|
(جَفَْناتُ سَهَرِ عاشِقٍ مَوْجُوعٍ)
سعد محمد مهدي غلام
الحوار المتمدن-العدد: 8192 - 2024 / 12 / 15 - 16:48
المحور:
الادب والفن
ومَنْ ترى أَوْدعَ أَشْعارَنا أَسْتارَ هذِهِ الظُّلْمةَ النَّاخِرة؟ وهَلْ تَرى يَأْتي إِليْنا الصَّباحُ بَعْدَ ليَالي السَّهرِ العَاصِرة؟ نَازِكُ المَلائِكة
مَنْ يا حبيبة بَاعدَ بَيْننا، وللجِدارِ مِنَّا أَوْثقَ الأَبْصار؟
أَهِيلي عَليَّ مِنْ سَنَّاكِ، اِمْسَحيني بِزيْتِ اليَاسْمينِ. المَاضي ثَوْبُ وَهْمٍ، يَخْرِقُ مَسارِبَ السَّرَابِ. عَيْناهُ تَفُرَّانِ الوَهْمَ، تَفْتُقانِ أَكْمامَ الحُلْكةِ، وضَبابَ الضِّفافِ. يَنْحدِرُ شَلَّالًا مِنْ شَاهِقٍ: هُطُولُ السُّكُونِ النَّهِمِ، تَنْهَشُهُ عَصَافِيرُ نُورٍ شَقِيَّة فَيَبُوحُ المَوْجُوعُ: حَفِيفُ أَمْلُودٍ شَفِيفٍ، تَسْقيهِ وطْفَاءَ، تَنْزُّ حِبْرَ الزُّلالِ. يَنْهمِكُ بِتَقفِّي الأَثرِ، يَرْشُفُ الدِّلالَ، وَيَرْتقي بَصَماتِ خَطْوِهَا يَنْضُو عَنْها مُخْلاةَ الرَّمادِ، يَسْتُرُ عُرْيَها، يَرْكبُ مَوْجةَ الشُّعاعِ، يَحُورُ لِكَوْكبِ العُطُورِ: -وَرْدَةٌ تَدُورُ طِوالَ اليوْمِ معَ النُّورِ ،مُخضَّبةُ البَنانِ حُرُوفُها بحِنَّاءِ المَواعيدِ: سَلَبتْ فُؤادَهُ طَوالِعُ عَاشِقٍ مَسْلُوبٍ.
مَنْ يا حَبيبتي، قد شَغافَ الذِّكْرَياتِ؟ أَشْعلَ مَسافاتِ الوِصالِ، أُخْدُودَ نَارٍ؟ أَتِلْكَ الَّتِي تَظُنُّ أَنَّها بُثَيْنةُ وهُوَ جَميلٌ؟
بَلشُونُ جِنِّ السِّرْبِ المُهَاجِرِ فَاتهُ، وليْسَ مَعهُ بُوصْلة قَطَّبَ الشَّمَالَ عَرْجُونُ الشِّفَاهِ الخَمْرِيَّةِ، حَاجِبَاها غَسقٌ نَاحِلُ النَّهارِ. مَجُوسِيُّ الأَرُومةِ: نَجْوَى لَحْظةِ وِلادَةٍ فِي مَنازِلِ قَمرٍ خَدِيجٍ. يَرْنُو إِلَيْها: ثَغْرٌ أَدْرَدُ مُهْترِئُ اللِّسانِ، جِدَارُ لَيْلٍ مَهِيضُ الخَيالِ، تَسْمِلُ مَلامِحهُ سَنواتُ الظِّلالِ. فَيَشْتَعِلُ نَهَارُ الشَّيْبِ: خَيال
سَوْفَ أُسِرُّ الهَيْبَةَ، قَوْلِي: عَمَّا تَبْحَثِينَ؟ المَكانُ قَدْ تَبدَّدَ، والزَّمانُ قَدْ تَشتَّتَ. وَلي! إِطْراقُ السَّهْوِ اِنْتِظارٌ...
الاِنْتِظارُ صَوْبَ الخَرِيفِ، تَبرُّكُ الأَشْجارِ بِقُرْبِ الشِّتاءِ. أَسَتَعُودِينَ يَوْمًا؟ تتقرَّعِينَ شُبَّاكَ الكَهانةِ نَقْراتٍ؟ تُؤرِّقِيني بِالشَّكَايةِ؟
مَنْ يا حَبيبة، أَطْفَأَ شَمْعةَ الحظِّ؟ ظِلُّنا مَاتَ! وَدِيَارُنا ضَاعتْ - تِلْكَ الَّتِي كَانَتْ لَنَا فِي دَوَّارِ السِّنينَ. تَطْلُبينَ أَصَابِيحَ السَّواقي حَيْثُ تَغيبُ البَراعِمُ والغَرْقَى، بِكَوْثَرٍ تَسنَّهتْهُ رِئةُ غَيْلانَ*: شَهْقةُ حَسْرةِ المَسْلُولِ*.
إذا كنتِ سترحلينَ - خائِبةً - أَبقي الوَسَن: طَيفَ إيماءِ الشواهِدِ ليدلَّنا على جيكورَ* لِنغسلَ الخَلالَ في بُويبْ* واكتمي الشموعَ فقد دبَّ هَمْسُ وفيقةٍ* في قَنَواتٍ نائِمةٍ يَسري فيها خرابُ الخَرائِبِ فتشتعِلُ فَارِعاتُ النَّخلِ وتَنْحني هامَّاتُ القَنواتِ: عِبْءُ قَزعةٍ حُبْلى بالتِّرْبانِ هي تَرائبُ الضِّفافِ وأَطرافُ أَسوارِ مدافنِ طيورِ الزاجِلِ لصاحبِ الزِّنجِ المُهاجِرِ.*
حلَّتْ فاجِعةٌ بذُبولِ أَقاصي الرُّوحِ البَصْرةُ تَشْتعِلُ تَصدَحُ أَصداءُ أَطْلالِ الأَقْنانِ تَطوي آفاقَ السَّتْرِ تُخفي قِناعَ الوَجْدِ فيَهْدُلُ الضَّوْءُ: نَثُّ مواعيدِ قِيامِ المساءِ.
مَنْ يا حبيبةُ سَكَبَ ساوةَ على جُرْحِ الاِنْتِظارِ؟...* غدَتْ عَناقيدُ لِقانا أُمنِيَّاتٍ عَضَّ جَرفَها احْتِضارٌ.
تَتريّةٌ تَنْساقُ حُشودُ الأَماني تَفُضُّ بِكارةَ الخُشوعِ تَسْتحِمُّ بالأَسى والدُّموعِ شُرْفةُ ثُكْنةِ القَبولِ الفاجِرِ...
قُبْلةُ نَحْرِكِ تَذْبحُ كَرامةَ الوَقارِ يَنْتصِبُ نَهْدُكِ والحَلَمةُ تَرْتعِشُ مِنْ أَيْنَ للثَّغْرِ شَفاهٌ؟ الرَّبُّ يُخاطِبُ القُلوبَ المُسْتَنيرةَ: - التَّوبةُ شِفاءٌ يُسْبِغُ الخُشوعَ عليها ويُسجِّي الصَّبْرَ. أَتُرى الحَلَماتُ تَصْطَبِرُ، تتخلَّى عنِ السُّهادِ؟ فالفَجْرُ اسْتيقَظَ باكِرًا يَصْدَحُ لَبَأٌ تَقطَّرَ في أَفواهِ عَصافيرَ تَصيحُ: يا عِراقُ، تَصيحُ ولا صَدى يُجيبُ.
الخَليجُ سِرْبُ أَنْفاسٍ خَلَعَ ضَروسَ العَقْلِ قَبْلَ الوِلادةِ. اخْتِلاجاتُ سُعالٍ تَعْتَري خَياشيمَ غَمامِ القَيْظِ... وهوَ يَجوبُ وَجْهَ السَّماءِ المُبقَّعِ بالسُّخامِ. تُمْسى الأَرضُ نَرْجِساتٍ خادِرةً لا شَرانِقَ، لا أَكْمامَ، لا كِساءَ، تَضوعُ عِطْرَ مَسْغَبةٍ.
جَفَّ مَجْرى السِّيرةِ، السَّاعةُ دَقَّتْ، التَّتارُ قادِمون. لا هُجوعَ للسَّنابلِ، فالسَّنابِكُ ستَدوسُها حَتْمًا.
الأَرضُ تُدَمْدِمُ: اِرْعَدِي! اُبْرُقِي! اِهْرِقي السِّجِّيلَ! الصَّهِيلُ الأَعجَميُّ الدَّمُ فَرَّ يَسْتَجيرُ بالدِّيجورِ.
مَنْ يا حَبيبَتي قَدْ شَغافِ الذِّكْرياتِ أَشْعَلَ مَسافاتِ الوِصالِ أُخْدودَ نارٍ؟ مَنْ يا حَبيبَةُ أَماتَ الصَّمْتَ فينا؟ أَهُوَ حَظْرُ الحُبِّ عن قَلْبَيْنا؟ أَهُوَ نُضوبُ صَبْرِ القُبْلاتِ؟
لقدْ ماتَتِ المَرْيَماتُ والحِجارةُ دَهمَتِ المَجْدَليّاتِ. أَيْنَ أَحْضانُ الأَلي؟ أَيْنَ الَّذي كانَ.. وكُنّا؟ كُلُّها جَفْناتٌ، فَمَنْ يا حَبيبَةُ باعَدَ في هذا السَّهرِ المُقيمِ بَيْنَنا، ولِلْجِدارِ مِنّا أَوْثَقُ الأَبْصارِ؟
ثَقُلَ سَمْعُ اللهِ بَعْدَ أَنْ وَقَرَ في قَلْبِ إِسْرافيلَ السَّقْمُ مِنْ زَمانٍ. الماضي ثَوْبُ وَهْمٍ خَرَقَ مَسارِبَ السَّرابِ. فَانْفِري وسَأَنْفِرُ لِنُولِّي شَطْرَ حِيطانِ الاِنْتِحارِ. التَّأْريخُ مَحْضُ غارٍ، فَمَنْ يَفْتِقُ أَكْمامَ ضَبابِ الضِّفافِ لِيُخْرِجَ النَّهارَ تَنْهشُ وِقارَهُ عَصافيرُ الإِقْدامِ؟
عَسَى اللهَ لَمْ يَنَمْ!، عَسَى بَابَ العَرْشِ لَمْ يُقْفَلْ!، عَسَى الدَّيْدَبانَ غَيْرَ سَكْرَانَ! جِبْرِيلَ المُبْتَلَى عَسَاهُ يَشْفَعُ، يَطْلُبُ نَزْعَ الشُّجُونِ، فَتْحَ السُّجُونِ.
عَانِقِينِي! لِأُخْفيَ فِي دَمْعِكِ دَمْعِي، وَنَزْعُمَ أَنَّها دُمُوعُ السَّماءِ، نَزلَتْ لِتَغْسِلَ حَائِطَ البُراقِ مِنْ شُجُونِ غِرْبانِ نُوحٍ.
مَسَحْنا دَمْعَنا بِالأَكْفانِ، وَهَا نَحْنُ، تَجُرُّنَا عَرباتُ المَتاهةِ، غَجَرٌ فِي هذِهِ البِيدِ، نَرْحلُ مِنْ مَثابَةٍ إِلى مَثابَةٍ. أَكُفُّنا بَيْضاءُ، وَأَفَاعينا تَلْقفُ: - آفَاتِ الذُّنُوبِ، - خَطَايا البَهْمُوثِ. كُلُّنا يَعْقُوبُ، كُلُّنَا أَيُّوبُ، لَا تُبْنا وَلَمْ نَتُبْ ولنْ نَتُوبَ. اليَقينُ مُشرَّدٌ، وَإِيَّانا معَ النُّونِ، في الدُّرُوبِ. قُلُوبُنا شَأَبيبُ هُبُوبٍ، أَشْراطُ الحَاقَّةِ حَاقتْ بِنا قَبْلَ الأَوَانِ. نَسْمَعُ أَجْرَاسَ الأَذَانِ، فَنَقُولُ: حَانَ هجْرُ الحَانةِ، لَكِنَّ سِيدُوري تَقُولُ: بَلِ الآنَ حَانَ أَوَانُ العَوْدَةِ لِلْحَانةِ.
أُوتَنَابِشْتِمَ خَلْفَ المُحَالِ،* وَمَا زِلْنا تَحْتَ أَسْوَارِ أُورُوكَ، نَحْنُ نُعاقِرُ السُّؤالَ: هَلْ مَاتَ إِمْبَابا؟ هَلْ سَنجِدُ العُشْبةَ مِنْ جَديدٍ؟ بِالأَحْلامِ نَدُقُّ في أَبْوَابِ المُسْتحيلِ مَسَامِيرَ النَّدمِ، وفِي سِرِّنا نَقُولُ: عَسى العَسى مَا عَسيْناهُ يَكُونُ، وَعَسى مَا عَسيْناهُ العَسى يَكُونُ.
#سعد_محمد_مهدي_غلام (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
( باكُورَةُ مَرَاثي قَتيلٍ غدًا يَمُوتُ)
-
[3](عَزَاءٌ لِلْغُرَباءِ فِي أُورُوكَ)
-
[2](عَزَاءٌ لِلْغُرَباءِ فِي أُورُوكَ)
-
[1] (عَزَاءٌ لِلْغُرَباءِ فِي أُورُوكَ)
-
(بغدادُ في عيُونِ ميدوزا ميِّتة)
-
(لَفَأَتني عن قلبي عيناكِ )
-
(طُوْبَى لِمَنْ خَبَرَ الرَّسْم، واعْتَبَر)
-
كيفَ بالآمالِ أتجمّلُ؟)
-
(النازل نسغ العبد الصاعد)
-
( محو وصحو)
-
(وجْهُكَِ والبِلادُ)
-
(تجلّيات وجْد)
-
(العمرُ والأيامُ)
-
(أوجاعُ وهجٍ)
-
(بِروفايلٌ جانِبيٌّ لِظِلِّ بَغْدادَ مُؤَطَّرٌ في مِرآةٍ سَو
...
-
(أَنا ونافِذتي: رُوحَانِ جَرِيحانِ مَنْقُوعانِ فِي مَِلْحِ ا
...
-
(حِضْنُ الهوى أُفُق)
-
هُتافُ صدى نٰديان
-
تحت شجرة نارنج
-
نَايٌ مُفْرَدٌ فِي مَعْبَدٍ مَهْجُورٍ--
المزيد.....
-
مؤسسة سلطان العويس تعلن عن برنامج احتفاليتها بمئويته
-
وزير الخارجية الإيطالي يأمل بترجمة العلامات الإيجابية الأولى
...
-
تونس تودّع الممثل القدير فتحي الهداوي
-
-أشكودرا- الألبانية.. لؤلؤة البلقان الطبيعية ومنارتها الثقاف
...
-
الفنان السوري جمال سليمان يكشف عن عمل درامي يتناول كواليس -س
...
-
كاتب إسرائيلي: احتلال القنيطرة مسرحية لا تمحو فشل 7 أكتوبر
-
كاتب إسرائيلي: احتلال القنيطرة مسرحية لا تمحو فشل 7 أكتوبر
-
رئيس الجمعية العمانية للسينما يتحدث لـRT عن السينما وأهميتها
...
-
“توم وجيري بجودة hd” استقبل حالا تردد قناة نتورك CN بالعربية
...
-
-نوسفيراتو- و-موفاسا- و-سونيك-.. أبرز أفلام هوليودية في ختام
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|