حسام تيمور
الحوار المتمدن-العدد: 8195 - 2024 / 12 / 18 - 00:52
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
هل هي حالة الهلوسة الخطابية المعتادة لدى القيادة الإيرانية أم ان هناك شيئا ما يطبخ في سوريا باتفاق مع السلطة الجديدة؟
إن حديث وزير الخارجية الايراني عن مسألة الديون الايرانية لدى النظام السابق حديث غريب و سريالي فعلا، حيث يصرح حرفيا بأن الديون المتراكمة على النظام السابق ستدفعها الحكومة الجديدة وفق توافقات و تفاهمات معينة، كما انه يتحدث بكل اريحية عن عودة العلاقات و التمثيل الدبلوماسي الايراني في سوريا و كان شيئا لم يكن، و ذلك بحديثه عن ان اعادة افتتاح سفارة ايرانية في سوريا مسألة وقت فقط.
لقد تعودنا دائما من القادة الايرانيين هلاوس سياسية و دبلوماسية في خطاباتهم الموجهة نحو الخارج و تحديدا نحو الاعلام، و التي لا يصدقها احد طبعا لانها ببساطة هلاوس و هرتلات. لكن في الجهة المقابلة هناك نوع من الصمت السلبي لدى القيادة الجديدة في سوريا، كما أن هناك كثيرا من التصريحات السياسية المجانية و الهدايا الديبلوماسية بدون سبب، يوزعها "احمد الشرع" يمينا و شمالا، في ظل غياب اي منطق ناظم للخطاب السياسي الجديد للسلطة الجديدة و تحديدا في مسألة صداقات و عداوات سوريا اليوم، و التي ليست هي سوريا الأمس.
هنا، قد نتفهم الموقف "المهادن" من تل ابيب و عربدتها العسكرية السياسية في سوريا، كون انها تصفية لتركة النظام السابق و لحسابات تل ابيب مع النظام السابق، بوصفه كيانا وظيفيا هزيلا منزوع الارادة ، يستعمل لانفاذ النشاط الارهابي الايراني الطائفي في المنطقة باسم الممانعة و حلف الممانعة، و عليه فإن موقف "الشرع" لم يكن متناقضا حتى مع موقف "الجولاني" و بأي شكل، مهما اجتهد ايتام ايران و الممانعة في محاولة اظهار العكس.
و حيث ان الخط الثوري، أو حتى "الجهادي"، بالمعنى العقائدي، لما يسمى "هيئة تحرير الشام"، او "النصرة" سابقا، هو تحرير سوريا من نظام البعث الطائفي العلوي، و الانتصار لأهل السنة ضد ما يتعرضون له من حلف "الارهاب" الايراني باسم الممانعة، و هذه هي الحدود المنطقية و الموضوعية للخط الراديكالي لدى الهيئة كما الجبهة و غيرها، و عليه فإن الموقف من اسرائيل هنا، يتحدد فقط وفق ما تقرره السلطة الجديدة تحت اطار شرعية الحكم، و لن يكون بأي حال بالضرورة و منطقيا و موضوعيا كذلك، نفس موقف النظام الذي قامت ضده الجبهة و الهيئة و عامة الشعب السوري!
لكن، و رغم كل ما سبق، نلاحظ أن هناك نوعا من التردد و الخجل في خطاب "احمد الشرع" بخصوص الموضوع الاسرائيلي، نظرا لحساسيته العامة و الظرفية طبعا، حيث ان السياقات الحالية كلها تتحالف لانتاج حالة استقطاب حاد، ضد كل خطاب مهادن او براغماتي تجاه اسرائيل، باعتبار أن حالة الشحن الايديولوجي و العاطفي بلغت درجة غير مسبوقة على خلفية حرب غزة و تورط محور ايران فيها بشكل مباشر بوصفه داعما اساسيا للمقاومة او طرفا فيها.
إن خطاب "الشرع" هنا في الواقع، يحاول امساك العصى من الوسط، حيث يحاول ارسال رسائل الى تل ابيب، انطلاقا من مرجعية واضحة لا غبار عليها، و لا علاقة لها حتى بالتحول من "الجولاني" الى "الشرع"، و هذه الرسالة مفادها ان معركة النصرة و أخواتها هي ضد النظام السوري، و جيش النظام السوري، و طائفة النظام السوري، و استبداد النظام السوري، و مذهب النظام السوري، و ارهاب النظام السوري، و ميليشيات النظام السوري، الدموية الطائفية.. و بما يعني فيما يعنيه، ضد (اكذوبة) ممانعة النظام السوري، بوصفها احدى أهم الادوات التي استعملها هذا النظام لذبح الشعب السوري طوال سنوات و عقود.
على الجهة المقابلة، نلاحظ ان هناك حالة لا اكتراث من قبل الكيان، حيث أن قردة السياسة و الجيش في تل ابيب يتظاهرون بعدم التقاط رسائل "الشرع" الواضحة، و ذلك لغاية معينة في انفسهم، يمكن تلخيصها في حالة التوجس من الوافد الجديد، كما يمكن اعتبار حالة "الصمم" في تل ابيب، انعكاسا مباشرا لإرادة سياسية عسكرية ذات اجندات استعمارية توسعية، و بهذا فإن القرد السياسي اليهودي لن يسمع و لن يفهم شيئا.
ما يجب على "الشرع" حاليا، أو "الجولاني" سابقا، ادراكه و فهمه جيدا، ان الخطاب الحازم مع تل ابيب، ليس هو خطاب اللاّوضوح، او حتى التصعيد، بل هو خطاب المهادنة و وضع النقاط على الحروف ببساطة، و حيث ان الثورة التي قامت على نظام عميل طائفي مجرم باسم الممانعة، لن تكون اعادة انتاج لنفس الأكاذيب و نفس الخطاب الزائف، الذي لن يخدم قضية سواء في الداخل او الخارج، و لن يخدم استقرارا سواء في الداخل او الخارج كذلك.
إن الموقف من ايران و محور ايران هنا هو مربط الفرس، و ذلك لسببين أساسيين، اولهما ان ايران و اذرعها متورطة بل مشاركة في سفك الدم السوري و استباحته على المشاع، اكثر من النظام السوري نفسه، و بذلك فإنها عدو مباشر لسوريا الجديدة، شعبا و نظاما و أرضا و هوية و ثقافة.. و هذا ما يتفق عليه "الشرع" كما "الجولاني" .. و غيرهم من اطياف المعارضة الممثلة لارادة الشعب السوري في التحرر.
و عندما يتحدث "الشرع" عن عدم وجود عداوة مع "الشعب الايراني"، فإنه هنا يوزع هدايا سياسية و دبلوماسية بدون فائدة، و لا حاجة، حتى إن كان هذا نفسه خطاب نتنياهو..
و حيث أن خطاب نتنياهو لا يراهن على "الشعب الايراني" بوصفه شعبا صديقا، بل يخاطب الشعب الايراني كبديل لنظام الحكم الحالي، و بمعنى انه يخاطب شعبا آخر مفترضا لنظام سياسي اخر مفترض، قد يصنعه هذا الشعب كما قد يصنعه التدخل الخارجي لتغيير النظام، و هو على فكرة نفس خطاب الخارجية الامريكية في عهد ترامب، كما يصرح به "مايك بومبيو"، و هو ليس خطابا مجردا، بل خطابا مقترنا بالعمل الفعلي على اختراق النظام الحالي و العمل على اضعافه ثم اسقاطه من الداخل، و هذا لا يعني القيادة السورية الجديدة في شيء، و بعيد كل البعد عن اهتماماتها المفترضة .
إن مسؤولية السلطة الجديدة هي ببساطة تحقيق الغاية من وجودها، او غاية الثورة و التغيير في سوريا، و موضوعيا لا يمكن لهذه الغاية ان تتحقق إلا بالغاء كل تركة النظام السابق سواء مع اعدائه الزائفين أو حلفائه الفعليين، و لا يمكن تحقيق هذا الواقع الجديد للسلطة الجديدة، بمنطق الكلام المعسول و الهدايا المجانية، حيث و ببساطة، كل اقتراب من ايران، سوف يستدعي تصعيدا مجانيا مع تل ابيب، و هذا بالضبط ما تريده تل ابيب و ايران معا.
إن رسائل "الشرع" هنا تظل كلاما فارغا و استنزافا مجانيّا لمصداقية القيادة الجديدة و شرعيتها الثورية، و حيث ان الانتقال من "الجولاني" إلى "الشرع" لا يعني ابدا، العودة بالمشهد الى عبثية الخطاب و فراغات التأويل و انعدام الفعل .
و في حالة الاستقطاب الايديولوجي و العاطفي المزمنة حاليا، فإن أول و آخر ما يتوجب على "احمد الشرع" فعله سياسيا، و دون تأخير او مماطلة، تجنبا للفخ "الايديولوجي"، هو اعلان ايران و اذرعها كذلك، كدولة معادية لسوريا البلد و سوريا الشعب، و ذلك بوصفها كيانا تخريبيا ارهابيا اوغل في سفك دماء السوريين و استغلال مقدرات بلدهم لانفاذ اجندات توسعية استعمارية طوال سنوات، و هذا كذلك هو نفسه الموقف الضمني من اسرائيل، لو كانوا يعلمون! بعيدا عن الثرثرة و استهلاك الكلام في الجهة المقابلة اي موضوع العلاقات مع اسرائيل..
و غير ذلك فإنه خيانة صريحة للثورة السورية و عودة الى المربع الأول، و هنا ينتهي الشرع و الجولاني معًا.
#حسام_تيمور (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟