|
قراءة فاطمة شاوتي في روايتي المغربية لطيفة حليم -نهاران -و -دنيا جات -
فاطمة شاوتي
الحوار المتمدن-العدد: 8197 - 2024 / 12 / 20 - 13:55
المحور:
الادب والفن
قراءة في رواية ذات رأسين:
انطباعات قرائية أولية لفاطمة شاوتي في روايتي المغربية "لطيفة حليم" "نهاران" و"دنيا جات"
شطحات الحرية بين المغرب وكندا... من خلال رواية ذات رأسين
1/ قرأت روايتي المبدعة المغربية فقرأتني، سكنت شخوصها فعذبتني، لكن وجدت أن محنة الإبداع غدت منحة، وأن عتمة العقل تحولت متعة، تقاسمنا الفكر وعانقنا الفضاءات المتعددة التعذيب حلق بي إلى موضوع علاقة الكتابة والولادة من خلال تجربة توليد الفيلسوف اليوناني" سقراط" الأفكار من محاوريه، فقد كان يولدهم كما كانت أمه تولد النساء... هي خطوط الطول والعرض، كل الأمكنة مكان واحد وكل الازمنة زمان واحد... من المغرب إلى كندا؛ ومن كندا إلى المغرب، سافرت معها عبر الشطحات التي تذهب أفقيا عموديا، دائريا منغلقة متفتحة، فضاءات متنوعة تتحدث كل اللغات، وتكلم كل النساء، وتمشي عبر متاهات التاريخ، القديم الحاضر المستقبل، من غرناطة إلى فاس إلى موناشستر إلى كندا إذ تتداخل كل منها بالآخر ويتقاطع، ينفصل يتصل... تلك فضاءات الرواية الثنائية القطبين وإن بدتا وحدة إبداعية متجانسة إنها الرواية ذات الرأسين خاصة رأس "دنيا جات" لأنها سباحة نحو الحرية والوطن بمفهوم جديد...
2/
من هذه الشطحات سجلت ملاحظات أولية منها: أن المبدعة "لطيفة حليم"كسرت طابوالمساواة؛ الذي يتهافت عليه الجميع مع نظام كتابة لها قواعد معهودة، تنتمي إلى السرد الذكوري بامتياز بقواعده ومبادئه وأدواته كنموذج، نقيس عليه أي إبداع ...
لكن روايتي (دنيا جات ) و( نهاران) كسرت القاعدة الإبداعية، وبنت طوطم الخصوصية دون تبخيس الأدب المتداول...
أول ملاحظة :
أنهارواية تحترم سردا متقاطعا ، كسرت النظام وبعثرت النسق المألوف، فتحولت إلى شطحات، رقصت عليها النصوص والشخوص، من هنا خصوصيتها وتميزها...
ثاني ملاحظة:
أنها كسرت طابو لامغربية "شهرزاد "، الذي دافعت عنه(فاطمة المرنيسي) في كتابها "شهرزاد ليست مغربية" ، وأحيت موت شهرزاد الذي قتلته الأديبةاللبنانية(جمانة حداد) في كتابها "هكذا قتلت شهرزاد" إن شهرزاد المبدعة لطيفة مغربية، تكتب الحكايات لا تحكيها فقط...
3/
تتسع روايتا المغربية ( حليم) "دنيا جات"و" نهاران" لفضاءات متعددة ...
١_ فضاء الليل :
حيث ينتشر العري ويتكلم الجسد الأنثويحريته خارج السلاسل والخلاخل، و المحيط والمخيط، ليضرب المقدس الذي يقول: " جعلنا النهار معاشا والليل لباسا" فيتحول العري هو الحقيقة، والليل عري حقيقة؛ والنهار لباس هو اللاّحقيقة؛ ثنائية فلسفية بزغت في الصفحة 90 من رواية (دنيا جات ): " العري حقيقة، القميص و القفطان و المنصوريةكذب، الليل لا لباس فيه، الليل عري والنهار لباس " إن خرق المقدس تصنفه الرواية في خانة الحقيقة ضد الزيف و الكذب،
٢_فضاء الحمام:
فضاءثقافي خاص،له طقوس وأدوات يشير إلى العري و الحقيقة، يتفق مع فضاء الليل في مرسول الحقيقة،بل يسمح بحضور أجنبي لاينشرالأسرار... أشارت فدوى إلى ذلك في الصفحة 70 : " أنا لا أهتم بالمرأة داخل البرلمان ولا داخل الحكومة،ولا داخل قصر السلطان، أنا أريدها داخل الحمام ، لكن بشرط أن لا تقتحم الشرطة الحمام،أنا أرغب في أن تكتب المرأة داخل الحمام قصة تصبح فيلما"...
٣_ فضاء المطبخ:
تتحدث عن خصوصية العلاقة مع فن الطبخ من خلال : (شهيوة القدرة باللوزالحمام) التي تحترق دائماداخل الحدود أو خارجها، والاحتراق للطنجرة هنا أو هناك، هو حرق للحدود الجغرافية، وتعبير عن التوق والطموح للحرية... إنه حريق متعمد يؤكد على تجاوز وضعية العبودية، وضد الإرتهان إلى واقع الطبخ ... ضد ما سطرته ص 52 : "أنا لازمن لي زمني صاحبي ومكاني المطبخ" "أنت تافهة تفاهة البسطيلة، ألا تفكرين في الأشياء الأساسية والمهمة والجوهرية التي تهم المرأة...؟"
٤_ فضاء الخياطة:
فضاء يحضر فيه التطويق بكل أدوات الفصالة وتركبيب العقد،كتعبير عن إسقاط كل مستلزماته على عالم الكتابة من خلال تقنيةالفوطوشوب ، الثياب قطع ؛والكلمات قطع؛تبدع الكاتبة بتجميعها في حلةجميلة ، و ذوق رفيع... إنها تجسيد لخياطة الحروف والكلمات لتصنع عالما حرفيا يعبر عن فكرة أو قضية ما...
4/
إن فضاء الليل والحمام والمطبخ والخياطةلدى المبدعة المغربية، يحيل إلى كتابة نسائية، ترقص فيها الحروف والكلمات والجمل، رقصا نسائيا، يحرر المرأة من الدائرة المغلقة،التي فرضتها على نفسها ... الفضاءات مفتوحةو مغلقة، يتم اقتحامها من خلال سيادة لغوية متعددة ككشْكول، يقول قولا خاصا، تفك شفرته المرأة وحدها،لغة عربية؛ دارجة؛ أمازيغية؛ فرنسية؛ إسبانية؛ إنجليزية؛ تؤشر على وحدة اللغة، مهما اختلفت فونيماتها الصوتية؛ تؤدي دور التواصل، وهي ميزةمرسومة بدقة وحداقة الفنانة... هي فضاءات متنوعة تتوالد في الروايتين معا،لكنها تتسم بثقل البنية الدينية وسيادة المقدس، تغطي معظم الصفحات إلى جانب حضور الثقافة الشفوية بشكل أفقي وعمودي، والطقوس والأغاني،عربية أمازيغيةدارجةكما في أغنية عرس الزفاف( الصبوحي)، التي تغنيها النساء دون وعي بدلالاتها ،الصفحة 80: "أَلَلاَّبَنْتْ الْحُرَّةْ فِ يَدْ الرْجَالْ الْمَحْظِيَّةْ" الأجمل هو حضور اللهجة المحلية، والألفاظ المنحوتة من قاع الخابية المغربية، ابتداءً من عالم الخياطة والطبخ إلى عالم الأغاني واللعب... يعني أن الروايتين خاصة الأولى مغربية،لا يفك شفرتها إلا مالكو اللهجة الوطنية بكل ألوان الطيف، وقد أدت دور التواصل بدقة دون ابتذال، يزينها الاغتراف من معين الثرات، ك"ألف ليلة وليلة" و"طوق الحمامة"لابن حزم و"الغزالي" يزيدها جمالاحضور الرسائل المشفرة بين النساء في أحاديثهن السرية والحميمية، الصفحة 87 و88: " الَحْمَامْ تَيْلقْطوا الزْوَانْ" اذهبي عند جدتك وقولي لها: " قْلِي اللُّوزْ وُقَبْطِي الْمَرْسُولْ...! " وحضور تاريخ نسائي منسي فيه إشارة إلى الكاهنة الأمازيغية وإلى أول ربّانة الطائرة التي قتلها أحمد الطويل في فاتح مارس سنة1956 عندما رفضت الزواج منه وهي"ثريا الشاوي" كما تحضر الخرافة بشكل مكثف في الصفحة 67 : "مثل بنت السلطان والحمامتين "والنجار الذي صنع دمية تكلمت افتتن بها ولما تزوجها تحول قردا" الصفحة 69 والرواية غنية بالحكايات عن الكيد بين النساء، الكيد الذي مكن منى من تطليق زوجها المسن في الصفحة 57 /58 وقد أشارت إلى أن النساء في ذلك الزمن كان لهن الحق في الطلاق بطريقتهن، إذ أن المرأة تكون" مُطلِّقة"لا" مطلَّقة"في الصفحة 63 من روايتها (دنيا جات) التي ضمنتها الكاتبة مجموعة من قضايا النساء المغربيات في منطقة فاس خاصة... "النساء هن بدورهن يطلقن الرجال، سمعت مرة جدتي تحكي تقول : كانت جدة جدة جدتي بغرناطة تطلق زوجها، يعلم بطلاقه عندما تحول باب دارها، فإن كانت يمينا جعلتهاشمالا، فإذا شاهد صاحبها ذلك عرف أن صاحبته طلّقته" إنها رواية عبارة عن كرونولوجيا عائلية بمنطقة مغربية لها خصوصيتها الحضارية وإن ارتبطت بواقع عام، يسودها العنف والعلاقة المتوترة بين الزوجين من خلال سلطة ليكسيك ديني ومحلي رائع يستلهم كلمات محلية أصيلة لها وقعها الجمالي لاتعوضها اللغة العربية وإن تولدت منها، لأنها تعبر بدقة قوية عن المقصود... (البابور _الشربيل_هيدورة_)...
5/
استنتجت أن الرواية الأولى أو الرأس الأول كان تأسيسا لتاريخ نسائي مشحون بالأحداث، حاولت الروائية الغوص في متاهاته لتفرغ شحنات كهربائية، توقظ الذهن للبحث في هذا التاريخ الخاص جدا، فقدمت رواية كمجال لترجمة هذه الأحداث على شكل شطحات ،لاتُعرف بدايتها ولانهايتها... لهذا فهي نوع روائي ذو نكهة مغربية، ذكرني بفيلم المخرج المغربي ( محمد عبد الرحمن التازي) "البحث عن زوج مراتي" في الجزء الأول خاصة... إنها شطحات نحو الحرية تلك الحرية التي زرعت لهاأجنحة، حلقت بها بين مكانين هما المغرب وكندا، لتتحدث عن وحدة الوطن واللغة والجنسية والمرأة... فقد كانت صدمة الغرب هي التي مكنت النساء من تحقيق المطالبة بحقهن في الحرية، وهو ماتقدمه روايتها ذات الرأس الثاني "نهاران"... تجربة من نوع مختلف خارج التنميط الشرقي الذي نتهم بتقليده، إبداع يؤسس لتجربة نسائية مختلفة، إبداع يستحضرخصوصية مغربية، يتحول فيها الطرْز إلى قلم للكتابة...
#فاطمة_شاوتي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
سِرُّ الْهَزِيمَةِ...
-
حِينَ يَقْتَرِفُ النَّصُّ خِيَانَةَ الْمَعْنَى...
-
غُبَارُ التَّوَابِيتِ...
-
عَاصِفَةُ الْقِيَّامَةِ...
-
مُعَلِّمٌ دُونَ طَرِيقَةٍ...
-
الشِّعْرُ رَهْبَةُ الذَّاتِ...
-
إِنْتِظَارَاتُ امْرَأَةٍ...
-
فِي رَحِمِ الرَّمَادِ طِفْلُ الْقَمَرِ...
-
قراءة تفاعلية بين فاطمة شاوتي والأستاذ ميلود فيروشة من خلال
...
-
قراءة الأستاذ حسن بوسلام في نص الشاعرة فاطمة شاوتي - تَرَاتِ
...
-
قراءة تفاعلية بين الأستاذ حسن بوسلام والشاعرة فاطمة شاوتي من
...
-
شهادة الأستاذ حسن بوسلام في موقف الأستاذة فاطمة شاوتي من الف
...
-
جَنَازَةُ الْكَلَامِ...
-
كَسْرٌ فِي فِنْجَانٍ...
-
قُبْلَةُ الشَّوْكِ...
-
نَبْحَةٌ فِي الْجَحِيمِ...
-
الْمِرْآةُ لَا تَعْرِفُ وَجْهَهَا...
-
رِحْلَةُ الْكَلْبِ الْأَسْوَدِ...
-
نُفُورُ شَهْرَزَادَ مِنَ الْحِكَايَةِ...
-
بَائِعَةُ الْأَحْلَامِ...
المزيد.....
-
نقط تحت الصفر
-
غزة.. الموسيقى لمواجهة الحرب والنزوح
-
يَدٌ.. بخُطوطٍ ضَالة
-
انطباعاتٌ بروليتارية عن أغانٍ أرستقراطية
-
مدينة حلب تنفض ركام الحرب عن تراثها العريق
-
الأكاديمي والشاعر المغربي حسن الأمراني: أنا ولوع بالبحث في ا
...
-
-الحريفة 2: الريمونتادا-.. فيلم يعبر عن الجيل -زد- ولا عزاء
...
-
لماذا يعد -رامايانا- أكثر أفلام بوليود انتظارا؟
-
الفنان السوري مازن الناطور للمتظاهرين: صبرتوا 55 سنة مش قادر
...
-
القضاء الأميركي يرفض إلغاء إدانة ترمب في قضية الممثلة الإباح
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|