أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد فرحات - نوستالجيا ليالي الحلمية، وزينهم السماحي.















المزيد.....


نوستالجيا ليالي الحلمية، وزينهم السماحي.


محمد فرحات

الحوار المتمدن-العدد: 8203 - 2024 / 12 / 26 - 22:07
المحور: الادب والفن
    


المعلم زينهم، تلك الشخصية التي جسدها الفنان السيد عبد الكريم، لم تكن مجرد دور عابر في تاريخ الدراما المصرية، بل كانت مرآة عاكسة لصراعات المجتمع وأوجاعه. هي شخصية أثّرت بعمق في نفوس المشاهدين، وتركت أثرًا عظيمًا على كل من تابعها، سواء بسبب النص الذي كتب لها، أو الأداء التمثيلي الفذ الذي قدمه عبد الكريم، أو حتى النوستالجيا التي تسيطر على جيل بأكمله. عندما نشاهد مشاهد المعلم زينهم مع طه السماحي، أو مع سماسم، أو قمر، وحتى مع سليم البدري، نجد أنفسنا عاجزين عن التحكم في مشاعرنا، وكأننا نعيش اللحظة بكل تفاصيلها.

النص الدرامي الذي صيغت به الشخصية كان متقنًا إلى حد كبير، حيث منحها أبعادًا إنسانية ونفسية واجتماعية جعلتها أقرب إلى الواقع. النص لم يكن مجرد كلمات مكتوبة، بل كان انعكاسًا حيًا لما يعانيه المجتمع من صراعات طبقية وأزمات إنسانية عميقة. النص أتاح للشخصية أن تكون معقدة، وأن تحمل في طياتها التناقضات التي تعبر عن الطبيعة البشرية، وهذا ما جعلها محببة للجمهور وراسخة في الذاكرة.

لكن النص وحده لم يكن كافيًا لجعل المعلم زينهم تلك الشخصية المؤثرة التي نعرفها. كان لعبد الكريم دور كبير في تحويل النص إلى حقيقة، حيث استطاع بأدائه التمثيلي الفريد أن يضفي على الشخصية عمقًا عاطفيًا وأبعادًا واقعية تجعلنا نعيشها وكأنها جزء من حياتنا. قدرته على التعبير الجسدي والصوتي، وتفاعله مع باقي الشخصيات، جعلت من مشاهده لحظات فنية خالصة تترك بصمة في قلوب المشاهدين. كان يملك القدرة على أن ينقل لنا صراع الشخصية الداخلي دون الحاجة إلى كلمات كثيرة، فقط من خلال نظرة عين أو حركة يد، وهذا هو جوهر الفن التمثيلي الحقيقي.

تلعب النوستالجيا دورًا أساسيًا في ارتباط جيلنا المهزوم بهذه الشخصية؛ جيلنا الذي عاش تلك الحقبة، وشاهد هذه الأعمال في وقت كانت فيه الدراما المصرية جزءًا أصيلًا من تشكيل الوعي والوجدان، يشعر الآن بالحنين لتلك الأيام. النوستالجيا تجعلنا نعيد تقييم ما عشناه، ونرى فيه جمالًا ورومانسية ربما لم ندركهما حينها. لكنها ليست وحدها السبب في بقاء هذه الشخصية حاضرة في ذاكرتنا. هناك أعمال كثيرة ترتبط بذكريات الماضي، لكنها لا تترك نفس الأثر العميق الذي تركته شخصية مثل المعلم زينهم، وهذا يعود إلى جودة النص والأداء، وتلك العلاقة الخاصة التي نشأت بين المشاهد والشخصية.

حين نتحدث عن هذا الجيل الذي وصفته بـ"المهزوم"، فإننا نتحدث عن جيل عاش تحولات اجتماعية وسياسية واقتصادية عميقة، جيل كان يحلم بالتغيير لكنه واجه واقعًا صعبًا جعله يشعر بالاغتراب وبالهزيمة. المعلم زينهم وأمثاله من الشخصيات في الدراما المصرية لم يكونوا فقط رموزًا للصراع، بل كانوا تجسيدًا حيًا لهذا الواقع. كانت هذه الشخصيات تحكي قصصًا عن بشر عاديين يكافحون للبقاء، يقاومون رغم كل شيء، ينهزمون أحيانًا، لكنهم لا يفقدون إنسانيتهم.

ما يجعل هذه الشخصية خالدة ليس عنصرًا واحدًا يمكن تحديده بسهولة، بل هو تفاعل معقد بين النص الذي أعطاها الحياة، والأداء التمثيلي الذي منحها الروح، وتجاربنا الشخصية كمشاهدين، التي جعلتنا نراها كجزء من أنفسنا. المعلم زينهم لم يكن مجرد شخصية، بل كان تجربة إنسانية عميقة تذكرنا بأننا جميعًا نحمل في داخلنا شيئًا منه، شيئًا من الحلم، ومن الصراع، ومن الإنسانية التي لا تنكسر.
نحن، بالفعل، جيل مهزوم بكل ما تحمله الكلمة من دلالات ثقيلة، جيل تشكّلت ملامحه على أطلال حقبة الاشتراكية وانتهت تجربته الأولى في السياسة بفشل أيديولوجي مدوٍّ. عايشنا نهايات المشروع الحُلمي، ذلك الذي حمل آمال العدالة الاجتماعية والمساواة، وورثنا بقايا الأحزاب اليسارية التي كانت، رغم اختلاف أطيافها من الأحمر القاني إلى الوردي الباهت، تسعى إلى تمثيل طموحات جيل سبقنا. غير أن كل تلك الطموحات انهارت تحت وطأة الهزائم، لتتركنا مكشوفين أمام خيبة جماعية، عاجزين عن الفعل أو الحلم.

جاءت الدراما، وتحديدًا مسلسل ليالي الحلمية، لتُعيد تشكيل وعينا أو على الأقل تمنحنا نافذة نهرب من خلالها. شخصيات مثل زينهم، زهرة، علي البدري، سليمان غانم، وسليم البدري، كانت أشبه بالرموز: كل منهم يحمل صراعًا خاصًا ويجسد أملًا مضمرًا في النهوض، حتى لو من رماد الهزيمة. هم شخصيات تنهض، تتطور، وتقاوم السقوط، على عكس جيلنا الذي تجمد في لحظة الانكسار. ربما لهذا السبب نجد أنفسنا نبحث عنهم في لحظات الخيبة، وكأن في مشاهدتهم نوعًا من التعويض العاطفي، أو حتى وسيلة نفسية لتخفيف ثقل الواقع.

لا يمكن تجاهل أن مشاهدة تلك الحلقات هي فعل نفسي عميق، ليس فقط للهروب، بل أيضًا لممارسة نوع من الاسترجاع القهري للحلم الذي فقدناه. الشخصيات، بصراعاتها وانتصاراتها الصغيرة، تجعلنا نتلمس ما كان يمكن أن نكون عليه لو كنا مثلهم: قادرين على مواجهة الهزيمة والعودة من جديد. هذه الحلقات تتحول إلى مسرح داخلي، حيث نعيش مع زينهم عناده النبيل، ومع سليمان غانم مزيجًا من الكوميديا والمرارة، ومع نازك السلحدار رمزًا للقوة التي تبدو متعالية لكنها في جوهرها هشة. كلها عناصر تعيدنا إلى منطقة الأمل المؤجل.

لكن هذه النوستالجيا ليست مجرد وسيلة للهرب، بل ربما مرض جماعي أصاب جيلًا بأكمله، جيلًا أُجبر على لعق جراحه والتغني بأحلامه الضائعة على إيقاعات إمام عيسى وكلمات فؤاد نجم. نحن نعيش في حلقة مفرغة من الحنين المستبد؛ نعيد زيارة الماضي ليس لأننا نحبه فقط، ولكن لأن الحاضر قاسٍ لدرجة أنه يكاد يدفعنا نحو الانتحار الحقيقي أو الرمزي بكل أشكاله: انتحار الأمل، انتحار الطموح، أو حتى انتحار الرغبة في الفعل.

إنها ليست مصادفة أن تبقى مشاهد الدموع والضحكات التي قدمها صلاح السعدني أو يحيى الفخراني حاضرة في وعينا الجمعي. هذه اللحظات تجسد ما نفتقده في حياتنا: البساطة، العمق، والقدرة على مواجهة المآسي بنوع من الإنسانية التي تبدو غائبة في عالمنا الحالي.

في النهاية، ربما نحن لا نشاهد ليالي الحلمية هروبًا من الواقع فقط، بل بحثًا عن واقع بديل، واقع أكثر إنسانية، واقع يتيح لنا فرصة أن نعيش الحلم مرة أخرى، حتى لو كان ذلك عبر شاشة اليوتيوب، ليس التلفزيون الحالي بإعلاناته الوقحة المستفزة ولكن بأحضان النوستالجيا. قد تكون هذه الدراما درعًا نفسيًا يحول دون انهيارنا الكامل، ولكنها في الوقت نفسه، تذكير دائم بهزيمة لا تزال عالقة فينا.



#محمد_فرحات (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اسمي نجيب سرور ٧
- صعود
- حلم
- -اسمي نجيب سرور--٤
- اسمي نجيب سرور -1-
- -نعي الأحلام المجهضة-
- -أولاد حارتنا- المبادرة والانتظار .
- عبد القاهر الجرجاني يُنظِرُ لقصيدة النثر.-سأعيد طروادة ثم أح ...
- -بالضبط يشبه الصورة- ومُحدِدات الجنس الكتابي
- نون نسوة مناضلة -بيضاء عاجية، سوداء أبنوسية.-.
- ماتريوشكا
- أحاديث الجنِ والسُطَلِ، المجدُ للحكايات.
- نجيب محفوظ -نبيًّا-.
- تحدي قصيدة النثر ؛ديوان-ابن الوقت- نموذجًا.
- حائزة -عبد الفتاح صبري- في نسختها الأولى.
- أخيرا العثور على المسرحية المفقودة لنجيب سرور-البيرق الأبيض- ...
- الروائي شادي لويس وصفعة لوجه الرأسمالية القبيح.
- مخطوطات نجيب سرور
- القصة الشاعرة. - قراءة لفصل من كتاب ألعاب اللغة للدكتور محمد ...
- د. محمد فكري الجزار شمولية النص القرآني وسيميوطيقا النهايات.


المزيد.....




- -بندقية أبي-.. نضال وهوية عبر أجيال
- سربند حبيب حين ينهل من الطفولة وحكايات الجدة والمخيلة الكردي ...
- لِمَن تحت قدَميها جنان الرؤوف الرحيم
- مسيرة حافلة بالعطاء الفكري والثقافي.. رحيل المفكر البحريني م ...
- رحيل المفكر البحريني محمد جابر الأنصاري
- وفاة الممثل الأميركي هدسون جوزيف ميك عن عمر 16 عاما إثر حادث ...
- وفاة ريتشارد بيري منتج العديد من الأغاني الناجحة عن عمر يناه ...
- تعليقات جارحة وقبلة حميمة تجاوزت النص.. لهذه الأسباب رفعت بل ...
- تنبؤات بابا فانغا: صراع مدمر وكوارث تهدد البشرية.. فهل يكون ...
- محكمة الرباط تقضي بعدم الاختصاص في دعوى إيقاف مؤتمر -كُتاب ا ...


المزيد.....

- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد فرحات - نوستالجيا ليالي الحلمية، وزينهم السماحي.