|
دور الإعلام والمجتمع المدني في النظام السياسي البديل
رابح لونيسي
أكاديمي
(Rabah Lounici)
الحوار المتمدن-العدد: 8197 - 2024 / 12 / 20 - 13:53
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
عادة ما يطلق على رجال الإعلام مصطلح السلطة الرابعة، دون أن يعلم الكثير بأن رجال الإعلام هم ممثلو هذه السلطة، وبعبارة أخرى ممثلو الرأي العام، وقد ظهر مصطلح السلطة الرابعة في أواخر القرن 18م بفرنسا، وأطلقت آنذاك على الجماهير التي فرضت على الملك تنفيذ رغباتهم من خلال الثورة والمظاهرات، وقد سميت هذه الجماهير بالسلطة الربعة، إضافة إلى ثلاث سلطات آنذاك، وهي الملك والكنيسة والبرلمان، كانت كلها في يد الملك، وليس كما يعتقد اليوم أنها سلطة إلى جانب السلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية التي يجب أن تكون منفصلة بعضها عن بعض مثلما طرح ذلك مونتيسكيو. ولم يشع مصطلح السلطة الرابعة إلا في إنجلترا على يد الكاتب ويليام هازيليت عندما وصف مندوب إحدى الجرائد إلى البرلمان بأنه ممثل السلطة الرابعة، أي ممثل الجماهير، فأصبح المصطلح يطلق على الصحافة بسبب قدرتها على التحريك والتهييج والتأثير في الرأي العام. ولم يبق اليوم التأثير على الرأي العام حكر على الصحافة فقط، بل انتقل إلى كل وسائل الإعلام والنشر كالتلفزيون والأنترنات ووسائط التواصل الإجتماعي والسينما والفنون والآداب، بل حتى المساجد في العالم الإسلامي ومختلف دور العبادة، مما جعل الجميع يتسارعون للسيطرة على هذه الأجهزة الخطيرة كرجال السياسة والأنظمة ورجال المال... وغيرهم، فتتحول إلى أجهزة في خدمة مصالح هؤلاء بدل أن تعبر عن حقيقة توجهات وطموحات ورغبات كل الشعب دون استثناء، مما يطرح إشكالية كيفية سيطرة المجتمع والأمة على هذه الأجهزة . إن كانت الدساتير في الغرب لم تجعل من هذه السلطة الرابعة مؤسسة دستورية مثل السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية، واكتفت فقط بضمان حرية التعبير والتفكير والنقد والاعتقاد لمستخدمي مختلف هذه الأجهزة، فإنه يمكن لنا إعطاء هذه السلطة صفة المؤسسة الدستورية، تتوسع إلى رجال الإعلام والفن والسينما والفكر والآداب، وكل الذين يقومون بهذه المهمة المقدسة باللسان والقلم والصورة. فعلى هؤلاء أن لا يبقوا مشتتين، مما يٌسهَّل ضربهم، فعليهم الانتظام في هيئة أو مؤسسة دستورية تضم كل ممثلي الذين يقومون بهذه المهمة النبيلة الذين ذكرناهم آنفا، وعلى هذه الهيئة أن تقوم بتسيير وإدارة أجهزة الأعلام كالتلفزيون والمساجد وأماكن التربية والمؤسسات السينمائية والفنون ودور النشر... وغيرها من الوسائل التي عبرها يمكن صناعة الرأي العام، وبهذا الشكل فقط نكون قد وضعنا أخطر الأجهزة في هذا العصر المتصف بعصر الاتصالات في يد أصحابها الحقيقيين بدل وضعها في أيدي السلطة في الأنظمة الدكتاتورية والشمولية أو تحت سيطرة رجال المال والأعمال مثلما هو حاصل اليوم في الديمقراطيات البرجوازية. لا يمكن ضمان مختلف الحريات التي نصت عليها مختلف الدساتير الحديثة إلا بإعطاء الحصانة لهؤلاء سواء أكانوا أعضاء في الهيئة التي تمثلهم أم لا، ولا يمكن رفع الحصانة عنهم إلاّ من طرف الهيئة التي تمثلهم لأسباب موضوعية أو في حالة القيام بأعمال يعاقب عليها القانون أو تناقض المهمة النبيلة التي كلفهم المجتمع والأمة بها . وعلى هذه الهيئة أن تكون مستقلة استقلالا تاما عن مختلف السلطات الأخرى والأحزاب السياسية كي تكون مخلصة للمجتمع الذي تدافع عن مصالحه، والذي يدفع ضريبة خاصة له مقابل ذلك، مثلما تدفع أجور هؤلاء مما تنشره من أعمال فنية وأدبية وفكرية وإعلامية. لكن لا يمكن أن تنتظم وتتدعم الرقابة أكثر إلا بتنظيم وتقوية المجتمع المدني، فما هو دور هذا الأخير في هذا النظام السياسي البديل. يعتبر الفيلسوف الألماني جورج فلهلد فردرك هيغل G.W.F Hegel (1770-1831) أول من استعمل مصطلح المجتمع المدني في القرن19م، وذلك في كتابه "أصول فلسفة الحق"، فبعد أن قام بتحليل دقيق للنقابات المهنية والشركات والقوى السياسية والطبقات الاجتماعية والمجتمعات المحلية التي كانت سائدة آنذاك في المجتمع الألماني، توصل هيغل إلى القول بأن بعض هذه المؤسسات "ضرورة بشرية لا غنى عنها، وبدونها قد يكون الناس مجرد جمهور لا تأثير له... وأن ارتباطات الفرد بمختلف هذه الجمعيات هي لتي تضفي عليه أهمية كبرى ودور يذكر". وذهب هيغل إلى حد وضعه انتماء الفرد إلى جمعية من الجمعيات هو الشرط الضروري لكي يكتسب صفة المواطنة، لأن بقاء الفرد لوحده دون الانضمام إلى أي جمعية أو تنظيم هو الذي سيسهل على السلطة قمعه وامتصاصه، مما سيؤدي إلى إضعاف المجتمع من طرف السلطة، فيختل التوازن داخل الدولة بين المجتمع والسلطة. وبهذا وضع هيغل المجتمع المدني والمجتمع السياسي كشرط لمواجهة استبداد السلطة، لأنه لو بقي الفرد مواطنا فقط دون الانخراط في الجمعيات غير السياسية التي تشكل المجتمع المدني أو الأحزاب السياسية التي تشكل المجتمع السياسي، يسهل على السلطة التي في يدها أجهزة الدولة قمع المواطنين وضرب مصالحهم. ولهذا نصل إلى نتيجة مفادها أن المجتمع المدني والأحزاب السياسية هي وسيلة للحفاظ على التوازن في الدولة بين السلطة والمجتمع المهيكل في مختلف الجمعيات والأحزاب التي تمنع السلطة أو أي حزب وصل إلى السلطة عن طريق الانتخابات من استعمال أجهزة الدولة ضد المجتمع ومصالحه، وبعبارة أخرى يمكننا القول أن المجتمع المدني والأحزاب السياسية هي وسيلة للحفاظ على التوازن بين العنصرين المتحركين من عناصر الدولة، وهما السلطة والشعب أو المجتمع، مادامت الدولة تتشكل من أربعة عناصر وهي الشعب، الإقليم، السلطة والسيادة. فبناءً على هذا الأساس فإن أي إضعاف للمجتمع المدني وللأحزاب السياسية هو إضعاف للدولة، لأن ذلك سيسمح للسلطة بالتخلي عن وظيفتها، وهي خدمة المجتمع والأمة، وبذلك تنخر جسم الدولة، لأنها لا تجد من يكبحها سلميا، مما يؤدي إلى رد فعل فوضوي من الموطنين ضد الاستبداد والقهر والظلم، مما يمكن أن يوقع الدولة في مطبات لا مفر منها كحرب أهلية يمكن أن تكون سببا في زوال كيان الدولة ذاتها، وبناء على كل هذا يمكننا وضع قاعدة أساسية في تسيير الدولة الحديثة والمعاصرة، وهو أن قوة الدولة لا يمكن أن تكون إلا بقوة أحزابها السياسية ومجتمعها المدني، وأن أكبر خطر يهدد الدولة هو أن تحاول السلطة إضعاف الأحزاب السياسية والمجتمع المدني أو تحويلها إلى مجرد أدوات في يدهاأو إحتوائها. يغيب على الكثير أن قوة المجتمع المدني هي تقوية للدولة إذا كانت مختلف الجمعيات تقوم بمهامها كما يجب دون عراقيل تذكر، لأن من مهام الجمعيات غير السياسية في الدولة الحديثة والمعاصرة المساهمة في مساعدة وخدمة المجتمع الذي تمثله مما يؤدي إلى التخفيف من أعباء الدولة المالية والإجتماعية. وإذا كانت المهمة الرئيسية للمجتمع المدني في الديمقراطيات الغربية هي منع السلطة من استعمال أجهزة الدولة ضد المجتمع، فإنه بإمكاننا نحن أن نضيف وظيفة أخرى إلى مختلف هذه الجمعيات، وتتمثل في مراقبة وفضح كل من لا يقوم بواجباته المهنية والوطنية كما يجب، فمثلا لو نملك جمعيات قوية لأولياء التلاميذ هل يستطيع أي أستاذ أو مربي أو إدارة مؤسسة تربوية التخاذل في العمل؟، ولو كنا نملك جمعيات للدفاع عن المرضى قوية في كل موقع، فهل بإمكان أي طبيب أو إدارة مستشفى أن يخل بعمله ومهمته النبيلة ؟، ولو كنا نملك جمعيات قوية للدفاع عن المواطن ضد بيروقراطية الإدارة، فهل يمكن لأي إداري مهما يكن أن يعرقل المواطن في أعماله؟، لو كنا نملك جمعيات قوية لحماية الاقتصاد الوطني، فهل يمكن للعمال وإدارات المصانع أن تشغل فقط أقل من ربع طاقتها في الإنتاج؟. نعتقد أن هذا النوع من الجمعيات يمكن أن تلعب دورا مهما في دفع أي إطار أو عامل و مدير للقيام بعمله على أحسن ما يرام خوفا من رقابة مختلف الجمعيات عليه إذ كان منعدم الضمير المهني، خاصة إذا كان لهذه الجمعيات الحق في رفع دعوى قضائية أمام القضاء المستقل بوصفها تدافع عن مصلحة المجتمع. لكن هذا الأمر يستدعي تنظيما قانونيا فعالا يحفظ التوازن والمصالح، فكما نرفض أن يخل أو يهمل أي صاحب وظيفة بمهمته، فإننا نرفض أيضا أن تستعمل بعض الجمعيات لأغراض شخصية. نعتقد بأنه بهذا الشكل يمكن أن نجعل كل طرف في المجتمع يدفع الطرف الآخر إلى إتقان العمل وخدمة الدولة والمجتمع بصفة مثلى، فيكون المجتمع دائما في تقدم وازدهار، وهكذا يكون هذا التنظيم للمجتمع يشبه النظام الكوني أين تجد كل عنصر من عناصره كالكواكب والأقمار... وغيرها تجذب بعضها بعضا بتوازن عجيب مما يحفظ سلامة الكون وعدم اختلاله . إن الحركة الجمعوية ليست مهمتها كبح جماح أية سلطة وحماية مصالح المجتمع فقط، بل يمكن للكثير منها المساهمة في التنمية بكل أشكالها كالمساهمة في بناء المدارس والمستشفيات والمصانع، واستثمار الكثير من الأموال في مشاريع اقتصادية تخدم الدولة والمجتمع، خاصة الجمعيات الخيرية التي يجب أن لا تحصر مفهوم فعل الخير في بعض الأعمال فقط كشراء الأدوات المدرسية للتلاميذ الفقراء أو توزيع الملابس عليهم في الأعياد أو بناء مسجد ودور العبادة، بل لا بد علينا من توسيع مفهوم فعل الخير إلى الكثير من المجالات مثل استثمار الأموال في بناء المصانع أو ورشات مهما تكن صغيرة، مما سيدر خيرا وفيرا على المجتمع من خلال إنتاج السلع وتشغيل البطالين، كما تستغني الجمعية نفسها إذ تصبح قادرة على تمويل نفسها، ويمكن أن تصبح قوة اقتصادية تساهم بشكل كبير في تنمية اقتصاد الدولة والخروج من التبعية الاقتصادية. وفي الأخير نصل إلى القول أن قوة كل من المجتمع المدني والأحزاب السياسية هي إحدى الوسائل الكفيلة بحماية الدولة من نظام شمولي (Totalitaire) يستغل المجتمع ويطوعه لخدمة مصالح سلطوية بحتة بدل تسخير أجهزة الدولة لخدمة مصالح المجتمع، هذا ما يجب العمل على تجنبه خاصة بعد ما عرفنا كارثية الأنظمة الشمولية والكثير من بلدان العالم الثالث ومنها دول منطقتنا التي أعطت أمثلة يندى لها الجبين حول إهانة الإنسان وقمعه والتنكيل به . وبتناولنا دور الإعلام والمجتمع المدني في نظامنا السياسي البديل نكون قد أنهينا سلسلة مقالاتنا حول هذا النظام الذي يحتاج إلى نقاش اوسع من أجل تطويره وإعطائه فعالية أكبر مثله في ذلك مثل النظام الإقتصادي البديل الذي خصصنا له من قبل سلسلة مقالات أيضا.
#رابح_لونيسي (هاشتاغ)
Rabah_Lounici#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
السلطة التنفيذية والرقابة الشعبية لها في النظام السياسي البد
...
-
مسألة الحريات وحقوق الإنسان في النظام السياسي البديل
-
تطور تكنولوجيا الإتصالات ومستقبل الديمقراطية في الغرب ومنطقت
...
-
تغييب مشكلة السلطة في التراث الفكري الإسلامي وإنعكاساته؟
-
مستقبل منطقتنا بين سيطرة الكمبرادورية وسلطة العلم والمعرفة
-
تنظيم بديل للمصارف وتمويل المشاريع الإقتصادية
-
من أجل نموذج جديد للتنمية
-
تنظيم جديد لمؤسسات الإنتاج الإقتصادية وتوزيع الدخل
-
مباديء وأسس النظام الإقتصادي البديل
-
لماذا فشلت كل الإختيارات الإقتصادية في منطقتنا؟
-
هل فعلا الندرة هي وراء المشكلة الإقتصادية؟
-
ما هي الإشكاليات الواجب حلها لإخراج منطقتنا من التخلف؟
-
تفسير- ماركس وأنجلس - لتخلف منطقتنا
-
تفاسير عنصرية وإستعلائية لتخلف منطقتنا
-
ماذا بعد الرئاسيات الأخيرة في الجزائر؟
-
تفسير مالك بن نبي لتخلف منطقتنا
-
ما مسؤولية الطبقات الحاكمة في منطقتنا ما قبل الاستعمار في تخ
...
-
تفسير سمير أمين لتخلف منطقتنا
-
هل للتوسع الرأسمالي علاقة بتخلف منطقتنا؟
-
أخطار العولمة الرأسمالية على مستقبل الإنسانية
المزيد.....
-
مصدر سعودي يكشف معلومات عن المشتبه به بهجوم الدهس بألمانيا و
...
-
أحد أكثر حوادث الطيران غموضا.. الطائرة المنكوبة MH370 تعود ل
...
-
إعلام ألماني يعلن ارتفاع حصيلة قتلى هجوم الدهس في مدينة ماغد
...
-
هل هو فصيلة جديدة؟.. اكتشاف أحفورة تشبه النمر بأنياب حادة جد
...
-
الأزهر يدين حادث الدهس في ألمانيا: -الاعتداء على الآمنين خرو
...
-
الكونغرس الأمريكي يمرر تشريعا للتمويل تفاديا لإغلاق حكومي
-
عن الخروج الروسي من سوريا..!
-
إسرائيل تواصل قصف غزة موقعة قتلى وجرحى والحوثيون يستهدفون تل
...
-
كلمة الملتقى الوطني لدعم المقاومة وحماية الوطن / مسيرة الملت
...
-
تركيا تدين بشدة هجوم مدينة ماغديبورغ الألمانية.. وتكشف عدد م
...
المزيد.....
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
المزيد.....
|