محمد هادي لطيف
الحوار المتمدن-العدد: 8194 - 2024 / 12 / 17 - 14:52
المحور:
الادب والفن
رأيتُ زورقًا صغيرًا،
منهكًا،
يشبهُ ظلَّ رجلٍ
كُسرت ساقاهُ من الركضِ
وراءَ الأفقِ،
أضاع خطاهُ في المتاهةِ الكبرى،
وعادَ منهوبَ الروحِ
كأنَّ الأرضَ لفظتهُ،
فوقفَ كالمأتمِ على حافةِ البحرِ.
ورأيتُ النوارسَ،
عيونُها كالجمرِ،
ترمقُنا من علٍ
وتسخرُ،
هل يسألُ الطائرُ الحرُّ عن سجَّاني؟
عن الذينَ ربطوا أوتادَنا
في الرملِ،
وبنوا من صبرِنا
مشانقَ للغناء؟
يا صاحبي،
من أينَ نأتي بالماءِ
لنجعلهُ عُذرًا للبكاءِ؟
إنَّ البحارَ تُمعنُ في الملحِ،
كأنها تكيدُ لنا.
من أينَ لنا رئةٌ
لا تُضيقُ بنا حينَ نصرخُ
في ليلِ البلادِ المقفرة؟
صرنا مثلَ شجرٍ أعمى
يرمي بذورَهُ
في أرضٍ خائنةٍ
تُغطيها الحرباءُ
وتأكلها الغربانُ.
أتعرفُ؟
حينَ رأيتُ ذاكَ الزورقَ،
شعرتُ أنَّهُ نحنُ،
هواؤهُ ثقيلٌ،
كأنَّهُ يحملُ أسماءَ قتلى
ما عُرفوا،
ولا طُبعت وجوهُهم على جدرانِ المقاهي.
زورقٌ ضاعَ فيهِ الأملُ
وتآكلت أشرعتُهُ
مثلَ قلوبِنا المُرقَّعةِ
من كثرةِ الخيبات.
وكنتُ أريدُ أن أُحدِّثكَ،
يا صاحبي،
عن يديَّ
حينَ مددتُهما للشمسِ،
أحلفُ لكَ
أنَّهما كانتا فارغتينِ
إلا من حنظلةِ الصبرِ،
ألمسُ بهما رأسي،
فأجدهُ كهفًا
لأصواتِ الذينَ بُحَّت أصواتُهم
من النداءِ على مدنٍ
لم تعُد تُشبههم.
يا صاحبي،
العمرُ زورقٌ آخر،
نركبُهُ مرغمينَ
وفي قلبِنا خيطٌ
من الأملِ المهترئ،
لكنَّ البحرَ
يُجيدُ هضمَ السُفُنِ،
ولا يُبقي لنا
إلا أسماءً
تنزلقُ كالماءِ
من ذاكرةِ الزمن.
رأيتُ زورقًا صغيرًا،
منهكًا،
يشبهُ ظلَّنا…
وسمعتُ صوتًا،
ربما كانَ البحرَ،
يهمسُ:
“كفاكم ركضًا،
فالأفقُ قبرُ الحالمين”.
#محمد_هادي_لطيف (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟