،
صارَ كئيبًا،
يُديرُ ظهرَه للغرفةِ
ويذهبُ ليبكي وحده في الشرفة.
كأنَّك أخذتَ معه كلَّ الدخانِ،
وكلَّ الأحاديثِ
التي لا تنتهي.
لا شيء،
سوى صدى صوتكَ
في حلمٍ مكسور.
أراكَ تبتسمُ،
تضعُ يدَكَ على كتفي،
ثم تقولُ:
“ما زلتَ كما أنتَ، يا صديقي،
تحبُّ الانتظارَ أكثرَ من الذين تنتظرهم.”
أحاولُ أن أمسكَ بك،
لكنَّ يدي تصيرُ ورقةً شاحبة
تطيرُ مع الريح.
لا شيء،
سوى أنا والريح.
نتقاسمُ هذه الغرفةَ العارية،
هي تأخذُ النافذة،
وأنا أحتضنُ فانوسًا صغيرًا
يرتجفُ كجسدِ طفلٍ
تركهُ أهله في العراء.
#محمد_هادي_لطيف (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟