أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - توفيق أبو شومر - نزوح بسبب قنبلة!















المزيد.....


نزوح بسبب قنبلة!


توفيق أبو شومر

الحوار المتمدن-العدد: 8195 - 2024 / 12 / 18 - 00:22
المحور: الادب والفن
    


كنتُ أسير نحو السوق، سمعتُ صوت انفجار قوي، التفتُّ نحو الدخان المنبعث من المكان، بسرعة اعتقدتُ أن الهدف هو مكان لجوئي، أعادت دقات قلبي السريعة قدميَّ إلى موقع الانفجار، كان الهاربون ينظرون إليَّ باستعراب وأنا أسير نحو موقع الانفجار، هم لا يعلمون أن في المكان زوجتي غير القادرة على الحركة السريعة، وهناك أوراقي وكمبيوتري الشخصي، لم أكترث بصوت رجل قال لي: أيها المجنون لا تذهب في هذا الاتجاه هناك قصف مدفعي وقنابل عديدة، لم أكن قادرا على الجري، كنت أحاول أن أستجمع بعض السرعة بسبب نقص الغذاء، كنت ألهث بشدة. صرخت فتاة أعرفها وهي جارتي في مكان اللجوء: ارجع ربما يعاودون قصف المبنى، قصفوا المبني بقذيفة واحدة، يبدو أنها للتحذير ولم يصب سوى طفل صغير كان يلعب في الساحة بسبب تناثر الحجارة.
وصلتُ قريبا من مدخل البناء، جاران وحيدان يقفان بعيدا عن المبني، أحسا بالراحة عندما وصلتُ المكان، لم ينتظرا سؤالي، قال أحدهما وهو يشير إلى ثقب يقع بالضبط في الطابق العلوي لمكان نومي قنبلة مدفع اخترقت المبنى من الجهتين، لا تخف ابنتك وزوجتك غادرتا المكان بسلام، لا تدخل المبنى قف هنا بعيدا حتى ينجلي الأمر، كلُّ القاطنين في المبنى غادروا المكان، كان الاثنان ينتظران تقييمي وتحليلي، ألستُ محللا سياسيا قادرا على استكناه خبايا الأمور؟ غير أنهما حصلا بصمتي وانقباض وجهي على الإجابة.
لم أكترث بالتحذير وطأتُ أكوام الحصى المتناثرة على الأرض وعلى أدراج المبنى، لا أعرف كيف وصلتُ غرفة نومي التي تكفي فقط لتمدد اثنين على الأرض، ولا تسمح لي بأن أعلق ملابسي، لأن الغرفة كانت مخزنا لأدوات الرسم والنشاط الفني. لملمت بقايا أغراضي البسيطة، وحشرتُها في حقيبتي الصغيرة، لم أعد أشعر بالجوع، حشرت كمبيوتري وسط ملابسي خوفا من أن يُكسر، بصعوبة وجدت حبلا صغيرا أطوي به الفرشتين والبطانيتين والوسادتين، حاولت أن أضغط بكل قوتي على فراشي ليتمكن الحبل القصير من جمعها معا، فشلت، أعدتُ ترتيبهما من جديد وأنا أسمع حارس المبنى يقول أسرعوا ريما يعاودون قصف المبنى، أخيرا تمكنت من عصرها داخل الحبل القصير!
غير أنني لم أكن أعلم كيفية نقل الحقيبة وكومة الفراش لإنزالها من الطابق الثاني إلى بوابة المبنى البعيدة، حاولت أن أرمي كومة الفراش إلى أسفل من أحد الشبابيك، غير أنني لم أجد شباكا يتسع للكومة،، قررت أن أحمل الحقيبة أولا على كتفي، وأنزل بها لأنها تحتوي على كمبيوتري الشخصي وبقية ملابسي وملابس زوجتي، لا أعرف بالضبط كيف نجحت في رفع الحقيبة على كتفي وأنا مرهق وجائع ، ولكنني أدركت أن الضوائق تُخرج من النفوس كل مخزونات القوة، لأن إرادة الحياة أقوى من الاستسلام للموت، فالسمكة تظل تحاول العودة للبحر حتى وهي مأسورة في يد الصياد، هبطت من السلم إلى الطابق الأول ساعدني الحارس في إنزال كومة الفراش التي أصبحت نادرة الوجود بسبب النزوح.
أنا الآن عاجز عن إيجاد وسيلة مواصلات فقد خلا المكان من البشر، كيف سأنقل فراشي وحقيبتي إلى مركز إيواء جديد في خيمة أخي الصغيرة القريبة من شاطئ البحر!
تحسست هاتفي المحمول، كان جثة هامدة فيه شحنة كهربية بسيطة، علامة الاتصالات تختفي تماما ليس هناك وسيلة اتصال لأطلب المساعدة، جررت حقيبتي ووضعتها بعيدا عن البناء بخمسين مترا تقريبا تحسبا لقصفٍ جديد، مكان لجوئي يقع على أطراف المدينة وهو الآن خالٍ من السكان بسبب خوفهم من القصف.
لمحت من بعيد أحد الجيران وقد نجح في إيجاد عربة يجرها حمار صغير، يسوسها رجل جاوز الستين من العمر، اتجهت إليهما، ليس هناك متسع في العربة، بالإضافة إلى اختلاف المكانين طلبتُ من صاحب العربة أن يعود لي بعد أن يُفرغ حمولته، فاشترط أن يكون السعر مضاعفا، وافقت وعدت إلى كومتي المنثورة على الأرض بعد أن انقطع الحبل الربط، حاولت أن أجمعها مرة أخرى ببعض قطع الحبال الملقاة وسط بقايا شجيرات الزيتون، تمكنت أخيرا من أن أجمعها في كومة كبيرة، جلست فوقها أتأمل المكان الفارغ من المشاة والسكان، لم أشاهد أحدا غيري في المكان، لم أكن خائفا إلا أن يُخلف سائق العربة وعده ويجد عرضا أكثر إغراء مما طلبه!
حاولت أن أعتصر هاتفي مرات عديدة لعله ينجح في الاتصال بأحد، لكنني فشلتُ، خشيت أن يفقد آخر شحناته الكهربية، أمضيتُ ساعة ونصف وحدي في المكان أنتظر العربة! أخير قبل غياب الشمس بقليل لمحت سائق العربة من بعيد، وهو يحث الحمار الصغير على السرعة كان يضرب ظهره بحبل مجدول من أسلاك الكهرباء كلما تعب! كنتُ أعتقد قبل هذا اليوم أن ضرب البهائم بهذه القسوة جريمة لا تُغتفر، ولكنني اليوم أصبحت أخشى من البوح بهذه العقيدة.
يبدو أن سائق العربة أصابه هلع الطمع في مكسبٍ سريع جمع بين حمولتين، فهو يحمل فوق عربته شحنة أخرى من الماء ومن أكياس الدقيق الذي يملأ خشب العربة باللون الأبيض، حاولت أن أحشر أمتعتي وسط هذه الأغراض، قال: اجلس هنا بين حقيبتك، وبين كومة الفراش وضع يديك عليهما لمنعمها من السقوط بسبب اهتزاز العربة، رفضت طلبه شفقة على الحمار المنهك، ولكنني لم أستطع إعلان رفضي بصوتٍ عالٍ، حمدتُ الله لأن الحمار أفرغ برازه بعيدا عن مكان جلوسي المقترح من السائق، الآن صار للحمار سائقان يسيران على الأرض، أحدهما السائق عن يمين والثاني أنا عن يسار.
وصلتْ العربة إلى شارع طفح المجاري الدائم، صيفا وشتاء، كان الشارع غارقا بمياه سوداء تفوح منها رائحة كريهة، مما ألزمني أن أركب فوق العربة مُكرها، حشرتُ جسدي بين صرة الفراش وحقيبتي، كان يجب عليَّ أن أواظب على رفع قدمي إلى أعلى حتى أبعدهما عن صديد مجاري الشارع، وكانت هذه مهمة شاقة جدا، لأن بعض السيارات كانت ترشق بقايا المجاري على أقدام السائرين وسط تلك البحيرة، وتصل بالطبع إلى قدمي، حاولت أن أرفعهما عاليا غير أنهما كانتا تصدمان بالسائرين، هذه الرياضة اليومية يمارسها كل النازحين في قطاع غزة!
هذا هو الشتات الثالث لعائلتي الصغيرة، زوجتي الآن في مكان لجوءٍ جديد، وابنتي في مكان ثان، وأنا في خيمة من قطع النايلون!
(من ملفات نزوحي في الشهر الرابع)



#توفيق_أبو_شومر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من هي جان دارك دونالد ترامب؟!
- قصة جاري الحمار!
- شمال إسرائيل، أم جنوب لبنان؟
- طاحونة والدي!
- لماذا اختارت الحكومة العميقة ترامب؟
- جنازتان لم أحضرهما!
- لا تحولوا إعلام الكوارث إلى إعلام تسلية!
- كاوبوي البورصات، وأبطال الصناعات!
- مولودة في خيام النازحين!
- هل خسائرنا تكتيكات؟!
- الاغتيالات في إسرائيل!
- دفنوها في حضن قبر أبيها!
- مصادر قوة نتنياهو السرية!
- القبض على مياه المطر!
- استطلاعات الرأي سلاح خطير!
- اصطياد الإنترنت على شواطئ غزة!
- هل أزالت حرب إبادة غزة (ديموقراطية) إسرائيل؟
- قصة أفلاطون في خيمة اللجوء!
- إسرائيل أو أمريكا أيهما القائد؟!
- Baby Sitter من الإيباك لكل عضو كونغرس أمريكي!


المزيد.....




- دراسة تحليلية لتحديات -العمل الشعبي الفلسطيني في أوروبا- في ...
- مكانة اللغة العربية وفرص العمل بها في العالم..
- اختيار فيلم فلسطيني بالقائمة الطويلة لترشيحات جوائز الأوسكار ...
- كيف تحافظ العائلات المغتربة على اللغة العربية لأبنائها في بل ...
- -الهوية الوطنية الإماراتية: بين ثوابت الماضي ومعايير الحاضر- ...
- الإبداع القصصي بين كتابة الواقع، وواقع الكتابة، نماذج قصصية ...
- بعد سقوط الأسد.. نقابة الفنانين السوريين تعيد -الزملاء المفص ...
- عــرض مسلسل البراعم الحمراء الحلقة 31 مترجمة قصة عشق
- بالتزامن مع اختيار بغداد عاصمة للسياحة العربية.. العراق يقرر ...
- كيف غيّر التيك توك شكل السينما في العالم؟ ريتا تجيب


المزيد.....

- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - توفيق أبو شومر - نزوح بسبب قنبلة!