|
ماغديبورغ: بين الصدمة والتساؤلات
أحمد سليمان العمري
الحوار المتمدن-العدد: 8201 - 2024 / 12 / 24 - 23:24
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
دوسلدورف/أحمد سليمان العُمري في مساء يوم الجمعة، 20 ديسمبر/كانون الأول 2024، شهدت مدينة «ماغديبورغ» الألمانية حادثة مأساوية أودت بحياة خمسة أشخاص، من بينهم طفل، وأدت إلى إصابة 200 شخص، 41 منهم بحالة خطيرة. استهدف الهجوم سوق عيد الميلاد المزدحم، الذي يُعد من أبرز معالم الاحتفالات بالعيد في ألمانيا، حيث اقتحمت سيارة السوق، مُخلِّفة حالة من الفوضى والرعب. هذه الحادثة لم تكن فقط صدمة للمجتمع الألماني، بل أثارت نقاشات سياسية واجتماعية واسعة حول قضايا التطرف والكراهية.
تفاصيل الهجوم ودوافع الجاني بحسب ما ورد في التقارير الرسمية، كان منفذ الهجوم طبيبا سعودي الجنسية يبلغ من العمر 50 عاما، يُدعى «طالب عبد المحسن». دخل إلى ألمانيا لأول مرة في عام 2006، وكان يعيش في مدينة «برنبورغ» منذ سنوات، حيث حصل على إقامة دائمة، وفي يوليو 2016، تم الاعتراف به كلاجئ من قبل الحكومة الألمانية، وهو ما تم تأكيده عبر تصريحات «تمارا زيشانغ»، وزيرة الداخلية في ولاية «سكسونيا-أنهالت»، التي أفادت أن الجاني كان يعمل في مستشفى «سالوس» في برنبورغ كطبيب متخصص في الطب النفسي والعلاج النفسي، حيث كان قد تم تعيينه في قسم للمرضى المدمنين. ومع ذلك، تشير التقارير إلى أن الجاني كان قد أصبح في الآونة الأخيرة غير قادر على العمل. ومن المعروف عن الجاني أنه كان معروفا بأفكاره المعادية للإسلام. في السابق، كان ينشط في المجتمع السعودي المغترب في ألمانيا ويُعتبر شخصية بارزة في هذا المجتمع، حيث كان يقدم استشارات للمهاجرين، خصوصا النساء، حول كيفية الهجرة إلى أوروبا. كما أدار موقعا إلكترونيا يخصصه لشرح طرق الهروب من السلطات السعودية، وتقديم استشارات حول النظام اللجوء الألماني. كما كان يُعرف على منصات الإنترنت بمواقفه الصريحة ضد الإسلام، حيث كان يُسمّي نفسه «مسلما سابقا» ويتبنى مواقف متطرّفة ضد المسلمين. وبناء على تعريفه الذاتي بأنه «مسلم سابق»، لا يمكن اعتبار الجاني مسلما حاليا، وبالتالي لا يجوز تحميل الإسلام أو المسلمين مسؤولية الجريمة التي ارتكبها، لأن هذا يتعارض مع تصريحه الواضح بأنه ليس مسلما. ورغم أنه يحمل الجنسية السعودية، فإن ذلك لا يعني بالضرورة أنه مسلم، حيث أن الهوية الدينية لا تحددها الجنسية.
إعلان السلطات عن دوافع الهجوم رغم أن التحقيقات لم تُنتهِ بعد، فإن الادعاء العام الألماني أشار إلى بعض الدوافع المحتملة التي قد تكون وراء الهجوم. وفقا لتصريحات «هورست نوبنس»، المدعي العام المسؤول، فإن «الاستياء من التعامل مع اللاجئين السعوديين» قد يكون السبب المحتمل للهجوم. وذكر أن الجاني كان يُعد من الناشطين الإسلاموفوبيين المعروفين في ألمانيا، وأنه كان مرتبطا بمجموعات متطرّفة تُناهض الإسلام. ورغم أنه لا يوجد دليل على تورّطه في أعمال إرهابية منظمة، فإن الشرطة الألمانية قد أكّدت على ضرورة عدم استبعاد أي تفاصيل خلال التحقيقات الجارية.
تفاصيل الهجوم وتطورات التحقيقات فيما يتعلّق بكيفية تنفيذ الهجوم، كان الجاني قد استأجر السيارة التي استخدمها في الهجوم قبل وقوعه بوقت قصير. تشير التقارير إلى أنه كان يقود السيارة بسرعة عالية لمسافة تصل إلى 400 متر، مما أسفر عن مقتل خمسة أشخاص، من بينهم طفل، وإصابة 200 آخرين، منهم 41 بحالة خطيرة. وبعد أن ارتكب الجريمة، تم توقيفه من قبل الشرطة المحلية، التي أكّدت عدم وجود أي مشتبه بهم آخرين في الحادث. وأظهرت بعض التقارير الإعلامية أن الجاني ربما كان تحت تأثير المواد المخدرة خلال تنفيذ الهجوم، حيث أظهرت نتائج اختبار المخدرات الأولية أنه كان إيجابيا. هذا يشير إلى أن الحوافز النفسية قد لعبت دورا كبيرا في تصرّفاته، حيث كان يعاني من اضطرابات نفسية حادة.
استغلال الحادثة سياسيا وإعلاميا رغم أن التحقيقات تشير إلى أن الجاني كان معاديا للإسلام، إلا أن بعض الأطراف السياسية والإعلامية سعت إلى استغلال الحادثة لتوجيه اتهامات جماعية ضد المسلمين. في هذا السياق، حاول البعض ربط الحادثة بأيديولوجيات متطرّفة وتقديمها كدليل على تهديد «الإسلام» في ألمانيا، وهو ما تم رفضه من قبل العديد من الشخصيات العامة. كما أشارت صحيفة «فرانكفورتر ألغيماين» إلى أن مثل هذه التصريحات قد تؤدي إلى زيادة الانقسامات في المجتمع الألماني وإلى تصاعد خطاب الكراهية ضد المسلمين. وقد أكدت وزيرة الداخلية الألمانية، «نانسي فيزر»، في تصريحاتها بعد الحادثة، أنه يجب تجنب تحميل المسؤولية لأفراد أو مجموعات عرقية ودينية بأكملها. وقالت: «من المهم أن نترك التحقيقات تكشف عن الحقيقة وعدم اتهام أي طرف بلا دليل». كما أكدت أن «الحكومة الألمانية ستعمل على تعزيز الإجراءات الأمنية لمواجهة أي تهديدات قد تنجم عن التطرّف والعنف».
انعكاسات الحادثة على المجتمع الألماني إن حادثة ماغديبورغ تُظهر حجم التحديات التي تواجهها ألمانيا في معالجة قضايا التطرّف، سواء الديني أو الإيديولوجي، بينما تُعد الحادثة صادمة بشكل كبير، إلا أنها تمثل أيضا فرصة لتحليل كيفية مواجهة خطاب الكراهية الذي يزداد تأثيره في أوروبا. ففي وقت يزداد فيه الجدل حول قضايا اللجوء والهجرة، وخاصّة في سياق حملة التحريض على المسلمين في بعض الأوساط السياسية والإعلامية، يجب على ألمانيا أن تتعامل مع هذه القضية بحذر وتوازن. وقد أكّدت العديد من المنظمات الحقوقية والإسلامية في ألمانيا على أهمية الوقوف ضد نشر الكراهية في الإعلام والسياسة، وأكّدت على ضرورة دعم المجتمع المسلم في ألمانيا والتأكيد على التعايش السلمي بين جميع الأديان والجماعات العرقية.
الخلاصة حادثة ماغديبورغ تظل حدثا مؤلما للجميع. إنّ التطرف والكراهية لا يرتبطان بأي دين أو ثقافة معينة، بل هما نتاج لفشل في فهم الآخر وتقبل الاختلاف، لذا، يجب أن يكون الرد على هذه الحادثة متمثلا في تعزيز قيم التسامح والوحدة الوطنية، والنأي عن أي خطاب يعزّز الانقسامات ويزيد من مشاعر العداء بين شرائح وأطياف وأعراق المجتمع المختلفة. [email protected]
#أحمد_سليمان_العمري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
إسرائيل ودورها كمُستعمر في الشرق الأوسط
-
حُرّيّة أحمد حسن الزُعبي ضرورة أردنية
-
الحُرّيّة لأحمد حسن الزُعبي
-
الأردن بين مشروع العطارات والإحتلالات
-
أضرب الأردني فاتّهموه بالمؤامرة
-
زيارة بايدن لتطويع التوسّع الإسرائيلي
-
صندوق «كريدي سويس» الأسود: أسرار سويسرا
-
بين حروف الحرب الروسية الأوكرانية
-
شصندوق «كريدي سويس» الأسود: أسرار سويسرا
-
أوقفوا خطف أطفالنا
-
نائب الشعب البارحة سجين اليوم، العجارمة
-
الإتفاقية الأردنية الإسرائيلية: الكهرباء مقابل الماء
-
تُونس بين مطرقة الانقلاب وسندان تصحيح المسار
-
مستشفى السّلط فاجعة الأردن
-
ثمن اللّقاح للفلسطيني
-
كورونا المتحوّر: هل اللقاح فعّال ضد الطفرة الجديدة؟
-
الصراع الأذري الأرميني: أسبابه ومآلاته
-
الإتفاق الثلاثي وأثره على المشهد السياسي العربي
-
كسر الأردني بالمعلّم
-
الضّمّ من أجندة ورقيّة إلى خطوة تنفيذيّة
المزيد.....
-
ضجة ترامب والسيطرة على قناة بنما.. نبذة تاريخية سريعة
-
في اليابان.. لِمَ يُعامل الأزواج عيد الميلاد كـ-عيد حب ثانٍ-
...
-
تحرك إيراني أممي بعد -اعتراف- إسرائيل باغتيال إسماعيل هنية
-
برهان غليون لـCNN: ما يفعله الإسرائيليون في سوريا تهديد للمش
...
-
أمراض تنتقل عن طريق التقبيل
-
تحضير كعك -سكوتِسِيلِه دومنولوي- التقليدي في رومانيا احتفالً
...
-
روسيا.. إحباط اعتداء إرهابي استهدف مسؤولا كبيرا في مؤسسة للص
...
-
-هئية البث الإسرائيلية-: الجيش يبحث شن هجوم واسع النطاق على
...
-
-واشنطن بوست- تسلط الضوء على مقابر جماعية قرب دمشق
-
باشينيان يعتذر عن حضور قمة الرابطة المستقلة لأسباب صحية
المزيد.....
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
المزيد.....
|