أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد علي بن عامر الطوزي - كرة الثلج















المزيد.....


كرة الثلج


محمد علي بن عامر الطوزي

الحوار المتمدن-العدد: 8200 - 2024 / 12 / 23 - 22:06
المحور: الادب والفن
    


قصة قصيرة لـ مارك ليفي
ترجمة محمد علي بن عامر الطوزي
اليوم تبلغ آليس من العمر11 سنة, ليس من الحظ أن تولد ذات 25 ديسمبر, لم يكن هناك أبدا أصدقاء للاحتفال بعيد , ميلادها إذ جميعهم في عطلة مجتمعون حول العائلة للإحتفال بأعياد المسيح . كان بودها أن تنزل على الأرض في يوم عادي ، يوم ، كغيره من الأيام ، يكون ُمهدًى إليها بالكامل. لكن الأقدار شاءت خلاف ذلك وكل 25 ديسمبر يلازم الهاتف الصمت . ويتمطط يوم عيد الميلاد في انتظار حفلة لا تحدث أبدًا، إحدى تلك الحفلات التي يتمتع بها أصدقاؤك كثيرًا عندما يحل عيد ميلادهم.
لقد قبلت آليس الأمر ببساطة، فهي لا تشتكي منه، لها والدان يحبانها وغرفة جميلة ومدرسة يمكنها أن تؤمها مشيا على الأقدام ثم هناك في حياتها جار غريب، رجل عجوز غاضب دائم التذمّر عندما تنزل على السُلَّم صباحا للذهاب إلى المدرسة.
لا تسمع منه أبدا ‘’ صباح الخير’’ ولا’’ إلى اللّقاء’’، بالكأد يتمتم بعض الكلمات ـ ثم هذا الشعور بأنه يلومها دوما لكونها فرحة و كأن عالمها يعكّر عالمه . لا يعير والدا آليس اهتماما كبيرا لهذا المسنّ الفظّ فهو بعد كل شيء لا يؤذي أحدا. بالتأكيد هو يتذمر في غالب الأوقات ولكنّ ، "هذا مرض التقدم في السنّ "، تقول أمّ آليس عندما تلقي التحية على السيد العجوز ، دون أن يردّ هذا الأخير التحية عليها. وعلى امتداد طفولتها عرفت آليس هذا الرجل الذي يعيش في بيت سطح فوق غرفتها مباشرة.
غالبا ما تتخيل آليس المنظر الذي يتراءى له من هناك من خلال نافذته الأصغر من نوافذ الطوابق الأخري ، نافذة مستديرة كعين كبيرة تتجسّس على المدينة وأضوائها, أحيانا تهز رأسها عن كراس واجباتها، تنسى كتبها وتعُدُّ خطوات السيد العجوز، متكهنّة بالمكان الذي يوجد به أو بماذا يفعل.
وهي دون أن تزور مسكنه تعرف متى يُعِدُّ فطوره ومن المؤكد أن الموقد يوجد مباشرة فوق صندوق لعبها. وكل ما يجلس إلى طاولته للعشاء أو عندما يجلس فوق الكرسي الهزّاز ، كانت تسمع صريرا فوق الثريا. ذات مساء ولما كانت أخلدت للنوم سمعت لطخة صامتة تبعها صمت يبعث على القلق. نهضت ومضت تبحث عن والديها. على الأرجح فإنّ الرجل العجوز الذي يعيش تحت السقوف يكون قد سقط ويتعين الذهاب لمساعدته.
مرة أخرى اتهمها أبوها بانها تتخيل أشياء ولكن إدراكا منه بأنّ ابنته لا تستعيد نومها طالما لم تتوضح حقيقة الأمر ارتدى ثوب النوم وصعد سلم الخدمة. وأخذت آليس تسترق السمع لكل ما عقب من ضجيج. فهذا أبوها يطرق الباب في الطابق الأعلى ثم يقرعه بقوة وينادي وأخيرا يدفع الباب بكتفه محدثا قرقعة مخيفة، وهذا صرير المفصلات وهذه الخطوات المتسارعة.
سمعت العجوز يئن ، بعد لحظات قزقزة السرير ، وأخيرا انغلاق باب المسكن. وفي وقت لاحق عاد أبوها إلى غرفتها وطمأنها بان كل شيء على ما يرام. وقبل أن يغادر قبّلها على جبينها وهمس لها إنها حسنا فعلت بالقدوم وإخباره.
وفي ذات اللّيلة سمعت ،من خلال حائط غرفة الاستحمام، أبيها يقول " انه يتعين في يوم من الأيام القيام بشيء ما لفائدة الرجل العجوز" ، " نعم، ولكن ماذا"، أجابت أمُّها وخلص أبوها بالقول: " لا أعلم".
عند العودة من العطلة الصيفية ، كان الرجل العجوز لا يزال هناك ، لكنه لم يعد يتذمّر عندما تنزل أليس على السلم ركضا . في هذه الأيام الأولى من فصل الشتاء كانت تراه كالمعتاد، يتمشّى على الرصيف ، مكتسبا عادة طريفة تتمثل في مساءلة كل المارّ ة عن الساعة والاندفاع إلى أولئك الذين نزلوا في محطة الحافلات.
وفي أوقات ما بعد الظهر عندما يكون هناك أناس كثيرون، يحصل أن يسأل إلى غاية مائة مترجل. من الصعب التصور انه كان بإمكانه نسيان الساعة بهذه السرعة ، ثم إنه كان لا يُعدّل ساعته أبدا ، فما الجدوى من هذه الأسئلة؟
في ذلك الصباح، عندما خرجت تمرح في الثلج الطازج الذي تساقط خلال الليل، شعرت فجأة بلدغة البرد تخدش رقبتها رفعت يدها لتلامس مؤخرة رقبتها فإذا بالثلج يذوب سائلا على ظهرها.
• هل هذا أنت؟ تساءلت ملتفتة إلى الرّجل العجوز الذي انتصب قبالتها مستقيما كعصاة.
• لا أدري عما تتحدّثين .
• عن كرة الثلج التي تحطّمت للتوّ فوق معطفي.
• هل ترين أحدا آخر سوانا على هذا الرصيف؟
• - لا
• -إذًا يمكنك أن تستنتجي بنفسك.
• لماذا فعلت هذا؟
• لا أدري، لقد خطر لي أن أفعل ، يجب أن أحافظ على سمعتي كرجل عجوز غاضب ، كما تقولين، وإلّا فماذا كنت سأترك؟
• لم اقل أبدا إنّك رجل عجوز غاضب .
• أليس هذا ما تفكّرين فيه فعلا؟
• ربّما، لكن لم أقل ذلك.
• أنا اعترفت لك بأني قذفت كرة الثلج، أنت تنقصك النّزاهة.
ترددت البنت الصغيرة للحظات مصمّمة على إبقاء النظر إلى الرّجل العجوز,
• نعم، هذا فعلا ما أفكّر فيه، قالت آليس
• ها نحن متساويان إذَا.
• لم اقذف شيئا على معطفك، أنا.
• على معطفي لا، لكن على طريقتك الخاصة قذفت كرة ثلجية ضخمة في وجهي من خلال معاملتي كرجل عجوز غاضب . وهذا أقوى بكثير من بضع رقاقات ثلجية تكتّلت في شكل كرة.
• لست أنا من لا يقول أبدا صباح الخير ، إلى اللّقاء .
• ليس لي وقت، أنا مشغول جدا، ولا أحبّ أن يقاطعني أحد عندما أتكلّم ، كم السّاعة؟
• مشغول بماذا؟ ثمّ تتحدّث مع من، أنت دوما وحيد .
حدّج الرّجل العجوز آليس بنظرة وابتسم.
كانت أول مرة ترى فيها ابتسامته. بدا غير مرتاح تقريبا ، تمتم :
• في الواقع أتحد"ث إلى وحدتي.
• وهل تجيبك؟ سألت آليس بسرعة البرق.
• نعم، تؤسّر ر لي بعض الأسرار.
• ايّ نوع من الأسرار؟
• لا يمكني أن أخبرك بها بما أنّها أسرار خاصة.
• لماذا كلّ شيء معقّد على لسان الكهول؟
تردّد الّرجل العجوز لحظة واقترب من آليس.
• بعد كل شيء، معك حق، ثمّ إذا أخبرتك بها فإنّ وحدتي لن تعلم بذلك، قال متذمّرا. لأول مرة هي ليست هنا بما أنّك أطردتها منذ دقائق. كم السّاعة؟ لنعمل بسرعة، فهي ستعود، فهي دوما ليست بعيدة جدا، صدّقيني. ماذا كان سؤالك؟
• لماذا قذفتني بكرة الثلج هذه؟
• أنظري في قلنسوة معطفك . أعتقد أنّ الكرة الثلجية تحتوي على شيء ما.
أدارت آليس رأسها، مرّرت ذراعها وراء عنقها وأخذت يدها تتلمّس بحثا عن الشيء إلى أن عثرت على جسم خشبي صغير أمسكت به ودقّقت فيه بعناية، يبدو أنها صفارة نحتت بشكل تقريبي.
• إنّها آلة تحاكي أصوات العصافير لجذبها، صرّح الرّجل العجوز.
• وأمام تعجّب آليس، أضاف انّه بإمكانها هكذا أن تنادي العصافير عندما تعود في الرّبيع.
• هل هي هدية أعياد الميلاد، تساءلت آليس.
• لا انّها هديّة عيد ميلادك. هو اليوم أليس كذلك؟
• نعم، كيف عرفت؟
• أنا أيضا مولود يوم 25 ديسمبر ولا أحد يحتفل به.
استدار الرّجل العجوز وراح يسأل بعض المارة عن السّاعة في حين بقيت آليس في مكانها تتجسّس عليه. في الواقع ، التجسس ليس الكلمة الصحيحة لأن الرجل العجوز كان يعرف جيدا أنها هناك ،مُتكئة على الحائط ، تنظر إليه. .
• في يوم ما، صرخ دون أن يلتفت، سأغادر الحياة ولا أحد سيعلم إنّه كان لي وجود. ليس لي أطفال. لذا ، من يدري ما إذا كان من بين المّارة شخص ، عندما ينظر إلى ساعته، سيتذكّر العجوز المجنون الذي كان يسأل عن السّاعة كل من يمرّ من هنا. سوف تكون دقيقة خلوده. جميعنا بحاجة إلى دقيقة خلود.
• ما اسمك سألته آليس وهي تقترب منه؟
فيم يهمّك إذا عرفت اسمي؟
• يهمّني في شيء.ثمّ هي مفاجأة.
• أيّ مفاجأة؟
• إذا أخبرتك فلم تعد هناك مفاجأة، الأطفال أيضا لهم الحق في أن يكون لهم أسرار، أليس كذلك؟ ولم يحن الوقت لأخبرك به.
انحنى الرّجل العجوز نحو أذنها وهمس لها باسمه:
• اسمي ارنست بوبينو.
في هذا اليوم 25 ديسمبر 2009 تحتفل آليس بعيد ميلادها الثلاثين، ولكن لا أحد يفكّر في ذلك.
في حين كان المدعوّون المجتمعون حول الطاولة يستعدّون لرفع كؤوسهم على نخبها، طلبت آليس من الجميع أن يصمتوا. هي ، المتحفّظة للغاية في العادة ، لم تجد صعوبة للحصول على ما طلبت . الحاضرون، وقد عقدت المفاجأة ألسنتهم، صمتوا منتظرين خطابها. تدفع كرسيّها إلى الوراء وتنتصب واقفة، تحدّق في السقف وتبتسم وهي تسمع خطى رجل عجوز مكتومة تخرج من أعماق ذاكرتها . ثمّ قالت آليس بصوت عال وواضح:
• عيد ميلاد سعيد ،السيد بوبينو. اليوم كنت ستبلغ من العمر 100 سنة. دقيقة خلود سعيدة...



#محمد_علي_بن_عامر_الطوزي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قهوة أبي
- في ذِكرى وفاتِكَ . في البال دائما أنتَ يا أَبي
- الُمعلَن والمَخفِيّ في كتاب جديد عن وكالة تونس إفريقيا للأنب ...
- خاتم أمّي
- العلوم اﻹنسانية واﻹجتماعية على محكّ الذّكاء ا& ...


المزيد.....




- أثار غضب جمهور -حزب الله-.. راغب علامة يكشف حقيقة تسجيل صوتي ...
- سينما -متروبوليس-.. صرح ثقافي بيروتي يعود للحياة في لبنان ال ...
- الإيسيسكو تحيي الذكرى الـ300 لمولد المفكر التركماني مختوم فر ...
- عيسى الشيخ حسن.. الروائي والشاعر الذي أعاد تشكيل الذاكرة الس ...
- لقطات تظهر لصّا -جريئا- يسرق فنانة لبنانية والأخيرة تعلق (في ...
- نمر سعدي في -ظلالٌ مضاعفةٌ بالعناقات-: استعارات من قلب جبال ...
- فنان مصري يستغيث بعد طرده من منزله للشارع
- ارتياح تنظيمي للدورة الثانية لمعرض كتاب الطفل والشباب بالدار ...
- تقرير سنوي: حرب غزة محفز جيوسياسي للإسلاموفوبيا في أوروبا
- مؤسسة قطر تطلق مبادرة -بالعربي- لتعزيز الأفكار الملهمة باللغ ...


المزيد.....

- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد علي بن عامر الطوزي - كرة الثلج