أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد فرحات - حلم














المزيد.....

حلم


محمد فرحات

الحوار المتمدن-العدد: 8189 - 2024 / 12 / 12 - 16:42
المحور: الادب والفن
    


في لحظة واحدة، تبددت أحلامنا الصغيرة وصار كل شيء كابوسًا. اقتحم مدير أمن المدرسة المكتبة كإعصار، يصرخ ويتوعد، ومعه المخبر الذي كان يراقبنا منذ البداية بابتسامة ساخرة. ارتبكنا جميعًا، حاول البعض إخفاء الآلات الموسيقية، لكن الأمر كان متأخرًا جدًا. انكسر العود عندما ارتطم بالأرض، وانزلق القانون من يد صاحبه كأنه يحاول الفرار من هذا المشهد، والميكروفون سقط من يدي بصوت مكتوم. أما صابر، عازف الرق، فقد تجمد في مكانه، يضغط على رقّه كما لو كان يحتمي به من العاصفة.

"بتغنوا كمان يا ولاد الكلب!" كانت كلماته تهوي على رؤوسنا كالصواعق. وقفنا كتماثيل، لا ندري ماذا نفعل، بينما بدأ أحد الزملاء يتمتم بشيء لم نفهمه، ربما كان يحاول تفسير الموقف، لكنه قوبل بصرخة أخرى: "اسكت! مش ناقص فلسفة!"

في زاوية الغرفة، كان صابر يحاول أن يخفي الرق تحت سترته المهترئة، لكن حجمه الكبير فضح محاولته. التفت المدير إليه بغضب: "إنتَ يا اللي هناك! فاكر نفسك في حفلة؟ ارمي الرق ده!"

نهض صابر بخوف، يمسك بالرق كأنه طفل صغير، ينظر إلى المدير برجاء: "يا باشا، دا مجرد رق... مش سلاح ولا حاجة... إحنا بس كنا بنتسلّى."

لكن المدير لم يكترث. تقدم المخبر لينتزع الرق من بين يديه بعنف، مما جعل الصوت الأخير للرق في أذاننا طقطقة حزينة أشبه بالأنين. حاول صابر الاعتراض، لكنه سرعان ما تلقى نظرة تحذيرية جعلته يصمت. جلس بعدها في زاوية الغرفة، يحدق في الأرض، ويداه ترتعشان كمن فقد جزءًا من نفسه.

أما أنا، المغني البائس، فقد كنت أحمل الميكروفون المكسور بين يدي وأشعر بالغضب أكثر من الخوف. "الآلات يا زملا، الآلات!" صرختُ بكل ما في داخلي من يأس، محاولًا حثهم على إنقاذ ما يمكن إنقاذه. لكن الجميع كان مشدوهًا، وكأن صوتي لم يصل إليهم.

بدأ المخبر بجمع الآلات، يُلقي نظرة استعلاء على كل قطعة، وكأنها دليل على جريمة لا تغتفر. "العزف والغناء، في مكتبة المدرسة؟ أنتم فاكرين نفسكم في كباريه؟" قالها وهو يضحك بشماتة، بينما كنا نحن نلتقط أنفاسنا، نحاول استيعاب ما يحدث.

فجأة، أمسك المدير بكتفي وهزني بعنف. "إنت السبب؟ أنت اللي شجعتهم على المهزلة دي؟" لم أستطع الرد، فقد كانت الكلمات عالقة في حلقي. لكن نظراتي كانت تقول كل شيء. كنت أحاول أن أقول له: "نحن فقط نحاول أن نعيش، أن نغني لننسى بؤسنا، أن نصنع لحظة فرح صغيرة وسط هذا العبث."

لكنه لم يكن مهتمًا بفهم أي شيء. أمر المخبر بمصادرة كل الآلات، وأصدر تعليماته بأن يُكتب تقرير رسمي عن الواقعة. وبينما كانوا يغادرون، نظرتُ إلى زملائي؛ كانوا محطمين مثل الآلات التي صودرت، وكأن قطعة من أرواحهم قد أُخذت معهم.

بعد دقائق، عادت المكتبة إلى صمتها المعتاد، لكنني شعرت أن شيئًا قد تغيّر إلى الأبد. لم تكن مجرد آلات أو أغانٍ نُزعت منا، بل كانت لحظة حرية، لحظة حياة، وُئدت بين يدي سلطة لا تفهم سوى القمع.

جلستُ على الأرض، أمسح على الأرضية مكان العود المكسور، وقلت بصوت بالكاد يُسمع: "بس هنرجع... هنرجع نغني من تاني."

في زاويته، كان صابر ما زال جالسًا، ينظر إلى حيث كان المخبر قبل قليل، وكأن عينيه تقولان: "كيف تسرقون منا هذه اللحظة؟ كيف تأخذون شيئًا لا يُقدّر بثمن؟" وبينما صمت الجميع، تمتم صابر بشيء يشبه الحلم: "كان بس رق... كان بس إيقاع للحياة."



#محمد_فرحات (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -اسمي نجيب سرور--٤
- اسمي نجيب سرور -1-
- -نعي الأحلام المجهضة-
- -أولاد حارتنا- المبادرة والانتظار .
- عبد القاهر الجرجاني يُنظِرُ لقصيدة النثر.-سأعيد طروادة ثم أح ...
- -بالضبط يشبه الصورة- ومُحدِدات الجنس الكتابي
- نون نسوة مناضلة -بيضاء عاجية، سوداء أبنوسية.-.
- ماتريوشكا
- أحاديث الجنِ والسُطَلِ، المجدُ للحكايات.
- نجيب محفوظ -نبيًّا-.
- تحدي قصيدة النثر ؛ديوان-ابن الوقت- نموذجًا.
- حائزة -عبد الفتاح صبري- في نسختها الأولى.
- أخيرا العثور على المسرحية المفقودة لنجيب سرور-البيرق الأبيض- ...
- الروائي شادي لويس وصفعة لوجه الرأسمالية القبيح.
- مخطوطات نجيب سرور
- القصة الشاعرة. - قراءة لفصل من كتاب ألعاب اللغة للدكتور محمد ...
- د. محمد فكري الجزار شمولية النص القرآني وسيميوطيقا النهايات.
- ألعاب اللغة-5-، ما بين الشعري والتدوالي.
- ألعاب اللغة-4- نقد جاكبسون.
- احتواء المؤسسة وتمرد المبدع


المزيد.....




- “ثبتها الآن وفرح أطفالك” تردد قناة MBC 3 للأطفال على الأقمار ...
- -شظايا رسومات- معرض جماعي لـ9 فنانين تشكيليين بطنجة
- تراجع الإيرادات السينمائية بأميركا.. هل فقدت دور العرض بريقه ...
- “نزلها الآن” تحديث تردد كراميش 2024 على النايل سات وعرب سات ...
- “الحلقـة كاملـه HD” مسلسل قيامة عثمان الحلقة 174 مترجمة للعر ...
- من الستينيات إلى اليوم.. كيف جسدت السينما الفلسطينية شخصياته ...
- سنجاب عالق يفوز بجائزة التصوير الكوميدي للحياة البرية لعام 2 ...
- أول رد للمخرج عمر زهران بعد اتهامه بسرقة مجوهرات شاليمار شرب ...
- رجل أعمال مصري يدعو منتجي الأفلام إلى تصوير أعمالهم في موسكو ...
- لأول مرة.. فاليري غيرغييف يتولى قيادة أوركسترا باليه -كسارة ...


المزيد.....

- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد فرحات - حلم