أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رائد الحواري - التمرد في كتاب -النهر لن يفصلني عنك- رمضان الرواشدة















المزيد.....


التمرد في كتاب -النهر لن يفصلني عنك- رمضان الرواشدة


رائد الحواري

الحوار المتمدن-العدد: 8203 - 2024 / 12 / 26 - 10:05
المحور: الادب والفن
    


أحيانا يكتب الكاتب/الأديب لنفسه، فلا يعبأ بالمحيط (الخارجي) أو بمن هم حوله (القراء/المتلقين)، ولا يريد أن يلتزم بشيء خارجي، إلا بما هو يريده، بعيدا عن الأيديولوجيا أو أي (مصالح) مادية أو معنوية، هو يكتب فقط لأنه يريد أن يكتب، ومثل هذه الكتابات/النصوص تكون خارجة من داخل الأديب، مما يجعلها أفضل (اعتراف) لحقيقته، لطبيعة شخصيته، لما يفكر به ويريده، أعتقد أن كتاب "النهر لن يفصلني عندك" (يكشف) حقيقة (رمضان رواشدة) وما يحمله من أمل وطموحات، هموم وأوجع، وأيضا الطريقة التي يحب أن يكتب بها ويفضلها.
بداية أشير إلى أن الإصدارات الأدبية "للرواشدة" مكثفة ومختزلة، من هنا نجدها (صغيرة الحجم) "جنوبي، حكي القرايا، النهر لن يفصلني عنك" فهي لا تتجاوز مائة صفحة من الحجم المتوسط، وهذا ما يجعل أعماله تتوافق ومتطلبات عصر السرعة، النت، فالقارئ لا يقضي وقت طويل في تناول أعماله، ونجد أنه (جنوبي) بكل معنى الكلمة، جنوبي كجغرافيا، وجنوبي كمنطلق للثورة/التمرد، وجنوبي لتعدد والتنوع الاجتماعي، بمعنى أن يثبت حضور المكان، وفي الوقت ذاته يجعله مكانا حيويا يتداخل/يتواصل الاجتماعي فيه، فنجده يستقبل ويحمي من جاء من الشمال، ويتواصل مع من هم غرب النهر، مما يؤكد وحدة الجنوبيين مع محيطهم السوري.
ونلاحظ تركيز السارد على الأخلاق، فما وصى به أحد شيوخ القلعة في رواية "حكي القرايا" نجده في وصاية الحارث ملك "الرجيم" لجنوده: "لا تقتلوا الرضيع على ثدي أمه، فإني لا أؤذي رضيعا أو طفلا ولا أقتل حاملا أو عاشقا، وإياكم وقتل الشيوخ والنساء والأطفال" ص57، وهذا الأمر يقودنا ـ بطريقة غير مباشرة ـ إلى الانتصارات، وإلى أننا نرحم من ننتصر عليهم، و لا نبطش بهم، ويبعدنا عن الهزائم والانكسارات وواقعنا البائس الآن، وهذا الأمر يحسب للسارد الذي يضعنا أمام حالة جديدة ترفعنا إلى مكانتنا وما فيها من عزة وكرامة وشهامة.
ويركز أيضا الانصهار الاجتماعي ووحدة المجتمع، مشيرا إلى أن التعدد والتنوع الديني يمثل عنصر قوة للمجتمع: "أحمل صليبي أينما ذهبت... رأيت صليبا ذهبيا كانت أهدتني إياه يتدلى فوق صدري، وصورتها التي أحملها معي، أينما وليت وجهي، موضوعة على ركن بجانبي" ص67، نلاحظ أن السارد يستخدم الثقافة الدينية المسيحية والإسلامية معا، "يممت وجهي" فهو يلغي التبان الديني، ويؤكد أن المجتمع منصهر في بوتقة واحدة، وما علاقته "بسارا" إلا صورة عن هذا الانصهار الاجتماعي، فرغم ثقافته الإسلامية: "القابض فيه على ذاكرته كالقابض على الجمر" ص61، إلا أنه يحدث بثقافة مسيحية لافته: "حملت صلبي ومشت...أنا لم استرح في اليوم السابع، فمن استراح" ص61، فهنا السارد يستخدم الثقافتين في عين الموقف، وكأنه يريد القول إنه يتشكل من هاتين الثقافتين معا.
ونجده يركز على حضور المرأة، إن كانت أما، أم حبيبة، ويقدمها بصورة فاعلة ومؤثرة: "رجلي مكسورة وأنت تحملينني على كتفيك غلى المستشفى... يقولون آه أنت ابن مريم" ص16، وهذا أيضا يحسب للسارد الذي كان عادلا ومتوازيا في تقديمه للواقع الاجتماعي، فالمرأة الرجل يكملان بعضهما.
الأديب/الشاعر، عندما تضيق به السبل يلجأ إلى الكتابة، المرأة، الطبيعة، التمرد، وهذا ما فعله السارد في كتابه "النهر لن يفصلني عنك" فنجده يستحضر المرأة ويقدمها بصورة أدبية لافتة: "جسد يفيض كالنهر باللذات. جبال وسهول ووديان، وخيلي تطارد في المدى وتغوص في المسامات، يقطر منها المطر الدافئ يوصلني إليك ويوصلك إلي" ص81، نلاحظ أن السارد جمع بين المرأة والطبيعة، وأيضا أعطانا صورة عن حميمية اللقاء بينهما، فنجد الإيحاء الجنسي قدم بصورة أدبية لافته، بعيدا عن المباشرة، وهذا يثير المتلقي ويأخذه إلى تخيل اللقاء وما فيه من تلاقي بين حبيبين، وبهذا يكون "السارد" قد أقدم على فعل (محظور) وتمرد على الواقع الذي يمنع الحديث/التكلم عن مثل هذا اللقاء.
الكاتب يتمرد السرد في "النهر لن يفصلني عنك" ويكشف/يوضح طبيعة هذا الكتاب بقوله: "خربشت بعض الأوراق قد أسميتها رواية، وقد تكون نصا نثريا لا أعلم، كتبت صفحات كثيرة لا أعلم ما الواصل بينها، هل أسميها صياح الديك؟ لكي تكون عبرة لمن يبيعون أحلامنا بثلاثين من الفضة قبل شروق الشمس وصياح الديك...هل يمكن أن تكون كاتبا وعاقلا في الوقت واحد؟" ص74، فهنا تم اللجوء إلى الكتابة (ليتحرر) السارد مما هو فيه من بؤس، وأيضا مارس التمرد/الثورة من خلال كشف طبيعة "النهر لن يفصلني عنك" ومن خلال طرحه فكرة طبيعة الكاتب المتمرد: "هل يمكن أن تكون كاتبا وعاقلا في الوقت واحد؟" وأيضا تعريته لمن يبيعون أقلامهم ويتخلون عن مبادئهم مقابل دراهم معدودة.
يلجأ السارد إلى الطبيعة، مؤكدا أنها تتجاوز (الجمال البصري) وما يحدثه من متعة في نفسية للمشاهد، لتكون وسيلة (مادية) تخلصه من الأدران/الخطيئة التي يحملها: "عند النهر المقدس خلعت كل ملابس، تعريت كي أتطهر من هذا الدرن، ونحوك أيها النهر الخالد فينا سأيمم كي أتوحد بطين طميك" ص77، وهنا يكون السارد قد قدمنا من (الواقع)، وذكرنا بأن هناك نهر مقدس، لا يمكن أن نكون دون أن نتعمد به وفيه، وهذا يستوجب أن نستعيده، ونجد أن الاغتسال الإشارة له أكثر من دلالة، دلالة دينية/التعمد والتطهر، ودلالة (عادية) الاستحمام وما يحدثه من راحة.
طريقة عرض الكتاب والخطيئة
يفتتح السارد الكتاب باقتباسات صوفية: "يا من عبدتك عن سواك، إني أسألك حبك وحب من يحبك والعمل الذي يجعلني أحبك.. آه.. اجعل حبك حبا أحب إلي من نفسي ومن أهلي" ص11، اللافت في هذا المقطع ليس المعنى/المضمون فحسب، بل الألفاظ المستخدمة فيه، فهناك فكرة التماهي/الحلول حتى في "حبك/وحب، يحبك/حبك (مكرر)/حبا/أحب" فتكرر مشتقات "حب" سبع مرات، يشير إلى حلول الشاعر فيمن يحب، وهذا نعكس على لغة الكتاب التي يحاول بها السارد استعادة ذاته، فنجد يتحدث بصيغة أنا المتكلم في عموم الكتاب، وحتى عندما يعطي الآخرين مجالا ليتحدثوا نجدهم يندمجون مع السارد، ويتحدثون بصوته/بمشاعره بما يمر به من (صراع)، ينقل له حواره مع المرأة التي تشبه امه: "أنت نفس لا تعرف للسكون مكانا...حياتك قلق وعيشك صراع وأنت غريب بين أهلك وربعك، وأنت ما وطدت النفس على العيش الذليل أو الضيم، ما هادنت يوما ولا تعرف للرياء طريقا...أنا جزء منك، جزء من روحك التي تمردت على الجميع، همت عنك زمانا كي أرى ما ستفعل دوني، وها أنت سائر مثلهم نحو التدجين.
أنا أعرف أنني أصبحت جزءا منهم، ونسيت تعاليم الأحلام الجميلة حول من يبيت ليلة على الطوى، لكن السيف اصبح خشبيا الآن" ص44و45، نلاحظ التماهي في "أنا جزء منك" ونجد في مضمون المقطع السبب الحقيقي وراء افتتاح الكتاب بلغة صوفية، فالسارد يريد استعادة التمرد فيه، في ذاته المتمردة، لهذا التجأ إلى النهر ليغسل خطيئته، وليستعد ذاته النقية غير المدجنة/الملوثة، وما التمرد الذي وجدناه في الكتاب ـ الإيحاء باللقاء الجسدي، كشف طريقة كتابة "النهر لن يفصلني عنك" والشكل الذي قدمت به، فهناك العديد من الأغاني الثورية والوطنية، والاقتباسات الشعرية، التي جاءت لتعطيه طاقة، وتذكره بماضيه/بمبادئه لكي يتقدم من النقاء والصفاء الذي كان، وليحل في ذاته من جديد.
هناك هفوات وقع بها السارد عندما استخدم "الرقيم، البتراء" بدل "الرجيم" الاسم الحقيقي والصحيح لمملكة الأنباط
الكتاب من منشورات وزارة الثقافة الأردنية، عمان، الطبعة الثانية 2022.



#رائد_الحواري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مهدي نصير وتقديم الألم
- جواد العقاد والارتباك - وفي إيابي
- البياض في قصيدة -معراج واسع للقصيدة- سائد أبو عبيد
- الإيجابية في رواية -زمن القناطر- عامر سلطان
- الأخلاق وجمالية الكتابة في رواية -لم أكن أتوقع- راشد عيسى
- الواقع في قصة -الكابوس- مأمون حسن
- فشل حركة التحرر العربية
- سورية الجديدة (4)
- سورية (الجديد) 3
- سورية الجديدة (2)
- سورية
- سامح أبو هنود قصيدة -كن بين شكك واليقين-
- قصائد -أنا وليلى- للشاعر موسى أبو غليون
- الإثراء الثقافي والثراء الإنساني في كتاب -الثرثرات المحبّبة- ...
- النعومة في رواية -النور يأتي من خلف النافذة- إبراهيم جاد الل ...
- التنوع والتعدد في ديوان -شغف الأسئلة- منذر يحيى عيسى
- القهر في قصيدة -اعتذار- سامي البيتجالي
- كتاب -زهرات في قلب الجحيم-[*] للمحامي حسن عبادي
- الصراع في رواية “كليوبترا الكنعانية” لصبحي فحماوي
- الأفيون


المزيد.....




- وفاة ريتشارد بيري منتج العديد من الأغاني الناجحة عن عمر يناه ...
- تعليقات جارحة وقبلة حميمة تجاوزت النص.. لهذه الأسباب رفعت بل ...
- تنبؤات بابا فانغا: صراع مدمر وكوارث تهدد البشرية.. فهل يكون ...
- محكمة الرباط تقضي بعدم الاختصاص في دعوى إيقاف مؤتمر -كُتاب ا ...
- الفيلم الفلسطيني -خطوات-.. عن دور الفن في العلاج النفسي لضحا ...
- روى النضال الفلسطيني في -أزواد-.. أحمد أبو سليم: أدب المقاوم ...
- كازاخستان.. الحكومة تأمر بإجراء تحقيق وتشدد الرقابة على الحا ...
- مركز -بريماكوف- يشدد على ضرورة توسيع علاقات روسيا الثقافية م ...
- “نزلها حالا بدون تشويش” تحديث تردد قناة ماجد للأطفال 2025 Ma ...
- مسلسل ليلى الحلقة 14 مترجمة بجودة عالية قصة عشق


المزيد.....

- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رائد الحواري - التمرد في كتاب -النهر لن يفصلني عنك- رمضان الرواشدة