محفوظ بجاوي
الحوار المتمدن-العدد: 8194 - 2024 / 12 / 17 - 21:34
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
إن المثقف الحقيقي هو ذاك الذي يعي دوره التاريخي والإنساني في خدمة قضايا مجتمعه وعصره. فقد أكد الفيلسوف الإيطالي أنطونيو غرامشي أن المثقف يموت معنويًا عندما يتخلى عن رسالته الأساسية وينغمس في ممارسات الحياة الترفيهية، تاركًا خلفه المسؤولية الفكرية التي يجب أن يحملها على عاتقه.
لقد أصبحنا اليوم نعيش في زمن تُقاس فيه قيمة المثقف بمقدار الشواهد العلمية التي يحملها، مثل الدكتوراه أو الماجستير، دون النظر إلى عمق فكره أو مدى تأثيره في مجتمعه. تحوّل مفهوم المثقف إلى مجرد لقب أكاديمي مرتبط بورقة تُظهر اسمه وتاريخ تخرجه، بينما غابت عن أذهان كثيرين مسؤولية التنوير ونقل المعرفة التي يجب أن يقوم بها المثقف الحقيقي.
المثقف ليس من يمتلك الشهادات فقط، بل هو ذاك الإنسان الذي يحمل وعيًا نقديًا ورؤية تنويرية تهدف إلى إحداث التغيير الإيجابي في المجتمع. دوره لا يتوقف عند حدود التحصيل العلمي، بل يتجاوزه إلى ملامسة عقول الآخرين بالأفكار التقدمية والتنويرية. المثقف الحقيقي هو الذي يُساهم في بناء مجتمع يتعامل مع قضاياه بحكمة وتأنٍ، ويزرع في أفراده حب العلم والمعرفة.
إن الانغماس في الترف والابتعاد عن القضايا الجوهرية للمجتمع يشكّل خيانة لدور المثقف؛ إذ إن مهمته ليست البحث عن مجد شخصي أو لذة عابرة، بل هي التضحية لأجل نهضة فكرية وثقافية مستدامة. كم من مثقف وأد مسيرته الفكرية مقابل الاستسلام لإغراءات الحياة، فكان غيابه خسارة كبيرة لمجتمعه وللحراك الفكري الذي تحتاجه الأمم للنهوض من واقعها.
في النهاية، يبقى المثقف الحقيقي هو الذي لا يساوم على رسالته ولا يتهرّب من مسؤوليته تجاه مجتمعه. فالمعرفة ليست مجرد تراكم معلوماتي، بل هي أداة للتغيير، وبدون الالتزام بقضايا المجتمع يفقد المثقف دوره ويتحوّل إلى مجرد حامل لشهادة لا روح فيها. إن الحاجة اليوم ملحّة لبناء مثقف واعٍ يوازن بين متطلبات الحياة وبين دوره الأساسي في إرساء دعائم الفكر والتنوير.
#محفوظ_بجاوي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟