بشير الحامدي
الحوار المتمدن-العدد: 8190 - 2024 / 12 / 13 - 22:47
المحور:
الادب والفن
عندما كنت صغيرا
كانت أفكاري لا تتجاوز أركان بيتنا العتيق
كنت أرى الدنيا في عيني أمي
وكان الرفاق يقولون
" كنت سأشترى لك باقة توليب هذا الصباح
ولكني لما وجدت الرفاق جائعين اشتريت لهم خبزا
وكتبت لك قصيدة حب"
لم أكن أفهم المعنى ولا المجازات
ولكني لما كبرت عرفت
أن درويش كان يغني فقط يغني
وأنه في الحقيقة لم يكن سيشترى باقة التوليب
ولكنها مجازاته وما يتطلبه الشعر
وعرفت أن الرفاق ما عادوا رفاقا
وما عادت باقة التوليب توليب
***
لما كنت صغيرا
كنت أرى الدنيا في عيني كتاب
ولكني لما كبرت
ما عاد الكتاب كتابا
وما عادت الكلمات كلمات
كلها كانت مجازات
***
عندما كنت صغيرا
كنت لا أكتب جملا بدون فاعل
ولكني لما كبرت
ما عدت أكتب جملا فعلية
فالله لا يجب الفاعل
والحاكم لا يحب الفاعل
والناس أيضا لا يحبون الفاعل
وحدي كنت أردد
يمكن أن يعوض الفاعل بنائبه
ومرات أتساءل لماذا النائب مرفوعا
مرفوعا لأنها ربما كلها مجازات
وحدي أنا كنت أفكر في كل ذلك
بينما كان كل من حولي
لا تشغلهم أفكاري
ربما كانوا هم أيضا يعدونها مجرد مجازات
أو هلوسات رجل فات زمانه
رجل واقف على حائط رخو
كذئب مكسور القوائم
خارت عزيمته ونزعت أسنانه
***
كنت مرات أتساءل وأقول
لعلهم فعلا يدرون
وأني في الحقيقة ذلك الرجل المبتور
أعرج كذلك الذئب الواقف في العراء
مكسورا
ثم أعود لصحوتي وأقول
أبدا هم لا يدرون
أني في العراء
في زمن الفعل تعوضه ضمّة
والضمّة كلا شيء
حركة
حركة فقط بلا فعل
بلا أمل
وأثور أخيرا
كما يثور كل الفاعلين
فلا أجد سوى أبواب الذكرى مفتوحة
فالسلطان أقفل كل الأبواب الأخرى
وحتى نائبه لا يمكن له أن يفتحها
فهو مجرد مجازات...
13 ديسمبر 2024
#بشير_الحامدي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟