أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعود سالم - غرزة بودلير وشلته















المزيد.....

غرزة بودلير وشلته


سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي

(Saoud Salem)


الحوار المتمدن-العدد: 8196 - 2024 / 12 / 19 - 20:51
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


دخلت العقاقير المخدرة ، مثل الحشيش أو Cannabis أو الماريوانا والأفيون - أوروبا إثر حروبها التوسعية الاستعماريّة، في البداية كمادة للتجربة والإختبار لدى العلماء والأطباء لمعالجة الإضطرابات النفسية والإختلالات العقلية، ولكن سرعان ما أثارت إنتباه الشعراء والفنانين الذين كانوا يبحثون عن هذا "الإختلال العقلي والخيالي" وتغذيته للوصول إلى حالات جديدة للوعي وفتح أبواب الخيال لعوالم جديدة من الإبداع والخلق الفني. دخلت الماريجوانا إلى إنكلترا في بداية القرن السابع عشر، وعرفت فرنسا الحشيش أثناء حملة نابليون بونابرت، الذي أدخل لمصر العديد من التقنيات الجديدة ومن ضمنها المطبعة الحديثة، واستورد في مقابلها، أو "سرق" العديد من الكنوز المصرية والآثار الفرعونية التي لا تقدر بثمن، ومن ضمن ما أخذه معه إلى فرنسا مادة "الحشيش"، بوصفها عقارا طبيا ذات آثار مهدئة يمكن إستعمالها لمعالجة الأمراض العصبية. غير أن هذه الإهتمامات الطبية والعلمية سرعان ما تحولت إلى تجربة جمالية، أدبيّة وفنية سحرت الطبقة المثقفة في باريس ذلك الوقت. بدأت هذه الحركة مع ترجمة كتاب "توماس دي كوينسي - Thomas De Quincey"، "اعترافات إنكليزي آكل أفيون-Confessions of an English Opium-Eater"، الذي ترجمه إلى الفرنسية عام 1828 "الفريد دي موسيه - Alfred de Musset" تحت إسم مستعار ADM. وقد ساهم هذا الكتاب في فَتح أعين المثقفين والفنانين والشعراء على تجربة هذه المواد، بوصفها تختزن طاقة جماليّة وإبداعية، فجذبت الرومانسيين من الكتاب والشعراء والفنانين التشكيليين والموسيقيين. وقد اشتهر في باريس أواسط القرن التاسع عشر ما يعرف بـ"نادي الحشاشين" Club des Hashischins، الذي أسسه الطبيب Jacques-Joseph Moreau de Tours في منتصف القرن التاسع عشر، حيث أستمر نشاط النادي بين 1844 حتى 1849، وتردد عليه مثقفوا تلك المرحلة في هوتيل لوزون l Hôtel de Lauzun، المعروف أيضا بفندق بيمبودان في جزيرة سانت لويس الواقعة على نهر السين وسط باريس. والمكان مازال قائما حتى الآن كفندق في باريس، وإن أصبح مغلقا للعامة منذ سنة 2011.
خلال هذه الفترة، قام الدكتور مورو دي تور، المتخصص في الإضطرابات العقلية والأمراض العصبية، بدراسة آثار الحشيش من خلال تناوله هو نفسه لهذه المادة بانتظام. وقد أكتشف الدكتور مورو دي تور هذا المخدر ودرسه بعناية خلال رحلاته بين عامي 1837 و1840 إلى مصر وسوريا وآسيا الصغرى، عند عودته إلى فرنسا، واصل تجاربه على نفسه ونشر في عام 1845 عملاً بعنوان الحشيش والإضطراب العقلي Du haschich et de l Alienation Mentale حيث أكد وجود علاقة تشابه بين الحلم والهذيان وهلوسة الحشيش. وهذا العمل هو الأول الذي ينتجه أحد العلماء في موضوع الحشيش كمادة طبية. وقد قام الدكتور مورو بتعريف الكاتب والشاعر تيوفيل غوتييه Théophile Gautier على مادة الحشيش خلال هذه الفترة نفسها وشجعه على تجربتها. يروي غوتييه أيضًا تجاربه الأولى في دراسة قام بها في يوليو 1843 بعنوان "الحشيش - Le Haschich"، ويصف تأثيرات هذا الدواء في ثلاث مراحل: حدة الأحاسيس وقوتها l’hyperesthésie des sensations، وخاصة السمعية منها، وتمدد أو تمطط الزمن، وأخيرًا ظهور شخصيات وصور غريبة بشعة figures grotesques.
أنشأ الدكتور مورو نادي الحشاشين في عام 1844، وكان تيوفيل غوتييه من أوائل الشعراء الذين شاركوا في جلسات تجارب هذا المخدر، وقد كتب فيما بعد نصا بعنوان نادي الحشاشين، مخصصًا لهذه التجارب الفنية الجماعية. وقد سبقه نشر مقال حول هذا الموضوع في فبراير 1846 في مجلة Revue des Deux Mondes يشرح محتوى وسياق التجارب التي تم إجراؤها في هذا الملتقى. تصف مقدمة العمل الزيارة الأولى التي قام بها تيوفيل غوتييه إلى النادي: "في إحدى الأمسيات من شهر ديسمبر، استجابةً لاستدعاء غامض، مكتوبًا بعبارات غامضة لا يفهمها إلا المطلعون على الأمر، وغير مفهومة للآخرين، وصلت إلى منطقة بعيدة، أشبه بواحة من العزلة في وسط باريس، يحيط بها ذراعي النهر، كأنها تدافع ضد أخطار وتعديات الحضارة المحيطة، في منزل قديم في جزيرة سانت لويس، فندق يسمى بيمودان، الذي بناه لوزون، نادي غريب كنت قد انضممت إليه مؤخرًا كان يعقد دوراته الشهرية، حيث كنت سأحضره لأول مرة »
يدعو Théophile Gautier الأصدقاء إلى هذه الجلسات ويقوم تدريجيًا بتوسيع دائرة النادي. وفي هذا المكان التقى بشارل بودلير للمرة الأولى، وقد جاء الأخير ذات يوم كمراقب بسيط مدفوعا بحب الإستطلاع. ثم تبدأ صداقة عظيمة بين هذين الشاعرين، حيث سيكتب تيوفيل غوتييه مقدمة أزهار الشر Fleurs du mal، ديوان شارل بودلير الكبير. لكن تيوفيل غوتييه أصيب بخيبة أمل في هذه المغامرة ولم يشارك كثيرا في الجلسات، قائلا: "بعد حوالي عشر تجارب، نبذنا هذا المخدر إلى الأبد، ليس لأنه يؤذينا جسديا، لكن الأديب الحقيقي يحتاج فقط إلى أحلامه الطبيعية، ولا يحب أن تتأثر أفكاره بأي عامل خارجي.». كانت تنظم في هذا النادي جلسات دورية تحضرها شخصيات متنوعة لها دور كبير في مجال الفن والأدب، كالرسامين - يوجين دولاكروا Eugène Delacroix، وهنري دومييه Honoré Daumier، والكاتب الروائي ألكساندر دوما Alexandre Dumas، وفيكتور هوغو، وبلزاك Honoré de Balzac، فلوبير Gustave Flaubert، جيرار دو نرفال Gérard de Nerval، إلى جانب الشاعر شارل بودلير الذي أنجز كتابه "فراديس اصطناعية"- Les Paradis Artificiels - تحت تأثير الحشيش والأفيون الذي كان يتعاطاه في النادي. يعود بودلير من حين لآخر إلى فندق بيمودان، وسيروي فيما بعد بعض تجاربه في هذا الفندق في هذه الدراسة عن آثار الحشيش والأفيون. وقد عاش، لفترة قصيرة نسبيا، من 1843 إلى 1845، في الشقة الواقعة فوق الشقة التي تحتوي نادي الحشاشين (استأجرها مقابل 350 فرنكًا ذلك الوقت، ووجد هناك مصدر إلهام لقصيدة Invitation au voyage)، ولن يبقى شارل بودلير طويلاً في النادي، كما أنه غير راضٍ تماماً عن تأثيرات "الدوامسك- dawamesk"، هذا الخليط من الحشيش والعسل وأنواع من اللوز. كما سيصف بطريقة دقيقة بشكل خاص الآثار السيئة لهذا المعجون في الكتاب المذكور سابقا، والذي يصف فيه مادة الحشيش ويعطي بعض المعلومات التاريخية وبأن هذه المادة جاءت من الشرق ويذكر فرقة الحشاشين الإسلامية. ويقول في المقدمة "الحس السليم يخبرنا بان الأشياء الأرضية - الواقعية -لا تتمتع سوى بقليل من الوجود، بينما الواقع الحقيقي La vraie Réalité لا يوجد سوى في الأحلام". ويرى أنه في الإمكان خلق حالة إصطناعية تقربنا من حالة الأحلام هذه يسميها المثال أو العالم المثالي الإصطناعي L Idéal Artificiel، ويقول بأن أفضل مايمكن أن يقودنا إلى تحقيق وعيش هذه التجربة هو الحشيش والأفيون.



#سعود_سالم (هاشتاغ)       Saoud_Salem#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تاريخ المخدرات
- عفاريت شكسبير
- كش مات
- عالم هكسلي المرعب
- أكتشاف المسكالين
- الوعي والمخدرات
- الهوية الغائبة
- حكاية الفيل والتمساح
- جاكوبي، الإيمان ضد العقل
- العلمانية
- الفكر المتحرر
- كميونة باريس
- الثورة الفرنسية والكنيسة
- الجمهورية العدمية
- روبسبيير .. النبي السفاح
- الغسق
- كلوتز، العدو الشخصي للمسيح
- في غياب الله .. كل شيء مباح
- التيارات العدمية
- بوادر العدمية


المزيد.....




- قطار يمر وسط سوق ضيق في تايلاند..مصري يوثق أحد أخطر الأسواق ...
- باحثون يتكشفون أن -إكسير الحياة- قد يوجد في الزبادي!
- بانكوك.. إخلاء المؤسسات الحكومية بسبب آثار الزلزال
- الشرع ينحني أمام والده ويقبل يده مهنئا إياه بقدوم عيد الفطر ...
- وسقطت باريس أمام قوات روسيا في ساعات الفجر الأولى!
- الدفاعات الروسية تسقط 66 مسيرة أوكرانية جنوب غربي البلاد
- -يديعوت أحرنوت-: حان الوقت لحوار سري مع لبنان
- زعيم -طالبان-في خطبة العيد: الديمقراطية انتهت ولا حاجة للقوا ...
- الشرع: تشكيلة الحكومة السورية تبتعد عن المحاصصة وتذهب باتجاه ...
- ليبيا.. الآلاف يؤدون صلاة عيد الفطر بميدان الشهداء في طرابلس ...


المزيد.....

- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعود سالم - غرزة بودلير وشلته