أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسين علي محمود - ميار














المزيد.....

ميار


حسين علي محمود

الحوار المتمدن-العدد: 8203 - 2024 / 12 / 26 - 22:07
المحور: الادب والفن
    


امست ليلة من ليالي الصيف المتعبة، حيث اختلطت رائحة السمك المقلي بطعم الحنين البسيط، لم يكن حدثا استثنائيا، لكنه انطبع في ذاكرتي كأنه لوحة لن تمحى، أرقب ضوء القمر وهو يعكس ملامحه المرتبكة على اسطح وجدران المنازل العتيقة كأنهما يتحدثان بصمت عميق.
لم يكن هناك ما يميز تلك الليلة سوى شعور غريب بالامتلاء، وكأن العالم قد توقف ليتيح لي فرصة تأمل تفاصيله الصغيرة، أحاديث الجيران الخافتة، ضحكات الأطفال البريئة، ووميض اليراعات الذي أضفى على الظلام بريقا خاطفا.
ربما لم تكن الليلة حدثا بحد ذاتها، لكنها حملت لي شعورا أشبه بصندوق صغير مليء بذكريات منسية، كل مرة أتذكرها، أجدني أعود لذلك الشعور، لتلك الرائحة، لذلك الطعم الذي تركه الصيف في فمي!!
طوال النهار المفعم بالنشاط، أخذني أبي للمصور الفوتوغرافي ممسكا بيدي، بينما يملأني الحماس والخجل في آنٍ واحد، لأخذ صورة للوثيقة المدرسية.
أردت أن أبدو بأفضل حالاتي، وابدأ حياة جديدة كما يردد ابي دائما.
قرر أن نذهب الى السوق، بعد ان انتهينا من معاملة الصور، لم أكن أستوعب تماما تفاصيل العالم من حولي، لكني شعرتُ بشيء مختلف في خطواته.
اشترى لي ثياب العام الجديد ودفاتر وأقلام وحقيبة من عالم ساندي بيل، إذ حملت الأكياس الصغيرة وكأنها كنوز لا تُقدّر بثمن.
حين عدنا للمنزل كان المغرب قد حل بعتمته، جلبنا السمك وقررنا أن يكون عشاؤنا بسيطا، لكن، المفاجأة كانت بانتظارنا، وإذ بأمي قد أعدّت الكبة، تلك التي تحبها عائلتنا ولا نتناولها إلا في المناسبات.
أصبحت سعادتي مزدوجة آسرة، الملابس الجديدة، والطعام الذي طالما اعتبرناه احتفالا، لكن فرحتي الأكبر كانت رغبتي بأن أرتدي ثيابي الجديدة ليشاهدها والدي، أصررت على ارتدائها، في حين أمي كان لها رأي آخر :
- ماما، انظري الى ثيابي الجديدة
- يا الهي!! ثياب أميرتي الصغيرة. تحتضنني وتقبلني
- ماما، دعيني ارتديها الآن لتفرحا بها
- لا يا صغيرتي!! ، بعد ان ننتهي من الطعام ارتديها بينما اعد لكما الشاي
ما ان انتهينا، بدأ البيت يغرق في هدوءه المعتاد، أبي، كعادته، أسند رأسه إلى وسادة وغفا سريعا.
أسرتني تلك الملامح وتقاسيم الزمن التي ملأت وجهه، تحمل تعب الأيام ودفء الأمان، في كل تجعيدة على جبينه حكاية عن صبره وكفاحه، لم يكن أبي رجلا عاديا، بل وطنا صغيرا كنت ادخره لألجأ إليه حين تضيق بي الدنيا، وسندا لا يميل مهما اشتدت العواصف.
طالما نظراته حملت مزيجا من الحزم والحنان، وصوته يروي لي قصص الايام وعثراتها، تنبض بالحكمة والتجربة، في كل يوم بعد هذا العمر، أذكر جيدا كيف كان يربت على كتفي حين أتعثر، وكيف كانت كلماته تبث في نفسي طمأنينة لا تشبه أي شيء آخر، لطالما تعلمت منه أن القوة ليست في الجسد، بل في الروح التي تصمد أمام محن الحياة.
لا يمكن وصف شعور وانت في خضم الحياة المتلاطمة، ينسلخ عنك فجأة سند ذاتك وحياتك وكأنك في قلب المحيط، مثل هيكل معدني صدءاً منبوذا، او تبدو ككائن حي لفظه الزمن وتركه يواجه مصيره، لا صوت يعلو فوق همس الرياح وصخب الأمواج التي تداعب اشيائك الصدئة، تحمل في طياتها تعاسة الخذلان ومرارة الفقد، لتكن نهايتك مجرد بقايا مبعثرة.
حينها قررت أن لا أضيع الفرصة، نهضتُ من جانبه بهدوء وارتديت ثيابي بسرعة وحماس.
عدتُ بفرح مرهف، منتظرة أن يفتح عينيه ويبتسم لي، لكنه كان غارقا في نومه العميق.
جلست بجواره، ووضعت رأسي على كتفه، أنتظر الصباح كي يراني بتلك الثياب، والى الآن، لم يستيقظ!!



#حسين_علي_محمود (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- النفوذ التركي في سوريا الجديدة ومدى تأثيره على العراق
- انترنت الطفولة وذكريات العالم الافتراضي
- كيف ستكون سوريا بعد سقوط بشار الأسد؟!
- ‏هل تعمد اردوغان إفهام الجميع انه مرشد -طوفان الجولاني-؟!
- يوم التطوع العالمي .. عطاء وتكافل اجتماعي
- اين يمكن ان نجد تركيا من الصراع الدائر في سوريا ؟!
- الصراع الدولي في سوريا وتأثيره على المنطقة
- نتائج التعداد السكاني في العراق 2024
- مستقبل الإسلام السياسي في الشرق الأوسط والمنطقة العربية انمو ...
- التعداد السكاني في العراق بعد انتظار دام 27 عاما!!
- عودة منارة الحدباء .. عرس تاريخي كبير
- العيد الوطني للمرأة العراقية
- الجهل والحماقة في بنية العقل المجتمعي
- الرد الايراني وفوز ترامب
- كيف سيكون شكل الساحة الدولية بعد فوز ترامب بالانتخابات الرئا ...
- أيديولوجية مصادرة العقول وغسيل الدماغ
- عيد الهالوين او عيد الرعب
- المشهداني رئيسا للبرلمان العراقي مرة أخرى
- التناقض بين الحقيقة واليأس في المنظور الواقعي
- عرفان صديق سفيرا استتراتيجيا في العراق


المزيد.....




- موكب الخيول والموسيقى يزيّن شوارع دكا في عيد الفطر
- بعد وفاة الفنانة إيناس النجار.. ماذا نعرف عن تسمم الدم؟
- الفنان السوري جمال سليمان يحكي عن نفسه وعن -شركاء الأيام الص ...
- بالفيديو.. لحظة وفاة مغني تركي شهير على المسرح
- كيف تحولت السينما في طرابلس من صالونات سياسية إلى عروض إباحي ...
- بالفيديو.. سقوط مطرب تركي شهير على المسرح ووفاته
- -التوصيف وسلطة اللغة- ـ نقاش في منتدى DW حول تغطية حرب غزة
- قدمت آخر أدوارها في رمضان.. وفاة الممثلة التونسية إيناس النج ...
- وفاة الممثلة التونسية إيناس النجار إثر مضاعفات انفجار المرار ...
- فيلم -وولف مان-.. الذئاب تبكي أحيانا


المزيد.....

- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111 / مصطفى رمضاني
- جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- رضاب سام / سجاد حسن عواد
- اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110 / وردة عطابي - إشراق عماري
- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسين علي محمود - ميار