عبدالامير الركابي
الحوار المتمدن-العدد: 8198 - 2024 / 12 / 21 - 15:32
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
ـ ملامح المهمه الكونية الكبرى المعلقه وضرورتها:
العراق لم يكتمل تشكلا بعد، وماعرف وماظل متعارفا عليه وغالبا بعد الاحتلال البريطاني عام 1917 والى اليوم، هو توهميه برانيه لاعلاقة لها بالعراق، ولاصلة تصلها بذاتيته والوعي بها، واذ يرهن الاحتلال الافنائي الانكليزي وجود العراق الراهن بالثورة الغربية وبالنظام الراسمالي العالمي، فانه وكما فعل فليب ويرلند الضابط الملحق بالحملة البريطانيه، انما وجد نفسه مضطرا لايجاد "عراق" يراه متطابقا مع منظوره ومخضعا له، فهو وغيره وعموم الغرب لم يجد نفسه مضطرا على سبيل المثال لوضع سردية عن تشكل "مصري" حديث كما جرى مع العراق الذي يعتقد ويرلند بانه ـ وهو المجتمعية الاقدم والاطوال تاريخا على مستوى المجتمعات ـ وموضع التبلور المجتمعي الاول في التاريخ، يبدأ بالظهور ابتداء من عام 1831 مع الاحتلال التركي الثالث، بازالة واسقاط حتى للاليات التشكلية الحديثة الفعليه الناظمه لتاريخ العراق الحاضر، والتي تعود الى القرن السادس عشر، ولاعلاقة لها بالنظام الراسمالي لامن قريب ولا بعيد.
وليس مايراه الغرب على هذا الصعيد الاساسي مساله عادية، او مجرد خطأ في الحساب والتقدير، بقدر ماهو تكريس لنمطية ونموذجية مجتمعية وتاريخيه غالبه ومسيطرة، من طبيعتها الحاق غيرها من المجتمعات بنموذجها، الامر البديهي اذا مااخذنا بالاعتبار ان الاعتراف بالاليات الذاتيه التشكلية العراقية، تعني نفيا للنموذجية الغربيه، او بالحد الادنى لشموليتها مع ماترتكز اليه من اسباب الغلبه الطبقية، وبالدرجة الاولى والاساس على مستوى الوسائل الانتاجية كانقلاب تاريخي، ماكان من المستحيل الاعتراف باحتمالية وجود غيره، او مايمكن ان يخرج عن حكمه ويضاهيه، الامر غير القابل للادراك في حينه، لامن قبل المحتل ولا من اهل المكان من العراقيين الغارقين في اللانطقية، مايزالون يرزحون تحت نير الانقطاعية الانحطاطية وتباطؤ الاليات المجتمعية التاريخيه، الغالب والسائد منذ سقوط بغداد على يد هولاكو عام 1258 .
فهل يمكن وقتها وحتى الساعة، القول بان التاريخ الحديث على مستوى المعمورة قد عرف نوعين من التشكلية الحديثة، الاول مابين نهريني لاارضوي منبعث في دورة ثالثة ذاتيا، بدأ مع القرن السادس عشر ومازال مستمرا الى الان، من دون ان تحضر الالة وفعلها في تشكله كمنطق ومحرك، واخر آلي برجوازي وقع في المجتمعية الاوربية المحكومه للازدواج الطبقي وآلياته الاعلى، والذروة مقارنه بغيره من مجتمعات من صنفه الارضوي، مامن شأنه ان يعتبر بمثابة خروج غير قابل للاعقال بناء على المنظورات الغالبة والمترسخة، وبالذات منها التي تكرست عمليا وتصوريا مع مايعرف بالنهضة الحداثية الغربيه المتغلبه على مستوى المعمورة، والكاسحة الحضور على انها المظهر الموصول بالحقيقة المطلقة وحكم القوانين التاريخيه ومآلاتها.
اعلم ان مااذهب اليه هنا، وما اجازف بقوله يتعدى كل ماهو ممكن اعقالا، وانه يناقض الثوابت الاساسية التي يعتمدها البشر الى الساعة في النظر الى ذواتهم والى الوجود والتاريخ وحركته، وعلى وجه الخصوص وتحديدا، مع الانبجاس الالي الحديث بين تضاعيف المجتمعية الاوربية بدفع وتحريك من الاقتصاد الكوني التجاري العباسي الاسلامي، مابين القرن الثامن والحادي عشر، ابان الدورة الثانيه الرافدينيه العباسية القرمطية الانتظارية، المتحققة انطلاقا بقوة الثورة الابراهيمه الختامية الجزيرية، وما اضافته من ديناميات تسريعيه للرافدينيه موضع الابراهيمه الاول والمنطلق، واعرف بان مااقترحه هو انقلاب كوني تصوري خارج المالوف ومن ثم المقبول، صادم وقد يكون غير قابل حتى للتخيل، بحيث انه يساوي وقعا وواقعا الوثبة التاسيسية الاولى البدئية المجتمعية السومرية مابين النهرينيه، مع كل مايمكن ان يستثيره امر من هذا القبيل من ردود افعال ومواقف رافضة وساخطة نافية، وبالذات من قبل الغرب المهيمن نموذجا وتفكرا ووطاة مجتمعية واقتصادية، وعلى الصعد الحياتيه كافة.
الا انني لااجد بالاحرى من مفرمن الاعلان عن الماثل، وماكنت اكتب عنه خلال بضع سنوات تمهيدا، وما اصرح به تنويها بالضرورة المتزايدة الحاحا، والتي تتحول باطراد الى واقع وشيك، من شانه ان ياخذ الحياة والوجود البشري الى الفناء بناء على التناقضية العظمى بين الادراكية والوعي المتاح المترسخ، وبين المتغير الاكبر في الوسائل الحياتيه الانتاجية ومايمكن ان ينتج عن ذلك من تصادميه متراكمه، تتولد عن السعي لاكراه الواقع على البقاء تحت طائلة ماقد ولى زمنه، وانتهت صلاحيتة، وهو ماقد بدا الكائن البشري يتلمس بداياته الاضطرابيه عالميا، مع توقع الاعظم والاكثر كوارثية.
من هنا وبناء على التوافقية مع الضرورة التاريخيه والحاحها المتزايد، يصير الاعلان عن الحقيقة المطموسه والمغفلة الناظمه للوجود والتاريخ بالاخص اليوم، مما لايمكن تاجيله او التردد مهما تكن العقبات او المخاطر دون اعلانه، بدءا بالاشارة الى ان الخطا الاكبر الحاصل في الوعي العام يكمن في القصور دون ادراك الحقيقة اللاارضوية المجتمعية باعتبارها نمطية منطوية على الغاية الوجودية التاريخيه النهائية، الامر الذي سبق خلال وقفات عديده ان تعرضنا لدلالاته، كحال قصور عقلي مستمر ازاء الظاهرة المجتمعية، ادعى الغرب من بين توهماته الحداثية، انه قد قاربه او تمكن من حله ب "علم الاجتماع" اخر العلوم، مع ان المشار اليه لايساوي ولايقارب المطلوب لهذه الجهه، وانه ليس اكثر من اطلالة برانيه، ولدت بالذات في اللحظة الالية، توهمية عظمى جعلت المسار التاريخي احاديا غربيا آليا، مع ان الحاصل واقعا هو مسار ثنائي، لاارضوي رافديني، وارضوي اوربي، الثاني يتعرف قبل الاول على الاله التي هو اقل قدرة على استكناه منطواها، علما بانها موجوده لكي تنهي نمطيته الارضوية، والثاني يظل مغفلا وخاضعا لاسباب الافنائية والسحق النوعي النمطي، علما بانه هو الذي ينطوي على ماتمثله الانتقالة الاليه، مقارنه بالتوهيمه المسقطه عليها من قبل الغرب الطبقي الاوربي، ومفهومه التعاقبي المتدني الاني ( يدويةـ آلية)، في حين انها ( جسدية ـ عقلية) تتغير معها المجتمعية كينونة، وتنقلب من نوع الى اخر.
ان الالة حين تنبثق لاتظل على ماهي عليه "مصنعية"، فهي عنصر متغير ذاهب الى غايته التي ولد كي يحققها، عبر "التكنولوجيا الانتاجية" الراهنه، ثم " التكنولوجيا العليا" العقلية حين ينتهي مفعول وامكانيه استمرار المجتمعية الارضوية، لتصبح الاله وقتها لاارضوية، ويصير العراق هو المحور الانتقالي، المجتمعي وموضع البدء الثاني اللاارضوي مكررا، بحكم اتفاقه كينونه وبنية مع مقتضيات التحول التاريخي المادي، من المجتمعية الحاجاتيه الجسدية، الى العقلية، وبدء طور التحرر العقلي من وطاة الجسدية ومتبقيات الحامل الحيواني، تحضيرا لمغادرة الكوكب الارضي المؤقت باتجاه الكون اللامرئي.
العراق مازال لم يكتمل تشكلا بعد، وهو في حال التشكل الازدواجي الكوني الاخير، بعد الاول السومري البابلي الابراهيمي، والثاني العباسي القرمطي الانتظاري، مع حلول الثالث الحالي التحولي العقلي، ومايقتضية من مسار ابتدا مع القرن السادس عشر، ومر حتى الان بثلاثة محطات، قبلية من السادس عشر الى الثامن عشر، وانتظارية نجفية من الثامن عشر الى العشرين، وايديلوجية، انتهت اليوم متحولة الى متبقيات فاقدة للفعالية والضرورة، بينما يتهيأ العالم وبمقدمه العراق للانتقال من هنا فصاعدا الى المحطة الكونيه الرابعه "العقلية"، الامر الذي يستحق بحوثا طويلة صارت بعد هذا الاعلان مما لايمكن تاجيله او التهاون في استحضاره امام العقل البشري الحي.
#عبدالامير_الركابي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟