بين المسافات والفرح: رحلة البحث عن الطمأنينة قراءة نقدية اسلوبية في قصيدة : مسافات – بقلم : الشاعرة : سونيا عبد اللطيف – تونس . بقلم : كريم عبدالله – العراق .

كريم عبدالله

الحوار المتمدن-العدد: 8197 - 2024 / 12 / 20 - 13:54
المحور: الادب والفن
    

بين المسافات والفرح: رحلة البحث عن الطمأنينة
قراءة نقدية اسلوبية في قصيدة : مسافات – بقلم : الشاعرة : سونيا عبد اللطيف – تونس .
بقلم : كريم عبدالله – العراق .
مقدمة:
قصيدة "مسافات" هي إحدى أعمال الشاعرة التونسية سونيا عبد اللطيف التي تتناول موضوع البحث عن الطمأنينة في عالم مليء بالفراغات النفسية والفجوات العاطفية. يظهر في هذه القصيدة الصراع الداخلي الذي تواجهه الشاعرة بين المسافات التي تفصلها عن الفرح، والبحث الدائم عن السلام الداخلي والسكينة التي تملأ هذه المسافات.

الموضوع:
الموضوع الرئيس في القصيدة هو "البحث عن الطمأنينة" الذي يتخذ شكلاً من الصراع بين الشاعرة والفرح. الفرح بالنسبة للشاعرة ليس مجرد شعور عابر، بل هو هدف بعيد المنال، يظل محاطًا بعوائق شديدة. هذه العوائق تتخذ شكل مسافات، جبال، رياح، بحار، صحاري، وعواصم عظيمة، وتوحي بأن الفرح بعيد جدًا عن متناول اليد، كما لو كان الهدف السامي الذي يصعب الوصول إليه. لا تقتصر المسافات على الجغرافيا فقط، بل تشمل الزمن والعاطفة.

الأسلوب:

التكرار: التكرار في القصيدة كان وسيلة لتعزيز فكرة المسافة والعوائق النفسية والجغرافية. جملة "بيني وبين الفرح" تتكرر عدة مرات لتمثل الفجوة المتسعة بين الشاعرة والفرح. هذا التكرار يعكس حالة التوتر المستمر والانتظار الذي تعيشه الشاعرة.

التشبيهات والاستعارات: اعتمدت الشاعرة على التشبيهات الغنية والمعبّرة لتوصيل أفكارها. "بيني وبين الفرح مسافات وعرة، بحجم الجبال الجاثمة" هذه الصورة الشعرية تعكس الصعوبة التي تواجهها الشاعرة في الوصول إلى الفرح. كما أن "تشبه الريح في عتوّها" يعبّر عن القوة والاندفاع الذي يمنع الوصول إلى الطمأنينة.

"بيني وبين الفرح عواصم عظيمة، تسكنها جيوش جالوت" يظهر التحدي الكبير والظروف القاسية التي تجعل الوصول إلى الفرح شاقًا. استعارة جيوش جالوت، التي تتطلب "الجزية والقرابين الثّمينة"، تشير إلى التضحيات الكبيرة والظروف القاسية التي يجب مواجهتها للوصول إلى الراحة النفسية.

الرمزية: الشاعرة استخدمت الرمزية بشكل عميق لإيصال أفكارها. على سبيل المثال، "فردة حذاء سندريلا" هي رمز للبحث عن الكمال أو السعادة التي يبدو أن الشاعرة لا تستطيع الوصول إليها، مما يعكس الانفصال بين الذات المثالية والواقع القاسي. بينما تمثل "شهرزاد" الأسطورة الشخصية التي تعرف كيف تتعامل مع المسافات بين البشر والألم والتحدي، حيث "اختصرت جميع المسافات المديدة" بكلمات وحكمة عميقة، وهو ما يمثل القوة السحرية للكلمة والعاطفة.

التناص: القصيدة تحتوي على إشارة واضحة إلى الأسطورة الشرقية لشهرزاد وشهريار، ما يعزز البُعد الثقافي والتاريخي في النص. هذه الإشارة ليست مجرد محاكاة للأدب العربي الكلاسيكي، بل هي دعوة لإعادة التفكير في القوة العاطفية التي يمكن أن تصنع التغيير، كما فعلت شهرزاد مع شهريار، في رمز للإصلاح العاطفي والإجابة على التحديات.

اللغة والايقاع: لغة القصيدة تتميز بالشفافية والصدق العاطفي، حيث تُستخدم الصور والرموز بذكاء لتنقل مشاعر الشاعرة بين الحيرة والأمل. الإيقاع الداخلي للقصيدة ينمو بشكل متسلسل؛ تبدأ الجمل ببطء مع الشعور بالمسافات الطويلة والصعوبات المتعددة، ثم تزداد قوة مع ظهور رمزية شهرزاد التي تلخص المسافات المديدة.

الخاتمة: قصيدة "مسافات" هي رحلة نفسية مليئة بالصور الشعرية الجميلة والرمزية العميقة التي تعبر عن الصراع الداخلي والتحديات التي تواجه الإنسان في سعيه نحو السكينة. في النهاية، تبقى القصيدة دعوة للتأمل في كيفية تجاوز المسافات التي تفصل بيننا وبين سعادتنا، حيث قد لا تكون المسافات فعلاً إلا انعكاسًا لتلك الحواجز التي نضعها في طريق أنفسنا.
القصيدة :
مسافات...
بيني وبين الفرح مساحات وعرة، بحجم الجبال الجاثمة، تشبه الرّيح في عتوّها.
بيني وبين الفرح مسافات ليست قصيرة ولا هي باليسيرة، تفصلنا عن بعض أنهار جارفة وبحار أمواجها ثائرة، وأنا لا أملك اجنحة النْسور، ولا سواعد طالوت لأقود سفينة.
بيني وبين الفرح عواصم عظيمة، تسكنها جيوش جالوت، دخولها يستوجب الجزية والقرابين الثّمينة.
بيني وبين الفرح صحاري، براري، مهاوي، خطيرة، كم بوصلة، كم نجما كم شمسا، كم دليلا يلزمني، كي لا أحيد في طريقي عن طريقي.
بيني وبين الطّمأنينة أميال لا تحصى ولا تعدّ لا بالهرج ولا بالسّكينة، وفردة حذاء سندرلاّ أصبح قديما، لا يليق بأميرة.
فيا توأم الرّوح، أخبرني، ما سرّ شهرزاد، صيّرت اللّيل كالبرق يظهر وميضا، والفجرَ جعلته يطلع سريعا، ومن غضب شهريار غزلت في قلبه شرايين من التْحنان، وبقبلة اشتياق عظيمة،اختصرت جميع المسافات المديدة. أليس العشق إكسير الضّياء، والأرواح حين تعرج لللّقاء أسرع من اختراق الضوء للفضاء...
سونيا عبد اللطيف
تونس 18/ 12/ 2024

#كريم_عبدالله (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات