أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رائد الحواري - الأخلاق وجمالية الكتابة في رواية -لم أكن أتوقع- راشد عيسى















المزيد.....


الأخلاق وجمالية الكتابة في رواية -لم أكن أتوقع- راشد عيسى


رائد الحواري

الحوار المتمدن-العدد: 8198 - 2024 / 12 / 21 - 00:40
المحور: الادب والفن
    


قلة من الأدباء يكتبون للناشئة، ونكاد لا نجد في أقطارنا العربية أدباء يكتبون لهذه الفئة، فمثلا في فلسطين هناك "محمود شقير وجميل السلحوت" اللذان بدءا في الكتابة للناشئة في مرحلة متأخرة، وهذا الأمر يستوجب التوقف عنده، لماذا لا يُكتب لهذه الفئة؟ ولماذا الذين كتبوا لها كتبوا بعد أن أصبح لهم أحفاد؟، وهذا أيضا ما نجده في هذه الرواية، فكاتبها، أصبح (جدا) كحال "شقير والسلحوت"
يبدو أن حالة الجد التي يعيشها الكاتب/الأديب تدفعه ليقدم شيئا لأحفاده، من هنا نجدهم يتقدمون للكتابة لهذه الفئة، فبعد أن يتقدموا في العمر، يريدون غرس (آخر) الشجرة في حياتهم، ويريدون من أحفادهم أن يعرفوا أن أجدادهم أدباء/كتاب، وعليهم أن يكملوا ما بدأوه، أعتقد أن هذا هو الدافع وراء كتاب (الأجداد) لهذه الفئة.
"زهرة" الأم السلبية
المثير في رواية "لم أكن أتوقع" تقديم الأم بصورة سلبية، والأب بصورة إيجابية، رغم (غيابه) فحضوره كان محدودا، وهذا ما طرحته "دانة" ببطلة الرواية، فهي تتحدث عن (أمها) بسلبية مطلقة، فقد كانت عائقا أمام إبداعها الأدبي والاجتماعي: "أرمي هذه الكتب في الحاوية" ص19، هذا عدا الصراخ والتهديد بإرسالها إلى ملجأ الأيتام، وكلما حاولت "دانة" نيل رضاها كانت ترد عليها بجفاء: "أنا محظوظة لأنك اخترت لي لأعظم أم في الدنيا...ترعاني وتحبني... أمي زهرة في قلبي وعيوني.
أدارت أمي وجهها إلى جهى أخرى، كان ملطخا بالأصباغ الساذجة، ونصف شعها الطويل يتدلى إلى ركبتها، وضجيج عطرها ملأ الصالة" ص37، صدم الأم (لأبنتها) والتعامل معها بصورة احتقار، جعلت "دانة" تتحدث عن (زينتها) بصورة شنيعة، فسوء معاملتها أنعكس مباشرة على نظرة الأبنة لها، مما جعلها تتحدث عنها بصورة قبيحة جماليا وأخلاقيا.
مواقف الأم السلبية يكشفها السارد في نهاية الرواية، عندما يتبين أن "دانة" ليست أبنة "زهرة" وما هي إلا زوجة أب، فرغم أن احتمال الحمل عندها كان معدوما، إلا أنها مشاعر الأمومة/العاطفة تجاه الطفلة "دانة" بقي معدوما، من هنا لم نجد لها أي موقف إيجابي، وما هي إلا عبء على زوجها "راضي الفاضلي" وعلى الأبنة "دانة"
"راضي الفاضلي" الأب الإيجابي
في الرواية العربية غالبا ما يأتي الأب بصورة سلبية، حتى أن "راشد عيسى" في روايته "مفتاح الباب المخلوع" قدم الأب بصورة قاتمة ومطلقة السواد، لكنه في هذه الرواية المواجهة للناشئة، يتجاوز ما قدمه في السابق، ويتحدث عن الأب بصورة مطلقة الإيجابية، ورغم (غياب) الأب إلا إن أثر حضوره أعطى "دانة" طاقة وقدرة على تجاوز وحشية "زهرة" وشراستها، ففي فاتحة الرواية تتحدث "دانة" عن مقولة/حكمة قالها: "بصبرك ومثابرتك تصلين القمة" ص7، هذه المقولة تم تردادها في أكثر من موضع في الرواية، فكانت بمثابة الصدى الذي أمد "دانة" بالقوة والحكمة والصبر والجلد، لتصل إلى الذروة من خلال فوزها بالمرتبة الأولى في مسابقة القصة القصيرة.
ولم يكتف السارد بتقديم أب "دانة" بصورة إيجابية، بل جعل الأب في القصة التي فازت بها "دانة" أيضا إيجابي، فنجد الأب الذي يصاب بحادث سير ويفقد قدمه، يحرص على تلبية متطلبات أبنه فيجلب له دراجة هوائية، واللافت في قصة "دانة" خاتمتها المذهلة: "سأل الطفل أباه وهو يحضنه: أبت.. أين قدمك الثانية؟ ما هذا؟
أنزل الأب الدراجة عن كتفه وأشار إليها بسعادة قائلا: هذه هي قدمي ألعب بها كما تشاء يا ولدي" ص53، فهنا تم إظهار عطاء الأب وحجم محبته لأبنه، وهذا يكمل إيجابية صورة الأب في الرواية، فالسارد يريد تقديم أب مطلق الإيجابية، وهذا ما وجدناه في الرواية.
ونجد نبل الأب من خلال تعامله مع زوجته "زهرة" فرغم ما أبدته من شراسة وعنف تجاه ابنته "دانة" إلا أنه يدعو ابنته للتنازل عن حصتها في الفيلا لصالح "زهرة" وهو بهذه الدعوة يثبت القيم والأخلاق الحميدة في الأبنة: "ولا تستوى الحسنة ولا السيئة أدفع بالتي هي أحسن، فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم" وهنا يكون السارد قد وضع أسس الأخلاق لدى المتلقين، وأوجد فيهم حب التسامح والعفو: "والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين"، وهذا ما يجعلنا نقول: إن الرواية جاءت لتؤكد أهمية الأخلاق ودورها في بناء الإنسان/المجتمع المتسامح، كما أنها جاءت لتؤكد ما جاء في القرآن الكريم من حرص على الأخلاق الحميدة وتجاوز عن سيئات الآخرين وخطاياهم.
الكتابة
الكتابة تمثل أحد عناصر الفرح/التخفيف التي يلجأ إليها الأدباء/الشعراء، كحال المرأة، والطبيعة، والتمرد، "دانة" تؤكد أهمية الكتابة كعنصر تخفيف/فرح، فبعد أن وجدت القسوة والصد من أمها تلجأ إلى الكتابة: "قررت أن تكون أمي (اللغة العربية وآدابها) ص14، من هنا أخذت تقرأ وتقتني الكتب وتؤسس مكتبة في بيتها، لتكون ملجأ لها وقت الشدة والقسوة، وهذا ما أعطاها القدرة على الإبداع والتحدث باحتراف عن الكتابة: "وأن النص الأدبي مهما كان نوعه يجب أن يحمل رؤيا أو فكرة مقدمة بأساليب جمالية مختلفة يتنقل فيها الكاتب بين المضمون والخيال ومختلف أنماط البلاغة" ص30، إذن الكتاب الأدبية ليست مجرد كلمات، بل لها شروط وضوابط، تتمثل في الجمالية التي تُقدم بها، وبالخيال/التخيل وتجاوز (العقل) وهذا ما فعله السارد في الرواية حينما جعل الخيال أحد أهم جمالية الرواية، فكان "دانة" لها قرين نفسي "سيرا" تحدثها وتتكلم معها وعهنا عندما يشتد عليها الواقع، أو تشعر بنشوة الانتصار والنجاح.
الطبيعة
عند الشعراء غالبا ما تكون المرأة هي المُوجدة لبقية عناصر الفرح، لكن في حالة "دانة" كانت الكتابة هي المُوجدة لعناصر الفرح، فنجد الطبيعة تنبثق من الكتابة: "لم أكن أتوقع أن حبي للغة العربية سيمنح حياتي معنى أجمل، وأن تعلقي بالأدب يوقظ بي خيالا شجاعا، دماغي حدائق أطفال وصهيل خيول، وأشجار تمشي، وأسماء تطير، وعصافير تبني أعشاشها على أمواج البحر، وفي قلبي قرى للفقراء وهضاب للغزلان التائهة وقوافل للأماني الرحل" ص46، نلاحظ أن الطبيعة حاضرة وبقوة، وهي ناتجة عن اللغة/الكتابة التي وأجدتها وكونتها في "دانة" واللافت في هذه الطبيعة أنها مقرونة بالأخلاق: "قلبي قرى للفقراء" بمعنى أن اللغة مُوجدة/مُكونة للخير والحب العطاء، وهذا ما يوثق العلاقة بين مضمون الرواية الأخلاقي، وبين فنية التقديم وما فيه من جمال أدبي ولغوي.
الخيال
يمكننا القول إن الخيال هو التمرد في الرواية، فهو الذي ساهم في إخراج "دانة" من واقعها، وأعطاها القدرة للوصول إلى القمة، والخيال جاء بأكثر من صورة وشكل، فأحيانا جاء متعلق ومرتبط بالتقديم الأدبي: "ولتقت أربع حبات سبق أن نقرتها البلابل والعصافير الأخرى... طعمها حلو.. فخيل إلي أني أبلع الموسيقى التي تسقط من فم البلبل في حبة المشمش... كانت موسيقى لذيذة.. فهل الموسيقى تؤكل؟ ربما" ص32، وأحيانا جاء متعلق بالأحداث الروائية، بالنجاحات التي تحققها "دانة": "ضحكت المديرة والمدرسات.. أما أنا فطلعت في صدري زيتونة وتمدد فوق كتفي كرم عنب، وأحسست بسيرا ترقص في ظلي رقصة النحلة فوق وردة مكتظة بالرحيق" ص36، وأحيانا مرتبط بالحالة الصعبة التي تمر بها "دانة": " لحسن حظي أن الحصة انتهت، أغلقت سيرا فمي بكفها كي لا أتكلم" ص50، وبهذا يكون الخيال أحد عناصر الفرح/التخفيف التي لجأت إليه "دانة" للتجاوز الصعاب، وتتقدم إلى الأمام لتحقق ذاتها كأديبة متألقة ومبدعة.
الحكم
أثناء مناقشة "دانة" مع زميلاتها لمقطع مترجم، يتحدث عن أرنبا وضع في قفص، يتحدثن عن مجموعة أفكار وجدنها فيه:
"نورة: الجبان لا تهمة الحرية.
عالية: الحرية تليق بالشجعان فقط" ص11، وهذا ما يدعم مضمون الرواية الأخلاقي والمعرفي والثوري، فالرواية موجهة لجيل المستقبل، وكان لا بد من إعطاءهم دفعه نحو الحرية وأهميتها في بناء الوطن والمجتمع، فالحرية وسيلة وغاية، وبالحرية فقط يبنى الوطن والإنسان.
الرواية من منشورات وزارة الثقافة الأردنية، عمان، الطبعة الأولى 2018



#رائد_الحواري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الواقع في قصة -الكابوس- مأمون حسن
- فشل حركة التحرر العربية
- سورية الجديدة (4)
- سورية (الجديد) 3
- سورية الجديدة (2)
- سورية
- سامح أبو هنود قصيدة -كن بين شكك واليقين-
- قصائد -أنا وليلى- للشاعر موسى أبو غليون
- الإثراء الثقافي والثراء الإنساني في كتاب -الثرثرات المحبّبة- ...
- النعومة في رواية -النور يأتي من خلف النافذة- إبراهيم جاد الل ...
- التنوع والتعدد في ديوان -شغف الأسئلة- منذر يحيى عيسى
- القهر في قصيدة -اعتذار- سامي البيتجالي
- كتاب -زهرات في قلب الجحيم-[*] للمحامي حسن عبادي
- الصراع في رواية “كليوبترا الكنعانية” لصبحي فحماوي
- الأفيون
- التاريخ وفنية التقديم في رواية -حكي القرايا- رمضان ا لرواشدة
- التَّعدد والتَّنوُّع في المجموعة القَصصيَّة -طَرْقٌ على جدار ...
- دفء الآباء عبد السلام عطاري
- المكان في رواية -كرك موبا، رسائل المدينة- عبد الهادي المدادح ...
- التميز في رواية خزانة الأحذية تغريد أبو شاور


المزيد.....




- الشاعر الأوزبكي شمشاد عبد اللهيف.. كيف قاوم الاستعمار الثقاف ...
- نقط تحت الصفر
- غزة.. الموسيقى لمواجهة الحرب والنزوح
- يَدٌ.. بخُطوطٍ ضَالة
- انطباعاتٌ بروليتارية عن أغانٍ أرستقراطية
- مدينة حلب تنفض ركام الحرب عن تراثها العريق
- الأكاديمي والشاعر المغربي حسن الأمراني: أنا ولوع بالبحث في ا ...
- -الحريفة 2: الريمونتادا-.. فيلم يعبر عن الجيل -زد- ولا عزاء ...
- لماذا يعد -رامايانا- أكثر أفلام بوليود انتظارا؟
- الفنان السوري مازن الناطور للمتظاهرين: صبرتوا 55 سنة مش قادر ...


المزيد.....

- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رائد الحواري - الأخلاق وجمالية الكتابة في رواية -لم أكن أتوقع- راشد عيسى