محمود كلّم
(Mahmoud Kallam)
الحوار المتمدن-العدد: 8194 - 2024 / 12 / 17 - 14:52
المحور:
الادب والفن
تُعَدُّ العلاقاتُ الإنسانيَّةُ ركيزةً أساسيَّةً في حياةِ البشرِ؛ فهي تقومُ على التفاهمِ، والدَّعمِ، والإخلاصِ.
لكن أحياناً، قد تخيبُ آمالُنا في أقربِ الناسِ إلينا.
لا تكمنُ المشكلةُ فقط في الخذلانِ، بل في الأثرِ النفسيِّ العميقِ الذي تتركُهُ مواقفُهم؛ إذ قد تهدمُ جدرانَ الثقةِ وتتركُ جرحاً لا يُشفَى بسهولةٍ.
قد تكونُ ديونُ المالِ ثقيلةً، لكنها تُسدُّ مع الوقتِ؛ إذ يكفي أن يُعيدَ الشخصُ ما استدانَ منك لتُعتبرَ المسألةُ منتهيةً.
أمَّا ديونُ المواقفِ، فهي أثقلُ وأعمقُ؛ لأنها تتعلقُ بالمعنى الحقيقيِّ للإنسانيَّةِ. حين تجدُ نفسك في أزمةٍ أو لحظةِ ضعفٍ، فإنك تتطلعُ إلى من حولكَ لتلقيَ الدعمَ والمساندةَ، لا إلى ردودٍ فاترةٍ أو خذلانٍ يصعبُ تجاوزُهُ.
وتأتي الحكمةُ القائلةُ: "اقطعوا حبلَ الودِّ بمن خذلَكم ولا تُراعوه، حتى وإن كان عزيزاً" كتوجيهٍ حكيمٍ للتعاملِ مع هذه المواقفِ.
ليس الهدفُ هنا الانتقامَ أو الحقدَ، بل حمايةَ النفسِ من الألمِ المستمرِّ الذي قد يسببهُ وجودُ أشخاصٍ لا يستحقونَ البقاءَ في حياتِكَ. فالعِزَّةُ بالنفسِ تستوجبُ أحياناً اتخاذَ قراراتٍ صعبةٍ، وأهمَّها إنهاءُ العلاقاتِ التي تُثقلُ روحَكَ ولا تُضيفُ لقلبِكَ إلا مزيداً من الجراحِ.
قد يبدو الأمرُ أكثرَ تعقيداً عندما يكونُ الخذلانُ صادراً من أفرادِ الأسرةِ أو ممن تربطُكَ بهم صلةُ دمٍ؛ إذ يتداخلُ الشعورُ بالواجبِ العائليِّ مع ضرورةِ الحفاظِ على الكرامةِ.
لكن يجبُ أن نتذكَّرَ أن الدمَ لا يبررُ الخطأَ أو يمنحُ حصانةً لمن يسببُ الأذى. فالعلاقاتُ، مهما كانت طبيعتُها، تقومُ على الأخذِ والعطاءِ المتوازنِ.
فإن انعدمت هذه المعادلةُ، أصبحتِ العلاقةُ عبئاً بدلاً من أن تكونَ مصدرَ دعمٍ.
من خلالِ المواقفِ، تُختبَرُ المعادنُ الحقيقيَّةُ للأشخاصِ. البعضُ يُظهرُ إخلاصَهُ في وقتِ الحاجةِ، بينما يكشفُ البعضُ الآخرُ عن وجهِهِ الحقيقيِّ. فالمواقفُ لا تكذِبُ، وهي التي تحددُ من يستحقُّ البقاءَ في حياتِكَ، ومن يجبُ أن يُوضَعَ على هامشِها.
ليس من السهلِ أن تقطعَ علاقتكَ بشخصٍ كان يوماً ما قريباً منك.
ومع ذلكَ، تكمنُ الحكمةُ في معرفةِ متى تقولُ "كفى".
فالتسامحُ جميلٌ، لكنه لا يعني السماحَ بتكرارِ الأذى.
إن الحزمَ في اتخاذِ القرارِ ليس قسوةً، بل هو احترامٌ لذاتِكَ وحمايةٌ لها.
الحياةُ مليئةٌ بالخذلانِ، لكن الطريقةَ التي نتعاملُ بها مع هذه التجاربِ هي ما يحددُ قوتَنا. فديونُ المالِ تُسدُّ، لكن ديونَ المواقفِ تبقى ندوباً لا تُمحى.
لذا، اقطع حبلَ الودِّ ممن خذلوكَ، وامضِ قدماً دون أن تنظرَ إلى الوراءِ، حتى وإن كانوا يوماً أعزَّ الناسِ على قلبِكَ.
#محمود_كلّم (هاشتاغ)
Mahmoud_Kallam#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟