أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - داود السلمان - المنحى الصوفي في قصيدة (خمرةُ اليقين) للشاعر كريم القيسي















المزيد.....


المنحى الصوفي في قصيدة (خمرةُ اليقين) للشاعر كريم القيسي


داود السلمان

الحوار المتمدن-العدد: 8192 - 2024 / 12 / 15 - 18:11
المحور: الادب والفن
    


(1)
القصيدة أن لم تثر المواجع، وتحرك المشاعر الكامنة في النفس البشرية، عليها أن تندثر، أو الصحيح هي فعلا مندثرة؛ والشاعر الذي لا يستطيع أن يرتقي بالقصيدة للسمو، فهو لم يمحض الشعر محضا، وثمة فرق بين الشاعر المبدع، أي الذي يصيغ المفردات والجُمل، وينحت منهما لوحات جمالية تكون أشبه باللوحات الفنية، وبين ما يطلق عليه "الناظم" وهو اللون الذي ينظمه الشاعر من دون احساس داخلي، وهذا الأخير كان ومازال معروفا في الأوساط الأدبية، والنظم في بعض مفهومه، هو الخالي من الروح الجمالية والصورة المُعبرة بسموها الروحي، وفي العقود الأخيرة من عمر الزمن، أكاد أجزم بأنَّ النظم انقرض فعلا، إلّا ما ندر، وأما الشعر الجاد – بتعبير أهل المسرح – ما برح بخير، وثمة أسماء لمعت في سماء القصيدة العمودية خصوصًا، وهم يبدعون فيها ايما ابداع، رغم وجود الكثير ممن يدعو لقصيدة التفعيلة النثر وينحاز إليهما، ويقاتل قتال المستميت؛ ومنهم كاتب هذه السطور؛ ومن الأسماء التي برزت واثبتت وجودها في كتابة القصيدة العمودية، بإيقاعها الحديث ومركزيتها التي لا تريد التخلي عنها، حيث طرأ عليها مستحدثات، أن جاز لي هذا التعبير، وهم كثير جدا، وبما أن موضوعنا الذي نحن بصدده هو الحديث عن الشاعر كريم القيسي، فهو يُعدَّ من جملة هذه الأسماء التي برزت واثبتت وجودها في كتابة القصيدة العمودية، وأعطتها رونقها وجماليتها، و السلاسة وجزالة في التعبير؛ ودليلنا هو هذه القصيدة التي تحت ايدنا الآن، فضلا عن غيرها من القصائد الكثيرة الأخرى، التي حوتها مجموعته، وانما هذه القصيدة اخترناها كنموذج لما ندعي، وقمنا بدراستها طبقا لذلك.
وبما أن النقد الذي نسير على نهجه هو نقد معرفي، أي نشرّح النص تشريحا وفقا لمنهج المعرفة؛ أي أننا نقوم بعملية وغول في استنطاق النص، ونستخرج منه للقضايا الجوانية من التي اشار إليها الكاتب اشارة عابرة؛ وهذا النوع من النقد يحتاج إلى دراية معرفية، وعلى الناقد أن يكون مطلعا على الفلسفة وعلم النفس والاجتماع، والقضايا الفكرية البحتة، وكذلك الكتب النقدية الاكاديمية كي يثري الدراسة، بما يؤمّل إليه استيعاب الفكرة التي تكمن داخل النصوص، سواء كانت النصوص شعرية أو غيرها، من جوانب الابداع المختلفة.
(2)
يمتلك الشاعر القيسي خزينا معرفيا في ايجاد وتطويع المفردات الشعرية، ومن ثمّ صياغتها في ابيات تحمل في طياتها معان سامية، فهو شاعر له ادواته الخاصة في التعبير والاختصار في لملمة المعاني وصبها في قالب شعري فضفاض، بحيث يتسع للرؤية البعيدة، مع الاخذ بعين الاعتبار جمالية الصورة والحفاظ على قواعدها من الشوائب التي يقدم عليها بعض الشعراء، من دون روية أو بيان واضح، إلا أن تنقصه الحبكة وسبك المفردة. وفي هذه الدراسة سنوضع ذلك، بغض النظر عن تلك الأمور التي تطرقنا إليها، على أن نجيز ولا نطنب، فقط للدلالة على ما ندعي.
(3)
نستطيع أن نصنّف القصيدة هذه على أنها تقع ضمن الشعر الصوفي، وكلنا نعلم أن هذا اللون يمتاز بروح تسمو للجانب الديني، وتحاول التشبث بالتقرب إلى الإله، بدلائل هي أشبه بالطقوس الخاصة، وكذلك بما يسمو للكلمة الجميلة المُعبرة من مكانة سامية في قلب و وجدان العابد - المؤمن، وهو يشيح بوجهه عن الماديات. وفي كتابي الموسوم "الله في فكر عمر الخيام" الصادر عام 2020 تطرقت إلى الحس الفلسفي الذي يمتلكه المتصوف، وذكرت ابن عربي والحلاج وغيرهما، وقلت أن من ديدن المتصوفة أنهم يتغزلون بالذات الإلهية، كما يتغزل الشاعر الذي يدمن الخمرة، وانما هم يفعلون هذا لغرض توصيف المعاني الماورائية بمادية، لتكون هي أقرب إلى الواقع، والمفهوم العام، وعلى سبيل المثال ما فعل ابن الرومي، فهو يصف الخمرة كأنه قد شربها وانتشى فيها، وقطعا أن الرجل هذا لم يشربها أبدًا. وشاعرنا القيسي تبين لنا على أنه قد قرأ اشعار ابن الرومي، بل و تأثر بها كثيرا، لاسيما بهذه القصيدة التي فيها بعض الشيء الذي قاله ابن الرومي فيما قاله من مفردات من هذا النوع. مثال:
قرأتُ مذ قال "اقرأْ" فناولني... كأساً من الراحِ يُسكِرُ الوَتَرا
وهذا النوع من الوصف مشهور جدا عند معظم المتصوفة، بل بعضهم يوصل به الحال إلى أكثر من هذا التوصيف، كقول بعضهم: "شربناها" أو "سكرنا" إلخ..
ولنرى كيف بدأ الشاعر في قصيدته:
وحيٌ تجلّى في الروحِ فانتشرا... فقمتُ من تحت جنحِهِ بشرا
من أين هذي الرسالةُ انبثقَت... فاختارني وحيُها لأدّثرا
والناظر، للوهلة الأولى، وهو يقرأ مقدمة القصيدة، كأنّ الشاعر هنا يريد الشرك، أو يمثل نفسه بأن يتقمص دور نبي ينزل عليه الوحي. لكن كما اسهبنا في الموضوع وكررنا، فأن ديدن المتصوفة هو نهج خاص، وطريق لاحِب يأخذونه على أنفسهم، وهم عارفون إلى أين يتجهون.
(4)
ومن جملة ما يتعلق به المتصوفة، هو غورهم في الجوانب الباطنية ليمزجوها في طقوسهم وعباداتهم، وهذا ما يؤخذ عليهم من قبل مخالفيهم، ومنهم أبو خامد الغزالي الذي اشتغل بالفلسفة، من أجل تكفير الفلاسفة، وهدم جدار الفلسفة، وبيان بطلانها، بحسب تعبيره، وله عدّة كتب، منها على سبيل المثال: "فضح الباطنية" ويراد من الباطنية المتصوفة، حيث نعتهم بشتى النعوت. وهنا ما يشير الشاعر إلى المتصوفة وهم يشبثون بقضاياهم الباطنية، حيث يناغمون بعض الآيات:
ولم أجدْ غيرَ "كُن" بها كُتِبَت... فكُنتُها ناطِقاً بما شعَرا
و راودتني التي أنادِمُها... بقولِها "هِئْتُ" فارتمَتْ فِكَرا
وينتقل الشاعر إلى أفق آخر والأكثر اتساعا، وهو يحلق في جوٍ فسيح من الخيال، معانقا الضياء الموصل لنهاية المدار الذي يدور في مساحته العابقة بتلك الروحانية، الممزوجة بنسائم عبقة، ليقول:
وقَفتُ لا هدهدٌ يُنَبّئُني... ولا عفاريتُ تَنقُلُ الخبَرا
و لي عصاً تَفلُقُ البحارَ فإنْ... أضرِبْ بها البحرَ وارداً شُطِرا
إلى أن يقول:
الربُّ صَلّى عليَّ عَتّقَني... وقال "كُن" فانسكَبتُ مُختمِرا
وهذا هو ذوبان ما بعده ذوبان، وثقة عالية بمعبوده الذي أتكل عليه وفوض له الأمر، غير مبال بعاديات الزمن. وهذا الاطمئنان، بطبيعة الحال، لم يأت من فراغ، فهو يقين الخمرة، كما اطلق عليها الشاعر هذه التسمية، حيث الذي ينتشي بهذه الخمرة – خمرة الروح – لم يبق له حساب ثانوي يروم الركون اليه.


(5)
نص القصيدة:
وحيٌ تجلّى في الروحِ فانتشرا
فقمتُ من تحت جنحِهِ بشرا

من أين هذي الرسالةُ انبثقَت
فاختارني وحيُها لأدّثرا

قرأتُ مذ قال "اقرأْ" فناولني
كأساً من الراحِ يُسكِرُ الوَتَرا

بحثتُ في لوحتى التي رسَمَت
مَسارَ صحوي فلم أجدْ أثَرَا

ولم أجدْ غيرَ "كُن" بها كُتِبَت
فكُنتُها ناطِقاً بما شعَرا

و راودتني التي أنادِمُها
بقولِها "هِئْتُ" فارتمَتْ فِكَرا

كنجمةٍ ضُؤْتُ وهْيَ تُسكِرُني
و حين أسكَرتُها بَدَت قمَرا

تَلَت عليَّ الرُؤى تُخَيّرُني
لأنتقي خيرَها و أبتَكِرا

عَرّجتُ فيها بمركبي فسَرَى
الزمانُ خلفي و عاد منكسِرا "م"

طرقتُ بابَ السماءِ مُلتَمِساً
سحائبَ النفسِ تغدِقُ المطَرا

وشعشعَ الصبحُ بين أوردتي
فأينَعَ الشعرُ زاهِرا نَضِرا

وكان رأسي كالصخرِ فانفجَرَت
عيونُ خمرٍ تُنادِمُ الصوَرا

وكان زِقِّي بالوَهمِ مُمتلِئاً
فعاد لي باليقينِ مذ سَكِرا

نِصفي نبيٌّ والشعرُ معجزَتي
مَن اقتفى فكرتي فقد نُصِرا

ومَن أبَى بَيعتي و ناجَزَني
وقال "مجنونُ" ـ هازِئاًـ كَفَرا

وقَفتُ لا هدهدٌ يُنَبّئُني
ولا عفاريتُ تَنقُلُ الخبَرا

و لي عصاً تَفلُقُ البحارَ فإنْ
أضرِبْ بها البحرَ وارداً شُطِرا

و من سبايايَ اليلُ أعتِقُهُ
بطرفِ عيني ليأسِرَ السَحَرا

مَن لم يكُن في الطوفانِ معتصماً
بمركبي ، لا نَجا و لا عَبَرا

الربُّ صَلّى عليَّ عَتّقَني
وقال "كُن" فانسكَبتُ مُختمِرا

وزادَ في طِينتي مَواجعَها
و دافَها فانصبَبتُ مُنصَهِرا

فقلتُ يا ربُّ إن مِنسَأتي
ذَوَى سليمانُها و ما شكَرا

لا نايُ داودَ ناحَ من ألَمِي
ولا زبوري نبيُّها انتصرا

الروحُ تسمو و الموتُ يُقعِدُها
الى قبورٍ تزاحِمُ الضجَرا

تصاعدَت روحي في تطايُرِها
وعانقَت قدسَها لتنتَشِرا

"أثَمَّ عامٌ يأتي يُغاثُ به"
قلبي، ليندى بقدرِ ما عُصِرا

أم "السنينُ العجاف" تُنذِرُني
سبعاً شِداداً أخرى لأنكسِرا

كلُّ المسلّاتِ كذبةٌ و انا
صوتٌ على الدهرِ سُنَّةً حَفَرا

و من رسالاتي أنني بشرٌ
فنَلْ إذا شِئتَ من دمي وَطَرا
كريم القيسي



#داود_السلمان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ذاتية المعنى.. قراءة في مجموعة (أأقيم على حافة هاوية) للشاعر ...
- زمكانية النص الشعري.. قراءة في (منذُ زمنِ الانتظار) لـ عبد ا ...
- الشعر بوصفه لعبة الابداع قراءة في نص (كَسَاحِرٍ يُرَوِّضُ عَ ...
- الخيال في (أحزانٌ بلا مراكب) للشاعر حسين السياب
- تعويذة الشجن في نص (وداعا) للشاعرة ميسون المتولي
- اغتصاب الجدال
- انتصار الفكر الحُرّ على التاريخ في سردية (القبر الأبيض المتو ...
- سياحة قصيرة في (كفُّ تلوَّح لكلماتٍ في الدّخان) لأمير الحلاج
- حكايات من بحر السراب
- لها.. وهيَّ على فراش الغياب
- أدب الرسائل ‘الى (.....) الرسالة الثالثة والأخيرة 17 تموز
- وحيد شلال شاعر الجمال والحماسة والوطنية
- في نصّها (منافي الرماد) عطاياالله ترسم جدارية للبوح
- لها فحسب
- المتعة أو الزواج المنقطع
- اللاهوتيون وعلي والوردي
- العمامة والغناء
- نتانة التاريخ وصناعة الأقزام
- (قصائد عارية) وموقف الجواهري
- الأسباب النفسية والروحية لصناعة المبدع نص (نبوءة الجداول)– أ ...


المزيد.....




- مؤسسة سلطان العويس تعلن عن برنامج احتفاليتها بمئويته
- وزير الخارجية الإيطالي يأمل بترجمة العلامات الإيجابية الأولى ...
- تونس تودّع الممثل القدير فتحي الهداوي
- -أشكودرا- الألبانية.. لؤلؤة البلقان الطبيعية ومنارتها الثقاف ...
- الفنان السوري جمال سليمان يكشف عن عمل درامي يتناول كواليس -س ...
- كاتب إسرائيلي: احتلال القنيطرة مسرحية لا تمحو فشل 7 أكتوبر
- كاتب إسرائيلي: احتلال القنيطرة مسرحية لا تمحو فشل 7 أكتوبر
- رئيس الجمعية العمانية للسينما يتحدث لـRT عن السينما وأهميتها ...
- “توم وجيري بجودة hd” استقبل حالا تردد قناة نتورك CN بالعربية ...
- -نوسفيراتو- و-موفاسا- و-سونيك-.. أبرز أفلام هوليودية في ختام ...


المزيد.....

- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - داود السلمان - المنحى الصوفي في قصيدة (خمرةُ اليقين) للشاعر كريم القيسي