الدولة السورية الحديثة تواريخ ومحطات-1

نايف سلوم
كاتب وباحث وناقد وطبيب سوري
(Nayf Saloom)

الحوار المتمدن-العدد: 8200 - 2024 / 12 / 23 - 14:14
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

في ظل حرارة تموز / يوليو 1860 ضربت دمشق سلسلة من أعمال العنف. وعلى مدى ثمانية أيام ارتكبت حشود من البدو والدروز والقروميين الاخرين المجاورين والعسكر الاكراد مجازر وأعمال سلب جرت بشكل رئيسي في حي باب توما المسيحي القديم. وكانت تلك أيام ثمانية بقيت أصداؤها مخيمة على التطورات السياسية في دمشق لأجيال متوالية" (فيليب خوري: أعيان المدن والقومية العربية ص 23)
فقد برزت سوريا الحديثة و تشكلت في هذا اليوم الدامي من سنة 1860 حين هيمنت طبقة الملاك البيروقراطيين مكان طبقة الملاك الدارسين الدينية المتمركزة حول منصب المفتي الحنفي وحول منصب نقيب الاشراف الذي يعد نفسه امتداداً لسلالة النبي محمد، في الهيمنة على الحياة السياسية في دمشق، خاصة بعد ظهور ما يسمى بالطابو العثماني 1858 أو عقد الملكية الخاصة للأرض . وقد استمرت سياسة الاعيان الاقطاعيين في دمشق مائة عام ، حتى جاء حكم البعث ليحكم سوريا مدة ستين سنة ونيّف.
كانت هناك مسألتان حكمت على سياسة الاعيان بالزوال هما: المسألة الزراعية الفلاحية ، حيث الارض مملوكة من قبل ملاكين اقطاعيين غائبين من سكان المدن مع حرمان أغلبية الفلاحين السوريين من ملكية الارض
المسألة الثانية (القومية): احتلال اليهود الصهاينة لقسم من أرض فلسطين وإعلان ما يسمى دولة إسرائيل اليهودية سنة 1948 بعد إعلان التقسيم قبل سنة من ذلك.
كان عام 1948 عام "النكبة"؛ نكبة الفلسطينيين وعام تأسيس دولة إسرائيل وعام إفلاس سياسة الاعيان بالمعنى التاريخي في المسألتين ؛ القومية والزراعية، وعام إفلاس حكومة الوفد في مصر والنظام الملكي نتيجة الفضيحة المخزية في حرب 1948 ضد اليهود الصهاينة في فلسطين. وهو عام ظهور الاحزب العقائدية القومية والدينية كالبعث العربي والاشتراكيين العرب والاخوان السوريين . وهو عينه العام الذي بدأ فيه تمرد الجيش السوري على سياسة الاعيان عبر انقلابات عسكرية معروفة في تاريخ سوريا.
ومن الطريف أن تكون ولادة الهند الحديثة والباكستان في هذالعام. وأن يكون مشروع ماريشال الاميركي لإعادة إعمار أوربا الغربية واليابان بعد الحرب العالمية الثانية قريب من هذا العام 1947 . وهي الفترة التمهيدية لما سمي لاحقاً "بالحرب الباردة" بين النظام الامبريالي الغربي تحت القيادة الجديدة للولايات المتحدة الاميركية من جهة وبين الاتحاد السوفياتي من الجهة الاخرى.
بين العام 1948 والعام 1958 كانت فترة انتقال وصراع دولي واقليمي على سوريا عبر عنها الكاتب والصحفي البريطاني باتريك سيل (1930-2014) عبر كتابه الشهير "الصراع على سوريا- دراسة للسياسة العربية 1945-1958" تشمل هذه الفترة التدخل المصري في سورية ومسألة الوحدة السورية- المصرية.
العام 1963 صعود البعث إلى السلطة بانقلاب عسكري نفذه خليط من الضباط البعثيين معظمهم من أصول ريفية علوية مع مشاركة درزية واسماعيلية ومن ضباط ناصريين سُنّة.
جرى الانقلاب تحت قيادة اللجنة العسكرية
بقي أعضاء بارزون في اللجنة العسكرية من مراحل التخطيط و الانقلاب حتّى بعيد تولي الحزب للسلطة وهم: محمد عمران، صلاح جديد، سليمان حداد، حافظ الأسد. حصلت اللجنة العسكرية على تأييد اثنين من الناصريين وهما: راشد القطيني، ومحمد الصوفي، بالإضافة إلى أحد المستقلين وهو زياد الحريري.
كان عام 1964 عام تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية على خلفية هذه الانقلابات "القوموية"
اعتمد انقلاب البعث على ثلاثة شعارت أساسية هي:
1-الارض للفلاحين عبر عنه بقانون الاصلاح الزراعي الذي كان عبد الناصر قد اعتمده في سوريا وتراجعت عنه حكومة الانفصال سنة 1961 .
2-المسألة القومية العربية وتحرير فلسطين من الاستيطان اليهودي، وهو ما جرى التعبير عنه بالصراع الصهيوني- العربي
3-الاشتراكية العقائدية البورجوازية الصغيرة والقائمة على سياسة التأميمات قصيرة النظر والمبالغ فيها. والتي ظهرت لاحقاً على أنها آلية "شعبوية" لنقل ملكية البورجوازية الوطنية السورية الى الطبقة البورجوازية الصغيرة الجديدة الصاعدة حديثاً إلى السلطة
العام 1967
كان هو عام نهاية السياسات اليسارية لحكم البعث وللناصرية والاتحاد الاشتراكي في مصر، وهو العام الذي أظهر نفاق الشعارات القوموية وعدم جدية الحكام الجدد في مواجهة إسرائيل وتحرير فلسطين، حيث كانت الهزيمة مدوية للنظامين في سوريا ومصر والتي انتهت باحتلال سيناء والجولان السوري بما في ذلك مدينة القنيطرة والقدس الشرقية والضفة الغربية لنهر الاردن. ومن هنا أخذ هذا العام اسمه الشهير "عام النكسة"
كانت هناك ردتا فعل متناقضتين ومفارقتين: الاولى ميل النظام العربي "الاشتراكي" اليساري نحو اليمين في سوريا ومصر والسودان. ولثاني ميل بعض فصائل المقاومة الفلسطينية نحو اليسار الماركسي كالجبهتين الشعبية والديمقراطية لتحرير فلسطين.
كان عام 1967 -وهو العام الذي أعدم فيه الاشتراكي الماركسي الثوري أرنستو تشي غيفارا في بوليفيا على يد الاميركيين- نهاية للمد الثوري الاشتراكي الماركسي في القرن العشرين . وكانت ثورة الطلاب عام 1968 علامة حزينة على هذا الافول!
1970
عام الميل نحو اليمين في سياسة الحكام في سوريا ومصر . حيث بدأت هذه السياسات الجديدة مع حكم السادات في مصر وحكم حافظ الاسد في سوريا (الحركة التصحيحية).
عبرت هذه السياسات عن نفسها بالانفتاح على الاميركيين والابتعاد قليلا عن السوفيات، والانفتاح على دول الخليج النفطية طمعاً بالمساعدات السخية، وتمتين العلاقة مع تجار دمشق وحلب الكبار. وحتى يثبت هذا الحكم اليميني في سوريا ومصر أقدامه أقدم على حرب تشرين "التحريرية" 1973 التي كانت حرب وظيقية بامتياز هدفها إعطاء الشرعية للسياسات اليمينية الجديدة، وتحريك مقاوضات التسوية مع اسرائيل ، حيث انتهت باتفاقية "فض الاشتباك بين سوريا واسرائيل 1974 " وباتفاقية كامب ديفيد بين مصر واسرائيل 1978 .
بعد فض الاشتباك بين الجيش السوري واسرائيل راح الاسد الاب يستخدم هذا الجيش "العقائدي" في المساومات الدولية والاقليمية، فكان دخول الجيش إلى لبنان 1976 بحجة وقف الحرب الاهلية اللبنانية ، مجرد وظيفة أميركية؛ أي تحقيق رغبة أميركية وخليجية بقمع الحركة الوطنية اللبنانية-الفلسطينية وحماية الامتيازات السياسية للمسيحية المارونية المدعومة من الغرب .
عام 1978- 1979
بداية ظهور علامات إرهاق النظام اشتراكي السوفياتي البيروقراطي الطابع بفعل ديناميات الحرب البارد وركود النظام اقتصادي، حيث كان نمو الاقتصادي السوفياتي يقارب الصفر سنة 1980 حسب دراسة ارنست ماندل في كتابه "الاتحاد السوفياتي إلى أين في ظل غورباتشوف؟" . قدم هذا العام علامات على الانحطاط التاريخي للتجربة السوفياتية. ومن هذه العلامات غزو حلف وارسو لتشيكوسلوفاكيا، والمعروف رسميًا بعملية الدانوب، وهي عملية غزو مشتركة لتشيكوسلوفاكيا من طرف خمسة دولٍ تابعة لحلف وارسو هي: الاتحاد السوفياتي وبولندا وبلغاريا وألمانيا الشرقية والمجر، في الليلة الواقعة بين العشرين والحادي والعشرين من شهر أغسطس عام 1968.
في العام 1978-1979 قامت الثورة الشعبية الايرانية ضد الشاه وانتصرت تحت قيادة طبقة البازار الايرانية ممثلة بآيات الله (الملالي) بزعامة آية الله الخميني. كان انتصار الثورة الشعبية الايرانية بقيادة رجال الدين الشيعة علامة أخرى على انحطاط التجربة السوفياتية. وقد أعقب هذا الانتصار وذاك الانحطاط مد إسلامي سلفي عنيف وأحياناً تكفيري في المنطقة العربية والشرق الاوسط عموماً. كان انحطاط السوفييت ونجاج ثورة شعبية بقيادة اسلامية شيعية محركاً لهذا المد عبر تشجيع أميركي غربي.
أيضاً كان التدخل السوفياتي في أفغانستان (وهو اسم يطلق على حرب دامت عشر سنوات، كان الهدف السوفايتي منها دعم الحكومة الأفغانية الصديقة ، والتي كانت تعاني من هجمات المجاهدين الاسلاميين السلفيين الافغان المناهضين لهذا التدخل)
أدخل السوفييت الجيش الأربعين في 25 ديسمبر 1979 وجرى سحب كافّة القوات السوفياتية بشكل رسمي من أفغانستان في 15 فبراير 1989 .
لقد تضمن عقد الثمانينيات من القرن العشرين حربين مرهقتين: حرب السوفييت في افغانستان 1979-1989 والحرب العراقية الايرانية 1981-1991 . وكل منهما دام عشر ستوات كاملة. تحت ضغط الحرب الباردة والتدخل في افغانستان والركود الاقتصادي الخطير أعلن غورباتشوف الذي تسلم رئاسة الحزب الشيوعي السوفياتي مع موت أندربوف 1984 ، ودامت رئاسته للحزب من 1985-1991 ، برنامجه لاصلاح النظام السوفياتي المريض والذي عرف بالبيريسترويكا 1985 - 1987، حيث البيريسترويكا بالروسية : перестрoйка) وتعني "إعادة الهيكلة". وهي برنامج للإصلاحات الاقتصادية أطلقه رئيس الاتحاد السوفيتي آنذاك ميخائيل غورباتشوف. وتشير الكلمة إلى إعادة بناء اقتصاد الاتحاد السوفيتى. صاحبت البيريسترويكا سياسة "غلاسنوست" والتي تعني الشفافية والدمقرطة للحياة السياسية. وقد نشر غورباتشوف برنامجه الجديد للإصلاح في كتابه المعروف "البيريسترويكا"
في العام 1979-1982 شهد تمرد الإخوان المسلمين في سوريا ضد سلطة البعث بقيادة الاسد الاب . وقد شجعت هذه التمردات ابتعاد مصر عن سوريا عبر اتفاقية كامب ديفيد وانتصار الثورة الاسلامية قي ايران بقياد اسلامية شيعية ، والتنافس المرير بين جناحي البعث في العراق بزعامة صدام حسين وسوريا.
1982 ميلاد حزب الله اللبناني كمقاومة اسلامية في لبنان ضد احتلال الاسرائلي للجنوب اللبناني مسلح ومدرب من الجمهورية الاسلامية الايرانية والحرس الثوري الايراني.
دعمت سوريا (في ظل نظام الاسد الاب) المنفصلة عن مصر السادات والمهددة بالتمردات المسلحة للاخوان المسلمين المقاومة الجديد ودخلت معها على الفور في تحالف معها ومع داعميها الايرانيين. وكانت علامة هذا التحالف اصطفاف الاسد مع إيران ضد العراق في الحرب الايرانية العراقية، مخالفاً بذلك (وهو صاحب الشعار القوموي العروبي) مجمل النظام العربي الرسمي.
شكل عام 1982 وبعد قمع حركة التمرد الاخواني ومأساة مجازر حماه وانكماش النظام على نفسه أكثر، عام بداية تفسخ نظام البعث في سوريا والذي عبر عن نفسه بتعملق الاجهزة الامنية وبانفجار الصراع بين حافظ الاسد وأخيه رفعت ، حيث برزت لأول مرة فكرة توريث الحكم في عائلة الاسد الاب.
شكل عام 1979 بداية التحولات لنيوليبرالية Neoliberalism أو العقيدة (الدوغما) الليبرالية الجديدة في الولايات المتحد الاميركية والمملكة المتحدة والتي تعني عودة الظهور في القرن العشرين لأفكار القرن التاسع عشر المرتبطة بالليبرالية الاقتصادية والسوق الحرة الرأسمالية وتخلي الدولة عن مسؤلياتها الاجتماعية . يرتبط المصطلح عمومًا بسياسات التحرير الاقتصادي بما في ذلك الخصخصة والغاء الخطة الاقتصادية والعولمة والتجارة الحرة والتقشف والتدفق الحر لرأس المال الخاص عبر الحدود والتخفيضات في الانفاق الحكومي والخدمات العامة من أجل زيادة دور القطاع الخاص في الاقتصاد والمجتمع. إلا أن السمات المحددة للنيوليبرالية في كلٍ من الفِكر والممارسة هي موضع جدال بحثي كبير. ففي صنع السياسات الاقتصادية كانت النيوليبرالية جزءًا من تحول مضاد للنموذج الكينزي ودولة الرعاية الاجتماعية الذي كان موضع الاجماع في الاقتصاد الرأسمالي الغربي والذي قاد إلى تضخم مصحوب بالركود الاقتصادي في الدول الرأسمالية الرئسية في السبعينيات من القرن الماضي.
1990 بدية تفكك الاتحاد السوفياتي أو الدولة السوفياتية ، والعودة إلى "الديمقراطية الليبرالية" المبتذلة.
1991 وبعد ابتعاد مصر عن سوريا وتفكك الاتحاد السوفياتي أظهر الاسد الاب ثلاثة ردود أفعال تحت ضغط التدخل الاميركي في الشرق الاوسط عبر ما سمي حرب تحرير الكويت أو حرب الخليج الثانية (الاولى الحرب الايرانية- العراقية). و حرب الخليج الثانية، أو أم المعارك، أو حرب تحرير الكويت وأطلق عليها عسكريًا أيضًا اسم عملية درع الصحراء (للمرحلة من 7 أغسطس 1990 وحتى 17 يناير 1991) وثم عملية عاصفة الصحراء (للمرحلة من 17 يناير إلى 28 فبراير 1991)، هي حرب شنتها قوات التحالف المكونة من 34 دولة بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية ضدّ العراق، بعد أن منح مجلس الامن تفويضًا بذلك لتحرير الكويت من الاحتلال العراقي.
وردود الفعل الثلاثة هي
1- اصطفاف نظام الاسد الاب إلى جانب الاميركيين حيث أرسل قوات رمزية إلى الكويت لاخراج القوات العراقية الغازية. وفي هذه الفترة كان التحالف مع حزب الله والايرانيين قائماً
2- اصدارالقانون 10 لعام 1991 لاستثمار الأموال في الجمهورية العربية السورية يسري هذا القانون على استثمار أموال المواطنين العرب السوريين المقيمين والمغتربين ورعايا الدول العربية ، والأجنبية في المشاريع الاستثمارية ضمن إطار خطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية العامة للدولة.
3- العودة إلى مفاوضات السلام مع إسرائل برعاية أميركية
وتضمنت المفاوضات التي اتخذت مساراً تصاعدياً، وفق ما كان يعرف بـ"أرجل الطاولة الأربع" لعناصر اتفاق السلام، الانسحاب الإسرائيلي من الجولان المحتلة منذ عام 1967، وترتيبات أمنية بين الطرفين، وتطبيع العلاقات بينهما، والجدول الزمني بين العناصر الخاصة باتفاق السلام. واستطاع كل من رئيس الأركان السوري حكمت الشهابي ونظيريه إيهود باراك نهاية 1994، وأمنون شاحاك منتصف 1995، الوصول إلى ورقة مبادئ الترتيبات الأمنية بين البلدين بحيث تكون متوازية ومتساوية. عاد كلينتون لتفعيل جهود السلام، التي استمرت ما بين أعوام 1996 و1999، تزامناً مع تراجع صحة الرئيس حافظ الأسد، وتصاعد الإعداد لتسليم الحكم لبشار خلفاً له. وذلك بسبب موت وريث الاسد ابنه الاكبر البكر باسل في حادث سير غامض عام 1994، والذي كان من المُتوقع أن يخلف والده كرئيس لسوريا بعد وفاته.
نهاية القسم الاول

#نايف_سلوم (هاشتاغ)       Nayf_Saloom#          

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات