أكرم شلغين
الحوار المتمدن-العدد: 8192 - 2024 / 12 / 15 - 00:06
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
بالخبز وحده لا يحيا الإنسان، هذه المقولة الدينية المنشأ [من إنجيل متى (4:4)] والتي تبناها يساريون أيضا، تؤكد أن الحياة لا تقتصر على تلبيات الجسد المادية فقط. فقد عايشت العديد من الشعوب عبر التاريخ ما يشير إلى أن الإنسان يحتاج إلى أكثر من الخبز ليعيش حياة إنسانية حقيقية. كثيرة هي الشعوب التي عانت من القمع ونقص الحريات السياسية، رغم محاولات النظام التأكيد على أنهم في حالة من الاكتفاء المادي النسبي في قطاعات التعليم والرعاية الصحية. ولكن، كم من أناس تطلعوا إلى الهجرة، بحثا عن نوع آخر من الحياة: الحرية وحقوق الإنسان. وأيضا وعلى سبيل المثال وليس الحصر، الشعب الألماني الشرقي قبل انهيار جدار برلين، عاشوا بجموعهم تحت نير نظام وفر لهم الخبز ولكنه استلب منهم الحرية السياسية والاجتماعية. هؤلاء الناس كانوا محرومين من حقهم في التعبير، من المشاركة في صنع القرار، وكانوا يعانون من القمع والرقابة في حياتهم اليومية رغم توفر حاجاتهم الأساسية.
هذه الشعوب قد حصلت على "الخبز" بأشكاله المادية: الطعام، المأوى، الرعاية الصحية، والتعليم. ومع ذلك، افتقدوا أهم شيءٍ للبقاء على قيد الحياة الإنسانية؛ الحرية. ولك أن تتخيل الوضع عندما يكون الفرد ليس فقط محروما من الحرية بل أيضا يعاني من نقص في أبسط الحقوق الأساسية مثل الخبز، مثلما الحال في سوريا في الوقت الحالي.
ما بالك إذا افتقر الإنسان لكل من الخبز والحرية في آن واحد؟ هل يظل حقا حيّا في المعنى الكامل للكلمة؟ في سوريا، يعاني المواطن السوري في كثير من الأحيان من انعدام الأمن الغذائي إضافة إلى نقص شديد في الحريات الفردية. هذا التداخل بين نقص الخبز والحريات السياسية جعل المواطن السوري لا يستطيع حتى الدفاع عن حياته أو مطالبة قادته بحقوقه، بل أصبح مجرد رقم في ميدان الحرب.
لن يكون الحل في تأمين احتياجات الأكل والشرب فقط، وإنما في تأمين حياة حرة كريمة يعيش فيها الإنسان وهو جزء من صنع قرار بلده، ليكون فاعلا وليس مجرد ورقة خريفية في مهب الريح. إن المواطن الذي لا يستطيع أن يعبر عن نفسه أو يطالب بحقوقه هو المواطن الذي سيفقد القدرة على التغيير والتحرك نحو مستقبل أفضل. لهذا لا يكفي تلبية احتياجات الجسد، بل يجب أن تلبى احتياجات الروح من حرية وانخراط في بناء المجتمع واختيار مسار البلد الذي يعيش فيه.
#أكرم_شلغين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟