اسكندر أمبروز
الحوار المتمدن-العدد: 8188 - 2024 / 12 / 11 - 21:56
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لقد سبق لي منذ عدّة سنوات أن قمت بتسليط الضوء على جرائم جبهة النصرة أو أحد أفرع تنظيم القاعدة والتي باتت تعرف اليوم باسمها المتداول "هيئة تحرير الشام" أو كما أحب تسميتها هيئة تخرير الشام حيث ان النقطة مقصودة للتحقير من هذه الشرذمة البشرية المنحطّة التي يمكنكم التعرّف على بعض افعالها في هذا المقال https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=721033
ونظراً لحالة اليوفوريا التي شعرت بها شخصيّاً عقب سقوط نظام الجحش في دمشق , إلّا أنني استعدت توازني الفكري وبشكل سريع عقب اعلان الجولاني الدعدوش تعيينه لكلب اخوانيّ رئيساً للحكومة الانتقاليّة والتي من المفترض ان تنتزع البلاد من وحل الفوضى وسلاسل النظام السابق.
ولكن سرعان ما بدأت الأفكار بالتطاير في رأسي كشعلة ناريّة دون تركيز , وهو ما أودّ القيام به الآن في هذا المقال المتواضع لعلّه يعطي ذات التأثير لقارئه مثلما أعطى تأثيراً ايجابيّاً لمحاولة فهم ما يحصل عند كاتبه.
نعم نظام الأسد سقط بلا رجعة , و"مع القلعة !" كما نقول في سوريا , أو في صيغة دبلوماسيّة تراعي البروتوكول المتداول في هذا الموقع..."الى مزبلة التاريخ !" ولكن كيف حصل هذا ؟ ولماذا لم يقاتل الجيش السوري قتال المستميت ؟ فعلى ما يبدوا بأن نظام الجحش المخلوع كان قائماً وخصوصاً في الفترة الأخيرة على الدعائم الروسيّة والإيرانيّة ولكن لماذا ؟ وكيف وصل به الحال الى أن اقترن مصيره بكميّة المساعدات العسكريّة من هذه الدول ؟ ألم يكن قادراً على الأقل من دفع ميليشيا بإمكانيّات متواضعة عن حكمه وسلطانه المهترئ ؟ وفي رأيي الإجابة عن كيفية وصول بشار الجحش ونظامه الساقط الى هذا الحال تكمن في 14 فبراير عام 2002 عندما اقدم هو وبهائم حزب الله على اغتيال رفيق الحريري , وهو الفعل الإرهابيّ الذي عَلِمت به مخابرات الكرة الأرضيّة بأسرها والذي أدّى في نهاية المطاف الى اقصاء الجحش ونظامه ونبذه عربيّاً ودوليّاً الى أن تم وضعه على قائمة الدول المارقة كإيران وكوريا الشماليّة وما شابهها.
وهذا العزل الدولي عن الجحش أدّى الى وصوله لمفترق طرق , فإمّا البقاء دون أي حلفاء والسقوط عند أوّل حراك شعبيّ بسبب سنوات الظلم والقهر المستمرّ , أو إيجاد حليف يمكنه الاعتماد عليه مع تقديم التنازلات وبيع الدولة وسيادتها لقاء الحصول على نوعيّة لاصق ألمانيّ تلصق مؤخرته بكرسيّ الحكم. ونتيجةً للارتماء بحضن الضامن الايراني لبقائه , ذهبت أو بيعت سيادة سوريا لدولة مارقة أخرى لا تأبه سوى بمصالحها وخططها بعيدة المدى على حساب دول المنطقة , وبالفعل هذا ماحصل في عام 2009 عندما جاء العرب والأوربيين في عرض للجحش لإقامة خط الغاز القطري ليصل لأوربا عبر سوريا وتركيا , من أجل تحجيم دور الغاز الروسي الذي كان ولا يزال أهم مصادر الطاقة لدى القارّة الأوربيّة عموماً ومصنعها الألماني خصوصاً , وطبعاً جاء الرفض القاطع من الجحش لمشروع يصب في مصلحة البلد لا بل وحتّى جيوبه الخاصّة ! لماذا ؟ بالطبع تنفيذاً لأوامر الداعم لحكمه المتمثّل بالدولة الإيرانيّة المارقة , والروسي الذي دخل على الخط حرصاً على مصالحه الاقتصادية في أوربا ومنعاً من دخول المنافس له لسوق الطاقة الأوربي , حيث أُعطي الجحش ذات الضمانات التي أُعطيها من قبل المارق الإيراني لقاء قطع الطريق على المصالح الأوربيّة والقطريّة.
وطبعاً ما أن بدأ الحراك العفوي الشعبوي السوري المتوقّع حدوثه أصلاً , حتى بدأت كل تلك التشابكات المعروفة والمخفيّة عن عامّة الناس بالتلاحم والتضارب وكانت النتيجة 14 سنة من العذاب والقتل والمقتلة.
واليوم , وبعد كل ما حصل من إضعاف للمارق الإيراني , وغوص الروسي لأنفه بالمخلّفات البشريّة الأوكرانيّة , وحالة الإنهاك البشري الشديد الذي وصل اليه حال جيش الجحش ومنظومته المافيوية , سقط سقوطاً حرّاً هو ومن معه مسلّمين للبلاد حتّى دون شرف القتال والدفاع ,في صورة كررها التاريخ الحديث لسوريا , حيث أنها لم تحصل على الاستقلال أو التغيير السياسي بالقوّة , إنما حصلت عليه نتيجة تغيرات دوليّة كبرى أدّت الى تقلّبات في الداخل السوري , فلم يستقلّ السوريون عن المحتل العثماني الا بعد غرق الأخير في الحرب العالمية الاولى , ولم يستقلّ السوريون ورغم كل كفاحهم المسلّح وثوراتهم عن الفرنسيين إلّا بعيد سقوط فرنسا في الحرب العالمية الثانية وعدم قدرتها على الإبقاء على مستعمراتها أو نفوذها في دول الانتداب , واليوم وبعد تسجيل فشل المعارضة المسلّحة عن خلع الجحش على مدار 14 سنة رغم الدعم الذي حصلوا عليه من الدول المستفيدة من سقوط الجحش كدول مشروع خط الغاز أو أصحاب المطامع الأخرى , يستلمون اليوم البلاد من بابها الى محرابها عقب التغيّرات الدوليّة التي قضت على الجحش وجائت بالتغيير مرّة أُخرى لدمشق.
فكما ذكرت سابقاً فإن هذه المعارصة التي لا تختلف عن النظام البائد التي أرادت اسقاطه في شيء سوى بالنكهة أو بهويّة الجاني والمجني عليه , كانت قد عجزت عن فعل اي شيء على مدار سنوات اثناء تواجدها في إدلب نظراً لانحطاطها وكينونيتها التابعة لتركيا والمخابرات الاجنبيّة التي تريد الاستفادة منها كما استفادت من باقي بهائم الاسلاميين في تخريب الأوطان العربيّة منعاً من تحضّر هذه الشعوب ونهضتها التي تتعارض مع مصالح المنتج الأجنبي الذي يريد الإبقاء على شعوبنا مستهلكة هالكة ! وقد يبدوا هذا الكلام خوضاً في نظريّات المؤامرة ولكن لديّ ما يكفي من الأمثلة على مدار ال14 عاماً الماضية لأجزم بأن الإسلام هو اداة بيد الغرب لسحق ونسف الشعوب العربيّة , والتي باتت تتبنّى المسبب الأوّل في تخلّفها (دين بول البعير) على انه المنقذ من هذا التخلّف...فحلّها اذا بتنحلّ !!
ولكن بعد هذه المقدّمة البسيطة التي تهدف الى نسف أي ادعاء بفضل هؤلاء على السوريين بإسقاطهم للطاغية الجحش وكون الموضوع مجرّد تحصيل حاصل ومسرحيّة سخيفة جائت لتسليم البلاد للمنتصر الأوربّي على الحلف المارق الروسي الايراني في المعمعة السوريّة , أودّ الدخول الى موضوع المقال الأساسي ألا وهو عمليّة اعادة التأهيل الخرافيّة التي تحصل امام أعيننا لهذه الجماعة الارهابية التي استلمت بلداً بأكمله , والتي كما ذكرت وأؤكد...طينة اجرامها من طينة النظام الزائل والاختلاف هو في هويّة الجاني والمجني عليه لا أكثر. ولكي لا أكرر ذات المعلومات التي ذكرتها في المقال السابق عن هذه الجماعة , فسأقدّم اليوم المزيد من المعلومات التي تؤكد على كون هذه الشرذمة البشريّة أسوأ من النظام السابق ! ومنعاً من اللت والعجن والكلام الغير مفيد اليكم بعض المعلومات بصيغة مباشرة...
- أبو محمد الأزهري: مقاتل أجنبي أُعدم في عام 2023 بتهمة التجسس، دون أي محاكمة قانونية، ونُفذ الإعدام بسرية تامة.
- عنود الأصيل: ناشطة على تيك توك تم ترحيلها من تركيا وحُكم عليها بالإعدام بسبب محتوى اعتُبر "غير أخلاقي". لا يزال مصير تنفيذ الحكم غير مؤكد.
- ياسر السليم: محامٍ وناشط تم احتجازه بسبب دعمه لحقوق الأقليات. عانى من تعذيب مطول أثناء التحقيقات في سجن العقاب.
- أبو عبيدة تل حديا: سجين توفي في ظروف مريبة أثناء احتجازه لدى هيئة تخرير الشام ، مع وجود علامات على سوء المعاملة.
- أحمد الخليدي: ناشط إعلامي تم اعتقاله وتعذيبه بسبب انتقادات بسيطة لـ هيئة تخرير الشام. وصف تعرضه للصدمات الكهربائية والحرق بالنار.
- الاحتجاجات في إدلب قوبلت بقمع شديد شمل الاعتقالات والترهيب للمشاركين الذين طالبوا بالمساءلة.
- تحويل المساعدات الإنسانية لدعم عمليات هيئة تخرير الشام بدلاً من إيصالها للنازحين المدنيين.
-1 فبراير 2020: هيئة تخرير الشام تنفذ تفجيرات انتحارية بسيارات مفخخة تستهدف القوات الموالية للأسد في حلب.
-7 نوفمبر 2019: حاصرت هيئة تخرير الشام بلدة كفر تخاريم في إدلب وقصفتها, ما أسفر عن مقتل خمسة أشخاص, بعد مظاهرات شعبية ضد الجماعة وحكومة الإنقاذ التابعة لهيئة تخرير الشام في وقت سابق من هذا الشهر. وخرج المتظاهرون إلى الشوارع في بلدات أخرى في إدلب لإظهار التضامن مع سكان كفر تخاريم.
- سجن العقاب في إدلب هو مركز اعتقال سيء السمعة تستخدمه هيئة تخرير الشام , حيث يتم حبس المعتقلين في ظروف لا إنسانية تحت الأرض مع استعمال اساليب تعذيب مختلفة كربط المعتقلين إلى أعمدة حديدية والتعرض لجلسات تعذيب طويلة و استخدام الماء الساخن كوسيلة لتعذيب السجناء.
- إجبار الأطفال المجندين على المشاركة في تعذيب المعتقلين بالصراخ وإلقاء الإهانات وسكب الماء الساخن عليهم (في حالات موثّقة عديدة لدى منظمات حقوقية مرفقة بالمصادر اسفل المقال).
- وفاة ناشطين حقوقيين نتيجة سوء المعاملة والتعذيب أثناء احتجازهم. حيث تشير التقارير إلى أن حالات تدهور صحية عديدة بسبب عدم توفير العناية الطبية لهم.
- الصحفي الأمريكي بلال عبد الكريم , الذي تعرض للاعتقال من قبل هيئة تخرير الشام , أفاد باستخدام تقنيات تعذيب جسدي ونفسي داخل مراكز الاحتجاز التابعة للجماعة , وقد تحدث علناً عن تجربته لتسليط الضوء على الانتهاكات.
ومن خلال الأمثلة السابقة نجد أن هذه الجماعة لم تختلف عن نظام الجحش الساقط في نوعية الاجرام , مع التنويه لاختلافها عنه بالكم فقط , وهو ما سيعتبر لاغياً الآن وبعد استلامهم لسلطة دولة بأكملها , ولكن كيف لهذه الجماعة أن تكون أسوأ من النظام الساقط ؟ وهل يوجد من هو أسوأ ؟ وفي رأيي نعم , حيث أن دين بول البعير قادر على اجترار ماضيه وافعال قدوته ومؤسسه لدى اتباعه وهو ما يكفل لنا أفعالاً تفوق فظاعة الأسد والنازيين والشيوعيين كمّاً ونوعاً حتّى وإن وُضِعوا معاً ! وإليكم بعض الأمثلة أو العيّنة مما سيحصل في المستقبل القريب في سوريا...
1. **قواعد اللباس الإسلامي**:
- فرض على النساء ارتداء أغطية كاملة, بما في ذلك النقاب.
- غالباً ما كان يُطلب من الرجال إطلاق اللحى, والالتزام بالمبادئ الإسلامية الصارمة للجماعة.
2. **الممارسات الدينية**:
- تم فرض حضور الصلوات في المساجد بشكل صارم.
- قد يؤدي عدم الامتثال للممارسات الدينية إلى العقوبة.
3. **النظام القضائي**:
- استبدلت هيئة تخرير الشام النظام القضائي المدني الحالي بمحاكم شرعية.
- كانت هذه المحاكم تستخدم لحل النزاعات وفرض العقوبات, بما في ذلك العقوبات البدنية والإعدامات لجرائم مثل السرقة أو الردّة.
4. **حظر الكحول والتدخين**:
- كان بيع أو شراء أو استهلاك الكحول والسجائر محظوراً في ظل حكمهم.
5. **وسائل الإعلام والتعليم**:
- مارست هيئة تخرير الشام سيطرة صارمة على وسائل الإعلام والمؤسسات التعليمية, وروجت لأيديولوجيتها وفرضت الرقابة على الآراء المعارضة (قال بدكين حريي قال !).
- غالبًا ما كانت المدارس المختلطة والمناهج العلمانية تُغلق أو تُستبدل بتعاليم دينية تتماشى مع عقيدة هيئة تخرير الشام.
6. **قمع المعارضة**:
- تم قمع أي شكل من أشكال المعارضة السياسية, غالبًا بالعنف أو السجن أو القتل.
- تم اعتقال أو اغتيال الناشطين والصحفيين وغيرهم ممن يُنظر إليهم على أنهم يشكلون تهديداً للجماعة أو ممن يبدون أي رأي مخالف او ناقد لها.
وفي النهاية وبعيداً عن محاولات اعادة التأهيل التي تحصل لهؤلاء الرعاع والصعاليك , علينا أن نعي أن ما حدث هو تغيّر في موازين القوى العالميّة واتفاق دوليّ على اخراج الجحش من السلطة ووضع هؤلاء في سدّة الحكم , فالدول التي لم تحرّك ساكناً ضد الجحش طيلة المذبحة السوريّة , لم يدبّ في قلبها الحنان والرحمة والعطف على معتقلي صيدنايا والمخابرات السوريّة , فلو كان الوضع كذلك لتم التخلّص من هذه الجماعة وأمثالها منذ زمن طويل بحكم تساويهم في نوعية الاجرام مع نظام الجحش المسحوق , والمصيبة في هذا كلّه هو التأييد الشعبي أو تأييد غالبية السوريين لهم بحكم تماشيهم مع العقلية البول بعيرية للشعب السوري التي أنتجت الجولاني وأمثاله , ومرّة أخرى , المشكلة لم تكن في ظلم الجحش للناس وإنما في هويّته العلويّة وهويّة ضحاياه من السنّة الذين يستبدلون الأدوار اليوم أمام أعيننا , في ظل مباركة دوليّة لم ولن تهتم , فكما ذكرت في منشور سابق , نعم النظام السوري مجرم , ولكن ما البديل لدى شعب يسلّم أمره لجماعة ارهابيّة فقط لكونها تتماشى مع ما تربّى عليه من فكر بول بعيري اسلامي , ويكفي مثلاً عن هذا الإعوجاج الأخلاقي لدى غالبية السوريين من أمّة بول البعير , أنهم أيّدوا حماس ونجاستها ضد المدنيين في اسرائيل واعتقالها وخطفها للأطفال القابعين والى الآن في أنفاق وسجون أولئك البهائم , وفي نفس الوقت يتباكون على أطفال وجدوا في سجون الجحش البعصي.
وطبعاً أنا شخصياً أكره استعمال الضحايا من الأبرياء في هذه المقاربة المنطقية , ولكن يجب علينا فعل ذلك حتّى نصل الى لبّ المشكلة , وهي أن هويّة الضحية والجاني تحدد ردّة الفعل لدى غالبية امّة بهائم الصحراء , بين تأييد للإجرام , والتباكي وادعاء المظلوميّة ! وما يؤكد لي وجهة النظر الناقدة هذه هو تصوير "الثائرين" على انهم افضل من النظام الساقط , لمجرّد عدم ارتكابهم للمجازر بحق الأبرياء من الطوائف الأُخرى ! فإن كان هذا انجازاً , وإن كانت المعايير لدى هذا الشعب منحطّة لهذا الحد , فنحن أمام مصيبة قادمة.
المصادر:
https://www.counterextremism.com/threat/al-nusra-front-hayat-tahrir-al-sham
PBS Frontline - The Fight for Syria: Idlib
Syrian Observatory for Human Rights - Idlib Reports
VICE - Inside Syria’s Al-Qaeda Territory
JSTOR - Islamist Governance in Syria: The Case of Hayat Tahrir al-Sham
Reuters - Life under the shadow of Al-Nusra Front in Idlib
BBC - Syria: The reality of life in Idlib under rebel rule
ICG - Syria’s Idlib: The Last Rebel Stronghold
UN Office for the Coordination of Humanitarian Affairs (OCHA)
UN Syria Reports on Idlib
Amnesty International - Syria: Repression by Armed Groups
Amnesty International - Life Under Siege in Syria
Human Rights Watch - Syria: Abuses by Al-Nusra Front
HRW - Syria: Jihadists in Idlib
#اسكندر_أمبروز (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟